[COLOR=#141414 !important]من خلال متابعة الخطابات والأحاديث الملكية والتي كان آخرها كلمة جلالة الملك في حفل تخريج طلبة الجناح العسكري في جامعة مؤتة والورقة النقاشية الرابعة، وقبلها خطبة العرش في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة السابع عشر، وكتاب تكليف الدكتور عبد الله النسور بتشكيل حكومته الثانية؛ نجد أن جميعها قد دعت إلى تشكيل حكومة برلمانية من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، تقابلها حكومة ظل تقوم بدور المعارضة والرقابة عليها. وإذا كان الوصول إلى حالة الحكومة البرلمانية بمعناها الدستوري الكامل تلزمه خطوات تحضيرية طويلة قبل أن يتمكن حزب سياسي من الوصول إلى السلطة من خلال الفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب في انتخابات حرة نزيهة، إلا أن الخطوات نحو تشكيل حكومة ظل تبقى دائما أقل منها بكثير وذلك بسبب تعدد صورها وأشكالها، والتي تلتقي جميعها في ضرورة إيجاد آلية نيابية واضحة لمعارضة الحكومة من خلال الرقابة الدستورية على أعمالها وقراراتها.
إن المتعارف عليه أن حكومة الظل هي حكومة الحزب الخاسر في الانتخابات والتي تسعى من خلال معارضتها لحكومة الحزب الفائز لأن تنال منه ومن شعبيته، وأن تنقض على السلطة منه في الانتخابات القادمة من خلال إظهار أحقيتها في الحكم وقدرتها على تجاوز العقبات والمعضلات التي يواجهها الحزب الحاكم في إدارة شؤون الدولة.
إلا أن الدور الذي تقوم به حكومة الظل في النظام البرلماني الديمقراطي يمكن وإلى حد كبير القيام به بصور وأشكال مختلفة تحقق النتيجة نفسها دون الحاجة لانتظار استكمال الإصلاحات الدستورية والوصول إلى مرحلة الحكومات البرلمانية. فالمعارضة النيابية للحكومة التي تسعى حكومة الظل إلى توفيرها هي ظاهرة دستورية صحية لكل من طرفي المعادلة؛ الحكومة ومجلس النواب. بالتالي فإنه يمكن لأية فئة أو كتلة نيابية أن تقوم بها كمرحلة أولية قبل اكتمال بلورة تجربة الحكومات البرلمانية. فكل ما يلزم الأمر أن يتم تشكيل إئتلاف نيابي يحمل أفكارا وبرامج تتعلق بموقف مشترك من سياسات الحكومة في إدارتها للشأن العام. فإذا لم يتوفر مثل هذا الائتلاف، فإنه يمكن لكتلة نيابية أن تقوم بدور حكومة الظل في مواجهة قرارات اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة تتخذها الحكومة شريطة أن يلتزم أعضاؤها بموقف ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وأن يتبنوا فكرا ونهجا معارضا مشتركا إزاء تلك القرارات والسياسات التي تقف وراءها.
وفي أبسط الحالات، وفي حال عدم توفر ائتلاف معارض أو كتلة نيابية تقوم بدور حكومة الظل، فإنه يكفي أن يبادر عدد معين من النواب إلى تبني موقف معارض ثابت من سياسات الحكومة وبرامجها، وأن يعلنوا ذلك صراحة أمام مجلس النواب مستندين في معارضتهم إلى أسباب ومبررات معقولة ومشروعة. فرغم انعدام الجدوى الدستورية لتلك المعارضة الفردية، إلا أن الصوت المعارض الثابت الذي لا يتغير وإن كان خافتا داخل المجلس، فإنه قد يلقى آذانا صاغية من نواب آخرين، فيمتد نطاقه ويتسع حجمه وتأثيره.
ومن خلال تتبع مجريات الأحداث في مجلس النواب الحالي، نجد أنه يفتقر لأي من الصور السابقة لحكومة الظل وحتى أبسطها وأسهلها تطبيقا من خلال معارضة عدد من النواب وبشكل ثابت لقرارات الحكومة وسياساتها العامة. فعلى ضوء حصول حكومة النسور على ثقة مجلس النواب على بيانه الوزاري تداعى عدد من السادة النواب الذين حجبوا الثقة إلى تشكيل ائتلاف نيابي معارض بهدف مواجهة "فرعنة" الحكومة وتفردها في اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة قوامها تحرير الأسعار ورفع الدعم الحكومي. ولهذه الغاية فقد عقد أعضاء الائتلاف أولى جلساتهم في مطعم جبري للاتفاق على وضع الإطار العام للائتلاف والمهام المسندة إليه ليكون نواة لحكومة الظل في مجلس النواب الأردني.
إلا أنه وكعادة النواب في اجتماعاتهم التي تحضر فيها الولائم والعزائم، فما أن ترفع الصحون وينتهي الاجتماع حتى تغادر الأفكار والأحلام البرلمانية الوردية إلى غير رجعة. ففكرة الائتلاف النيابي للإصلاح كانت مجرد "تنفيسة" برلمانية بسبب حصول النسور على ثقة أعضاء مجلس النواب، واستعراض قوى خجول وبائس من بعض السادة النواب الذين سعوا إلى تسجيل مواقف شعبية في بدايات حياتهم النيابية.
وحتى الكتل النيابية التي تشكلت داخل أروقة مجلس النواب، فإن غياب القواعد القانونية الواضحة لتشكيلها وممارستها لمهامها النيابية قد جعلها عاجزة تماما عن ممارسة أي دور يقرب من دور حكومة الظل في البرلمان الأردني. فنواب الكتل لا يتخذون موقفا واحدا في تعاطيهم مع قرارات الحكومة، بل يسمح لكل نائب بأن يصوت على هواه الخاص ووفقا لمشيئته الفردية.
وفي ظل حالة الضياع التي يشهدها مجلس النواب في ممارسة دوره الرقابي، تعيش السلطة التنفيذية حالة من النشوة السياسية قل مثيلها. فقد أبدع النسور في تعاطيه مع السادة النواب وتمرير الموازنة السنوية وموازنة الوحدات المستقلة للعام الحالي، وهو الإجراء الذي اعتبر بمثابة مباركة نيابية للحكومة لرفع أسعار الكهرباء. فالنواب الذين ملأوا الدنيا صراخا وتنديدا بسياسات النسور في رفع الدعم الحكومي في خطابات الثقة قد تراجعوا عن مواقفهم كمعارضين وصفقوا للحكومة ولقراراتها الاقتصادية، ومن لم يحضر الاحتفال للمشاركة بنفسه اختار الغياب أو الانسحاب فكانت النتيجة واحدة فشلا نيابيا حتى في المعارضة الفردية.
ولم يعد يخفى على أحد أن النواب الحاليين مصابون بعجز تام في ممارسة الرقابة السياسية على أعمال الحكومة ومعارضة قراراتها الجماعية وأعمال فريقها الوزاري الرشيق الذي يبدو أن رشاقته غير المعهودة قد انعكست سلبا على قراراته التي جاءت معظمها خالية الدسم. فالأسئلة والاستجوابات التي تنهال كغزارة المطر على رؤوس الوزراء لا تسمن ولا تغني من جوع. فها هم النواب يتسابقون إلى تسجيل أرقام قياسية في عدد الأسئلة التي يوجهونها والاستجوابات التي يقدمونها، إلا أنها كلها تذهب أدراج الرياح بسبب غياب سياسة واضحة لرقابة الحكومة ومعارضة قراراتها داخل مجلس النواب.
وقد وصلت الأمور ذروتها فيما يتعلق بالعجز النيابي عن أداء دور حكومة الظل بأن فشل مجلس النواب في مجرد تقديم اقتراح بقانون لتعديل قانون المطبوعات والنشر على إثر حجب المواقع الإلكترونية غير المرخصة. كما عجز المجلس عن التعاطي مع ما تتناقله وسائل الإعلام هذه الأيام من أحداث غريبة ترافق عملية عقد وزارة التربية والتعليم لامتحان الثانوية العامة للدورة الصيفية. فالأسئلة تتسرب وتصل الإعلام يوميا قبل أن تصل الطلبة على مقاعد الدراسة مما أفقد الامتحان هيبته ووقاره. ورغم ذلك، لم نسمع عن قيام أي من السادة النواب بمناقشة الحكومة والرقابة على وزير التربية والتعليم حول سياسة إجراء امتحان الثانوية العامة هذا العام. وهذا ما يؤكد أن فشل مجلس النواب في فرض نفسه كجهة رقابية على أعمال الحكومة وقراراتها قد وصل ذروته. فإذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال من غياب الدور الرقابي لمجلس النواب، فإن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مهددة بمزيد من التصعيد والصدام والذي قد تكون عواقبه وخيمة على الطرفين من خلال التلويح بحلّ البرلمان وإجبار الحكومة على الاستقالة كاستحقاق دستوري.
إن المطلوب من مجلس النواب أن يسارع الخطى إلى إصدار نظامه الداخلي الجديد الذي من المفترض به أن يؤسس العمل للكتل النيابية، وأن تبادر الكتل التي ستتشكل أو تعاد هيكلتها إلى تبني مواقف معارضة موحدة في مواجهة قرارات الحكومة وسياستها العامة لتقوم بأبسط أدوار حكومة الظل في مجلس النواب الأردني.


[/COLOR]

المواضيع المتشابهه: