الاعتداء على العلامة التجارية وفقا لقانون التجارة الاردني
الإعتداء على العلامة التجارية وفقا للقانون التجاري الأردني
المقدمة
إن الاهتمام بالعلامة التجارية يعود إلى عصر الرومان حيث استخدمت العلامة للحيلولة دون سرقة المنتجات، ثم استخدمت بشكل إلزامي في القرون الوسطى في ظل نظام الطوائف لتمييز كل طائفة عن الأخرى. وقد كانت هناك علامات أخرى خاصة بكل من الصناع داخل الطائفة الواحدة حتى يسهل معرفة صانعها ومدى جودتها بحيث كانت تحطم أو تصادر كل سلعة ليس عليها علامة ضماناً لحماية المستهلكين. وقد صدر أول قانون خاص بالعلامات التجارية في فرنسا عام (1857) وفي بريطانيا عام (1879) وفي الولايات المتحدة الأمريكية عام (1946)(1).
وتحتل العلامة التجارية مكانة هامة ومميزة بين حقوق الملكية الصناعية والتجارية الأخرى بحيث أصبح لها قيمة إضافية(2) تضاف لقيمة المحل التجاري (أو المتجر كما يسميه قانون التجارة الأردني)(3). ولعل السبب في ذلك يعود الى انتشار العلامة التجارية واتصالها الوثيق بالتجارة والاقتصاد أكثر من باقي حقوق الملكية الصناعية والتجارية الأخرى، ذلك أن ازدياد المنافسة بين التجار وقيام المستهلك بالشراء بالاعتماد على نوعية المنتج أو الخدمة دفع التجار الى استخدام علامات تميز منتجاتهم وخدماتهم عن غيرها من المنتجات والخدمات المشابهة.
وتحقق العلامة التجارية مصالح كل من المنتجين والموزعين والتجار بالإضافة إلى مصالح المستهلكين والاقتصاد الوطني، إذ تلعب العلامة التجارية دوراً أساسياً في جذب المستهلكين أو العملاء إلى السلع والخدمات التي تحمل تلك العلامة. فالوظيفة الأساسية
(Primary Function) للعلامة التجارية هي تحديد منشأ المنتج، إذ تضمن العلامة التجارية نوعية البضاعة أو الخدمة ليكون المستهلك مطمئناً لما يشتريه(4). فالعلامة التجارية تساعد المستهلكين على معرفة البضاعة أو الخدمة التي يرغبون بها وتسهل للعميل معرفة المنتجات بمجرد النظر إلى علامتها التي تحدث في نفسه مقدار جودتها ومدى ملاءمتها وإشباعها لحاجاته ورغباته حسب ما تعود عليها إذا كان قد سبق له شراءها أو تعامل معها أو قرأ عن مواصفاتها أو مميزاتها بإحدى النشرات أو الإعلانات, ولذلك فإن تضليل المستهلك (Consumer Confusion) هي الهدف من توفير الحماية القانونية للعلامات التجارية(5).
كما تميز العلامة التجارية بين السلع والخدمات المماثلة المعروضة في السوق مما يساعد المنتج على الاحتفاظ بعملائه وجذب عملاء آخرين، وهذا من شأنه أن يشجع على المنافسة المشروعة بين التجار مما ينعكس بدوره على نوعية الإنتاج وخفض الأسعار. إذ أن حرية المنافسة في التجارة سواء تعلقت بتسويق بضائع
(Goods) أو خدمات (Services) من شأنها أن تساعد على خلق حوافز لتقديم منتجات عالية الجودة (Quality Products) وأسعار معقولة (Reasonable Prices)(6). وهذا من شأنه أن يشجع التاجر على الاستمرار في إنتاج البضاعة أو الخدمة التي وصلت إلى رضى المستهلك من خلال إقباله على التعامل معها وبذات الجودة أو جودة أعلى(7) .
وعلى صعيد التجار فقد فطن التجار إلى أهمية العلامات التجارية منذ زمن غير قريب لأهميتها في جذب الزبائن وتسويق المنتجات وتحقيق الأرباح، ولذلك فإن استعمالهم للعلامات التجارية يؤدي إلى ترويج السلع والخدمات داخل البلد وفي الخارج مما يكسب التاجر الشهرة المرتبطة بالعلامة التجارية. وكلما اتسع نطاق تلك الشهرة كلما ازدادت قيمة العلامة التجارية مما يزيد الطلب على تلك السلع والخدمات التي تحمل تلك العلامة التجارية وبالتالي زيادة القدرة على منافسة السلع والخدمات المشابهة مما يؤثر إيجابياً على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الأنشطة التجارية في السوق المحلي والخارجي، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنتاج والعمالة وزيادة الإيرادات الضريبية للدولة وتحسين المستوى المعيشي للسكان.
واستخدام العلامات التجارية يساعد الدولة كذلك على تحديد السلع والخدمات التي تفي بالمعايير المطلوبة للجودة وتلك التي لا تفي بالمعايير المطلوبة بالإضافة إلى استخدامها كمصدر للمعلومات الإحصائية والاقتصادية(. ولذلك فإن الاعتداء على العلامة التجارية بتقليدها وتزييفها هو جرم يستوجب اقامة دعوى مدنية ودعوى جزائية ذلك أن هذا الاعتداء يضر بكل من المنتج والمستهلك والدولة، فهو يسيء للمنتج من خلال خسارته في تسويق منتجاته، كما أنه يسيء للمستهلك لأن التقليد غير القانوني للبضائع والخدمات سوف يقلل من جودة المنتج أو الخدمة الأصلية. وفي بعض الصناعات كالصناعات الدوائية فإن التقليد غير القانوني قد يؤثر سلبياً على الصحة العامة للمرضى، هذا بالاضافة الى أن التقليد والتزييف للعلامات التجارية سوف يضعف من فرص الاستثمار وخاصة الأجنبية في الدولة(9).
ونظراً لدور العلامة التجارية في تسويق المنتجات والخدمات المحلية والدولية، ونظراً لأهمية العلامة التجارية في الحياة التجارية فقد ظهرت صور متعددة للتعدي منها القرصنة على العلامة التجارية كأن يقوم تاجر باستخدام علامة تجارية مطابقة أو علامة مشابهة تخص الغير بوضعها على منتجاته أو خدماته دون إذن من مالكها، أو استخدام هذه العلامة التجارية لأغراض الإعلان عن منتجاته أو خدماته أو الإدعاء الباطل بتسجيل علامة تجارية. هذا على المستوى المحلي، أما على المستوى الدولي فقد تستخدم بعض العلامات التجارية المشهورة من قبل غير أصحابها كوسيلة لتسويق منتجاتهم أو خدماتهم عبر وسائل الاتصال الحديثة وخاصة برامج الإنترنت (
Internet)، الأمر الذي استدعى توفير الحماية القانونية الملائمة مدنياً وجزائياً محلياً ودولياً(10) جراء التعدي على العلامة التجارية.
ان اجراء تعديلات جوهرية على تشريعات الملكية الفكرية ومنها العلامات التجارية كان الغرض منه الانسجام مع أحكام اتفاقية تريبس (TRIPS)(11) الخاصة بحقوق الملكية الفكرية والتي انبثقت عن إنشاء منظمة التجارة العالمية (W.T.O) والتي كان على المشرع الأردني أن يعدل تشريعاته بما ينسجم مع أحكام الاتفاقيات الدولية. وفي هذا السياق صدر القانون المعدل لقانون العلامات التجارية رقم (34) لسنة (1999)(12) الذي أجرى تعديلات جوهرية على قانون العلامات التجارية رقم (33) لسنة (1952)(13)، وقانون علامات البضائع رقم (19) لسنة (1953)(14).
ومن أهم التعديلات التي جاء بها القانون المعدل: حماية علامات الخدمة (Service Marks) (15) والعلامات الجماعية (Collective Marks) (16) والعلامات المشهورة (Well-Known Marks)(17)،بالإضافة إلى علامات السلع والبضائع. كما أجاز القانون المعدل التصرف بالعلامة التجارية بمعزل عن المحل التجاري(18)، وأجاز شطب العلامة التجارية بمرور ثلاث سنوات على عدم الاستعمال(19)، كما نص صراحة على جواز الترخيص باستعمال علامة تجارية من قبل شخص آخر غير مالكها (20). كما نظم القانون المعدل من جديد الحماية المدنية والحماية الجزائية جراء التعدي على العلامة التجارية، إذ أن العلامة التجارية المسجلة محمية مدنياً وجزائياً، فإذا ما اعتدى شخص على علامة تجارية مسجلة في المملكة يستطيع مالكها مطالبة المعتدي بالتعويض الناشئ عن التعدي (م34)، كما من حقه الطلب من المحكمة منعه من الاستمرار في التعدي (م36). ويستطيع مالك العلامة التجارية إقامة دعوى جزائية بموجب المواد (38 و 39) من قانون العلامات التجارية والمواد (3 و 11) من قانون علامات البضائع. والحماية الجزائية للعلامة التجارية مرتبطة بتسجيل تلك العلامة المعتدى عليها في سجل العلامات التجارية في وزارة الصناعة والتجارة، وعليه فإن العلامة التجارية غير المسجلة لا تتمتع بأية حماية جزائية(21).
والحماية المدنية للعلامة التجارية لا تقتصر على طلب التعويض بل تشمل كذلك وقف التعدي والمحافظة على الأدلة ذات الصلة بالتعدي والحجز التحفظي على البضائع التي ارتكب التعدي بشأنها والاعتراض على تسجيل علامة تجارية(22) وشطب (ترقين) علامة تجارية مسجلة بسبب عدم الاستعمال(23). إلا أن الحق في طلب التعويض، الذي عادةً ما يقترن بطلب وقف التعدي، يعتبر أهم حق من حقوق مالك العلامة التجارية في حالة تعرض علامته التجارية للاعتداء من قبل شخص آخر. وهذا الحق مقرر بموجب المبادئ العامة في المسؤولية المدنية إذ منحت المادة (256) من القانون المدني الأردني كل متضرر الحق في المطالبة بالتعويض جراء تعرضه لفعل ضار، وبالتالي فإن هذا الحق مرتبط بواقعة التعدي على العلامة التجارية وحدوث الضرر في جانب مالك العلامة التجارية سواء أكانت العلامة التجارية مسجلة أم غير مسجلة.
إلا أن المادة (34) من قانون العلامات التجارية لسنة (1952) قد اشترطت تسجيل العلامة التجارية في المملكة لاستحقاقها التعويض في حالة التعدي عليها. وقد بقي هذا القيد (التسجيل) مطلوباً رغم صدور القانون المعدل لقانون العلامات التجارية لسنة (1999) الذي صدر لينسجم مع أحكام اتفاقية تريبس. ومثل هذا الإصرار على تطلب تسجيل العلامة التجارية في المملكة لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها يدفعنا للبحث في الحكمة أو العلة من تطلب هذا الشرط خاصة وأن اتفاقية تريبس المنظمة لحقوق الملكية الفكرية، والتي يفترض أن يكون القانون المعدل لقانون العلامات التجارية قد جاء متطابقاً معها، لم تشترط تسجيل العلامة التجارية كمتطلب سابق لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها.
كما أننا نجد بأن قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية الأردني رقم (15) لسنة (2000)(24) قد اعتبر من قبيل أعمال المنافسة غير المشروعة تلك المتعلقة بعلامة تجارية مستعملة في الأردن سواء أكانت مسجلة أو غير مسجلة في المملكة ما دامت تؤدي إلى تضليل الجمهور. وبالتالي فإن الاعتداء على علامة تجارية مسجلة أم غير مسجلة في المملكة يعطي الحق لصاحب هذه العلامة المطالبة بالتعويض استناداً لدعوى المنافسة غير المشروعة (25). وعليه فإن القيد الذي وضعه قانون العلامات التجارية لحق المطالبة بالتعويض وهو التسجيل قد تجاوزه قانون المنافسة غير المشروعة وأصبح بالإمكان المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية ولو كانت غير مسجلة في المملكة.
ولذلك فإن هذا البحث يهدف إلى الوقوف على مدى امكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية سواء أكانت العلامة مسجلة في المملكة أو غير مسجلة من خلال بيان الأساس القانوني لحق المطالبة بالتعويض وبيان مدى اللجؤ لدعوى المنافسة غير المشروعة كوسيلة لحماية العلامة التجارية المسجلة وغير المسجلة وإبراز العلاقة ما بين هذه الدعوى المدنية والدعوى الجزائية لحماية العلامة التجارية المسجلة، ولذلك فإننا سنقسم هذه الدراسة إلى مبحثين نتناول في المبحث الأول الأساس القانوني لحق المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية فيما نتناول في المبحث الثاني دعوى المنافسة غير المشروعة كدعوى مدنية للمطالبة بالتعويض من حيث شروطها وعناصرها وعلاقتها بالدعوى الجزائية لحماية العلامة التجارية المسجلة.
المواضيع المتشابهه:
- المصدر التاريخي لقانون التجارة الأردني-التجارة السوري 1949
- مبادئ قانونيةعلى المادةرقم (6)التجارة الاردني (الأعمال التجارية)3092 لسنة 2002
- مبادئ قانونية على المادة رقم (15) التجارة الاردني (الاهلية التجارية)669 لسنة1989
- مبادئ قانونية على المادة رقم (16)التجارة الاردني (الدفاتر التجارية)507 لسنة 1992
- الاعتداء على العلامة التجارية
المفضلات