[COLOR=#141414 !important]أحداث دراماتيكية غير مسبوقة، وأفلام "أكشن" شبيهه بتلك التي تنتج في هوليوود هي أفضل ما يمكن وصف مجريات امتحان الثانوية العامة الذي تجريه وزارة التربية والتعليم لهذه الدورة الصيفية، فأسئلة الامتحانات لمختلف التخصصات تصل يوميا الصحافة والمواقع الإلكترونية قبل أن توزع على الطلبة داخل قاعات الامتحانات. وكعادة المسؤولين الأردنيين، فقد كان التصريح الأولي لوزير التربية والتعليم وباقي مدراء التربية أن تلك الاتهامات هي مجرد إشاعات مغرضة وباطلة لا أساس لها من الصحة، وأنها تهدف المسّ بسمعة المؤسسات التعليمية الوطنية. إلا أن نبرة الاستنكار والشجب سرعان ما خفتت وبشكل كبير حتى أن وزير التربية والتعليم قد أقر صراحة بوجود خلل في سير الامتحانات، وأن هناك عصابات تتاجر بالأسئلة وتقوم بتسريبها قبل مواعيد الامتحانات بوقت قصير من خلال وسائل الاتصالات المختلفة، وذلك مقابل مبالغ نقدية. وقد ساءت الأمور وتفاقمت مع الخطوات التصعيدية التي اتخذتها هيئة مكافحة الفساد التي أحالت بعض موظفي وزارة التربية والتعليم المشتبه بتورطهم بتسريب أسئلة الامتحانات إلى مدعي عام الهيئة المنتدب بتهمة الإخلال بواجبات الوظيفة العامة.
وفي خضم هذه "المعمعة" التعليمية والمرشح تفاقم نتائجها بمضي الوقت، يتابع مجلس النواب سير حياته النيابية بشكل طبيعي، وكأن ما يحدث من أزمة في إحدى الوزارات السيادية في الدولة يقع خارج اختصاص المجلس النيابي. فقد التزم السادة النواب الصمت المطبق خلال الفترة الماضية، ولم يبادر أي منهم إلى طرح هذه القضية أو مناقشتها داخل أروقة المجلس بسبب المهام الجسام الأخرى التي يتولاها المجلس حاليا والتي تتقدم من حيث الأهمية على قضية أبنائنا وإخوتنا الطلبة على مقاعد الدراسة. فالنواب منهمكون في تجميع التواقيع على المذكرة النيابية التي تطالب الحكومة بإعادة العمل بالتوقيت الشتوي خلال شهر رمضان المبارك للتقليل من ساعات العمل. فحتما في ظل تربع هذه الأولوية النيابية على جدول المجلس المنتخب فلا مجال للحديث عن أي دور متوقع للسادة النواب في فضيحة التوجيهي لهذا العام.
إلا أنهــــ وبعـــــد أن زادت الأمـــور عــــن حدهــــا وخرجت عن طورها جاء الحراك النيابي لمواجهة هذه الأزمة الوطنية خجولا كعادته، وذلك من خلال اقتراح تقدم به أحد السادة النواب لعقد جلسة مناقشة عامة لقضية تهريب أسئلة التوجيهي. وعلى الرغم من بساطة هذا الاقتراح، وعدم فعاليته كإجراء رقابي على السلطة التنفيذية، إلا أنه لا يزال ينتظر الفرج لكي يرى النور على جدول أعمال المجلس، وقتها فقط سيتبارى السادة النواب في إلقاء الكلمات وإطلاق التهديدات بحق الحكومة ووزيرها المعني التي ستملأ الدنيا وتخترق حاجز الصمت النيابي الذي طال أمده، ولكن من دون تحقيق أي نتائج تذكر.
وعلى الفرض الساقط أن مجلس النواب سيوافق على عقد جلسة مناقشة عامة لقضية التوجيهي، فإن ذلك الإجراء ينطوي على تقصير نيابي في التعاطي مع هذه القضية ذلك أن المجلس قد لجأ إلى استعمال أبسط أنواع الأسلحة الرقابية على السلطة التنفيذية في الوقت الذي أعطاه الدستور الأردني ونظامه الداخلي أسلحة أكثر فاعلية وإثباتا للوجود. فالمناقشة العامة كما عرفتها المادة (127) من النظام الداخلي لمجلس النواب هي تبادل الرأي والمشورة بين المجلس والحكومة، وهو ما لا ينطبق لا من قريب ولا من بعيد على قضية رأي عام بحجم قضية تسريب أسئلة التوجيهي، التي هي بحاجة إلى موقف أكثر تشددا وصرامة في التعامل معها من قبل النواب المنتخبين الذين يعتبرون نبض المجتمع والصوت الناقل لهمومهم ومشاكلهم.
وحتى السؤال كوسيلة رقابية على السلطة التنفيذية لا يصلح في هذه القضية على اعتبار أنه ينطوي فقط على مجرد استفهام النائب من رئيس الوزراء أو أحد الوزراء عن أمر يجهله في شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، أو رغبة في التحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو الاستعلام عن نية الحكومة في أمر من الأمور. فيتبقى من مخزون الأسلحة الذي يملك مجلس النواب أن يشهرها في مواجهة الحكومة ووزير التربية والتعليم فيها الاستجواب كإجراء أولي يعقبه التلويح بحجب الثقة. فالاستجواب ينطوي على محاسبة الوزراء أو أحدهم على تصرف له في شأن من الشؤون العامة، وهو ما يفهم منه عدم رضا المجلس النيابي عن قرارات أحد الوزراء، فيبدأ بمحاسبته من خلال استجوابه عما صدر عنه من تصرفات وأعمال لا تتفق مع المصلحة العامة، والذي يمكن أن يتطور في مرحلة لاحقة إلى طرح الثقة بذلك الوزير أو بالحكومة كاملة.
كما يملك مجلس النواب استعمال السلاح الأكثر فعالية وفتكا بالوزارة الذي يتمثل بطرح الثقة بوزير التربية والتعليم مباشرة من خلال التقدم بطلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة من أعضاء مجلس النواب، وذلك عملا بأحكام المادة (53) من الدستور. فالحصانة التي قررها المشرع الدستوري للوزراء والمتمثلة بعدم جواز إحالتهم إلى النيابة العامة إلا بقرار يصدر عن مجلس النواب عملا بأحكام المادة (56) من الدستور تجعل من الصعب أن تتم ملاحقة وزير التربية والتعليم جزائيا، فتتبقى فقط المسؤولية السياسية في مواجهته والتي قوامها أن يطلب مجلس النواب حجب الثقة عنه وإجباره على الاستقالة.
إن هذا التقصير النيابي الفاضح بأن لا يبادر ولو حتى نائبا واحدا إلى توجيه استجواب لوزير التربية والتعليم معاتبا إياه على سياسة وزارته في إجراء امتحان الثانوية العامة لهذه الدورة الصيفية وفشلها في قيادة ذلك الامتحان إلى بر الأمان، أو أن يطلب عشرة نواب فقط عقد جلسة ثقة بالوزارة أو بوزير التربية والتعليم يعد إثما نيابيا لا يغتفر. ففي الوقت الذي بدأت تتعالى فيه الأصوات الشعبية ضد مجلس النواب مطالبة بالتخلص منه، يبادر أعضاؤه في تقديم أنفسهم قرابين على مذبح الحراك الشعبي الذي لن يتوانى عن استغلال ذلك الفشل النيابي لكي يرفع من حدة الأصوات المطالبة بحل المجلس. فغريب أمر هذا المجلس الذي يتبارى أعضاؤه على "تنشيف دم" الحكومة من خلال التوقيع على عرائض نيابية تطالبها بالاستقالة، وذلك بخصوص موضوعات أقل ما يمكن القول عنها إنها لا تستحق أكثر من جلسة مناقشة عامة، بينما يعجز السادة النواب عن ممارسة دورهم الرقابي الدستوري على الحكومة عندما يصدر عنها أو عن أي من أعضائها تصرفات ترقى إلى مستوى الإخلال بإدارتها لشؤون الدولة الداخلية والخارجية.
خلاصة القول.. إن مجلس النواب قد أضاع فرصة ذهبية كانت كفيلة بأن تعيد الاعتبار له، وأن تجعل منه طرفا صعبا في العلاقة مع السلطة التنفيذية، وذلك من خلال انحيازه للأسر الأردنية والطلبة الذين يصلون الليل بالنهار للعبور من بوابة التوجيهي إلى الجامعات الأردنية، في الوقت الذي ينعم فيه أصحاب النفوذ والسلطة بخدمة توصيل أسئلة الامتحانات لأبنائهم صباح كل يوم امتحان. فعثرات المجلس النيابي قد كثرت مؤخرا وموقفه من إقرار الموازنة العامة ومباركة رفع أسعار الكهرباء قد زاد من السواد الموشح لصورته أمام الرأي العام. فلا هو قادر على التعاطي مع الاستحقاقات الدستورية على أكمل وجه، ولا هو قادر على استغلال المناسبات والمواقف الشعبية للتغطية على تقصيره في ممارسة مهامه النيابية، وهذا الأمر إذا ما استمر لفترة أطول فإنه سيقضي على المجلس وسيجعله يواجه المصير نفسه الذي واجهته المجالس النيابية السابقة.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
[/COLOR]

المواضيع المتشابهه: