[COLOR=#141414 !important]بعد ماراثون طويل من المشاورات التي قادها رئيس الديوان الملكي مع أعضاء مجلس النواب ممثل بكتله النيابية ونوابه المستقلين، وقع الاختيار على شخص رئيس الوزراء الحالي الدكتور عبد الله النسور لإعادة تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة. أما السبب الذي دفع باتجاه تجديد البيعة للنسور ومفاضلته عن باقي الأسماء التي طرحت لرئاسة الحكومة هو أن الخيارات أمام مجلس النواب كانت محدودة، ذلك بعد أن تم استثناء معظم الأسماء المنافسة على كرسي الرئاسة إما نزولا عند رغباتهم الشخصية أو لعدم توفر دعم كاف لهم بين صفوف السادة النواب. فكان الخيار النهائي بين عبد الله النسور ونائبه عوض خليفات، وهو ما سهل حسم المعركة لصالح النسور نظرا لما أبداه من رباطة شأن يحسد عليها في التعاطي مع الحزمة الأولى من القرارات الاقتصادية التصحيحية الأخيرة، وما يتمتع به من خبرة وحنكة في التعامل مع مجلس النواب والتي اكتسبها بحكم السنين الطوال التي قضاها بين أروقة مجلس الأمة، وهو الأمر الذي يفتقر له منافسه خليفات.
مع ذلك يبقى القول إنه لولا الاستحقاق الدستوري الذي رتبه الدستور الأردني على حكومة النسور التي تشكلت بالفترة التي كان بها مجلس النواب منحلا بضرورة تقديم بيان وزاري خلال فترة أقصاها العاشر من آذار الحالي استنادا لأحكام المادة (53) من الدستور لما كان لمسلسل المشاورات أن ينتهي بهذه السرعة، ولكان النواب والديوان قد استمرا في مشاوراتهم لفترة أطول خاصة بعد الهجوم الكاسح الذي شنّه النواب على النسور جراء رفع أسعار المشتقات النفطية. فهذا القرار قد أثر سلبا على شعبية الرئيس النسور، إلا أن عدم وجود الشخص البديل وقناعة العقلاء من النواب أن عوض خليفات هو شريك رئيس الوزراء في قرار رفع الأسعار بحكم عضويته في مجلس الوزراء قد دفع باتجاه الإبقاء على الرئيس المستقيل في الدوار الرابع.
ويبقى التساؤل الأكبر حول الكيفية التي سيتعاطى بها رئيس الوزراء المكلف مع مجلس النواب الحالي لتشكيل حكومته الجديدة، فكتاب التكليف السامي قد ألزم النسور بأن يجري مشاورات مع أعضاء مجلس النواب ومن ثم بلورة برنامج عمل حكومي للسنوات الأربع القادمة قبل أن يتقدم ببيان وزاري للحصول على ثقة أعضاء مجلس النواب.
إن على النسور أن يعي أن تحقيق هذه الرغبات الملكية في وضع إطار عام لتشكيل الحكومة القادمة يجب أن يقرأ مع باقي المشهد الدستوري المتمثل في أن جلالة الملك وإن كان قد قبل استقالة حكومته إلا أنه قد كلّفها بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة. فنحن الآن أمام حكومة تصريف أعمال وليست حكومة دستورية بالمعنى الكامل، بمعنى أن صلاحياتها الدستورية مقيدة بإدارة شؤون الدولة والوزارات اليومية بما يضمن استمرارية ممارسة عملها الحكومي وعدم تعطيل مصالح المواطنين. إلا أنه ليس للحكومة المستقيلة والوزراء فيها حق إصدار أي قرارات هامة ومصيرية تمس حقوق المواطنين وحرياتهم بأي شكل من الأشكال، والسبب في ذلك أنه من المتعذر مساءلة الحكومة أو الوزير المعني أمام مجلس النواب كونها حكومة تصريف أعمال، مما يعني غياب المسؤولية الوزارية السياسية وتعطيلها خلال الفترة الحالية وبكافة أشكالها المتمثلة في توجيه الأسئلة والاستجوابات والتلويح بحجب الثقة عن رئيس الوزراء أو أي من الوزراء المستقيلين.
لذا فإنه يتعين على رئيس الوزراء النسور أن يعي خطورة المرحلة الحالية دستوريا، وأن يتبنى نهجا وسياسة واضحة في التشاور مع السادة النواب حول أعضاء فريقه الوزاري، وهذا يتطلب منه مجموعة من المعطيات أولها أن يحدد إطارا زمنيا للمشاورات النيابية وأن يربطها بمدة زمنية معينة تنتهي بانتهائها آخذا العبرة من مشاورات تكليفه والتي لولا شرط البيان الوزاري الذي كان ملزما بتقديمه عن حكومته المستقيلة قبل أيام لكانت مشاورات اختياره مستمرة وجارية حتى يومنا هذا.
كما يجب على رئيس الوزراء المكلف أن يكون حازما وحاسما حول موضوع توزير النواب، وأن يتخذ قراره القاطع حول ذلك الأمر مسبقا وقبل بدء التشاور مع الكتل النيابية على اعتبار أن مثل هذا القرار من شأنه أن يقطع نصف الطريق نحو تشكيل الحكومة القادمة. ويفضل أن لا يتبنى النسور سياسة توزير النواب في المرحلة الحالية وذلك بسبب الخطورة الدستورية التي ستسببها عملية الزجّ بالنواب الحاليين في السلطة التنفيذية، وأثر ذلك على مبدأ الفصل بين السلطات. فعضوية أي نائب في الحكومة الجديدة ستكون بناء على ترشيح كتلته النيابية له، والتي لا يمكن التعويل عليها لتوفير دعم متواصل ومستمر لذلك النائب الوزير خلال فترة وجوده في السلطة التنفيذية، فهي كتلة هلامية في طبعها لا تقوم على أي أساس حزبي أو برنامجي واضح، إنما على اعتبارات مصلحية وشخصية، بالتالي فإن أي انشقاق لأي كتلة رشحت نائبا في الحكومة القادمة معناه أن يزداد خطر حجب الثقة عن ذلك الوزير بشكل سيؤثر سلبا على تماسك الحكومة الجديدة.
كما يجب على رئيس الوزراء المكلف أن يحدد الإطار العام لحكومته القادمة، فإن أرادها اقتصادية بامتياز عليه أن يركز على اختيار فريق اقتصادي قوي ومتجانس قادر على إدارة الاستحقاقات والتحديات الاقتصادية القادمة التي ستواجه الحكومة في المرحلة المقبلة وأهمها قرار رفع أسعار الكهرباء مطلع الصيف القادم. كما ينبغي على النسور أن يحدد آلية واضحة للتشاور مع الكتل النيابية لاختيار أسماء الوزراء، فيمكن له في هذا السياق أن يتقدم باقتراح مجموعة من أسماء شخصيات لكل وزارة على حدة وأن يعرضها على الكتل النيابية للنقاش وإبداء الرأي، بحيث تقتصر المشاورات على حذف واستثناء بعض الأسماء المقترحة وذلك بغية الوصول إلى الوزراء الأكثر قبولا من السادة النواب. أو قد يطلب الرئيس النسور من كافة الكتل النيابية أن تسمي مرشحيها لكل وزارة على حدة على أن تقوم بذلك الترشيح مرة واحدة فقط لا يجوز بعدها استبدال الأسماء أو تغييرها، ومن ثم يقوم الرئيس بجمع الأسماء المرشحة من الكتل النيابية ووضع قائمة أولية بأسماء الوزراء المتكررة وإعادة عرضها على الكتل النيابية للتوافق عليها بشكل نهائي.
إن طريق الرئيس المكلف الجديد لن تكون مفروشة بالورود والأكاليل، بل بالصعوبات والتحديات والتي من أهمها وجود تيار كبير داخل مجلس النواب سيعمل على إسقاط النسور من خلال إفشال عملية المشاورات وإطالة أمدها بشكل كبير. فهناك العديد من النواب الذين اتخذوا مواقف عدائية من شخص النسور منذ بداية عمل مجلس النواب الحالي، وقد انضم إليهم لاحقا عدد من السادة النواب احتجاجا على قرار رفع أسعار المشتقات النفطية الذي أصدره النسور دون التشاور مع مجلس النواب. هؤلاء النواب يفترض بهم أن يقوموا بمأسسة معارضتهم داخل مجلس النواب وتوجيهها نحو سياسات الحكومة القادمة وبرامج عملها، لينتهي بهم المطاف إلى تشكيل ائتلاف أغلبية نيابية معارضة تقوم بدور حكومة الظل في الرقابة على أعمال الحكومة وانتقادها وفق أحكام الدستور والقانون. إلا أنه يشترط في تلك الفئة المعارضة من النواب الابتعاد عن أي هجوم أو معارضة شخصية لرئيس الوزراء والوزراء، وأن تكون الغاية من المعارضة تحقيق المصلحة العامة بشكل يقترب أكثر من مفهوم الحكومة البرلمانية بمعناها الدستوري الكامل.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
[/COLOR]

المواضيع المتشابهه: