القرار التفسيري رقم 2/2013

عقدة برئاسة السيد طاهر حكمت وعضوية السادة :- مروان دودين - فهد أبو العثم النسور - أحمد طبيشات - الدكتور كامل السعيد - فؤاد سويدان - يوسف الحمود - الدكتور عبد القادر الطورة - الدكتور محمد سليم الغزوي

بناء على كتاب رئيس الوزراء رقم 13م/2013/34300 تاريخ 31/12/2012 بشأن قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 31/12/2012 ، المتضمن طلب التفسير المتعلق بالمادة ( 94/1 ) من الدستور التي تنص على ما يلي :

" 1- عندما يكون مجلس النواب منحلا يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة لمواجهة الأمور الآتي بيانها :

أ- الكوارث الطبيعية .
ب- حالة الحرب والطوارئ .
ج- الحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل .
ويكون للقوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام الدستور قوة القانون على أن تعرض على مجلس الأمة في أول إجتماع يعقده ، وعلى المجلس البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها وله أن يقر هذه القوانين أو يعدلها أو يرفضها فإذا رفضها أو انقضت المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة ولم يبت بها وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فورا ، ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول ما كان لها من قوة القانون على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة .
وذلك في ضوء النصوص والوقائع التالية :
أولا : تنص المادة ( 112 ) من الدستور الأردني على ما يلي :
1- " يقدم مشروع قانون الموازنة العامة ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية إلى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل للنظر فيهما وفق أحكام الدستور ، وتسري عليهما نفس الأحكام المتعلقة بالموازنة في هذا الدستور ، وتقدم الحكومة الحسابات الختامية في نهاية ستة شهور من انتهاء السنة المالية السابقة .
2- يقترع على الموازنة العامة فصلا فصلا .
3- لا يجوز نقل أي مبلغ في قسم النفقات من الموازنة العامة من فصل إلى آخر إلا بقانون .
4- لمجلس الأمة عند المناقشة في مشروع قانون الموازنة العامة أو في القوانين المؤقتة المتعلقة بها أن ينقص من النفقات في الفصول بحسب ما يراه موافقا للمصلحة العامة وليس له ان يزيد في تلك النفقات لا بطريقة التعديل ولا بطريقة الاقتراع المقدم على حدة . على أنه يجوز بعد انتهاء المناقشة أن يقترح وضع قوانين لاحداث نفقات جديدة .
5- لا يقبل اثناء المناقشة في الموازنة العامة أي اقتراح يقدم لالغاء ضريبة موجودة أو فرض ضريبة جديدة أو تعديل الضرائب المقررة بزيادة أو نقصان يتناول ما اقرته القوانين المالية النافذة المفعول ولا يقبل أي اقتراح بتعديل النفقات أو الواردات المربوطة بعقود .
6- يصدق على واردات الدولة ونفقاتها المقدرة لكل سنة مالية بقانون الموازنة العامة على أنه يجوز أن ينص القانون المذكور على تخصيص مبالغ معينة لأكثر من سنة واحدة . "

ثانيا : وتنص المادة ( 113 ) من الدستور الأردني على ما يلي :

" إذا لم يتيسر اقرار الموازنة العامة قبل ابتداء السنة المالية الجديدة يستمر الانفاق باعتمادات شهرية بنسبة 1/12 لكل شهر من موازنة السنة السابقة . "

ثالثا : سبق وأن تم حل مجلس النواب وفق أحكام الدستور وسيتم إجراء الإنتخابات النيابية العامة في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني لسنة 2013 ، ويتوقع أن يبدأ مجلس النواب بعقد أولى جلساته في الأسبوع الثاني من شهر شباط 2013 .

رابعا : في ضوء المعطيات المبينة في البند ( ثالثا ) أعلاه ، وحيث أن اجراءات مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة واقراره في مجلسي النواب والأعيان تتطلب تحويل مشروع القانون إلى اللجان المختصة قبل مناقشته والتصويت عليه تحت القبة ، فمن المتوقع أن لا يتم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2013 قبل شهر نيسان أو حزيران من سنة 2013 .

خامسا : هنالك نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل إلى حين اقرار قانون الموازنة العامة لسنة 2013 تفوق بمجملها ما كان مرصودا في الموازنة العامة لسنة 2012 .

سادسا : أن النفقات المستعجلة المذكورة في البند ( خامسا ) أعلاه تفوق ما نسبته 1/12 مما كان مخصص لها في موازنة سنة 2013 ، الأمر الذي يؤدي إلى عدم امكانية مواجهة هذه النفقات الضرورية والمستعجلة وفق أحكام المادة ( 113 ) من الدستور .

سابعا : هنالك نفقات مستعجلة من المتوجب انفاقها على عدد من المشاريع خلال مدد زمنية محددة وفقا لاتفاقيات مرقعة بين المملكة الأردنية الهاشمية ومؤسسات مالية دولية لم تكن مرصودة اصلا في موازنة سنة 2012 الأمر الذي يتعذر معه تطبيق قاعدة الإنفاق بنسبة 1/12 لكل شهر من شهور السنة السابقة المنصوص عليها في المادة ( 113 ) من الدستور على هذه النفقات .

ومن ثم جاء الطلب للإجابة على السؤال التالي :

هل يجوز لمجلس الوزراء استنادا لأحكام الفقرة ( 1 ) من المادة ( 94 ) من الدستور ان يضع قانونا مؤقتا يصدر بموجبه قانون الموازنة العامة لسنة 2013 ؟

إجتمعت الهيئة العامة للمحكمة ، وبناء على طلبها ورد كتاب رئيس الوزراء رقم 13م/2013/363 تاريخ 6/1/2013 ومرفقاته المتضمنة الوثائق والبيانات التي تعزز وتؤيد ما جاء في الطلب وتبين ماهية النفقات الضرورية المستعجلة ووجه الإستعجال فيها . وهو ما تم إيضاحه شفاها من قبل وزير المالية أمام هيئة المحكمة في جلسة خاصة إنعقدت لهذه الغاية . ومن ثم ، إعتبرته المحكمة جزءا من الطلب وأسبابا موجبة له من جانب مجلس الوزراء .
وبعد التدقيق والمداولة ، والإطلاع على الوثائق والبيانات الرسمية المقدمة في الطلب ؛ تجد المحكمة أن مؤدى تلك الوثائق والبيانات الرسمية يفيد بأن واقع الحال بالنسبة للحياة البرلمانية في هذا الوقت بالذات تستوجب الإنتظار لمدة قد تصل إلى أربعة أشهر على الأقل حتى صدور قانون دائم مستكمل جميع مراحله وإجراءاته الدستورية . وأن مشروع الموازنة العامة لهذه السنة المالية ( 2013 ) محل الطلب قد تضمن نفقات رأسمالية مستحدثة لم تكن مرصودة أصلا في موازنة سنة 2012 . وأن هذه النفقات الرأسمالية المستحدثة هي نفقات تنموية موزعة على مشاريع حكومية متعددة في مختلف محافظات إتفاقيات وإشتراطات خاصة ، معلقة الإستحقاق ، لا يمكن وضع اليد عليها ولا الإستفادة منها إلا بصدور قانون الموازنة العامة وطرح عطاءات المشاريع الخاصة بها .
وحيث أن النفقات مرتبطة بالواردات في أي موازنة عامة أو خاصة ، لا يمكن الفصل بينهما . وأن الموازنة العامة للدولة على وجه الخصوص ؛ كل متكامل لا يتجزأ ، وغير قابلة للتجزئة لا من حيث النفقات ولا من حيث الواردات .
وحيث أن تلك النفقات الرأسمالية مستحدثة ويتعذر تطبيق قاعدة الإنفاق بنسبة 1/12 لكل شهر من شهور السنة السابقة المنصوص عليها في المادة ( 113 ) من الدستور على هذه النفقات الرأسمالية .
وحيث أن تلك النفقات المستحدثة المستندة للمنح الخارجية مرتبطة بعلاقات إقتصادية دولية سواء على الصعيد الإقليمي العربي وعلى الصعيد العالمي ، وعلى مستوى الدول والمنظمات الدولية . ولها أبعاد سياسية ذات أهمية إستراتيجية .

وحيث أن الظروف والأوضاع الإقصادية المحلية التي تعيشها البلاد على جانب كبير من الخطورة في هذه المرحلة تنذر بوجود أزمة إقتصادية ما لم يتم التعامل معها بحصافة وبمنتهى الحساسية والدقة والحذر الشديد .

وحيث أن تلك النفقات الرأسمالية التنموية المستحدثة ذات قدر كبير بالنسبة لمقدار النفقات العامة في مشروع الموازنة العامة محل الطلب . ومن شأنها التأثير ايجابا على إقتصاد البلاد في حالة ورودها في الموازنة العامة للدولة والبدء في التصرف بها ، وإلا فإن الضرر حاصل ويزداد وقوعه كلما زاد الإنتظار لدرجة قد تفوت الفرصة على الإستفادة من بعض المنح وقد تؤثر على سير عجلة الإقتصاد ، مما يشكل ضررا عاما كبيرا يصعب تداركه . بما يعنى أن الحاجة إلى تلك النفقات الرأسمالية التنموية المستحدثة ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل . الأمر الذي يتضي الإستعجال ويجيز لمجلس الوزراء - في ظل الظروف السائدة وفي هذه الحالة بالذات - أن يضع قانونا مؤقتا يصدر بموجبه الموازنة العامة للدولة لعام 2013 م إستنادا للمادة 94/1/ج من الدستور .
هذا ما تقرره المحكمة في تفسير النص المطلوب .
قرارا صدر في 5 ربيع الأول 1434 الموافق 17/1/2013

قرار خاص صادر عن
الدكتور كامل السعيد عضو المحكمة الدستورية
بخصوص تفسير نص المادة ( 94/ج ) من الدستور
وإجابة مجلس الوزراء على سؤاله بخصوص ما إذا كان
يجوز إصدار قانون مؤقت للموازنة العامة أم لا

أود أن أبين بأن المشرع الدستوري قد منح بموجب المادة ( 94 ) من الدستور الحق لمجلس الوزراء في حال غياب المجلس النيابي بسبب الحل إصدار قوانين مؤقتة لمواجهة إحدى الأمور التالية وذلك على سبيل الحصر والتحديد وهي :
أ- الكوارث العامة .
ب- حالة الحرب والطوارئ .
ج- الحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأخير .

وعلة منح هذا الإختصاص التشريعي الإستثنائي ما يمكن أن تتعرض له البلاد من أخطار أمنية كما هو الحال في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفقرتين ( أ و ب ) أو أخطار إقتصادية أو مالية كما هو الحال في الحالة المنصوص عليها في الفقرة ( ج ) وضرورة مواجهتها بأقصى سرعة ممكنة بإصدار قوانين مؤقتة وإلا تعرضت البلاد لأضرار جسيمة .

وبما أن سؤال مجلس - الوزراء منصب على الحالة الثالثة وهي حالة ما إذا كان ممكنا إصدار قانون مؤقت لمواجهة نفقات ضرورية مستعجلة لا تحتمل التأخير أم لا ؟ أقول إذا قدر مجلس الوزراء بأن هناك نفقات مهما كان نوعها لأن النص جاء مطلقا والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده - وأن هذه النفقات ضرورية لا غنى عنها أو لا بديل لها وأنها مستعجلة لا تحتمل التأخير يتوجب المبادرة إلى القيام بها وإلا فإن تعرض البلاد إلى إضطرابات إجتماعية أو سياسية ، أمر محتمل إحتمالا قويا ، فالتأخير مثلا في دفع رواتب العاملين في القطاع العام من موظفين مدنيين وعسكريين وأمنيين قد يؤدي إلى تلك الإضطرابات ، وكذلك الأمر بالنسبة لتعطيل الإنفاق على القطاعات الأساسية مثل قطاعات الصحة والتربية والتعليم ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تدهور رأس المال الإنساني human capital مما يؤدي إلى أضعاف الإنتاجية والنمو الإقتصادي ، ناهيك عن أن عدم الوفاء بالإلتزامات والديون الخارجية قد يؤدي إلى هبوط مستوى التصنيف الإقتصادي العالمي للدولة من قبل المؤسسات الدولية المعنية ، وعدم إمكان البلاد على حصول دعم أو قروض هي في أمس الحاجة إليها ، وبناء عليه ، متى ما قدر مجلس الوزراء توافر كل من علة الإختصاص التشريعي الإستثنائي الممنوحة له والشروط الموضوعية المنوه عنها أعلاه ، فإنه يكون من حقه على مقتضى نص المادة ( 94/ج ) من الدستور ، اصدار قانون مؤقت لمواجهة تلك النفقات والمبادرة إلى مواجهة هذه الأوضاع الضاغطة العاجلة التي لا تحتمل التأخير .

على أنه ينبغي أن يكون مفهوما أن المشرع الدستوري في المادة ( 94/ج ) قد قصر منح الحق بإصدار قوانين مؤقتة على النفقات فقط دون غيرها ، فهذا النص هو نص استثنائي لا جوز التوسع فيه أو القياس عليه ويجب تفسيره تفسيرا ضيقا .

وينبغي أن يكون مفهوما أيضا أن الحق في التشريع الممنوح استثناء لمجلس الوزراء ضمن علل وضوابط محددة يجب التقيد بها ، لا يعني بطبيعة الحال أن تقدير مجلس الوزراء يكون بمنأى عن الرقابة النيابية من قبل مجلس الأمة ، فقد اشترطت الفقرة ( ج ) من المادة ( 94 ) من الدستور ضرورة أن تكون القوانين المؤقتة متفقة مع أحكام الدستور لكي تكون لها قوة القانون وأن تعرض على مجلس الأمة في أول إجتماع يعقده لكي يبت فيه خلال دورتين متتاليتين من تاريخ إحالتها وله أن يقر هذه القوانين أو يعدلها أو يرفضها ، فإذا رفضها أو إنقضت المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة ولم يبت فيها وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فورا ، من تاريخ ذلك افعلان يزول ما كان لها من قوة القانون على أن لا يؤثر ذلك في الحقوق المكتسبة .

كما أن وجوب عرض هذه القوانين على مجلس الأمة لمراجعتها على ما سبق بيانه لا يمنع من أن تمتد الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية على هذه القوانين عند الطعن بها من قبل إحدى الجهات المختصة للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور ولضمان أن لا تتحول هذه السلطة التشريعية الإستثنائية الممنوحة إلى مجلس الوزراء إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو إنحرافها .

كما ينبغي أن يكون مفهوما أن رقابة المحكمة الدستورية لهذه القوانين لا تقتصر فقط على التحقق من توافر الإختصاص والشروط والظروف المتمثلة في غياب المجلس النيابي بسبب حله وطروء نفقات ضرورية مستعجلة لا تحتمل التأخير ، وإنما تمتد هذه الرقابة أيضا إلى التحقق من سلامة الإجراءات وإحترام المواعيد التي يتطلبها الدستور في عرض تلك القوانين على مجلس الأمة للنظر في إقرارها أو تعديلها أو رفضها ، وذلك حتى لا يتحول هذا الإختصاص التشريعي الإستثنائي إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها ولا عاصم لها ، بل تكون هذه الرقابة الدستورية لتلك القوانين قائمة حتى بعد إقرار مجلس الأمة لها ، فهذا الإقرار لا يمنع من الطعن فيها لإن إقرارها من مجلس الأمة لا يترتب عليه سوى مجرد إستمرار نفاذها بوصفها التي نشأت عليه دون تطهيرها من العوار الدستوري الذي لازم صدورها .

وبناء على ما تقدم ، فإنني أرى أن مجلس الوزراء في هذه المرحلة هو صاحب الصلاحية في تقدير توافر الظروف والشروط الموضوعية المنصوص عليها في الفقرة ( ج ) من المادة ( 94 ) من الدستور التي تمنحه الحق لإصدار قانون مؤقت لمواجهة نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأخير ، لا أن تحل المحكمة الدستورية في هذه المرحلة محل مجلس الوزراء في هذا التقدير ، وإنما يقتصر دورها على تفسير النص القانوني المنوه عنه أعلاه على أن تمتد رقابتها على التحقق من توافر تلك الظروف والشروط عندما يتم الطعن بدستورية هذا القانون وفق الأصول .

عضو المحكمة الدستورية
د . كامل السعيد

عمان في : 17/1/2013


17/1/2013



----------------------------------------------------------------------------
قرار المخالفة :


الرأي المخالف
الصادر عن العضو الدكتور محمد سليم محمد غزوي



أما وقد ذهب الساده الزملاء المحترمون أعضاء المحكمه الدستورية إلى أن " لمجلس الوزراء أن يضع قانونا مؤقتا تصدر بموجبه الموازنه العامة 2013 " فإنني أذهب إلى خلاف هذا الرأي " بأنه لا يجوز لمجلس الوزراء أن يضع قانونا مؤقتا تصدر بموجبه الموازنة العامة لعام 2013 " أما لماذا ؟ فإن نقطة البدء أن " " طلب رئيس الوزراء بكتابه المؤرخ في 31/12/2012 " اصدار قرار تفسيري حول هل يجووز لمجلس الوزراء استنادا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 94 من الدستور ان يضع قانونا مؤقتا يصدر بموجبه قانون الموازنة العامة لسنة 2013 " " بحجة ( ان مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2013 لن يتم اقراره قبل نيسان أو حزيران 2013 وأن هناك نفقات ضرورية لا تحتمل التأجيل ...... " وأن هذه النفقات المستعجلة تفوق ما نسبته 1/12 المنصوص عليها في المادة 113 .... " وأن هناك نفقات مستعجلة من المتوج انفاقها على عدد من المشاريع خلال مدة زمنية محددة ووفقا لاتفاقيات موقعه بين المملكة الأردنية الهاشمية ومؤسسات مالية ودولية لم تكن موجودة أصلا في موازنة 2012 الأمر الذي يتعذر معه تطبيق قاعدة الانفاق بنسبة 1/12 لكل شهر ... " "
هذا ولأن طلب رئيس الوزراء سالف الذكر " هل يجوز لمجلس الوزراء استنادا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 94 من الدستور ان يضع قانونا مؤقتا يصدر بموجبه قانون الموازنة العامة لسنة 2012 " توارى في قرار المحكمة الموقرة خلف " تلك الوقائع التي ساقتها السلطة التنفيذية ليختفي بذك الحد الفاصل ما بين المدون وغير المدون في الدستور ولتغيب بعد ذلك " حدود اختصاصات السلطة التنفيذية " فلم توضع المسألة وضعا صحيحا ، ولو أنها وضعت وضعها الصحيح لقضى ذلك على كل خلاف ومخالفه ، اما الوضع الصحيح كما نراه فهو " " ان تمارس المحكمة الدستورية الموقرة اختصاصها في نطاق نصوص الدستور ولا تتجاوز هذه النصوص " " وعليها البحث فيما إذا كانت نصوص الدستور وبخاصة المادة 94 من الدستور تجيز وضع قانون مؤقت يصدر بموجبه قانون الموازنة العامة لعام 2013 أم لا ؟

وهنا سنسارع إلى القول أن هناك فرقا بينا وفارقا واضحا بين ما تعنيه وتتضمنه كل من المواد سالفة الذكر " 94 و 113 من الدستور " زائدا ما تقرره للسلطة التنفيذية " دون أن ننسى ما ينتجه الجمع بينها ، وبيان ذلك :

أولا : يذهب فقهاء علم المالية العامة " استاذنا الدكتور محمد حلمي مراد والدكتور محمود رياض عطيه والدكتور رشيد الدقر وآخرون إلى أن تحضير الميزانية تتولاه السلطة التنفيذية فتقوم بتقدير المصروفات والإيرادات عن سنة قادمه وبانتهاء هذا الدور يبدأ دور جديد في حياة الميزانية أى اعتمادها أو اجازتها واقرارها من جانب السلطة التشريعية فيتحول مشروع الميزانية إلى ميزانية واجبة التنفيذ كما بينت ذلك وفصلته المادة 112 من الدستور عندنا ’ فالاعتماد البرلماني للميزانية يجب أن يسبق تنفيذها والقول بغير ذلك يجعل هذا الاعتماد امرا شكليا لأن البرلمان سيكون أمام الأمر الواقع ولكي يكون الاعتماد معتمدا ورقابة البرلمان فعاله يجب أن تخصص اعتمادات النفقه بحيث لا يكون من حق السلطة التنفيذية انفاقها في غير ما خصصت له دون الرجوع للبرلمان كما يجب أن لا تتجاوز الحكومة حدود الاعتمادات المقرره إلا بعد استئذان البرلمان .

هذا ولان الميزانية كما يقول الفقهاء عمل " تقدير وتنبؤ " فينبغي أن يكون اعتماد البرلمان سابقا على تنفيذها وفقا لقاعدة " أسبقية الاعتماد على التنفيذ " ولكن قد تبدأ السنة المالية الجديدة قبل اعتماد الميزانية فما هو السبيل إذن لضمان سير الإدارة الحكومية مع عدم الاخلال بقاعدة أسبقية الاعتماد على التنفيذ أن السبيل إلى ذلك هو اتباع نظام الميزانيات المؤقتة وفق اساليب مختلفة باختلاف الدول وقد اختار الأردن أسلوب الميزانيات الشهرية " جاء في المادة 113 من الدستور " إذا لم يتيسر اقرار قانون الموازنة العامة قبل ابتداء السنة المالية الجديدة يستمر الانفاق باعتمادات شهرية بنسبة 1/12 لكل شهر من موازنة السنة السابقة فهذه احدى الوسيلتين اللتين سمح بهما الدستور كما سنبين .

ثانيا : أما ما يخص المادة 94/1 من الدستور فقد نصت على أنه "" عندما يكون مجلس النواب منحلا يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة لمواجهة الأمور الاتي بيانها :-
أ- الكوارث العامة .
ب- حالة الحرب والطوارئ .
ج- الحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجله لا تحتمل التأجيل .

ويكون للقوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام الدستور قوة القانون على أن تعرض على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده وعلى المجلس البت فيه خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ احالتها وله أن يقر هذه القوانين أو يعدلها أو يرفضها فإذا رفضها أو انقضت المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة ولم يبت بها وجب على ملجس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فورا ومن تاريخ ذلك الاعلان يزول ما كان لها من قوة القانون على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة .

وعليه فإن الدستور جعل للسلطة التنفيذية اختصاصا في اصدار القوانين المؤقتة ورسم لهذا الاختصاص حدودا أو قيودا فإن صدر القانون المؤقت من السلطة التنفيذية متجاوزا لهذه الحدود كان باطلا لصدوره من جهة غير مختصة .

أما الحدود أو القيود التي تضمنتها المادة 94/1 من الدستور فهي :
1- حد أو قيد الزمن " عندما يكون مجلس النواب منحلا " .
2- حد أو قيد الظرف " لمواجهة طوارئ وردت علي سبيل الحصر وهي :
أ- الكوارث العامة .
ب- حالة الحرب والطوارئ .
ج- الحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل .
فإذا التزمت السلطة التنفيذية بهذه الحدود والقيود كان لها الحق باصدار القوانين المؤقتة ولكن " " ليس لها أن تخالف أحكام الدستور " " .

وهنا لا بد من وقفه لنتساءل " هل يختفي مبدأ الفصل بين السلطات عندما يكون مجلس النواب منحلا ؟ وبالتالي تجمع السلطة التنفيذية إلى جانب مهامها الإدارية مهام التشريع ؟ أن القول باختفاء مبدأ الفصل بين السلطات هو قول لا يمكن قبوله لأن مهمة مجلس الوزراء هي وضع قوانين مؤقتة شرط أن لا تخالف أحكام الدستور ولم ينص الدستور أو يشر إلى اختفاء مبدأ الفصل بين السطات ،

كما لا بد من وقفه اخرى لنتساول " هل يجوز ان يتناول القانون المؤقت جميع الأمور التي أجاز الدستور معالجتها بقانون عادي " ؟ يقول الاستاذ العلامه عبد الرزاق أحمد السنهوري في بحث له " ان شرط عدم مخالفة أحكام الدستور " بديهي " فإن التشريع الذي يقرره البرلمان لا يجوز أن يخالف الدستور فأولى بالتشريع الذي تصدره السلطة التنفيذية ألا يكون مخالفا له " على أن التصريح بهذا الشرط كما يقول الاستاذ الكبير مفيد من ناحيتين : فهو من ناحية ينبه إلى أمر خطير قد تغفله السلطة التنفيذية وهي تحت ضغط الحاجة إلى اتخاذ تدابير استثنائية ، وهو من ناحية أخرى يفسح مجالا للقول بتحريم تشريع الضرورة أو القوانين المؤقتة في المسائل التي ينص الدستور صراحة على أن يكون تنظيمها بقانون فلا يجوز تنظيمها عن طريق القوانين المؤقتة .
فإذا التزمت السلطة التنفيذية في الحدود والقيود سالفة الذكر كانت مختصه بإصدار تشريعات الضرورة أو القوانين المؤقتة ويكون للقوانين المؤقتة منذ صدورها " قوة القانون " .
3- ويضاف إلى قيد الزمن وقيد الظرف الشرط الثالث وهو شرط عرض القوانين المؤقتة على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده وعلى المجلس البت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ احالتها وله ان يقر هذه القوانين أو يعدلها أو يرفضها فإذا رفضها أو انقضت المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة ولم يبت بها وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذها فورا ومن تاريخ ذلك الاعلان يزول ما كان لها من قوة القانون على أن لا يؤثر لك في العقود والحقوق المكتسبة " .
وعليه فإذا جاوز القانون المؤقت حد الزمن فيكون قد صدر من جهة غير مختصة ، وإذا جاوز حد الظروف الطارئ " " من ناحية أن الضرورة غير قائمة فنكون أمام انحراف في استعمال السلطة لأن الضرورة أمر يدخل في حدود السلطة التقديرية " " " " أو من ناحية مخالفة الدستور فيكون مخالفا للدستور " " " " وإذا جاوز مدى قوته القانونية بأن تخلف شرط من الشروط الثلاثة سالفة الذكر فزالت عنه هذه القوة يكون مخالفا للدستور " " .

وعليه فهل يجوز أن تصدر الموازنة العامة بموجب قانون مؤقت ؟ سؤال في القانون والاجابة عليه يجب أن تكون قانونية .
بالجمع بين ما تضمنته وأمرت به المواد 94 و 112 و 113 من الدستور نخلص إلى القول ( عدم جواز وضع قانون مؤقت تصدر بموجبه الموازنة العامة لعام 2013 ) وذلك للأسباب التالية "
1- ان الموازنة العامة انما هي خطة تعدها السلطة التنفيذية لتنظيم النفقات والايرادات عن مدة معينة وبسبب اهميتها وخطورتها وتمكين مجلس الأمة من دقة الرقابة عليها يقدم مشروع قانون الموازنة العامة ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية وفقا لنص المادة 112 إلى مجلس الأمة باعتبارة ممثل الشعب الذي يتحمل أي الشعب عبء الضرائب والرسوم التي تفرض عليه لتمويل خزينة الدولة العامة ، هذا ولأن اقرار الموازنة بقانون مؤقت معناه نفاذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ويترتب على ذلك أنه يجوز للسلطة التنفيذية ان تنفق من الموازنة المصدقة بقانون مؤقت قبل اقرارها من مجلس الأمة وهذا يتعارض ولا تقره اهم وظائف مجلس الأمة إلا وهي " " الرقابة " التي تقود إلى المسؤولية السياسية واحيانا إلى المسؤولية المدنية والجنائية .
2- هذا وسنذهب مرة أخرى مع العلامة السنهوري الذي يقوم " حتى يكون التشريع دستوريا يجب أن يكون محله غير مخالف لنصوص الدستور أي النصوص التي ترسم للمشرع سلطة محدده سواء في مجال الحقوق والحريات العامة أو غيرها كالقوانين الخاصة بالميزانية وما يتعلق أو يرتبط بها .
3- هذا ولما كان شرط " " الاستعجال " " الذي تضمنته المادة 94/1 من الدستور غير متوفر لاقرار الموازنة السنوية بقانون مؤقت حيث لا قيمة قانونية لما ابدي وقيل خارج النص الدستوري ولا يسعف لخلق حالة استعجال ذلك القول بأن خطر الانهيار على الأبواب وسيتحقق ان لم تقر الموازنة بقانون مؤقت ، وحيث ان السنة المالية تبدأ في 1/1 من كل سنة وسيكون بامكان مجلس الأمة - الذي لم يبق على تكوينه واطلالته غير القليل جدا من الزمن - التصديق على الموازنة عندما ينعقد وان لم يتمكن من ذلك فقد رسم الدستور طريقا واضحا ترجمته المادة 113 منه " إذا لم يتيسر اقرار قانون الموازنة العامة قبل ابتداء السنة المالية الجديدة يستمر الانفاق باعتمادات شهرية بنسبة 1/12 لكل شهر من موازنة السنة السابقة " .
وبناء على ما تقدم فإنني أرى أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية ان تضع قانونا مؤقتا يصدر بموجبه قانون لموازنة العامة لعام 2013 ، ويمكنها اضافة إلى العمل بنص المادة 113 إعمال نص المادة 94/1-ج إذا كان هناك حاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل " دون ان ننسى ان هذا النص الأخير لا يتسع لأي قول يذهب باتجاه وضع قانون مؤقت تصدر بموجبه موازنة 2013 ولا يسند أي رأي في هذا الاتجاه .


عضو المحكمة الدستورية
الدكتور محمد سليم غزوي

المصدر : القسطاس

المواضيع المتشابهه: