>>معلومات قانونية سريعة:: “ما المهر المستحق في حال عدم تسمية المهر في العقد او اسائة تسميته ؟؟
ج. إذا لم يسم المهر في العقد الصحيح أو تزوجها على أنه لا مهر لـها أو سـمي المهر وكانت التسمية فاسدة أو وقـع خلاف في تسمية المهـر ولم تثبت التسمية نكون امام فرضيتين :-
أ-إذا تم الدخول أو الخلوة الصحيحة يلزم مهر المثل على أن لا يتجاوز المقدار الذي ادعتـه الزوجة ولا يقل عن المقدار الذي ادعاه الزوج.
ب-إذا لم يتم الدخول أو الخلوة الصحيحة ووقع الطلاق تستحق المطلقة نصف مهر المثل.„
|
|
ابحث في الموقع بكل سهوله وسرعة
|
|
شبكة قانوني الاردن
أهلا وسهلا بك إلى شبكة قانوني الاردن.
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
6
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
|
استخدام حساب الفيس بوك الخاص بك للتعليق
على الموضوع
(جديد)
|
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
-
عضو مميز
Array
- معدل تقييم المستوى
- 140
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم ابتدائي
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
جامعة أخرى داخل الاردن
الاتجاه الفكري :
I don't believe in puppets and plays .......not any more
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
الفصل الثالث
باريس 1996- 1997
ما زالت عشتار تتذكر ذلك اليوم جيدا ... بتاريخه وتفاصيله... التاسع عشر من ابريل من عام 1996 عندما غادرت بيروت تحت وابل من القصف ودخان المعارك لتتشبث بآخر طائرة متجهة نحو باريس... لتحط الأخيرة رحلتها على مدرجات مطار شارل ديغول وتنفض عن جناحيها غبار الحرب وشظايا القنابل.
في ذلك اليوم سُميت عشتار لاجئة ... لاجئة تتقن الهرب من ذكرياتها... لاجئة في بلاد تطل مدينتها على نهر بارد ولا بحرَ هناك بدفء بحر بيروت، على ضفاف تلك المدينة دفعتها أمواج عاتية من غضب ودماء، أمواج خلفت وراءها جسد بالي وجثة رثة هزيلة.. جثة وحيدة ... حزينة ... يتيمة، من على ضفاف ذلك البحر جمعت عشتار أشلاءها واتجهت نحو مدينة لها وجه يشبه وجه مدينتها .. لكنها تنبض بقلب آخر ... بدم آخر ...
ذلك اليوم كان يومها الأول في باريس، يوم أن تجاوزت أولى قدميها باب الطائرة وترددت الأخرى بالتحرك نحو عالم مجهول، عندها تمنت لو أن الزمن يعود بها بضع خطوات إلى الوراء... إلا أن نحنحة استعجال من مسافر ملّ الانتظار كانت كفيلة بتحريك القدم المترددة لتكتمل بذلك أنشودة العبور.
خارج أبواب تلك الطائرة وبعيدا عن حدود ذلك المطار يكمن عالم غريب، عالم لم تألفه عشتار على الرغم من إتقانها الفرنسية وبطلاقة، فقسوة الحرب ودموع الفراق وجحيم التشرد قد بنى بينها وبين البشرية حواجز من شك وخوف ورهبة، فهربت عشتار من خوفها .. من ذاتها .. واستقلت سيارة أجرة اخترقت بها الطريق السريع الشمالي مرورا بميدان مايلوت وانتهاءً بباريس نحو منطقة باسي ، في ذلك الحي الراقي يكمن منزل يحمل العديد من الذكريات الحميمة، كانت عشتار تقطن في ذلك المنزل مع عائلتها عندما يقضون إجازة الصيف في باريس.. اليوم تملك عشتار ذلك المنزل الفارغ.. كما تمتلك العديد من الذكريات ... ذكريات مزروعة في كل زاوية من زواياه...
على باب ذلك المنزل يدٌ في حجم صرخة صامته تتلعثم بمفاتيحه، فقد أضحى ذلك المفتاح ككرة من النار بين يديها، حاولت جاهدة أنا تدك أبواب صمتها وتعبر نحو الضفة الأخرى، لكنها كانت تعلم أن ذلك الباب يقف حائلا بينها وبين جراحها .. ذكرياتها، كانت تعلم أنها إن فتحته سينهار بوجهها جدار من الصور والضحكات والابتسامات.. سترى طيفا سرمديا لأمها يعبث في زاوية المطبخ يحضر بعض الطعام.. وهنالك بجانب مكتبة صغيرة ستجد روح أباها تقلب صفحات كتب لن تُفتح بعد اليوم أبدا، أما هناك ... في فناء المنزل ... ستسمع صوت لعب وسمر يستمر حتى الصباح... كل تلك الذكريات ستنهار لحظة فتح ذلك الباب !
في تلك اللحظة اتخذت عشتار قرارها، لن تدخل ذلك المنزل .. لن تتجاوز عتباته نحو ذكرياتها.. فهي لم تعتد على دخوله وحيدة .. حزينة .. فذاك منزل للإجازات الصيفية حيث كان يخيم المرح والكثير من الذكريات التي سوف تكوي فؤادها، وهكذا حزمت أمرها وأمتعتها المنتظرة على عتبة الابواب الموصدة وإتجهت نحو قلب باريس .. نحو ساحة فاندوم لتقيم أخيرا في فندق ريتز .. لعل في ابتعادها يكون حسن العزاء .. وإن كان العزاء وحده لا يكفي للنسيان !
بقرب عمود فاندوم وفي منتصف الساحة وقفت عشتار على مفترق طرق .. مفترق طرق الحياة ، فهنالك ... خلفها... ترقد بيروت مفجوعة كأم ثكلي تسقي مياه البحر من دموع عينيها ، وهنا ... أمامها... تنعم باريس ببذخها المعهود بعيدا عن ويلات القصف والحروب، هناك ... في بيروت لها ذكريات من دماء ونار ودخان وشواهد قبور وبعض الرفات، أما هنا.. في باريس فلها بعض الذكريات لابتسامات وضحكات دفنت مع اللذين دُفنوا ... هنا أرواح الذين رحلوا ستبقى مبتسمة في زوايا الذاكرة.
حزمت عشتار امرها واستقرت أخيرا في فندق ريتز، كلفها ذلك ثروة باهظة، لكن ذلك لا يهم طالما يبقيها بعيدة عن ذكرياتها، فهنا في قلب باريس وبمساعدة بعض الأصدقاء أضحى لعشتار حياة تواسيها دون أن تنسيها... فبمجرد وصولها للفندق اتصلت ببعض معارفها من اللبنانيين المقيمين في باريس اضافة لأصدقائها من الفرنسيين، واستطاعت بسهولة أن تحصل على عمل في سلسلة متاجر شانيل .. فدراستها وخبرتها وصداقاتها مكنها من ذلك دون عناء ... مع أن بعضهم أبدى استغرابه من بحثها عن عمل وهي التي تملك ثروة طائلة ورثتها حديثا عن عائلتها ... ثروة تكفي أرباحها السنوية لعيش حياة رغيدة فضلا عن إمكانية حجز جناح كامل في فندق ريتز دون أي عمل إضافي ! لكنهم لم يعلموا أن هربها نحو باريس وإقامتها في الفنادق ومن ثم عملها .. ليسوا سوى محاولة يائسة للهروب من الذات وبالتأكيد من الذكريات ...
أقامت عشتار في فندق ريتز منذ اللحظة الاولى لقدومها الى باريس عام 1996 ، وظلت كذلك لمدة عام ، حتى التقت اندريه في تلك الليلة أمام متجر شانيل ...في تلك الليلة هو بدا نبيلاً وهي بدت أصيلة، أحبها وي كأنه يعرفها منذ زمن، أما هي كعادتها منذ الحرب؛ تراها مترددة خائفة... تتوجس ريبة من أي بادرة حنين، فالقلب الخالي من الحب لا يخشى الخسارة... فلا شيء هناك ليخسره، وعشتار آثرت ان تُبقي قلبها كذلك فقد سبق لذلك القلب أن خسر كل شيء... ولم يعد لديه القدرة ليخسر من جديد.
أندريه في بداية الأمر فوجيء بصدها... ثم ما لبث أن تألم عليها لا منها، تدارك أمره وتفهم حزنها ، تقبل لوعتها وانكسار روحها، فكان لها سنداً ومعيناً ، بنى بينها وبينه جسور الثقة، وأضحى لها رفيقا دائما، ثم ما لبثت تلك الثقة ان تحولت الى ود، فأزهر ذلك الود في قلب عشتار حباً لا ينضب، فاستعادت رونقها وأقبلت على الحياة كظمآن ابتلت عروقه من بعد عطش.
ما لبثت عشتار أن احبت أندريه وأحبها، وما هي إلا أشهر قليلة حتى كان يومهما الموعود من عام 1997 وتحديدا في كنيسة القلب المقدس التاريخية في حي مونمارتر الشهير.
وقف اندريه أمام المذبح بكل وقار ، مرتدياً بزة مدنية بناءً على طلبها... قميصٌ من الحرير الابيض وربطة عنق حريرية سوداء... أما البزة فقد كانت توكسيدو سوداء اللون مع صدرية رمادية من الحرير... كان متألقا في ذلك اليوم، فخصلات شعره الأسود بدت اليوم أكثر اشراقاُ، ومقلتيه كانتا اكثر بريقا من أي وقت مضى ... في عينيه صفاء أخّاذ وشفتاه تكشفان عن ابتسامة ساحرة...
بكل تألقه وقف ... عيناه ترنوان صوب المدخل ، ينتظر اطلالة وجهها الصبوح، يلتفت يمنة ويسرى ... للأسفل والأعلى، حتى احتضنت عيناه قبة الكنيسة وملائكتها الاربعة... جال ببصره مع استدارة القبة ونوافذها المقنطرة... قنطرة تلو قنطرة... حتى مرّ ببصرة عبر قناطرها العشرين... داعبت الشمس محياه؛ تسللت عبر إحدى النوافذ الثمانية المحيطة ببهو الكنيسة، اكتست جبهته بالوان تلك النافذة المستديرة القابعة كحال شقيقاتها أعلى الأقواس الممتدة من سقف الكنيسة حتى ارضيتها الرخامية ... توقفت عيناه عند أرضيتها حيث تمكث قدمي عشتار المؤطرتان بحذاء ابيض مزين بالدانتيل وبعض حباتٍ من اللؤلؤ... ، كانت تقف عند مدخل الكنيسة بثوب زفافها المنسوج من الجوبير الأبيض يتوسطه شريط من الحرير العاجي يضيق عند الخصر، يتسربل منه ساتان أبيض منسدل حتى اخمص قدميها، خطت أولى خطواتها فوق الممشى ، حتى استقرت أمام المذبح تلتف حولها أحد عشرة قنطرة تجللها بالنور .. تحفها بالضياء.
أمام المذبح التقت عيناهما لأول مرة هذا اليوم، بخجل واضح اشاحت نظرها نحو الكاهن، أما هو بكل اشتياق نظر اليها... مد كفه نحوها حتى لامس أناملها، رفعت عيناها حتى رأت انعكاس صورتها داخل عينيه، وبكل الود اخذ يتلو نذوره :
"عشتار، منذ فترة طويلة كنتِ مجرد حلمٍ وصلاة. اليوم أرى حلمي يتحقق... أرى صلواتي تستجاب.
عشتار... أعدك من على تلة الشهداء أن أحفظ حبنا كما حفظ دبينسوس* ايمانه...وعلى خطاه سأسير خطواتي الأخيرة أحمل حبنا بين ضلوعي.
عشتار ... أعدك بأن احبك كما أحب المسيح أتباعه وأن أكون مخلصا لك. فكما كنتِ نور حاضري ستكونين اشراق مستقبلي. وها أنا اليوم على هذا أمنحك نذوري"
وما ان انهى أندريه نذوره حتى بدأت عشتار بتلاوة نذورها قائلة:
"أندريه... لقد كنت وحيدة فكنت عائلتي... خائفة فكنت ملاذي... كنت حزينة فكنت فرحي... حائرة فكنت دليلي، كنت يائسة فكنت أملي وكنت تائهة فكنت وطني، أنت من اليوم حاضري ومستقبلي، سأعيش عمري معك ولك، سأمنحك الثقة عندما يرجف الناس، والثبات حين يدبرون، سأمنحك الأمل عند اليأس والأمن عند الخوف، وكما تعهدت لي بحياتك وحبك، فإني أمنحك حياتي وحبي"
لقد كان حفل زفاف مهيب، حضره جمعٌ غفير من اصدقاء عشتار وكثيرٌ من العسكريين من زملاء اندريه واصدقاءه ، ومن هناك ... من كنيسة القلب المقدس توجه المدعوون إلى فندق ريتز حيث تقيم عشتار، فاحتفلوا بهما واحتفل معهما العاملون في الفندق ، فعشتار اضحت جزءً من أسرة ذلك الفندق بعد ان اقامت فيه سنة ونيف ...
اقامت عشتار مع اندريه بضع ليالٍ في فندق ريتز ومن ثم انتقلا للسكن في ارقى احياء باريس ، تحديدا في المقاطعة السادسة عشرة والمعروفة باسم "دي باسي" ، هناك... أصبحت عشتار قريبة جداً من منزل عائلتها الصيفي ، ومع ذلك فان الذكريات ما عادت تؤلم كالسابق !
* (دبينسوس) هو مطران باريس الأول، أعدم في القرن الثالث عشر للميلاد عقاباً على ايمانه – بحسب الأسطورة – حيث قُطع رأسه، فحمله بين يديه وخطى به عدة خطوات حتى سقط, وفي المكان الذي سقط فيه بُنيت كنيسة القلب المقدس (بازيليكا دو ساكر كور) Basilique du Sacre Coeur . على تلة تُسمى بتلة الشُهداء في مونتمارتر Montmartre) ) في باريس.
4
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
2
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
الفصل الرابع
باريس 2000
منذ ثلاث سنوات تقطن عشتار مع أندريه في منزلهما الكائن في "دي باسي" ، منزلٌ حميم ... تكسو جدرانه الخارجية حجارة بيضاء مصقولة... حجارةٌ متراصة فوق بعضها البعض في صفوفٍ متوازية... طبقة فوق طبقة، ترتقي في البناء حتى ارتفاع طابقين، أما السطح فيعلوه قرميد سكني مزرق، واجهة المنزل الامامية مرصعة بنوافذ طولية تعلوها اقواس فكتورية، ينتصف القوس تاجٌ منقوش من الحجر الأبيض، زجاج النوافذ مقسم الى مربعات مؤطرة بإطارات بيضاء، أبوابه تتخذ ذات تصميم النوافذ ... ثلاثة ابواب زجاجية متجاورة تطل على درج حجري يعانق حديقة غناء... في الحديقة تجلس عشتار وحيدة هذا المساء تتلحف بوشاحٍ من الكشمير الهندي، تنتظر عودة أندريه التي طالت ... كان قد واعدها بأمسية جميلة بعد انشغاله طيلة الايام والاسابيع الماضية.
إنها العاشرة والنصف مساءً، هاتفه النقال لا يجيب، والموعد انقضى منذ ساعتين ونصف ... توجهت عشتار الى غرفتها، نزعت قرطي اللؤلؤ عن أذنيها، وضعتهما برتابة على المنضدة... أزالت المشبك الذهبي الذي كان يتغلغل في شعرها... ألقت الوشاح الهندي جانبا وخلعت نعليها ... أعدت لنفسها متكأُ أمام التلفاز ، أخذت تقلب قنواته محطة تلو أخرى ... لا شيء يستحق المشاهدة، تناولت كتاب غسان الكنفاني - عائد الى حيفا - قلبت صفحاته صفحة تلوى اخرى حتى قرأت: "جئت ألقي نظرة على بيتي. هذا المكان الذي تسكنه هو بيتي أنا، ووجودك فيه مهزلة محزنةً ستنتهي ذات يومٍ بقوة السلاح. تستطيع إن شئت أن تطلق علي الرصاص هذه اللحظة، ولكنه بيتي، وقد انتظرت عشرين سنة لأعود إليه .. وإذا ... "
وهنا غالب عشتار النعاس، وبعد بضع ساعات تململت جفونها ... تفتحت اطرافها واغلقت من جديد... بعد دقائق استيقظت مذعورة... تبحث عن أندريه في كل ارجاء المنزل، تطالع النوافذ لتجد الشمس قد بزغت... إنها السابعة صباحاً وأندريه لم يعد بعد... أو هكذا بدا لها.
بعد بحثٍ مضنٍ وجدت ورقة صغيرة معلقة على باب الثلاجة: " عزيزتي، لقد واجهتني بعض الاعمال الطارئة فعدت متأخراً مساء أمس ... وجدتك نائمة على الاريكة ولم ارغب بازعاجك... واليوم اضطررت للمغادرة باكرا... أنا آسف، قد نلتقي مساءً ، أحبك"
ضمت الورقة في راحة يدها حتى انكمشت فأضحت مكورة تسري بداخلها مئات الانكسارات التي تقاطعت، كحال فؤاد عشتار مؤخرا الذي اصبح هشيماً تذروه الرياح، لا لذنب مباشر اقترفه أندريه سوى الهجران الذي اضحى يحيط بعلاقتهما، فبعد ثلاث سنوات من زواجهما تسرب الجمود الى قلبيهما ... تبلدت المشاعر... لم يخطئ أحدهما بحق الاخر ، ولكن انشغال اندريه في الفترة الاخيرة وطول غيابه المتواصل والمتكرر خلق فجوة وجفافا لم تعهده عشتار من زوجها.
حدثت نفسها كثيرا "لعلها ايام وتنقضي" ، لكن الانشغال أو التشاغل ما لبث ان تفاقم، كثيرا ما وعدها فتزينت وانتظرت لكن اميرها لم يحضر، كثيرا ما فَتُر طعام العشاء وخبت فُقاعات سخونته على مائدةٍ مزينة بالشموع، حتى تلك الشموع كثيرا ما ذابت خجلا من عيون عشتار التي ترقب الساعة عن يمينها والنافذة عن شمالها.
في شهر آب من عام 2000 أفل نجم أندريه عن المنزل وطال غيابه... زادت سفراته وامتدت... اخباره قد انقطعت بالاسابيع، حتى ضاقت عشتار ذرعا ... لم يحزنها انشغاله عنها بقدر ما ألمها غيابه غير المبرر ... غيابه الذي طال دون اعتذار أو سؤال أو مجرد إخبار.
عاشت عشتار حالة من الصدمة لاكتشافها ما اعتبرته الجانب المظلم من شخصية اندريه ... لم تعرف على وجه التحديد إن كان يتصرف على طبيعته أم أنه تغير ام أن هنالك أمر تجهله يجعله مضطرا لهذا الجفاء ... لم تستطع أن تجزم بسيئاته أو أن تنسى نبل طباعه خلال السنوات الثلاث التي مضت ... لكن ما الذي استجد عليه... ما الذي يحدث... "هل يا ترى الخطأ مني !" - تساءلت عشتار-
في بداية شهر أيلول وبعد ايام واسابيع من الجفاء... عاد أندريه إلى منزله... عاد متوترا هذه المرة ، وضب حقيبته بمتاعٍ قليل وطلب من عشتار أن توضب حقيبتها .
وقفت في منتصف الغرفة كالتائه ليلا في صحراء لا قمر فيها ينير ولا نجوم ترشد، تساءلت: إلى أين سنذهب ؟
أجابها ويديه تتلقفان الاغراض من كل مكان: لا أعلم، فالمهمة سرية كما قيل لي، ولن يكشف عن جهة الوصول إلا بعد أن تحط الطائرة رحالها.
- وهل أنا مضطرة للذهاب.
- لا خيار لدينا، كتاب التكليف جاء حاسما "...عليك أن تغادر البلاد على متن طائرة عسكرية خاصة من قاعدة أورلي الجوية... إن طبيعة المهمة ومدتها تقضيان باصطحاب زوجتك..."
- أندريه، ما الذي يحصل ... لست افهم ما الذي يجري ؟
- لا تقلقي عزيزتي... على ما يبدو أنها مهمة تنسيق عسكري، مجرد بروتوكلات... إنه عمل سياسي نوعا ما بأبعاد عسكرية... من المؤكد أنها لن تكون عملية ميدانية وإلا لما سمحوا لكِ بالسفر.
- وما الحاجة اذن لوجودي !
- من الظاهر أن المهمة سرية وحساسة، ربما تحتاج لغطاء اجتماعي ذو صبغة عائلية، ربما...
قال "ربما" ثم صمت... استرعى صمته فضول عشتار فأردفت قائلة: ربما ماذا ؟ فقال: لا شيء مجرد تكهنات... لا أريدك أن تتأملي ثم تصابين بخيبة أمل، أجابته عشتار: "لا مشكلة لدي... فقد اعتدت على خيبات الامل" ...
همدت تحركات أندريه وتوقف عن توضيب اغراضه، القى القميص الذي كان بيده على مرتبة السرير ... نظر إلى عشتار وقال "عشتار.. ما الذي يدفعك لهذا القول .. عن اي خيبة امل تتحدثين !"
غصت عشتار بما لديها من كلمات، كادت ان تبوح له بما يزعجها ، بكل الخواطر التي جالت في ذهنها عن تغيره وابتعاده وجفاءه... كادت ان تعاتبه أو تصرخ بوجهه ولو قليلا... إلا أنها آثرت أن تقول: "لا شيء.. لا شيء مهم .. قل لي انت ربما ماذا ؟ "
نظر اليها وقد ازعجته الاجابة، فاستكمل توضيب حقيبته وأردف قائلا: "لا اعلم .. كنت افكر ان الرحلة قد تكون الى بيروت مثلا !"
أطرقت عشتار عندما سمعت اسم مدينتها، وهي التي لم تذهب اليها منذ اربع سنوات .. منذ عام 1996 .. أي منذ المذبحة المروعة، تساءلت فيما بينها: "هل حقا تريدين الذهاب، أًتقدرين على ذلك !"
4
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
الفصل الخامس
"وجهة غير معلومة" 2000
فجر يوم الأحد الموافق 3/9/2000 انطلقت الطائرة العسكرية المعدة لنقل أندريه وعشتار من قاعدة أورلي الجوية جنوبي باريس متجهة نحو الشرق ... بدأت اعتقادات أندريه تتأكد... " نتجه شرقا ، على ما يبدو أن الرحلة تتجه صوب بيروت"... هذا ما قاله أندريه لعشتار بنوع من الثقة بُعيد انطلاق الطائرة بقليل.
بُعيد ساعة بزغت الشمس من مشرقها، فأضحى الكون منيرا ، زرقة المياه بدت وكأنها لا تنتهي، هنالك بالافق امتزجت السماء بمياه البحر الابيض المتوسط، "لماذا لا نستطيع ان نكون كذلك !" فكرت عشتار :
"... يا الهي... أرضٌ وسماء ، فضاء وماء... يلتقيان في الافق... ما بالنا نحن البشر نبتعد !"
نظرت صوب أندريه فوجدته مستغرقا في حديث مع زملائه ... كانت تتأمل أن تمضي مدة الرحلة الى جانبه... فكرت في نفسها: "خمس ساعات إلى جانبه في الطائرة من شأنها ان تجعله يعيد النظر بجفاء الفترة السابقة، قد أعاتبه قليلا ... فيبرر ثم يعتذر اعتذارا خفيفا ويبتسم... فأبتسم لابتسامته وينتهي الامر... "
تلك الرحلة الجوية كانت مخيبة للأمل .. لم يتسنَ لعشتار أن تجلس مع اندريه... فخفضت سقف توقعاتها، لم تعد تنتظر اعتذارا ولو كان خفيفا... اضحت تنتظر ابتسامة عابرة... أو كلمة لطيفة، أو مجرد حديث عام يكسر ذلك الجمود الطويل ... "لا شيء !"
تذكرت يوم ان التقت به في ساحة فاندوم... تذكرت يوم أن سارا سويا في شارع كومبون ... كلاهما كانا يبحثان عن اي شيء ليقال ... واليوم لديها الكثير مما تود قوله لكن لا أحد مهتم بان يسمع.
بعد مضي اربع ساعات... جلس بجانبها... ظل صامتاً ... حاولت ان تبدأ : "هل تعلم متى نصل ؟"
- اجاب باقتضاب: "بعد ساعة تقريبا ..." ثم صمت وظل صامتاً.
- حسناً.. هل علمت اين وجهتنا ؟
- لا.. ولكني شبه متأكد .. فقد حلقنا لمدة اربع ساعات باتجاه الجنوب الشرقي ولا يزال أمامنا ساعة .. لا بد أنها بيروت اذن.
ثم صمت كلاهما حتى اعلن الكابتن عن ضرورة ربط الاحزمة استعدادا للهبوط... نظرت عشتار من نافذة الطائرة لعل عيناها تحتضن شواطئ بيروت... لكن الشاطئ كان لا يزال بعيدا ... مع مرور الوقت بدأت المعالم تتضح... ها هي اليابسة ... وها هو المطار ... "هل تغيرت بيروت" !!
فالارض هنا غير الارض .. والشاطئ غير الشاطئ... حتى مدرج المطار يشبه كل شيء الا مدرج مطار بيروت ...
"أندريه أين نحن ؟" قالت عشتار... لكن سؤالها ظل معلقا بانتظار الاجابة .. ولا اجابة لدى اندريه...
استقرت الطائرة على مدرج المطار... اشارة ربط الاحزمة أُطفأت... بوابة الطائرة فتحت على مصراعيها... عشتار وافقة على بوابة الطائرة وفي مرمى ناظريها علم ازرق ذو نجمة سداسية !
صعقت عشتار من هذا المشهد الذي تلقفته عيناها بمجرد ما أطلت برأسها من بوابة الطائرة... بادئ الأمر لم تصدق ما يحدث ... ثم ما لبث عقلها ان استرجع مئات الصور والمشاهد والافكار في محاولة فهم ما يجري... "هل هذه مزحة ! ... لا .. ربما نحن في منطقة حدودية بين لبنان و"اسرائيل" .. غير ممكن .. ذلك المطار وكل هؤلاء ناس ... هذه ليست حدود ... هذه بالتأكيد "اسرائيل" !!!
أخذت عشتار تحدث نفسها بجنون "يا الهي هذه اسرائيل... انا في اسرائيل ... لقد أحضروني إلى اسرائيل .."
بعد اضطراب وتشويش وتداخل بالافكار ايقنت عشتار حقيقة الامر... فما ان استوعبت ذلك حتى شعرت برجفة في جميع اطرافها، قلبها بدأ يخفق سريعاُ ، عيناها تتقافزان من محجريها... لسانها المعقود يتهادى على حروف اللغة فلا يجد منها حرفا... ثم رأته أمامها "أندريه .. أندريه .. هو من احضرني" فصرخت: " أندريه ايها الاحمق احضرتني إلى اسرائيل... لماذا جئت بي الى هنا... ماذا فعلت لك !! أيها الخائن ... " وما لبثت الا أن انهالت عليه ضربا بحقيبة يدها وهي تصرخ " أيها الوغد الأحمق" ... أصبح أندريه يتلافى ضرباتها ... تراجع الى الخلف حتى كاد يتعثر من على درج الطائرة ... ثبته زملاءه ... كاد أحدهم أن يمسك بها عنوةً فصرخ به "اتركها .. لا تلمسها .. ابعد يدك عنها..." فابتعد على الفور وهي لا تزال تصرخ في وجه أندريه وتوجه اليه الضربات تلو الضربات ... وهو ما ان استعاد توزانه حتى ثبت يديها بقوة ، فأخذت تضربه باقدامها .. فضمها اليه ورفعها عن الارض ، فتناثرت يداها وقدماها في مرمى الريح ، اضحت تحرك اطرافها بعشوائية ... وأندريه يسير بها نحو مبنى المطار وهي لا تزال على حالها تلك ... كان آخر ما رأته بضع كلمات بحروف عبرية مثبتة على حائط المطار وعلم "اسرائيل" يرفرف خفاقاً مع هبات الهواء... فأغمضت عيناها وهمدت اطرافها... جذعها تراخى وعنقها تدلى... غابت عن الوعي.
****
صوت بعيد يهذر بكلام غير مفهوم، ظلالٌ تتراقص ذهابا وايابا أمامها... بين الفينة والاخرى تحجب تلك الظلال نورا ساطعا ينبعث من مكان ما... بتثاقل عجيب جفناها يتباعدان عن بعضهما البعض ... الصوت اضحى اكثر وضوحا... "شكرا لك ايها الطبيب.. وعذرا على الازعاج لكن الامر كان مجنونا... كان هستيريا بالفعل" صوت آخر يرد عليه " لا تقلق سيد اندريه ، إنه مجرد انهيار عصبي، أعطيتها ابرة مهدئة ستنام منها الان، عندما تستيقظ قد تشعر بدوار بسيط وبعض الصداع فلا تقلق..." همدت الاصوات شيئا فشيئا... تلك الانوار بدأت تتلاشى ... الظلال اختفت... فقط صمت عقيم أدخل عشتار بسبات عميق.
بعد مرور عدة ساعات كان العطش قاتلا... فمها جافا ولسانها لا يقوى على الحراك، تبتلع حلقها فتشعر بغصة مريرة، شفتاها قاحلتان، جفناها يتفتحان ببطئ كبتلات زهرة ........ في الصباح، ومع كل تفتيحة تسري حرقة في مقلتيها... كذرات رمل صغيرة تنتشر بين باطن الجفن وبياض العين، بدأت عشتار تستعيد وعيها، استيقظت رويدا رويدا لتجد نفسها على سرير لا يشبه سريرها ، وفي غرفة لا تشبه أبدا غرفتها... استيقظت فزعة وهي بالكاد تستطيع تفسير ما حصل، بدا الامر كحلم مزعج، ولكن المزعج أكثر أن تستيقظ وتجد ذلك الحلم يتحول الى واقع.
بقدمين باردتين تنقلت عشتار بين غرف ذلك المنزل، منزلٌ صغير نسبيا يتكون من طابق واحد فيه عدة غرف، نوافذه تلتصق بالارض ... تلك النوافذ اشبه بأبوب مشرعة، يمكنها مشاهدة الحديقة الخارجية من مكانها الذي تقف فيه، بضع خطوات اضافية كانت كفيلة بأن تنقلها الى الغرفة المجاورة حيث يجلس أندريه، ما إن رأها حتى نهض من مكانه مسرعا، تأبط ذراعها وأجلسها على المقعد القريب.
- عشتار ، هل إنتِ بخير ؟
- كلا، لست بخير، بل بأسوأ حال.
- عشتار.. أرجوكِ .. أنا لم ...
- اصمت اندريه ... اصمت.
- عشتار ... أنا...
- أنت... أنت ماذا ! سأقول لك، أنت مجرد كاذب... مخادع... لكن لماذا ؟ ماذا فعلت لك ؟ كنت وفية لك على الدوام... لم اخذلك يوما فلماذا خذلتني... أنا لا استحق ذلك منك ... لا استحق ذلك أبدا.
ثم انخرطت عشتار بدوامة من البكاء ... جعلت امر التبرير والتفسير على اندريه في غاية الصعوبة ولا سيما انها لا تزال في مرحلة انهيار عصبي.
- عشتار... أرجوكِ لا تقلقلي سنعود قريبا، لن نمكث هنا مدة طويلة.
- وكأن هذا يفي بالغرض ! وكأن هذا من شأنه أن يغلق جميع القبور التي نبشت ... هل تعتقد أن باستطاعتي تجاوز الامر بسهولة... لقد تطلب مني ذلك سنوات في ما مضى ... لماذا تنتقم مني ... أجبني ماذا فعلت لك !
- عشتار... لم تفعلِ شيئا... إنه عملي... لم ارتب لشيء ولم أسعى لذلك... أرجوكِ صدقيني...
- لا يهم اندريه... إنهِ ما اتيت من أجله ودعنا نغادر مسرعين، أما أنا فلن ابرح عتبة هذا المنزل.
اعتكفت عشتار في ذلك المنزل منذ لحظة وصولها، مرت عدة ايام وأندريه منشغل من الصباح وحتى ما بعد منتصف الليل، كان الامر يصبح أسوأ يوما بعد يوم... حتى أتى ذلك اليوم ... إنها صبيحة يوم الخميس الموافق 28/9/2000 حيث قام اليهودي المتطرف ارئيل شارون باقتحام باحات المسجد الأقصى في محاولة للاعتداء على المقدسات وتدنيس كرامة الأمة... فكان الرد عظيما ... يتناسب مع فظاعة الجريمة... إنها انتفاضة الاقصى المباركة، حيث هب حماة الديار ليدافعوا عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين... هب الاطفال من مدارسهم والنساء من بيوتهن والشيوخ من محاريبهم ... هب الرجال والصبيان ليستردوا كرامة هدرت وقدسية استبيحت... استبدل الاطفال حقائبهم بالحجارة، وبذلت الأمهات فلذات اكبادهن فداءً للأقصى، واستبسل الرجال فاستبدلوا أنات الخنوع بصيحات الله اكبر.
تنادى اليهود وعملاءهم من كل حوب وصوب... وسلطوا الة الحرب الامريكية على صدور الرضع والركع... فكانت المجزرة !
4
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
منسقة الربط العام للشبكة
Array
- معدل تقييم المستوى
- 240
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
-
عضو مميز
Array
- معدل تقييم المستوى
- 140
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم ابتدائي
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
جامعة أخرى داخل الاردن
الاتجاه الفكري :
I don't believe in puppets and plays .......not any more
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
الفصل السادس
غزة30/9/2000
في خريف عام 2000 وبصحوة شمس عكست أنوارها على ظلال ليلة شاحبة، وتحديدا في صبيحة يوم السبت الموافق 30/9/2000، استيقظ "جمال" كأي أب يسعى للظفر بلقمة عيش تسد رمقه ورمق أطفاله الذين لوعتهم حمى الحرب وشراهة التدمير، استيقط "جمال" وايقظ طفله "محمد" المدثر في فراشه الرث، فراشه القابع في بيت فلسطيني متواضع... متهالك.
في صبيحة ذلك اليوم يصطحب "جمال الدرة" طفله "محمد" إلى المدرسة، بالقرب من المنعطف وعلى رأس شارع صلاح الدين ترقد قوة عسكرية يهودية تشهر بنادقها بوجه كل الملائكة المتجهة الى محاريب العلم، السماء حزينة هذا الصباح... فهنالك فاشيٌ يتربص بذاك الطفل واباه... يحتميان بساتر من الاسمنت... الطفل يتلحف كفي ابيه العاريتين، الاب .. لو كان له أن ينتزع جفنيه لتتلقفا الرصاص عن ابنه لما توانى عن ذلك ، إلا أن رصاص الغدر أصر على اختراق الجسد الصغير... طلقة تلو طلقة نهشت فتات طفلٍ بين يدي والده... فاضت الروح الطاهرة الى بارئها ... تقصفت اجنحة الملاك الصغير... فانبعث طيرا في جنات النعيم اسمه محمد الدرة.
ما هي الا دقائق، حتى امتلأت شاشات التلفزة بصورة الملاك الشهيد والاب المصاب... عشتار التي كانت تتابع قناة فرانس 2 – صاحبة السبق في بث مشهد المجزرة – لم تستطع أن تتمالك نفسها وهي تشاهد تلك اللقطات المروعة، كان الاب يصرخ "مات الولد.. مات الولد" ويداه تلوحان بالأفق تحاولان التصدي لرصاص الغدر قبل ان يخترق جسد الملاك الصغير، ذلك الملاك الراقد خلف ابيه، يحاول أن يحتمي بأي شيء أو اللاشيء.
أثار ذلك المشهد عاصفة من الذكريات المروعة، عاد بها الى بيروت، الى عام 1996 يوم أن ركضت بأرجاء البيت مذعورة تطاردها الرصاصات الصهيونية من غرفة الى أخرى، لتتلقف رهطا من اهلها وتتركها وحيدة جريحة...
ما ان شاهدت عشتار مقاطع الموت المحتم للشهيد محمد الدرة، حتى اصابها انهيار عصبي بعد ان انهالت عليها الذكريات المؤلمة، ولم تستطع ان تتمالك نفسها بعد ان تنبهت الى أن زوجها أندريه قد يكون جزءً من هذه العملية القذرة... وما هي الا لحظات حتى أيقنت أن بعض أولئك القتلة لا يبعدون عن محل اقامتها سوى أمتار قليلة... أولئك المحتلون القتلة... ها هم يسيرون أمامها في الشارع المجاور... خرجت عشتار من ذلك المنزل صارخة بوجه قطعان اليهود الهائمة في شوارع تل ابيب المحتلة: "أنتم قتلة... شرذمة بلا تاريخ... اخرجوا من ارضنا أيها السفلة..." أصابت عشتار هستيريا عمياء أفقدتها الوعي وتركتها مغماً عليها .
4
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
-الفصل السابع-
تل ابيب 30/9/2000
هناك خلف بضع شجيرات تتسابق أوراقها المصفرة نحو أرض مقدسة، تتبدى أطلال ذلك المنزل حيث ترقد بمحاذاة بابه الحزين حقيبة سفر صغيرة لم ترتح بعد من عناء رحلتها السابقة.
في الغرفة المجاورة وقف بكامل تألقه ، يراقب انعكاس صورته في المرآة المقابلة لتعابير وجهه، بهيا كعادته بشعره الأسود المنسدل على جبينه الرقيق، وبعينين تعكس بريق ضوء خافت ينسدل من نافذة مجاورة، بمعطفه الأسود ذو الياقة العسكرية وبأكمامه التي تنكشف عن نهاية قميص أبيض مرصع بأزار فضية ممهورة بشعار تعرفه جيدا، ذات الشعار تراه دوما وقد تمركز بعناية على شمال معطفه الأسود .. فوق نبضات قلبه تماما ... ذلك الشعار تغبطه أحيانا، بل تغبطه دائما؛ فهو أقرب إلى قلبه منها ... تراقب حذائه الأسود اللماع يحتضن قدما ويلتف على الأخرى، تراقب بل تتأمل أصابع يده اليسرى وقد خلت من خاتم كان يجب أن يكون، تبحث عن أثار ذلك الخاتم في محيط إصبعه؛ دائرة أفتح من غيرها تعكس ظل خاتم بسماكة ثلاث مليمترات ... هي الأخرى قد اختفت... أصبح لون الجلد متناسقا هذه المرة !
على الرغم من اعيائها واستيقاظها توا من غيبوبتها إلا أنها وقف مطولا عند تلك الفكرة، "كم من الوقت مضى على آخر مرة ارتدى فيها ذلك الخاتم !" كادت ان تخونها الكلمات فباعدت بين شفتيها لنطق السؤال، لكنها سرعان ما أطبقته وابتلعت كلماتها.. غصت بها... تنحنحت بهدوء علها تزيل أو تخفف من غصتها، لكنها لم تستطع فقد خنقتها تلك العبارات فزلت بها عبراتها، خشيت من دموعها أن تفضح أمرها فكتمت أنفاسها وأشاحت بوجهها جانبا قبل أن يلاحظ سيل آهاتها المنسكب، انعكاس دموعها يشكل جدولا رقراقا على عتبات مرآته... لكنه لم ينتبه أبدا... لم يكن لديه الوقت ليلاحظها... لينظر إليها... أو حتى ليلاحظ أنه قد نسي خاتم زواجه على رف المغسلة في حمام الطائرة أو ربما على حافة حوض الاستحمام في فندق جورج الخامس في باريس أو لعلها مبعثرة على منضدة فارهة في إحدى غرف فندق رويال لانكستر في العاصمة البريطانية لندن.. أينما كان ذلك الخاتم... من يهتم ! إن كان صاحبه لم يلاحظ فراقه أبدا، ولربما هي الوحيدة في العالم التي لاحظت اختفاء جزء من حياتها دون مبرر
Hôtel Ritz - Place Vendôme
استعادت ماضيها الموخوز بسيف حاضرها، لم يستيقظ ماضيها على نحنة منه أو على وقع قبلة عابرة، بل هي بضع رشات من عطر فرنسي كانت كفيلة بأن تنقلها من تل أبيب الى باريس وأن تعيدها من عام 2000 إلى ذكريات باريسية من عام 1997؛ فأحيانا بعض الذكريات توقظ البعض الآخر... شذا عطر أو صحوة شمس أو نفحات هواء محملة برائحة تراب في أول الشتاء ... توقظ فينا أحاسيس وذكريات قد خمدت نارها واستوت على الجودي أسرارها... وذلك ما كان ؛ فرائحة عطره همست بماضيها، بضع رشات من عطرٍ فرنسي أيقظت شريطا من الذكريات ونبشت قبورا في عمق الذاكرة، عادت بها إلى ليلة من ليالي باريس من عام 1997 يوم أن التقت به أول مرة... عندما اصطفت سيارة فارهة تحمل نمرة عسكرية في ميدان بلاس فاندوم بمحاذاة فندق ريتز
***
استيقظت من ذكرياتها الباريسية وعادت الى واقعها الأليم ، عادت الى تل أبيب على وقع كلمات مشابهة لتلك التي كانت في باريس، يوم أن اقترب منها وبيده زجاجة عطر بشذى البحر فسألها "ما رأيك عشتار!"
فتحت عيناها فوجدته من جديد أمامها ... اقترب أكثر .. نظر إليها متسائلا ودلّى هذه المرة ساعتين أمام عينيها، ثم كرر سؤاله: "ما رأيك عشتار .. أيهما أرتدي ؟"
- وهل هذا مهم !
- نعم ، لدي مقابله هامة
- لكنك عدت للتو !
- عدت أجهز نفسي من أجل هذه المقابلة.
- إذن لن تمكث هنا طويلا !!
- لا.. سأعود إلى باريس بعد المقابلة مباشرة.. سأمكث هنالك عدة أيام.
- وانا .. إلى متى ؟
- إلى متى .. ماذا !
- إلى متى سأبقى هنا... إلى متى هذه الحالة ؟
- إلى أن تنتهي مهمتي.
- المهام التي تبدأ على هذه الأرض تنتهي بالقتل عادة !
- لا تخافي يا عزيزتي .. سأكون حريـصا...
- بل لا تخف أنت... فلست المقصود.
- من إذن !
- لست تعلم !.. سأخبرك .. الطفل في مهده .. التلميذ في مدرسته.. الزوجة في بيتها والزوج في عمله ... كل هؤلاء يموتون بسبب تلك المقابلات التي تجريها أنت وغيرك ... في كل مرة تقول لي عندك مقابلة أتساءل بيني وبين نفسي: كم هي عدد الأرواح التي ستكون مسؤولا عن قتلها !!
- ليس الامر كما يبدو.
- حقا .. كيف يكون إذن ؟ .. تتبادلون التهاني وتلعبون الورق ... أم أنكتناقش باسم الحكومة الفرنسية سبل تقديم الدعم لليهود ... هل تظن أني لا اعرف طبيعة عملك... ها انت تخرج كل صباح لتلتقي قادتهم وتحدثهم باسم حكومتك... تنسق معهم وترتب الأمر في محاولة لاطالة أمد صمت حكومتك والمجتمع الدولي عن جرائمهم... تعطونهم الضوء الأخضر ليستمروا في القتل والقتل فقط ... هذه هي مهتمك يا اندريه ... مهمتك التي تنتهي كل مساء بمزيد من القتل.
عندها رن هاتفه.. كان السائق يستعجله فالموعد بات قريبا ... نظر إلى الهاتف ثم التفت إليها وقال: عزيزتي هلا ناقشنا هذا الموضوع لاحقا، فأنا على عجلة من أمري، قال عبارته التي ينهي بها نقاشه دائما ثم توجه نحو الباب.. حمل حقائبه... أطبق يده على مقبض الباب ثم توقف... توقف على وقع كلماتها، التفت نحوها والدموع تتناثر من عينيها... تختنق بعبراتها... وكمن يدوس على أشلائه نطقت: إذن اذهب واستمر في قتل الناس .. لكن عندما تعود لن تجدني في انتظارك .. فلقد سئمت الانتظار !
وقف مدهوشا مما ألقي على سمعه فهذا قول لم يكن يتوقعه يوما... نظر إليها فكانت شاحبة... حزينة... لم يمتلك سوى أن يهرع إليها ... ضمها بين ذراعيه وبعد قبلة حانية زرعها على جبينها قال: عزيزتي... أنا مضطر للرحيل الآن لكن أريدك أن تعلمي أني لم اكف يوما عن حبك ... لذا أرجوكِ لا ترحلي... سأكلمك من الطائرة ... سوف نتحدث ... أعدك سنجد حلا.
يَعدُها من جديد... قد يخلف وعده لكنه لايزال يحبها ... وهي.. لا زالت تحبه ... ومع ذلك يجب أن ترحل... فالبقاء هنا يؤرقها ... يعمق جراحا ما كان لها أن تندمل ويحيي مآسي اندثرت في مقبرة النسيان... يجب أن ترحل .. ستعود إلى باريس .. نعم ليست وطنها لكن على الأقل تبقيها بعيدة عن كوكب الأحزان ... أو تبقيها بعيدة عن الذاكرة.
الهاتف يرن من جديد... إنه السائق، واليد ذات اليد تمتد نحو مقبض الباب ... والحقيبة .. تلك الحقيبة التي لم تسترح يوما ها هي تغادر من جديد... وهو ... ذهب كعادته...
تركها وغادر على الرغم من توسلاتها .. من دموعها أو تهديدها، قالت له سأترك المنزل ! جفل ... ثم وعد ثم ذهب ! وقفت من بعده وحيدة تصارع غضبها ... اتكأت على الباب الموصد من بعده وأدارت ظهرها لِطَيفِه، تجمعت الدموع في مقلتيها ... لسعت بياض عينيها ... فاضت الدموع حتى أسدلت غشاوة على ناظريها، لم يحتمل الجفن حبس الدموع اكثر، فانهمرت حارة سخية ، كوت وجنتيها وحامت حول غمازين امتلئا ألما، حتى تجمعت دموعها كقطرات مطر أسفل مُحياها، تبلورت كماسة رقيقة ...
ماسة تهدلت نحو عنقها حتى اشتبكت مع سلسلة ذهبية تحتضن جيدها، هطلت دموعها كنورٍ ينحني مع تقوسات العِقد، حتى لامست اطرافه... هناك حيث يتدلى صليب غُسل لتوه، حيث تقاطرت الدموع عليه من رأسه حتى منتهاه ... في منتهاه تجمعت دموعها فتساقطت في قرار مكين.
أطرقت بناظريها نحو الصليب المبتل، فطرأ في ذهنا خاطر؛ كم تشبهها دموعها ! كلاهما خرج عنوة من حيث ينتميان، فشقا سبيلهما نحو درب من الألام، ليصلب كل منهما في نهاية المطاف، دموعها شقت درب ألامها الخاص... تماما كيسوع المخلص ... امتشق دربا كان نهايته صليب وقرار مكين وخلاص أكيد !
فهل ستخطو عشتار بقدمين حافيتين جميع الدروب المقدسة تحمل صليبا من الذكريات، ألم يطهرها "الهروب الاول" من خطيئة الذكرى، أم أن النسيان بحد ذاته خطيئة لا تغتفر !!
راودت عشتار بعض الهواجس؛ ألا تكفي اربع سنوات للنسيان ، ام يجب ان نغادر أجسادنا ليصبح الامر مجرد ذكرى ! .. شعرت بالماضي كأنه لعنة تطارها، فما وجدت بداً من ان تتضرع بالدعاء نحو السماء ...
"يا ربي أنت اله السلام ونور المحبة ، فيك الخلاص وإليك المناص، على شط عفوك نتفيأ الرواسي وإليك نؤخذ بالاقدام والنواصي...
أيها الرب العظيم، أوصيت عبادك المخلصين بقولك: "لا تقتل" ، لكن اتباع الشيطان تجاهلوا وصاياك .. تحدوا جبروتك، فاحتلوا الارض واستباحوا العرض، يتموا الاطفال ورملوا النساء، أهانوا الشيوخ وذلوا الرجال، دنسوا المعابد وهدموا المساجد...
إلهي... إليك أصلي أن تعطينا صدقاً لنعرف حقيقتنا، وشجاعة لنطرح عنّا ما يكمن فينا من حقد دفين. وقوة لندفع عنّا ما يتربص بنا من ظلم عظيم، ولنجد فيك أيها المحبّة الكاملة، الطريق الذي يقود إلى السلام، في الطاعة لمحبتك وحقّك.
" للحب وقت وللبغضة وقت. للحرب وقت وللصلح وقت" آمين.
رتلت عشتار صلواتها، حاولت تجفيف دموعها بلا فائدة فتركتها على سجيتها، حتى نهضت على حالتها تلك لتوضب اغراضها استعدادا للعودة الى باريس.
***
في الوقت الذي كانت فيه عشتار تتلو تراتيل الحب والسلام، كان أندريه في المقابل يتلو تراتيل الحرب، تراتيل حربه التي اندلعت بوازع من تأنيب الضمير... ركع على ركبتيه أمام صليب معلق في مقر عمله داخل السفارة الفرنسية وصلى:
" إلهي... أركع في حضرتك وأستهل صلاتي اليك بالاعتذار، ففي عالم مملوء بالخطيئة قد يكون من الصعب تجنب حدوث الحروب. أحياناً يكون السبيل الوحيد لمنع الخطاة من إيذاء الأبرياء هو محاربتهم.
وأنا الذي اتبعت تعاليمك في العهد القديم وفيه أن "انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين.." وتعاليم سفر صموئيل الأول وفيه: "إذهب وحرِّم الخطاة عماليق وحاربهم حتى يفنوا." ، " لقد أمر الله شعب إسرائيل أن يحاربوا الأمم الأخرى مرات عديدة ".
إلهي... وقفت دهراً أحارب في سبيل تبجيل ملكوتك، كنت راضياً عن كل المهام التي ابتعثتني بها في ارضك، وعلى الدوام كنت أعي أني جنداً من جنود الرب الذين يحاربون لتمجيد اسمه السلام.
أما اليوم فإني اقف على بابك متسائلا: كم من الجرائم يجب أن ترتكب باسمك ! كم من الحروب يجب أن تندلع زوراً بسيفك !!
إلهي... لست اجدف بحضرة ملكوتك، لكني كحال كل المتشككين، أصلي لك لتهديني إلى طريق الصواب، لتهبني من الفطنة ما يرشدني الى سواء السبيل ومن العلم ما يرشدني لملاحظة اشاراتك النورانية ومن الحكمة ما يؤهلني لاتباع تلك الاشارات والانقياد لها، فلست اليوم ادري إن كنت اخوض هذه الحرب باسمك أو ضدك !
"للحب وقت وللبغضة وقت. للحرب وقت وللصلح وقت" آمين
ما ان انهى اندريه صلواته حتى قُرع الباب ، نهض من فوره وجلس خلف مكتبه، دخل عليه أحد أصدقائه القدامى اسمه دارتانيان والذي يعمل حاليا في السفارة الفرنسية في تل ابيب، كان يحمل بين يديه قرصا مدمجا. ما ان دخل على اندريه حتى وضعه على مكتبه وسأله ألم تتابع الاخبار هذا الصباح ؟
قطب اندريه حاجبيه وقال: لا .. لم يتسنَ لي ذلك... ماذا يوجد في هذا القرص ؟ أجابه دارتانيان يمكنك مشاهدته بنفسك.
حمل أندريه القرص المدمج ووضعه في جهاز الحاسوب، ما هي الا لحظات حتى سمع صراخ أبٍ عاجز يذود بيديه عن طفله الصغير ... الطفل الذي اصبح هدفا لقناصة الاحتلال !
ما ان انتهى عرض الفيديو، حتى رفع اندريه رأسه وفي عينيه رقرقة دموع... سأل أندريه صديقه: كيف حصل ذلك ؟ فأجابه:
- أندريه، هذا ما يحصل كل يوم على هذه الارض.
- ولكن ...
- ولكن ماذا... أندريه أنت صديقي، ومن حقك علي أن تعلم قبل غيرك، انا قررت تقديم استقالتي ، سأعود الى باريس.
- دارتانيان، لماذا ؟
- لأن كل من يقتل هنا ظلما نحن شركاء في دمه... نحن نعمل ليل نهار من أجل التغطية على هذه الجريمة البشعة... ومن المفارقات ان مصور الوكالة الفرنسية هو من قام بتصوير هذه الجريمة... والان تطالبنا السلطات "الاسرائيلية" بتوجيه اعلامنا للادعاء بان الامر كان مجرد حادث... أو بالاحرى يطالبوننا بالاعلان عن أن هذا الطفل قتل بيد الفلسطينين ! أندريه.. على من نكذب ؟ على انفسنا ام على اطفالنا أم على زوجاتنها... وعلى ذكر زوجاتنا ، هل تعلم لماذا زوجتك هنا في تل ابيب ... ألم تسأل نفسك يوما لماذا زجوا بها في هذه المهمة وهم يعلمون انها عربية، ويعلمون معاناتها السابقة جراء مقتل ذويها على يد "الاسرائيليين" ... ألم يدعك ذلك للتساؤل !!
- بلى... في كل يوم اسأل نفسي ألف مرة لماذا ارادوا ان يحضروا عشتار الى هنا ... في كل يوم استيقظ صباحاً واخرج من البيت خلسةً منها خجلا من نظراتها... في كل يوم اهرب منها... أتجاهل مكالماتها الهاتفية بذريعة الانشغال ولكني في الحقيقة خجلٌ منها... لا اقوى على مكالمتها... ولا أجرؤ على أن اضع عيني في عينها... هذا الصباح وبختني ! اتهمتني بالقتل... لم أفهم ذلك... لم أكن اعرف بهذه الجريمة ولم أعلم أن عشتار شاهدتها... لا بد أنها تذكرت عائلتها... وهي لا تزال صغيرة، صبيةٌ صغيرة... تلاحقها الرصاصات من مكان الى مكان... تخترق جدران منزلهم لتستقر في قلب والدها، في رأس أمها، في صدر اخيها... يا الهي ماذا فعلت !! طوال الوقت كنت أغطي جرائم الاحتلال وبذات الوقت كنت ارتكب جريمة بحق زوجتي.
- لا يا اندريه... لم نرتكب الجرائم في حق زوجاتنا فحسب... بل بصمتنا وتستيرنا كنا نرتكب جريمة بحق الانسانية... أندريه لم ننتبه يوما إلى أن "الظلم في مكان ما ..." والان هل تعلم لماذا احضروا زوجتك الى هنا ... أرادوها بين قتلة ذويها حتى تتوتر علاقتك بها... فالقيادة لم ترضَ يوما عن زواجك بعربية... لم يطمئنوا لارتباط شخصٍ برتبتك ومركزك بامرأة عربية...إنك تقوم بالكثير من المهام وبحوزتك العديد من الاسرار، لذا فإن الجميع يعتبر زواجك خطراً يجب التخلص منه...
- يا إلهي... ارادوني أن انفصل عن عشتار... كيف لم أتدارك الامر منذ البداية ! كم انا غبي !! اليوم قالت لي عندما اعود لن اجدها لا بد أنها ستغادر ، دارتانيان ... يجب أن اذهب الى عشتار... سنغادر من هنا .
- وسفرك اليوم الى باريس ! ، طائرتك بعد ساعتين.
- دارتانيان ... ارجوك الغهِ من أجلي... لن اسافر الا مع عشتار ، ولن نعود الى هنا ... فأنا استقيل.
***
في الوقت الذي كان فيه اندريه يقدم استقالته كانت عشتار في المنزل تجري اتصالا هاتفيا .. عبر الهاتف سمعت صوتا يهذر بالعبرية، اشمأزت فاقشعر بدنها؛ قد كان يقززها ذلك الصوت وتلك اللغة، ردت عشتار على الصوت الاخرق بجلافة: تكلم بالفرنسية اذا سمحت أو بالانجليزية إن اردت.
- رد الصوت بالانجليزية: تفضلي سيدتي وكيل السفريات في خدمتك
- أريد أن أحجز تذكرة على اول طائرة ذاهبة إلى فرنسا.
- نعم سيدتي، حظك جيد؛ الغى أحدهم حجزه على طائرة اليوم، يمكنك القول بأن هنالك مقعد متوفر لكنه في الدرجة الاولى.
- لا يهم، انا قادمة !
غادرت عشتار ذلك المنزل في تل ابيب غير آسفة؛ لم تعتبره منزلها على أي حال، لم تلقِ عليه نظرة الوداع ولم تكبد نفسها عناء النظر اليه لآخر مرة ولو كان ذلك من خلال الزجاج الخلفي للسيارة الزاحفة نحو مطار "بن غوريون" .. نعم كانت تشعر بتلك السيارة وكأنها تزحف زحفاً !
في الطريق نحو المطار اضطرت عشتار لتشيح بوجهها عن واجهات المحلات المترامية على جوانب الطريق، لم تحاول بأي شكل من الاشكال ان تطبع في ذاكرتها تفاصيل الوداع الآخير، لم تجذبها الاعلانات ولم تطارد المارة بناظريها؛ قد غادرت وكل ما كان يشغل تفكيرها الابتعاد عن هذا المكان بأقل ما يمكن من ألم ، فقد كانت تكرهه وتكره كل ما فيه.. تكره رسم الحروف المتناثرة في الشوارع كما كرهت اللكنة التي تنطق بها، كرهت صوت المذياع وشكل السماء، هُنا .. كرهت عشتار اشراقة الصباح وتحية المساء وكل شهيق اضطرت لتنفسه من هواء تختلط فيه أنفاس كل هؤلاء، كرهت تلك المدينة كما كرهت بحرها على الرغم من أنه ذات البحر الذي يطل على بيروت !
هاتفها الجوال يرن ... إنه اندريه ... تحمل الهاتف... تضبطه على وضعية الصامت، تنظر اليه... لا يزال اسمه على الشاشة يقرع مقلتيها، أشاحت بوجه الهاتف عن وجهها ، يعاود الهاتف الرنين من جديد... إنه اندريهمرة أخرى، لكنها هذه المرة أغلقت الهاتف نهائيا، لحظات تمر ... الهاتف يرن من جديد... إنه هاتف السائق هذه المرة ... التفت السائق نحو عشتار قائلاً: سيدتي إنه السيد اندريه ربما يريدك... خفق قلبها ... ترددت يداها ... اخذت الهاتف ... لامست اصابعها زر تلقي الاتصال ... لكن الاتصال انقطع... اعادت عشتار الهاتف للسائق وهي تقول: لا تجب على اتصالاته الان، يمكنك معاودة الاتصال به بعد ساعتين.
بكل ما أوتيت من قوة.. صمدت عشتار حتى وصلت لمطار بن غوريون .. من حسن حظها انها صعدت على متن الخطوط الجوية الفرنسية .. لم يكن الامر يحتمل كلمة عبرية اخرى أو "علم ازرق" يرفرف بالجوار !
ما ان اقلعت الطائرة حتى احتضنتها زرقة السماء وزرقة البحر، فتنفست عشتار الصعداء .. هي الان تبتعد .. كان الامر يستحق سرعة كسرعة الطائرة تحلق بها بعيدا فتخلق بينها وبين ألامها فجوة تتسع بحجم الأميال التي تنقضي مع كل دقيقة.
على متن تلك الطائرة المتجهة من مطار بن غوريون في تل أبيب إلى مطار شارل ديغول في باريس جلست عشتار مذهولة تصارع فيض الذكريات التي تجتاحها، ذكريات مركونة في زاوية العمر نفضت عن نفسها غبار الزمان وانتفضت كعاصفة في وجه النسيان "... فأحيانا بعض الذكريات توقظ البعض الآخر؛ شذا عطر أو صحوة شمس أو نفحات هواء محملة برائحة تراب في أول الشتاء..." والآن أضحى كل ما يحيط بها يذكرها بالذي كان؛ عطره، كلماته وبابٌ موصد في وجه أمالها، مفتوح على مصراعيه لتتدفق منه ذكرياتها.
حتى تلك الطائرة عادت بها إلى زمان غير هذا الزمان... زمان أضحت تتوق إليه أكثر من أي وقت مضى، يوم أن كانت عشتار طفلة صغيرة لا تتقن من الحرب سوى تهجئة حروفها، حروفٌ عندما اجتمعت في متن كلمة علّمت عشتار كيف تصبح لاجئة !
من جديد... استيقظت عشتارعلى وقع الذكريات، تنبهت من غفلتها وعادت إلى حيث تركها وحيدة... على عتبات منزل يقبع في تل ابيب... حيث ودّعها ومضى نحو موعد آخر، موعدٌ يختلف تماما عن ذلك الوعد الذي وعد !
عادت من غفلتها بعد تطواف حزين على ذكريات ممزقة بين بيروت، تل ابيب وباريس، عادت إلى منزل أهلها الصيفي الراقد في"دي باسي" ، منزلٌ كانت تخشى ذكرياته في مضى... أما اليوم لم يعد هنالك شيء يدعو للقلق... فكل الذكريات السيئة عاشتها من جديد في تل ابيب، فليس اقل من أن تحيي بعض الذكريات الجميلة النائمة في ذلك المنزل.
4
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
-الفصل الثامن-
باريس 2000
خرج اندريه من مكتب الملحقية العسكرية التابع للسفارة الفرنسية في تل ابيب بعد ان قد استقالته فور علمه بتلك المكيدة، لم يطق صبرا حتى يكلم عشتار، أراد أن يعلمها بأن كل ما حصل بينهما لم يكن بتدبير منه، ارادها ان تعلم انه آسف لأنه لم يفهم الامر منذ البداية... أرادها ان تعلم أنه ايضا وقع ضحيةً لحكومته المتسترة على الاحتلال... حمل هاتفه الجوال وأخذ يرن عليها باصرار ... لكن عشتار التي اضحت بطريقها الى المطار لم تأبه بكل تلك الاتصالات... لم تعلم أن زوجها قد عاد هذه المرة بغير رجعة.
بعد ان فقد اندريه الامل من رد عشتار على هاتفها توجه من فوره إلى المنزل ... بسيارته الدبلوماسية وقف على بابه المغلق... تذكر هذا الصباح ساعة اغلقه في وجه صرخاتها... لم يعِ وقتها أن الباب الذي نغلقه يوما بوجه من نحب ليس من المؤكد ان نعاود فتحه لنجد من نحب في انتظار عودتنا، فالحب الذي ندير له ظهورنا لا ينتظر... والحبيب الذي تقصدنا جرحه ستأن عليه كرامته... وكرامة المحب مقدمة على صبر الانتظار.
غادر اندريه منزل تل أبيب... غادره خاوي المشاعر مكلوم الفؤاد، ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، لم يعرف بادئ الامر إلى اين يذهب وإلى من يتوجه... حتى سمع صوت هاتفه يرن... إنه صديقه دارتانيان...
- دراتانيان... لقد تركتني عشتار... غادرت المنزل... حاولت هذا الصباح أن توقظني ... تنبهني، لكني لم اسمع... ماذا افعل الان ؟ لا اعلم اين هي... دارتانيان انا عاجز... لأول مرة أنا عاجز.
- لا تقلق يا صديقي، علمت قبل قليل من بعض المعارف أن عشتار قد غادرت الى باريس.
- باريس ! كيف ... متى حدث ذلك ؟
- لا اعرف كيف أقول لك ذلك... لكن عشتار استقلت الطائرة التي كان يجب ان تسافر أنت على متنها، لا بل إنها ما كانت لتجد حجزا عليها إلا بعد أن قُمتَ بالغاء حجزك .
أغمض اندريه عينيه لبرهة في محاولة لاستيعاب سخرية القدر التي ألمت به، ففي الوقت الذي كان فيه يلهث ليتدارك عشتار كان يمنحها في الوقت نفسه تأشيرة العبور ... ثم ما لبث أن ضحك بألم على نفسه عندما فكر أنه استطاع ان يتحكم بحضورها لكنه لم يستطع ان يسيطر على مغادرتها ، بل كيف أخبرها انه ذاهب الى باريس وأن عليها انتظاره هنا... ليجد
نفسه يبحث عنها هنا في تل ابيب... وهي هناك تتجه الى باريس على المقعد ذاته الذي كان مخصصا له !
نهض اندريه من فوره... كفكف بضع دموع تجمعت في هالة عينه، وضب حقائبه وحجز على متن أول طائرة متجهة الى باريس.
ما ان وصل مطار شارل ديغول حتى استقل سيارة اجرة نحو بيته في دي باسي، توقع أن يجدها هناك... لكنه فوجئ أن البيت فارغ.. لا بل أن حراس المنزل أكدوا له أنها لم تحضر... كاميرات المراقبة وافقتهم الرأي...
وقف في منتصف الشارع تتملكه الحيرة... أي الاتجاهات يسلك... في اي السبل يذهب... عيناه تتجولان في طرقات باريس على غير هدى ... وقعت عيناه من بعيد على قمة برج ايفل، تذكر يوم لقاؤهما الاول ... يوم ان غرقت بدموعها على ضفاف السين، تذكر تفاصيل ذلك اليوم بحذافيره، تجوالهما بشوارع باريس ... الشانزليزيه ... كومبون ... ساحة فاندوم ... فندق ريتز ...
اتسعت دائرة عيناه، ضاقت حلقة البؤبؤ عندما تلقت كمية اضافية من ضوء النهار ... تذكر فندق ريتز... "لا بد أنها هناك"، استقل سيارته واتجه نحو ساحة فاندوم مقابل ريتز... دخل بهو الفندق وتوجه الى موظف الاستقبال سأله عن عشتار فكانت الاجابة سلبية... عشتار لم تأتِ إلى هنا منذ زواجها ... خرج من الفندق وقد ازدادت حيرته وقف على باب الفندق مقابل متجر شانيل... تذكر متجر شانيل... "قد تكون هناك".
ذهب إلى المتجر ومن جديد سألهم عنها، لم يشاهدها أحد، الجميع يؤكد أن اخبارها قد انقطعت منذ زواجها به، ثم نصحوه ان يذهب الى الفرع الاخر في شارع كومبون فقد تعرف صديقتها شيئا عنها... ذهب على الفور إلى الفرع الاخر... وجد صديقتها التي باعته عطرا منذ ثلاث سنوات...
- مممم.. سيد اندريه ، أراك هنا ، اين عشتار عنك ؟ لقد اشتقت إليها.
عندما سمع قولها اغمض عينيه بخيبة أمل وقال:في الحقيقة، أتيت هنا لأسئلك عنها... فأنا ابحث عنها منذ مدة .
- سيد أندريه ما الذي يحدث ؟ هل حصل شيء لعشتار ؟؟
قص عليها اندريه الحكاية باقتضاب، ثم رجاها ان تساعده، أن تدله على اي مكان من الممكن ان تكون عشتار فيه... "هيا .. أنتِ صديقتها، لا بد أنك تعرفين مكانها أو اي مكان من الممكن أن تذهب اليه... "
زمت صديقة عشتار شفتيها ونظرت الى اندريه بغضب ثم قالت له : "اسمع ايها السيد النبيل... لقد آذيت صديقتي المفضلة، لقد أخذتها إلى حيث تكره، أنت لا تعلم كم عانت حتى زال غضبها... لم يزل الا بعد ان احبتك... لكنها مع ذلك ظلت حزينة ...وهذا من حقها، وها انت الان لم تحاول ان تعالج حزنها، حتى أنك لم تحترمه قط، لا بل قد جددت غاضبها... لقد اغضبت صديقتي وهذا يغضبني... هذا يغضبني كثيرا ... لذلك انصحك بأن تحترس وأنت تكلمني، عليك ان تفعل ذلك"
تفاجئ اندريه من ردها، لم يعلم ما يقول، لكن لم يستطع الا يتوسل اليها، من غير قصد سالت دمعاته... وقف أمامها منكسرا .. عاجزا ... "ارجوكِ... أنا اعلم كم كنت غبيا، لكني احاول اصلاح الامر... أنتِ لا تعلمين كم هو صعب تخيل العيش بدون عشتار... أرجوكِ ساعديني..."
تأثرت صديقة عشتار بما قاله أندريه ... بدا عليها الحزن فلم تجد بداً إلا أن تقول له: "حسنا .. حسنا.. ها انت تفوز، سأخبرك اين هي، لكن اياك ان تعلم أني من أخبرك، إنها في منزل ذويها في دي باسي ، إنها بالقرب من منزلكمايها الاحمق ! "
ضحك أندريه من ذلك ومسح ما ظل في عينيه من بقايا الدموع "كيف لم افكر بذلك... أنا اشكرك ، من صميم قلبي أشكرك"
توجه أندريه نحو منزل ذوي عشتار، وقف على بابه لأول مرة وهو الذي لم يذهب اليه من قبل، بكل اشتياق قرع الباب... لا أحد... قرع الباب من جديد، أيضا لا أحد... ساوره القلق... أخذ يتجول حول المنزل، الصق عينيه بزجاج كل النوافذ لكنه لم يجد احدا... صرخ عند كل زاوية... "عشتار... أرجوكِ اخرجي ... أنا أحبك ... لا تعلمين كم أحبك... عشتار .. انا آسف... آسفٌ على كل شيء"
لكن الصمت كان ابلغ، فأميرته لم تظهر من شرفة المنزل مرحبة به، كل ما تلقاه هو الصمت والصمت فقط، تملكه اليأس، لم يجد أمامه خيارا سوى الركوع على باب منزلها، صرخ وهو يبكي بكل عبارات الاسف والاعتذار، حتى بُح صوته وخارت قواه، بعد ان أنهكه التعب جلس على الدرجتين الصغيرتين اللتان تحرسان باب المنزل، اتكأ على العامود الخشبي الذي يحمل مظلة القرميد، بصمت مرير جلس حتى المساء، علها تعود أو تضيئ أحد الانوار فيعلم بوجودها، لكن انتظاره لم يثمر.
عند انتصاف الليل عاد الى منزله القريب، لم يغمض له جفن... لم يستطع ذلك، تقلب بفراشه كمن يتقلب على الجمر... ثم ما لبث أن نهض... ارتدى ثيابه وسار في شوارع باريس حتى طلع عليه الفجر... ظل على هذه الحالة عدة ايام، في كل يوم يسير في الطرقات على غير هدى، ذهب الى جميع المجمعات التجارية، المستشفيات، الفنادق، اضحى كالمجنون يتنقل من مكان إلى آخر، تنقل بين دوائر باريس الستة عشر ... مرّ بالضواحي حتى الحي اللاتيني، كما اعتاد الذهاب يوميا الى برج ايفل، وكمن يبحث عن ابرة في كومة قش تراه يحمل المنظار ويعتلي قمة البرج ويراقب الشوارع عله يحظى بطيفها، كثيرا ما اعتقد أنه شاهدها ، فتراه ينزل مسرعا ... فلا يجدها ولا يجد من ظن انها هي... ويعاود الصعود ويستمر بالمراقبة، من بعيد نظر صوبحي مونتمارتر حيث تعتليه تلة الشهداء، هناك حيث ترقد كنيسة القلب المقدس حيث توج حبهما بزواج لم يعرف كيف يحافظ عليه ، تذكر انه المكان الوحيد الذي لم يذهب اليه "يا الهي .. كيف تمكنت من نسيان ذلك" ، هبط من قمة برج ايفل واتجه نحو مونتمارتر، مرّ ببائعي التذكارات وعازفي الموسيقى وأصحاب المطاعم والمقاهي الشعبية وصولاً إلى حي الرساميين، حيث ينتشر الفنانون بلوحاتهم فيرتجلون رسم السواح بسرعة ومن غير اذنٍ منهم ثم يعرضونها عليهم على امل بيعها، جلس أندريه في أحد المقاهي القريبة وما ان بدأ يحتسي فنجاناً من القهوة حتى لمح على الرصيف بالقرب من أحد الرسامين لوحة لم تكتمل، لكنه استطاع تمييز ملامحها، إنها هي ... عشتار كانت هنا... نهض بسرعة نحو ذلك الرسام، أمسك اللوحة بيده وقال له: "أين رأيت هذه الفتاة ، هل مرت من هنا .. أجبني أرجوك" ، خشي الرسام أن يتسبب له اندريه بالمتاعب، فقال له: "لا اعلم سيدي عن ماذا تتحدث... أنا لم ارسم هذه اللوحة".
بيأس مفرط قال له اندريه: "سأشتري منك هذه اللوحة بمئة يورو، فقط اجبني ... أجبني ارجوك".
فأجابه الرسام بتوتر: "إنها مجرد سائحة كانت تجلس قبل قليل في ذلك المقهى وما ان بدأت برسمها حتى غادرت المكان وتوجهت نحو كنيسة القلب المقدس... ذهبت من هناك" وأشار بيده نحو الطريق الصاعد نحو الكنيسة.
أخرج أندريه مئة يورو من محفظته واعطاها للرسام ، واخذ اللوحة وبدأ يركض مسرعا نحو الكنيسة، أخذ يتلفت في الطرق المؤدية الى هناك... دخل الكنيسة مذعورا من ان يفقدها ، لم يتدارك وقار المكان... أخذ يبحث عنها بين الزائرين والمصلين فلم يجدها، غادر الكنيسة مهرولا نحو الساحات الخارجية فلم يعثر عليها ... هنا تملكه اليأس ولم يتمالك نفسه أكثر من ذلك فأخذ يصرخ بين الناس بأعلى صوته:
"عشتار... أنا هنا .. عشتار ... هل تسمعيني ... أنا اسف ... أنا اسف على كل شيء... أرجوكِ أنا بحاجة اليكِ..." وأخذ يتجول بتلك الساحات وينادي باسمها حتى وصل المنحدر الاخضر المحاذي للكنيسة، هناك حيث تجلس عشتار على العشب تتأمل باريس من علٍ... تراقب الشمس التي احمرت وجنتاها خجلا وآذنت بالغروب... تراقب انوار باريس التي بدأت تتلألأ بالافق وبرج ايفل الذي بدا صغيرا من هنا... حتى تنبهت على أحدهم ينادي باسمها، رأته منكبا على وجه كالتائه في صحراء لا قرار لها، تأملت وجوه الناس الذين وقفوا في مكانهم يراقبونه مستغربين من ذلك المجنون الذي لا يزال يهذي باسمها ... أخفت وجهها بكفيها خجلا، تمنت لو أن الارض انشقت فابتلعتها أو لو أنها استطاعات مغادرة هذه المكان دون ان يشعر بها أحد... أحست بأن الجميع يرمقونها بنظراتهم مع ان الجميع منشغلون بذلك الذي يمشي على غير هدى... نظرت اليه وهو لا يزال مستمرا في نداءاته غير آبهٍ بنظراتهم... ثم انعزلت عن محيطها ولم تستطع الا أن تستمع إلى رجاءه، كان صوته حزينا... يشوبه الكثير من الندم ... "عشتار... على هذه التلة منحتك نذوري، داخل هذه الكنيسة وعدتك بأن أحميكِ وأحافظ عليكِ، وعدتك بأن أحفظ حبنا كما حفظ دبينسوس إيمانه، وها أنا مثله تماماً أسير آخر خطواتي حاملا حبك بين ضلوعي، عشتار... لن اتذرع بأن حبنا وقع ضحيةً لمكائد غيرنا، فأنا أعلم بأني المسؤول الاول عن ذلك... فأنا الذي لم احفظ عهدي معك ولم احمي حبنا كما يجب، واليوم أعلمأني لا أستحق عفوك ومع ذلك أتيتكِ آسفا على كل أخطائي... فإما ان اموت شهيدا على هذه التلة وإما أن تمنحيني المغفرة على خطيئتي..."
ما ان سمعت عشتار قوله حتى نهضت من مجلسها وسارت اليه، كان واقفا وسط المنحدر تحطيه هالة من البشر، اخترقت الصفوف حتى وصلت اليه... رأها أمامه ... كانت هناك سمعته ولبت نداءه... ما لبثت دموعه أن سبقت اقدامه اليها... اقترب منها... مد يده التي تحمل صورتها وقال.. " عشتار.. أتمنى أن تكتمل هذه اللوحة وانا إلى جانبك "
لم تستطع مقلتي عشتار ان تحمل دموعها اكثر، فانسكبت حارة على وجنتيها، لسانها لم يطق صبراً على ان يخبره كم اشتاقت له... في وسط كل هذا لم تجد بديلا عن معانقته.. هرولت ايه ... شرع ذراعيه ... احتضنها... همسباذنها وقال: "سأموت في سبيل حبك"... فقالت: "بل سنحيى من أجل حبنا".
النهاية
4
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
مديرة الموارد البشرية
Array
- معدل تقييم المستوى
- 165
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (ماجستير)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
جامعة مؤتة
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
شكرا حنين ، شهادة اعتز فيها :)
2
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
-
منسقة الربط العام للشبكة
Array
- معدل تقييم المستوى
- 240
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
-
عضو مميز
Array
- معدل تقييم المستوى
- 140
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم ابتدائي
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
جامعة أخرى داخل الاردن
الاتجاه الفكري :
I don't believe in puppets and plays .......not any more
-
ادارة الموقع
LawJOConsultation Team
Array
- معدل تقييم المستوى
- 250
بيانات اخرى
المستوى الأكاديمي :
تعليم جامعي (بكالوريوس)
الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ :
الجامعة الأردنية
الاتجاه الفكري :
تكنوقراطي
رد: تراتيل الحب والحرب | القصة الكاملة
[MENTION=2364]believer[/MENTION] ، صديقي رفيق شكرا لمتابعتك وشاكر جدا لاخر تعليق.. أتمنى بحق أن تكون القصة قد اعجبتك
1
المحامي أحمد عبد المنعم أبو زنط
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات