المصدر :- منتديات ستار تايمز



تبدأ دراسة أية فكرة بتعريفها و وضع تحديد دقيق لها، إلا أن فكرة الالتزام التضاممي و نظرا لصعوبة المصطلح، سواء في اللغة العربية أو في اللغة الفرنسية فإننا نحتاج لتحديد المعنى اللغوي للفظ التضامم أو "In solidum " لتمهيد لدراسة التعريفات التي قال بها الفقه للالتزام التضاممي، و سوف نتناول ذلك في المطلب الأول، على أن نتبع ذلك بشروط الالتزام التضاممي في المطلب الثاني.
المطلب الأول: تعريف الالتزام التضاممي.
للوصول إلى تعريف لفكرة الالتزام التضاممي نبدأ بتحديد المعنى اللغوي لمصطلح الالتزام التضاممي سواء في اللغة الفرنسية أو العربية ثم نتطرق للتعريف القانوني للالتزام التضاممي.
أولا: المعنى اللغوي للالتزام التضاممي.
كلمة " In solidum " كلمة لاتينية الأصل تعني " au tout " أي الكل و تستخدم لوصف الدين –و هذا على نحو ما ورد في بعض القواميس القانونية [1].
و إذا ما اقترنت بكلمة التزام Obligation ، و صارت "التزاما تضامميا" " Obligation In solidum " فهي تعني صورة من الالتزام بالكل (أي التزام كل المدينين بالوفاء بكل الدين دون رجوع على الآخرين) [2]. و قد انتقلت الكلمة كمصطلح إلى فقه القانون الفرنسي-شأن غيرها من المصطلحات الأخرى التي انتقلت من القانون الروماني، فقد رأى بعض الفقه الفرنسي أن كلمة " In solidum " و التي استعملها الرومان بمعنى " Au tout " أو الكل هي أصل الكلمة اللاتينية Solidité " و التي تطورت في الفرنسية إلى كلمة " Solidarité "، و من ثم فأصل هذه المصطلحات واحد، و بالتالي تطور استخدامها حتى وصلت إلينا على نحو ما يستخدم في الفقه و القضاء الفرنسيين " Obligation in solidum " [3].
أما في الفقه العربي فأول من أشار إلى المصطلح هو الدكتور عبد الرزاق السنهوري [4]. و نقله عن الفقه و القضاء الفرنسيين بمعنى "المسؤولية المجتمعة" إلا أنه عدل عن هذه التسمية و كان أول من أطلق مصطلح "الالتزام التضاممي" في الفقه العربي- و هو ما سارت عليه الغالبية العظمى من الفقه حتى الآن.
و أصل كلمة تضامم في اللغة العربية من كلمة "تضام"، و هي مشتقة من "ضم الشيء إلى الشيء"- فتضام القوم أي انظم بعضهم إلى بعض، و هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه و سلم : "لا تضاموا في رؤيته" أي رؤية الله عزّ و جلّ فمعنى الحديث ألا ينضم البعض إلى البعض لمحاولة رؤية الذات كما يفعل المسلمون ذلك لدى رؤية الهلال [5].
و يختلف مصدر كلمة تضامم عن كلمة تضامن إذ الأخيرة مشتقة من الفعل "ضمن" و من هنا كان اختلاف الكلمتين، و بالتالي فهناك تضامن و "تضام" [6]، إذ أن حرف النون في الضمان أصيلة، أما كلمة ضم فلا نون فيها. و من ثم فهناك أصل في اللغة لكلمة تضامم و من الأفضل استعمال كلمة تضامم التي استعملها الدكتور عبد الرزاق السنهوري [7].
وواضح أن المعنى اللغوي يعطينا تفرقة واضحة بين التضامن و التضامم فإذا كان التضامن يعطي ضمان للدائن بأن كل مدين متضامن يضمن الآخرين في سداد الدين، فإن التضامم يعني أن ذمم المدينين تضامت في الوفاء للدائن أي يمكن اعتبارها تراصت أمام الدائن و يمكن استيفاء حقه من أي منها.
إذن و بعد أن حددنا المعنى اللغوي لمصطلح الالتزام التضاممي" Obligation in solidum " في اللغتين العربية و الفرنسية فينبغي أن تنتقل إلى تحديد معناه القانوني.
ثانيا: المعنى القانوني للالتزام التضاممي.
أمام غياب التنظيم التشريعي المباشر لفكرة الالتزام التضاممي و لغرض الوصول لتعريف دقيق لها، نتعرض لموقف القضاء الفرنسي في تعريفه الالتزام التضاممي ثم موقف القضاء المصري منه. ثم نتبع ذلك بتوضيح موقف الفقه الفرنسي و المصري و الجزائري في هذا الشأن، لنصل إلى تعريف شامل و واضح لهذه الفكرة.
1- تعريف الالتزام التضاممي في القضاء الفرنسي : إن القضاء الفرنسي هو من أعاد إحياء فكرة الالتزام التضاممي التي كانت موجودة في القانون الروماني إلا أنه بالرغم من ذلك لم يتعرض لتعريف الالتزام التضاممي بصورة واضحة، إلا بعض التعليقات أو الإشارة لهذا الالتزام وردت في أحكام هذا القضاء. فقد جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية في 04 ديسمبر 1939 " أن المشاركين في إحداث نفس الضرر الناجم عن أخطائهم يجب أن يلتزموا بالتضامم بالتعويض عن الضرر كاملا...." [8]. فهنا محكمة النقض أشارت إلى تعدد المشاركين في إحداث نفس الضرر، و الذي يعد عنصر من عناصر الالتزام التضاممي، و كذلك إلى الالتزام بتعويض كامل الضرر و الذي يعدّ أثر من آثار الالتزام التضاممي. كما جاء في حكم آخر لمحكمة النقض الفرنسية قضت فيه بالتزام المؤمن في التأمين من المسؤولية و المؤمن له بالتضامم أمام المضرور [9].و هنا محكمة النقض أشارت إلى تعدد المسؤولين، واختلاف التزام كل منهم و وحدة المحل، و هي العناصر الثلاث التي تدخل في تعريف الالتزام التضاممي.
2- تعريف الالتزام التضاممي في القضاء المصري: تعرضت محكمة النقض المصرية لتعريف الالتزام التضاممي بطريقة مباشرة قائلة :" إن الالتزام يكون تضامميا إذا تعددت مصادر الالتزام بتعويض المضرور كأن يلتزم أحد المسؤولين عقديا و الآخر تقصيريا...." [10].
فهنا محكمة النقض المصرية ركزت على تعدد المصادر حال وجود العقد و المسؤولية التقصيرية إلا أن هذا العنصر وحده غير كاف لتعريف الالتزام التضاممي. قد تكرر موقف محكمة النقض المصرية بالتعريف المباشر لمعنى الالتزام التضاممي بقولها:"... أما إذا تعدد مصدر الالتزام بالتعويض بأن كان أحد الخطأين عقديا و الآخر تقصيريا فإنهما يكونان ملتزمين بدين واحد له مصدران مختلفان و من ثم تتضامم ذمتهما في هذا الدين دون أن تتضامن..." [11].و هنا المحكمة ركزت كذلك على اختلاف المصدر فقط في تعريف الالتزام التضاممي. و إن كان هذا موقف جيد من محكمة النقض المصرية باعتبارها ركزت على تعدد مصادر الالتزام كأساس لوجود الالتزام التضاممي و الحكم به باعتبار أن الحالات التي عرضت عليها و التي تخص الالتزام التضاممي ليست بالكثيرة و المتعددة.
3- تعريف الفقه للالتزام التضاممي: ففي ما يخص الفقه الفرنسي فإنه يرى جانب من الفقه أنه:"يوجد التزام تضاممي إذا كان هناك شخصان ملتزمان بالكل " Pour tout " في مواجهة نفس الدائن دون أن تكون بينهما رابطة تضامن" [12].
و هنا انصب التعريف على ذكر عنصر تعدد المدينين، و عنصر انعدام رابطة التضامن و هما عنصران يدخلان في تعريف الالتزام التضاممي كما أشار التعريف إلى أثر من آثار التضامم و هو الالتزام بكل الدين في مواجهة الدائن.
أما الجانب الآخر من الفقه فقد صوب الالتزام التضاممي من زاوية تعدد الفاعلين أو المسببين للضرر الواحد، و بالتالي انصب تعريفهم على هذه الزاوية فقط، إذا قرروا التزام كل مسببي الضرر بكامل التعويض حال عدم قدرة المحكمة على تحديد دور كل منهم على وجه الدقة. و يستطيع المضرور اقتضاء كل التعويض من أي منهم [13].
فهنا التعريف انصب على عنصر التعدد، وأثر من أثار التضامم و هو الالتزام بكل الدين، و ما يفسر تركيز هذا الجانب من الفقه جل اهتمامه و نظره للالتزام التضاممي على هذه الزاوية إنما كان متأثرا بأن حالة تعدد الفاعلين في فرنسا هي المجال الأكثر خصوبة و منبع معظم حالات التضامم، و لكن هذا لم يكن يبرر إهمال الحالات الأخرى للتضامم و إخراجها من الحسبان.
أما فيما يخص الفقه المصري فكان أول من تناول الفكرة هو الدكتور عبد الرزاق السنهوري حيث يرى أنه:" قد يتعدد مصدر الالتزام مع بقاء محله واحدا مثال ذلك، ما تتحدث عليه الفقرة الثانية من المادة 792 مدني مصري [14]، فالصورة تتعلق بكفلاء متعددين التزم كل منهم بموجب عقد مستقل بكفالة دين واحد، فالروابط التي تربط هؤلاء الكفلاء بالدائن روابط متعددة فكل منهم تربطه بهذا الدائن رابطة مستقلة و مصدر التزام كل كفيل هو أيضا متعدد بسبب التزام الكفلاء بعقود متوالية و لكن الدين الذي التزم كل بأدائه هو دين واحد.
إذن فالروابط متعددة، و المصدر متعدد، و المحل واحد فلا يكون هؤلاء الكفلاء ملتزمين بطريقة التضامن لأن التضامن يقتضي أن يكون المصدر واحدا و لا متعددا، و لكن لما كان كل منهم ملزما بنفس الدين فقد تضامت ذممهم جميعا في هذا الدين الواحد دون أن تتضامن فالالتزام يكون التزاما تضامميا لا التزاما تضامنيا" [15].
و نجد هنا أن الفقيه قد عرّف التضامم بمثال توضيحي و سند تشريعي، و فرق بينه و بين التضامن، و عدّد عناصر الالتزام التضاممي فهو يرى أن الروابط متعددة و المصدر متعدد و المحل واحد، و هي عناصر أساسية للتضامم. و هناك تعريف آخر للدكتور نبيل إبراهيم سعد بأن الالتزام التضاممي يوجد:" عندما يكون هناك شخصان أو أكثر ملتزمين بكل الدين في مواجهة الدائن و يستطيع هذا الأخير أن يطالب أيّا منهم بالدين كله بالرغم من عدم وجود تضامن فيما بينهم [16]. فنلاحظ أن هذا التعريف و إن كان شاملا إلا أنه لم يتحدث عن المصدر و هل هو واحد أم متعدد، و اكتفى بذكر عدم وجود تضامن، كما أنه تعرض لأثر الالتزام التضاممي من أنّه يخول للدائن مطالبة أي من المدينين بكل الدين و هي نتيجة لوجود الالتزام التضاممي و لا ينبغي أن تدخل في تعريفه. أما فيما يخص الفقه الجزائري فقد أشار الدكتور محمد حسنين إلى الالتزام التضاممي بالمسؤولية المجتمعة:"يكون لدينا التزام تضاممي " Obligation insolidum " في الأحوال التي يوجد فيها مدينان أو أكثر مسؤولون عن دين واحد لأسباب مختلفة دون تضامن بينهم. و هذه هي المسؤولية المجتمعة" [17]. و ما يلاحظ على أن هذا التعريف جاء شاملا لمعظم العناصر التي تدخل في تعريف الالتزام التضاممي و هي : تعدد المدينين، وحدة الدين، تعدد مصدر التزام كل مدين، عدم وجود تضامن. الآن و بعد استعراضنا لكافة الآراء و المحاولات و التحديدات التي قيل بها في شأن تعريف الالتزام التضاممي، سواء فقها أو قضاءا في فرنسا أو مصر أو الجزائر، و ما رأينا جمعه في بوتقة واحدة نستقي منها تعريفا محددا للفكرة، فلابد من تحديد العناصر اللازمة لوضع تعريف لها و نجملها فيما يلي:
* تعدد الملتزمين أو المدينين : و هذا أمر يشترك فيه الالتزام التضامني مع الالتزام التضاممي، فلابد من أن يتعدد الملتزمون حتى يصير بينهم تضامن أو تضامم، و لا يشترط عدد محدد فهو اثنان أو أكثر.
* وحدة الدائن : و هو أمر منطقي أيضا إذ أن المدينين سوف يلتزمون أمام نفس الدائن، و لا ينبغي على وجوب كونه شخص فردا بل يمكن أن يكونوا عددا من الأشخاص طالما أن الالتزام منصب نحوهم في اتجاه واحد و لنفس المحل.
* وحدة المحل : بمعنى أن تنصب الالتزامات كلها في محل واحد إذ يشترك المدينون جميعا في أداء التزاماتهم بالنسبة لذات المحل، و لكن ينبغي ملاحظة أن أداءاتهم قد لا تكون متساوية، فقد تكون التزامات أحدهم عقدية و الأخرى تقصيرية فيلتزم الأول بتعويض ما هو متوقع من الضرر و الثاني بما هو غير متوقع و بالتالي تختلف قيمة أداءاتهما.
* تعدد مصادر الالتزام : و يقتضي هذا إن تتنوع مصادر الالتزام، أي يكون أحدها عقدي مثلا و الآخر تقصيري، كالتزام شركة التأمين و مسبب الضرر أمام المضرور، و قد لا تتنوع مصادر الالتزام بل تتكرر كحالة الملتزمين تقصيريا (و هي حالة تضامم في فرنسا بينما هي حالة تضامن في الجزائر و مصر كما سبق أن أوضحنا)، أو كحالة وجود أكثر من التزام تعاقدي بمقتضى عقود منفصلة، ففي هاتين الحالتين يكرر نفس المصدر أي هناك نوع واحد من مصادر الالتزام يكرر، و التزم بمقتضاه أكثر من مدين.
* انتفاء وجود التضامن أو عدم القابلية للانقسام: و هذا أمر بديهي و قد رأينا معظم محاولات تعريف الالتزام التضاممي تنص عليه، فوجود نص قانوني أو اتفاق يقضي بالتضامن ينفي وجود الالتزام التضاممي تماما، كذلك الشأن لدى عدم قابلية محل الالتزام للانقسام.
و جملة القول هي وجوب أن يشتمل تعريف الالتزام التضاممي على تعدد الملتزمين، ووحدة الدائن، ووحدة المحل، مع تعدد مصادر الالتزام و انتفاء وجود تضامن أو عدم قابلية للانقسام.
ومن ثمة يكون من المناسب تعريف التضامم بأنه:
" تعدد المدينين في الالتزام، مع تعدد مصادره ووحدة محله، دون تضامن أو عدم قابلية للانقسام"
و بذلك نكون قد جمعنا كافة العناصر التي يجب أن يشتمل عليها التعريف من تعدد المدينين في الالتزام، و أيضا تعدد مصادر الالتزام مع التأكيد على وحدة المحل فيكون اتجاه هذه الالتزامات إلى إشباع حاجة دائن واحد، إضافة إلى انتفاء وجود تضامن أو عدم قابلية للانقسام.



[1] Gerard cornu, vocabulaire juridique P 432
[2] Gerard cornu, vocabulaire juridique P 549
Obligation insolidum variété d’obligation autont (obligation pour chacun dés débiteurs de payer la totalité de la dette, sauf son recours contre les autres)
[3] محمد جاد محمد جاد المرجع السابق ص 83
[4] د. عبد الرزاق السنهوري: الوسيط ج3 نظرية الالتزام بوجه عام ص 322.
[5] ابن منظور، لسان العرب مادة-ضم جزء 4 صفحة 2609.
[6] يؤثر البعض تسمية التضامم- بالتضام التزاما بمصدر الكلمة راجع د. أحمد علي تضامن المدينيين دراسة مقارنة في القانون المدني و الفقه الاسلامي رسالة جامعة عين الشمس 1993 ص 35.
[7] محمد جاد محمد جاد المرجع السابق ص 84.
[8] حكم محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 04 ديسمبر 1939.
[9] Cass. Civil 1 er, 14/11/1995, Bull civil I n° 406 P 283.
[10] محكمة النقض المصرية 27/02/1983.
[11] محكمة النقض المصرية في 25/03/1990، في 21/11/1967 و في 17/02/1966.
[12] Jean Vincent l’extension en jurisprudence de la notion de solidarité passive, RTD civ. 1939 N°57,P667-668.
[13] محمد جاد محمد جاد المرجع السابق ص 103.
[14] د. عبد الرزاق السنهوري الوسيط ج3 المرجع السابق ص 322 و ما بعدها.
[16] د. نبيل ابراهيم سعد، المرجع السابق . ص 05.
[17] د.محمد حسنين المرجع السابق ص 325.




المواضيع المتشابهه: