[COLOR=#141414 !important]بعد ولادة قيصرية معقدة خرجت حكومة الدكتور عبد الله النسور الثانية إلى قيد الحياة، وعادت الروح من جديد إلى جسم السلطة التنفيذية بعد غياب طويل يعود إلى ما بعد إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث تقدم النسور باستقالة حكومته الأولى بحجة وجود عرف دستوري يقضي بضرورة استقالة الحكومة التي تجرى الانتخابات النيابية في عهدها. إلا أن جلالة الملك لم يقبل تلك الاستقالة وأمر الحكومة بأن تستمر في ممارسة صلاحياتها الدستورية كافة، إلى أن قرر بعد ذلك قبولها حرصا منه على عدم مخالفة نصوص الدستور التي كانت تفرض على حكومة النسور الأولى أن تقدم بيانا وزاريا إلى مجلس النواب في الفترة نفسها التي كان يتباحث بها رئيس الديوان الملكي مع السادة النواب لاختيار رئيس وزراء جديد.
وبعد ماراثون طويل من المشاورات مع الكتل النيابية تم الإعلان عن تشكيل حكومة النسور الثانية التي وإن كانت رشيقة من حيث التكوين إلا أنها تمتاز بثقل حركة الوزراء فيها الذين وقعوا تحت وطأة عدة حقائب وزارية ستنهكهم وتحد من نشاطهم وقدرتهم على إدارتها جميعا بنفس الكفاءة والمهنية.
إلا أن الملاحظ في تشكيلة الحكومة الجديدة غياب أي تمثيل للأردنيين الشركس أو الشيشان فيها، وذلك على خلاف ما تعودنا عليه في الحكومات السابقة. فالممارسة الدستورية في تشكيل الحكومات في الأردن تقوم على أساس أن يضم مجلس الوزراء وزيرا مسيحيا وآخر شركسيا أو شيشانيا وسيدة، حيث ذهب بعضهم إلى القول إن التواتر في تطبيق هذا النهج في تشكيل الحكومات بشكل متواصل ومستمر قد أدى إلى نشوء عرف دستوري يقضي بضرورة تمثيل هذه الفئات من المجتمع الأردني في كل حكومة جديدة تؤلف.
إلا أن المتتبع لتشكيلة حكومتي الدكتور عبد الله النسور الأولى والثانية يلاحظ بأنه قد ضرب بعرض الحائط هذا العرف الدستوري – على فرض ثبوته - ولم يعره أية أهمية دستورية عند اختيار أعضاء فريقه الوزاري في كلتا المناسبتين، فحكومته الأولى قد جاءت خالية من العنصر النسائي، في حين أنه قد عزف عن توزير أي وزير شركسي أو شيشاني في حكومته الثانية الجديدة.
إن هذا الموقف المناهض لأي عرف دستوري حول ضرورة تمثيل الأقليات في الحكومة الذي اتبعه النسور في مناسبتين متتاليتين يثير تساؤلا حول ما يدور في ذهن الرئيس من نوايا ومقاصد، فهل جاء من قبيل الصدفة المحضة أم أنه قد تعمد قصدا الخروج عما درج عليه أسلافه رؤساء الوزراء السابقين من توزير الأقليات وذلك في الحكومتين اللتين شكلهما.
إن ما يسجل للرئيس النسور أنه على معرفة واسعة بأحكام الدستور الأردني وأعرافه، وهذا ما يعزز الرأي بأنه كان يعي القيود الدينية والعرقية التي فرضتها الممارسات السابقة على تشكيل الحكومات في الأردن، إلا أنه قد اختار متعمدا أن يتجاهلها بحجة مخالفتها لأحكام الدستور. فإذا ما صدق هذا القول، فإننا نشد على يد الرئيس ونؤكد أن ما جرى عليه العرف من توزير أقليات دينية وعرقية وسيدات في الحكومات الأردنية المتعاقبة يشكل مخالفة صريحة لنصوص الدستور الأردني وأهمها المادة (6) منه التي تنص على أن الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، والفقرة الثانية من المادة (22) من الدستور التي تنص على أن التعيينات للوظائف العامة من دائمة ومؤقتة في الدولة والإدارات الملحقة بها والبلديات تكون على أساس الكفاءات والمؤهلات.
إن أي عرف دستوري حتى يحترم ويتم التمسك به يجب أن يكون عاما بمعنى أن يطبق بشكل متساو وعادل، وأن لا يخالف أحكام الدستور أو القانون. فالعرف الدستوري الذي نشأ وتبلور بتمثيل الأقليات في مجلس الوزراء يخالف المبادئ الدستورية الأساسية في المساواة بين الأفراد، وفي أن اختيار أي وزير أو مسؤول حكومي يجب أن يكون على أساس الكفاءة والقدرة على العمل العام بعيدا عن أي اعتبارات إقليمية أو عرقية أو دينية يعيب عليها أنها تقسم فئات المجتمع بطريقة غير ديمقراطية.
إن هذا الموقف الإيجابي للرئيس النسور في الضرب بعرض الحائط العرف الدستوري الخاص بتمثيل الأقليات في الحكومات الأردنية بحجة أنه غير دستوري يدعونا إلى الطلب منه أن يتوسع في فهمه الديمقراطي لصالح رفض هذه التقسيمات العنصرية في باقي القوانين الأردنية وأهمها قانون الانتخاب الذي ما زال يكرس فكرة تمثيل الأقليات الدينية والعرقية في مجلس النواب، وذلك من خلال تخصيص مقاعد معينة للشركس والشيشان وأخرى للمسيحيين بشكل يخالف أحكام الدستور. لذا فإن الرئيس النسور مدعو إلى أن يطبق نهجه الإصلاحي في إلغاء تمثيل الأقليات الدينية والعرقية في مجلس الوزراء على مجلس النواب، وذلك من خلال إلغاء فكرة المقاعد النيابية المخصصة للكوتا العرقية والدينية التي أثبتت خلال السنوات الماضية والانتخابات الأخيرة عدم جدواها وفعاليتها. فكل من الأشقاء المسيحيين والشركس والشيشان هم أردنيون يعتزون بانتمائهم لهذا الوطن ويفتخرون بما يتمتعون به من حقوق وحريات أساسية وفق أحكام الدستور، فهم لا يحتاجون إلى ممثل لهم في مجلس النواب ليثبت لهم حقوقهم الدستورية التي يمارسونها بشكل كامل غير مجزوء. كما ثبت فشل نظام تمثيل الأقليات في الانتخابات النيابية الأخيرة لعام 2013، حيث أدى تطبيقه إلى إيصال نائب إلى مجلس النواب عن طريق التزكية وليس عن طريق الانتخاب، فقد أدى عزوف أي من الأردنيين الشركس أو الشيشان عن الترشح لمجلس النواب في إحدى الدوائر الانتخابية إلى فوز أحد النواب بالتزكية.
إن على الدولة الأردنية أن تعي أن نظامها الانتخابي الذي يميز بين فئات الشعب على أساس الدين والعرق يتعارض مع هبوب رياح الربيع العربي التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وإطلاق الحقوق والحريات الأساسية، وأنه يخالف مبدأ سيادة الأمة الذي ينادي به دعاة الإصلاح في الأردن الذي من أهم مرتكزاته الأساسية أن النائب يمثل الأمة ولا يمثل دائرة أو فئة انتخابية معينة.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
[/COLOR]

المواضيع المتشابهه: