[COLOR=#141414 !important]بعيدا عن المشاورات النيابية التي يجريها السادة النواب لاختيار شخص رئيس الوزراء القادم فإن الأقاويل في أروقة المجلس النيابي تدور حول إشراك النواب الحاليين في الحكومة القادمة كمطلب أساسي لتشكيل الحكومة البرلمانية، حيث يضغط النواب المستوزرون من خلال كتلهم النيابية لضمان تمثيل وزاري لهم في الحكومة الجديدة بحجة أنها ستكون برلمانية.
إن الجمع بين منصب الوزارة والنيابة قد شرعه الدستور الأردني في المادة (52) منه والتي أجازت لرئيس الوزراء والوزراء أن يكونوا أعضاء في أحد مجلسي الأعيان والنواب وذلك تكريسا لمفهوم الحكومة البرلمانية. إلا أن هذا النص الدستوري وحده لا يكفي لإضفاء صفة المشروعية الدستورية على مطالب السادة النواب بضمهم إلى السلطة التنفيذية، فالنظام الدستوري الأردني قد أخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، وإن كان فصلا مرنا، بالتالي فإن إشراك النواب في السلطة التنفيذية من شأنه أن يقضي على الحدود الدستورية التي تفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل سيؤدي إلى حدوث تداخل وتعارض في المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق لكل سلطة.
إن توزير النواب له أصوله ومبادئه الدستورية التي لا تتوفر في الحالة الأردنية، فحتى تتشكل الحكومة من أعضاء مجلس النواب المنتخبين يجب أن يكونوا ابتداء قد وصلوا إلى سدة البرلمان من خلال حزب سياسي فاز بأغلبية مقاعد مجلس النواب في الانتخابات التشريعية، بحيث ينتقل ذلك الحزب إلى السلطة التنفيذية كخطوة دستورية لتنفيذ برنامجه الانتخابي الذي طرحه على الناخبين وقبلوه من خلال التصويت لذلك الحزب السياسي دون غيره.
فالنائب الوزير يجب أن ينطلق من قاعدة حزبية تفرض عليه أن يكون أكثر التزاما تجاه حزبه السياسي وبرنامجه التي ينفذها بصفته التنفيذية بحيث يبقى وبشكل دائم تحت رقابة باقي أعضاء الحزب السياسي ذات الأغلبية في مجلس النواب. هذه الرقابة البرلمانية الحزبية تقوم على أساس استعداد النواب الحزبيين التضحية بشخص وزير معين في سبيل حماية مصلحة الحزب العليا المتمثلة في المحافظة على شعبيته أمام الرأي العام وتعزيز فرصه في البقاء في السلطة وعدم انتقالها إلى حزب المعارضة في الانتخابات النيابية القادمة.
أما النواب الحاليين في البرلمان الأردني فإن عملية الزج بهم في السلطة التنفيذية سيكون بناء على عضويتهم في كتل نيابية غير واضحة المعالم شكلت بين ليلة وضحاها دون أن تقوم على أساس برامجي أو أيديولوجي ثابت وراسخ يضمن ديمومتها واستقرارها. ففي ظل عدم وجود ضمانات دستورية على أن الكتلة النيابية التي ستوصل النائب إلى السلطة التنفيذية ستدوم وتستمر طيلة فترة عمر الحكومة وأنها ستستمر في دعم ممثلها في السلطة التنفيذية فإن النائب الوزير سيبقى تحت رحمة الكتلة النيابية التي ستبقي سيفها مسلطا على رقبته لدفعه إلى تلبية كافة مطالبها الخاصة وخدمة مصالح أعضائها ورغباتهم الشخصية بشكل يتعارض مع المصلحة العليا لوزارته.
ومن مخاطر اعتماد النائب الوزير على أي كتلة نيابية أوصلته إلى السلطة التنفيذية أن ينفرط عقد الكتلة لأي سبب من الأسباب فيجد نفسه "متعريا" من أي دعم كتلوي نيابي في مجلس النواب، وهو ما سيجعله عرضة لخطر حجب الثقة عنه من الكتل المنافسة الأخرى التي لا ينتمي إليها.
وقد أثبتت الأحداث التي توالت على مجلس النواب الحالي بدءا من انتخاب رئيس مجلس النواب مرورا بالمشاورات التي تجرى حاليا لاختيار شخص رئيس الوزراء أن الكتل النيابية ما زالت "بكر" وأنها بحاجة إلى فترة زمنية حتى يشتد عودها وتقوى عزيمتها بشكل يضمن لها الديمومة والبقاء. فقد سبق للكتل النيابية أن انقلبت على مرشحيها لمنصب رئيس مجلس النواب، وتلاقي صعوبات جمة في الاتفاق على شخص رئيس الوزراء، بالتالي فلا توجد ضمانات بأنها ستحتفظ بكيانها وبدعمها للنائب الذي ستوصله إلى السلطة التنفيذية.
بالمقابل، وعلى الفرض الساقط أن الكتلة النيابية التي أوصلت النائب إلى الحكومة القادمة قد نجحت في البقاء متماسكة، فإن التساؤل الآخر يتمثل في قدرة النائب الوزير على منع التداخل في الاختصاص بين وظيفته النيابية ومهامه الوزارية.
إن توزير النواب يتطلب تغييرا جوهريا في قواعد اللعبة البرلمانية لصالح تطبيق تلك المبادئ التي انتهجتها الديمقراطيات الغربية، والتي على الرغم من أن الأحزاب السياسية تسيطر على السلطة التنفيذية فيها وأن عضوية النائب في الحكومات تكون على أساس حزبي عقائدي ثابت، إلا أن هناك مجموعة من القواعد الدستورية التي يطبقها النائب الوزير عند التعاطي مع الوظيفتين التشريعية والتنفيذية تتمثل أهمها في قيامه بالتصريح عن صفته التي يتكلم بها عند بداية حديثه في مجلس النواب وذلك بأن يقدم نفسه إما كعضو في السلطة التنفيذية أو نائبا في مجلس النواب. فهل يعي السادة النواب المستوزرون هذا الشرط الواجب التطبيق وهم يطلقون العنان لأحلامهم في الحصول على لقب معالي الوزير؟
ومن القواعد الدستورية الأخرى التي تقتضيها حالة توزير النواب حتى الحزبيين منهم تحقيق أقصى درجات الشفافية والعلانية في المصالح الشخصية الخاصة بالنائب الوزير وزوجته وأفراد عائلته من القصر. فالخوف كل الخوف من توزير النواب هو توفير بيئة مناسبة تتعارض فيها المصلحة المالية الخاصة للنائب الوزير مع المصلحة العامة لوزارته. لذا فتجرد النائب الوزير من كافة مصالحه المالية المتمثلة في عضوية كافة مجالس إدارات الشركات والوظائف والأعمال الخاصة به بالإضافة إلى الإعلان والمكاشفة عن المصالح المالية الخاصة بأفراد عائلته تعد أفضل ضمانة لصيانة مبدأ الفصل بين السلطات ومنع تعارض المصالح المالية الخاصة للنائب الوزير مع المصلحة العليا. لذا هل يرغب السادة النواب الذين هم حاليا في مأمن على ذممهم المالية ومصالحهم الخاصة بسبب الضعف الواضح في التشريع الناظم لإشهار الذمة المالية في التضحية بالسرية التي ضمنها لهم قانون إشهار الذمة المالية الحالي لقاء عضويتهم في مجلس الوزراء؟
إن هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تكون هي الأساس الذي يتقرر بموجبه إما الاكتفاء بتسمية رئيس الوزراء من مجلس النواب كخطوة تمهيدية أولى على طريق الحكومة البرلمانية أو التطلع إلى أكثر من ذلك نحو إشراك النواب في الحكومة القادمة في خطوة قد لا يحمد عقابها على النظام الدستوري الأردني.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
[/COLOR]


المواضيع المتشابهه: