المتأمل في واقع دول الربيع العربي، تترسخ لديه القناعة التامة بصحة ورجاحة ما ذهب إليه الأردن في الإصلاح التدريجي المتراكم، البعيد عن الطرق الوعرة، التي تؤدي حتماً إلى المجهول والفوضى، والتي لا تخدم إلا فكرة الدمار، سيما وأن دول ما يسمى بالربيع العربي، انقسمت إلى قسمين: القسم الأول سلك طريقا اطاح من خلاله بالدولة بشكل كامل، مما أوصل الأمور فيها إلى حالة فوضى عارمة، تضرب كل ما بَنته الشعوب على امتداد قرون وعقود، وأطلّ التناحر المحموم على السلطة برأسه، دون أن يراعي أحد المصالح العليا للأوطان. والقسم الآخر من هذه الدول، سلك طريقا تعنّت من خلاله النظام فيها واستكبر، ولم يستجب إلى تطلعات الشعوب في الحرية والعدالة، فكان الصّدام والدّمار، كما يحدث في سوريا منذ أكثر من عامين.

الأردن اختار الطريق الثالث، وهو الدخول في الإصلاح بطريقة توافق عليها النظام والشّعب، وبتدرّج مدروس لا يخلّ أبداً بثوابت الدولة، وأسس احترام آمال وتطلعات الإنسان الأردني، بمزيد من الحرية والكرامة، وباختيار الأردن لهذا الطريق، فقد جنّب نفسه متاهات الخراب والفوضى، والسّير على طريق المجهول، الذي ينسف كل إنجاز، ويقضي على كلّ أمل في الحياة والبناء، وللحقيقة والتاريخ، فإن تناغم الأغلبية الساحقة من الأردنيين، مع توجهات الملك عبدالله الثاني للإصلاح، كان الأساس في عبور الأردن مفاصل كثيرة، في زمن ما سمي بالربيع العربي، ولولا هذا التّناغم الذي جاء نتيجة وعي القيادة والشّعب معاً اللذين هيأهما الله تعالى لنا، لتعرضنا إلى ما لا يحمد عقباه، فالتحمت بالأردن عبقرية القيادة وحكمتها مع وفاء الشعب وإخلاصه لوطنه، واستعداده للحفاظ عليه بكل غالٍ، ولم تكن إصلاحات الأردن إصلاحات تجميلية، رغم بعض الأصوات المشككة، حيث حصّن الأردن نفسه، بمنظومة تشريعية جديدة، تكفل -كما قلنا- الحفاظ على مكونات الدولة الحقيقية، مع نوع من العصف الحضاري لهذه التشريعات، لتحاكي ما استجدَّ على الساحة العالمية والعربية بالذّات من تطلعات للشعوب في الحرية والكرامة، بدءاً من تعديل ما يقارب نصف الدستور، مروراً بكل التشريعات، وإنشاء المؤسسات التي تصبغ على عمليتنا الإصلاحية، درجة كبيرة وواسعة من المصداقية.

ولم تكن إصلاحات الأردن إصلاحات تجميلية، وذلك لأن عملية التّناغم والتلاحم التي أشرنا اليها، أنتجت لحمة وطنية قوية، وجبهة داخلية متماسكة، حيث كانت الأساس ونقطة الارتكاز في حماية المُنجز الوطني، خصوصاً في الأمن والاستقرار. ولقد أثبت الملك في خضم فوران ما سمي بالربيع العربي، وفي لحظة لم يعد فيها المواطن العربي، ومن ضمنه المواطن الأردني، يفرِّق بين الغثّ والسّمين في المطالبة في الإصلاح، وفقدت معظم القيادات العربية توازنها، أمام الفوران الشعبي الهادر، واختلط أصحاب النوايا السيئة بأصحاب النوايا الحسنة، ولُبِسَ على الناس الفرق بين الطمع والطموح، أثبت الملك أنه صاحب عبقرية متفردة، في التعامل مع متطلبات شعبه، واستطاع في لحظات حرجة متعددة، أن يجنب وطنه وشعبه الاندفاع نحو الطريق المجهول، المؤدي إلى الفوضى والدّمار.

وللحقيقة والتاريخ، أنه تحمّل أثناء تلك الفترة، الكثير من الضغوطات، سواءً الداخلية والخارجية، وظلّ قابضاً على جمر الحفاظ على الوطن، والإصرار الكبير على أن يمضي الأردن في الربيع العربي، على الطريق الثالث البعيد عن الصدام والدمار، والمتجاوب مع تطلعات وآمال الشعب.

في المحصلة نجح الأردن، واستطاع أن يعبر منعطفات كثيرة خلال الفترة الماضية، بكل ثقة نحو مستقبل آخر، يضمن للأجيال الجديدة حياة أفضل


المواضيع المتشابهه: