[COLOR=#141414 !important]
تناقلت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية خبرا مفاده أن المحكمة الدستورية ستفض النزاع القائم حاليا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية باستخدامها صلاحياتها الدستورية في حل مجلس النواب السابع عشر بعد أن تبسط رقابتها على دستورية قانون الانتخاب الذي أجريت بموجبه الانتخابات التشريعية الأخيرة وتعلن عدم دستوريته.
ومن خلال استعراض أحكام الدستور ونصوص قانون المحكمة الدستورية رقم (15) لسنة 2012، نجد أنها تقرر عددا من السيناريوهات المتوقعة حول مصير الدفوع التي أحيلت إلى المحكمة الدستورية حول عدم دستورية قانون الانتخاب، حيث تملك المحكمة بموجب أحكام المادة (15) من قانونها أن تقضي بعدم دستورية أي قانون أو نظام بشكل كامل، ولها أيضا أن تقضي بعدم دستورية أكثر من نص في أي قانون أو نظام نفاذ المفعول. إلا أنه يجب على المحكمة الدستورية وفي كلتا الحالتين أن تحدد تاريخا معينا لبدء نفاذ الحكم الصادر عنها، الذي قد يكون من تاريخ صدور الحكم بعدم الدستورية كقاعدة عامة، أو من أي تاريخ آخر تحدده المحكمة الدستورية لنفاذ حكمها، فيكون القانون أو النظام الذي تقرر عدم دستوريته باطلا من التاريخ المحدد في الحكم القضائي.
فإذا ما قررت المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون الانتخاب بشكل كامل أو أي نص قانوني فيه، فإن ذلك الحكم لا يكفي بحد ذاته لحل مجلس النواب السابع عشر، حيث قد تقضي المحكمة ببطلان القانون أو أي نص فيه بأثر فوري مباشر من تاريخ صدور الحكم وليس بأثر رجعي، وذلك كما سبق لها وأن قضت في قرارها الصادر بعدم دستورية المادة (5/أ) من قانون المالكين والمستأجرين حول قطعية أجر المثل التي أعلنت المحكمة عدم دستوريتها بأثر فوري مباشر.
ومع ذلك، فإن صدور قرار عن المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون الانتخاب أو أي نص قانوني فيه بأثر فوري مباشر سيزيد من الضغوط الشعبية على الدولة للدفع نحو حل مجلس النواب الحالي بحجة أنه قد جرى انتخابه بموجب قانون انتخاب أعلن فيما بعد عدم دستوريته، حيث من المتوقع أن يبادر جلالة الملك إلى ممارسة حقه الدستوري في حل مجلس النواب. وفي مثل هذه الحالة فإنه يجب مراعاة أحكام الفقرة الثانية من المادة (74) من الدستور التي تلزم الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، بحيث لا يجوز إعادة تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها.
أما إذا قضت المحكمة الدستورية ببطلان قانون الانتخاب بأثر رجعي من تاريخ صدور القانون، فإن ذلك يقضي ضرورة إعلان بطلان الانتخابات النيابية لعام 2013 كونها قد أُجريت بموجب قانون غير دستوري. وكنتيجة لذلك سيتم تطبيق أحكام المادة (73) من الدستور التي تشترط إجراء انتخاب عام بعد حل مجلس النواب بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ حل مجلس النواب بأربعة أشهر على الأكثر، فإذا لم يتم الانتخاب عند انتهاء الأربعة أشهر يستعيد المجلس المنحل كامل سلطاته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد.
إن الأثر الدستوري على إعلان عدم دستورية قانون الانتخاب بأثر رجعي يتمثل في اعتبار الانتخابات النيابية كأن لم تكن، وأن الدولة من خلال الهيئة المستقلة للانتخاب قد عجزت عن إجراء انتخاب عام خلال الأربعة أشهر التي اشترطها الدستور من تاريخ حل مجلس النواب السادس عشر، فيعود نتيجة لذلك مجلس النواب المنحل فورا وبحكم الدستور، ويكون متمتعا بكامل صلاحياته الدستورية إلى أن تنتهي ولايته الدستورية عام 2014 على اعتبار أنه قد انتخب عام 2010 ما لم يتقرر حله قبل ذلك التاريخ.
وفي حال حدوث السيناريو السابق المتمثل بإلغاء الانتخابات، فإنه لا يمكن دستوريا التمسك بأحكام المادة (74) من الدستور لإلزام الحكومة الحالية على الاستقالة، ذلك أن مجلس النواب السابع عشر لم يُحل وإنما قد تقرر بطلان الانتخابات التي تشكل بموجبها وحل محله مجلس النواب السادس عشر نتيجة لعدم إجراء انتخاب عام بعد أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ الحل.
أما من ناحية سياسية، فيبدو أن التوتر غير المسبوق في العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب السابع عشر قد فتح شهوة المراقبين والمحللين السياسيين نحو إيجاد مخرج سياسي لتلك الأزمة من خلال المحكمة الدستورية وذلك للخروج من عنق الزجاجة. فقد تسبب إغلاق ملف توزير النواب بعاصفة هوجاء ضد حكومة النسور استخدم فيها النواب سلاحا سياسيا بامتياز وفي توقيت مناسب جدا يتمثل بالطلب من الحكومة طرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير الأردني في تل أبيب.
إن مثل هذه الأزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يجب أن يتم حلها بمنأى عن المحكمة الدستورية التي تسير بخطوات ثابتة نحو ترسيخ مبادئ القضاء الدستوري في الأردن. فهي جهة قضائية مستقلة بموجب الدستور، ولا يجوز أن يتم توظيفها وتسخير قراراتها لخدمة أي من طرفي النزاع الحالي سواء كانت الحكومة أم مجلس النواب. فهذه الأزمة لا تعدو أن تكون سحابة صيف عابرة سرعان ما ستنقشع لتعود المياه إلى مجاريها في العلاقة بين النواب والحكومة. فالنواب كانوا بأمس الحاجة للتنفيس عن أنفسهم والتعبير عن سخطهم من الوعود الحكومية بتوزيرهم والتي قدمت إليهم أيام التصويت على الثقة بالحكومة والتي ثبت فيما بعد زيفها وعدم جديتها. إلا أنه حتى في ظل اشتداد النزاع، لم يكن النواب جديين في طرح الثقة بالحكومة، والدليل على ذلك تراجع عدد الموقعين على مذكرة حجب الثقة بعد أيام من طرحها، وما تناقلته وسائل الإعلام من خبر سحب تلك المذكرة كليا. فموقف المجالس النيابية من أية قضية تتعلق بالعلاقات الأردنية الإسرائيلية قد تعودنا عليه على مر السنين الماضية، إذ يبدأ بالصراخ والتنديد والوعيد باتخاذ أقصى الإجراءات الدستورية بحق الحكومة من خلال حجب الثقة عنها قبل أن تتراجع حدة التهديدات وتنخفض الأصوات المستنكرة الشاجبة للتصرفات الحكومية إلى حد لم يعد بالإمكان سماعها، وهذا ما حدث مؤخرا مع النائب محمد عشا الدوايمة حيث وقع أغلبية السادة النواب على مذكرة نيابية تطالب بفصله من المجلس بسبب مشاركته في احتفالات استقلال دولة إسرائيل، إلا أنه لم يصدر عن المجلس أي إجراء آخر بهذا الخصوص.
كما أن حكومة النسور قد أجادت عندما أعلنت عن مغادرة السفير الإسرائيلي لعمان محملا برسالة شديدة اللهجة تستنكر الممارسات الإسرائيلية في القدس الشريف، وهو ما يمكن اعتباره تجاوبا حكوميا مع مطالب السادة النواب ضمن الحدود المسموح بها في ضوء العلاقة بين الدولتين التي تحكمها اتفاقية السلام التي أبرمت عام 1994.
خلاصة القول أنه من المستبعد أن تسمح المحكمة الدستورية لنفسها أن تُستخدم مطية من قبل أي من السلطات لخدمة مصالحها الخاصة في الوقت الذي أضفى فيه الدستور الأردني على أحكامها صفة الإلزامية وأعطاها حجية كاملة في مواجهة السلطات والجهات في الدولة كافة. فالنزاع بين الحكومة والنواب في طريقه إلى الحل من دون الحاجة لأية وساطة سياسية من المحكمة الدستورية لتصفية القضية من خلال إصدار القرار بحل مجلس النواب، وإن كانت الاحتمالات جميعها قائمة على الصعيد القضائي فيما يتعلق بالدفوع المثارة بعدم دستورية قانون الانتخاب والمعروضة حاليا أمام قضاة
[/COLOR]

المواضيع المتشابهه: