المبحث الأول
مجال الإثبات بالكتابة



تتمتع الكتابة بأهمية خاصة بين أدلة الإثبات وخاصة بالنسبة للتصرفات القانونية دون الوقائع المادية التي يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات التي حددها المشرع وذلك بسبب طبيعتها التي لا تتفق وتقييد إثباتها.

أما عن التصرفات القانونية والتي أساسها الإرادة، فان اشتراط الكتابة لإثباتها قد يحقق مصلحة لأطراف التصرف وهذا ما دفع المشرع إلي اشتراط الكتابة لبعض التصرفات لإثباتها مهما كانت قيمة التصرف مثلها عقد الصلح المادة 593 من مشروع القانون المدني الفلسطيني، وعقد الشركة المادة 545 من ذات مشروع القانون وكافة العقود الرسمية( ).

إلا أن ذلك لا يعني ضرورة إثبات أي تصرف قانوني بالكتابة أياً كانت قيمة الكتابة لأن ذلك يثقل كاهل أطراف التصرف. لذا نجد المشرع قد أوجد حالتين استلزم فيهما الكتابة وهما:
الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة التصرف عن حد معين أو كانت غير محددة القيمة، ووجوب الإثبات بالكتابة لما يخالف أو يجاوز الكتابة.


ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الكتابة في هاتين الحالتين لا تتعلق بالنظام العام يجوز الاتفاق على إثبات التصرف بشهادة الشهود( ).

هذا وسيتم تناول هاتين الحالتين بالإضافة للاستثناءات الواردة علي قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة من خلال المطالب الثلاثة الآتية:-

المطلب الأول: قاعدة وجوب إثبات التصرف التي تتجاوز قيمته النصاب المنصوص
عليه قانوناً.
المطلب الثاني: إثبات ما يجاوز أو يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي.
المطلب الثالث: الاستثناءات الواردة علي قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة.



المطلب الأول
قاعدة وجوب إثبات التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن النصاب المحدد قانونا


أقر المشرع الفلسطيني هذه القاعدة بموجب نص المادة 68/1 من قانون البينات التي جاء نصها " في المواد غير التجارية إذا كان الالتزام تزيد قيمته على مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق صريح أو ضمني أو نص قانوني يقضي بغير ذلك ".

وهذا النص يتطابق مع نص المادة 60/1 من قانون الإثبات المصري والتي جاء نصها "في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته علي ألف جنيه مصري( ) وكان غير محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ".

وتنص المادة 54/1من قانون البينات السوري علي:
1- إذا كان الالتزام التعاقدي في غير المواد التجارية تزيد قيمته علي خمسمائة ليرة أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز الشهادة في إثبات وجود الالتزام والبراءة منه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، أما الالتزامات التجارية إطلاقاً، وفي الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها علي خمسمائة ليرة فيجوز الإثبات بالشهادة ".

وتنص المادة 28/1 من قانون البينات الأردني علي أن " في الالتزامات التعاقدية تراعى في جواز الإثبات بالشهادة وعدم جوازه الأحكام الآتية:
1- إذا كان الالتزام التعاقدي علي المواد التجارية تزيد قيمتها علي عشرة دنانير، أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز الشهادة في إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، أما في الالتزامات التجارية إطلاقاً وفي الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها علي عشرة دنانير فيجوز الإثبات بالشهادة.

وتنص المادة 77 فقرة أولي وفقرة ثانية من قانون الإثبات العراقى علي:
1- يجوز إثبات وجود التصرف القانوني أو انقضائه بالشهادة إذا كانت قيمته لا تزيد علي خمسين ديناراً.
2-إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته علي خمسين ديناراً أو إذا كان غير محدد القيمة فلا يجوز إثبات هذا التصرف أو انقضائه بالشهادة ما لم يوجد اتفاق أو قانون ينص علي خلاف ذلك.
بناء علي ما تقدم تكاد النصوص سالفة الذكر متفقة في أحكامها مع اختلاف في قيمة النصاب.
ولبيان نطاق تطبيق قاعدة وجوب إثبات التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن نصاب محدد لا بد من بيان الشروط اللازمة لإعمالها، وتحديد قيمة الالتزام هذا ما سيتم بيانه من خلال النقاط الآتية.

شروط إعمال القاعدة.
الأسس التي بموجبها يتم تحديد قيمة الالتزام.


أولاً:شروط إعمال القاعدة:

1- أن يقع الإثبات على تصرف قانوني.
الأصل بموجب نص المادة 68/1 من قانون البينات أن مجال إعمالها هو التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة، وعلة ذلك أن التصرفات القانونية هي عبارة عن إرادة تتجه لإحـداث أثر قانوني معين، فالإرادة ركن أساسي( )، سواء كانت إرادة منفردة كالوصية، أو تطابق إرادتين كما هو الشأن في إبرام العقود. وسواء كان إثبات التصرف بالكتابة متعلقاً بدعوى مدنية، أو دعوى جنائية كما هو الحال في إثبات عقود الأمانة فلابد من إثبات العقد الذي تقوم عليه جريمة خيانة الأمانة كتابة متى كانت قيمة التصرف تزيد عن النصاب المحدد قانوناً( )، وقد أشارت محكمة النقض المصرية في حكم لها على وجود مغزى الإرادة في التصرف القانوني فقضت "أن المقصود بالرضاء الصحيح هو كون التصرف مميزاً، يعقل معنى التصرف ويقصده" والغرض من كونه مميزاً يعقل معنى التصرف أن يكون مدركاً ماهية العقد والتزاماته، أما كونه يقصده فالغرض منه الإفصاح عن إرادة حقه منه لقيام هذا الالتزام، فالإرادة إذن ركن من الأركان الأساسية لأي تصرف قانوني وبدونها لا يصح التصرف( ).

أما الوقائع المادية، فلا تسري عليها القاعدة سالفة الذكر بسبب طبيعتها التي لا تتيح إعداد دليل كتابي مسبق لإثباتها، لذا تحتفظ البينة والقرائن القضائية بقوتها المطلقة لإثباتها سواء كانت تلك الوقائع مصدراً للالتزام كالعمل غير المشروع أو كانت سبباً لكسب الحقوق العينية كالحيازة.

هذا ما قضت به محكمة النقض المصرية، إذ أن المدعي عليه يستند في إثبات براءة ذمته من الدين لا على تصرف قانوني، بل على واقعة مادية هي استيلاء المؤجر على الزراعة التي كانت قائمة بالعين المؤجرة، وأن قيمة ما استولى عليه يزيد على الإيجار المطالب به، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الواقعة، حتى ولو كان الإيجار الذي يتمسك المستأجر ببراءة ذمته منه يزيد على نصاب الإثبات بالبينة( ).


وهناك حالات للوقائع المادية من الأهمية بمكان إمعان النظر فيها.
فمن ناحية هناك وقائع مختلطة يقوم فيها العمل المادي إلى جانب التصرف القانوني كالوفاء، و الإقرار، فحكمها في الإثبات حكم التصرفات القانونية، لا تثبت في ما زاد علي النصاب إلا بالكتابة.
أما الاستيلاء فهو واقعة مختلطة يغلب فيها طابع العمل المادي ومن ثم تثبت بالبينة والقرائن.

وهناك وقائع مركبة كالشفعة وهذه تجتمع فيها جملة من الوقائع، كالجوار وهو واقعة مادية تثبت بجميع الطرق، وبيع العين المشفوع فيها وهو بالنسبة للشفيع واقعة مادية أيضا تثبت بجميع الطرق، وإرادة الأخذ بالشفعة وهذا تصرف قانوني لا يثبت إلا بالكتابة، بل لابد من طريق خاص في التعبير عن الإرادة هنا بينه القانون.

والحيازة واقعة مادية، ولكن قد يداخلها تصرف قانوني، فإذا أراد المالك أن يثبت أن الحائز للعين مستأجر منه وجب عليه أن يثبت عقد الإيجار بالكتابة إذا زاد علي النصاب، أما إذا أراد إثبات أن الحائز لا يقوم بأعمال الحيازة لحسابه الشخصي بل باعتباره مستأجراً فلا يستطيع التملك بالتقادم، كان كل من الحيازة والإيجار واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق( ).

أما إذا تعلق الأمر بالغير فيجوز له إثبات التصرفات القانونية مهما كانت قيمتها بكافة طرق الإثبات علي اعتبار أنه ليس طرفاً فيها، وبالتالي فهي بالنسبة إليه تعتبر وقائع مادية، وعليه يجوز للدائن مثلاً أن يثبت بكافة طرق الإثبات صورية التصرف الصادر من مدينه( ) وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في حكم لها جاء مفاده "الصورية التدليسية التي تقوم علي إخفاء وصية وراء بيع – وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة يعد تحايلاً علي القانون بما يترتب عليه بطلان البيع، وللوارث أن يثبت بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن أن العقد لم يكن بيعاً وإنما هوا خلاف نصوصه يستر وصية( ).


2- أن يكون هذا التصرف مدنياً.
فوفقاً لهذا الشرط لا تنطبق قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة إلا على التصرفات المدنية التي تجاوز قيمتها النصاب القانوني الذي تتطلبه الفقرة الأولى من المادة 68 بينات والبالغ مائتا دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً.

أما التصرفات التجارية فإنها تخرج من نطاق تطبيق هذه القاعدة، إذ يجوز إثباتها بالبينة والقرائن القضائية مهما كانت قيمة التصرف إلا ما استثنى بنص خاص( ).

وينبني على إطلاق حرية الإثبات في المواد التجارية، السرعة التي تقتضيها المعاملات التجارية في إتمام الصفقات، إذ لا يخفى أنه كلما تعددت الصفقات التجارية كلما حقق التاجر أرباحاً أكثر، فضلاً عن عنصر الثقة والائتمان الذي يسود بين التجار( )،هذا و يستقل القانون التجاري بتحديد من هو التاجر، وما هو التصرف القانوني التجاري، فإذا كان التصرف مدنياً بين طرفيه، فلا يجوز إثباته بغير الكتابة متى جاوز النصاب المحدد قانوناً.

أما إذا كان التصرف تجارياً ومتعلقاً بأعمال تجارية أو بمناسبتها بين تجار، فإنه يعد لهما تصــرفاً تجارياً، ومن ثم يجوز لهما أن يثبتا وجوده، أو انقضاءه بالبينة والقرائن القضائية( ).

وبذلك قضت محكمة النقض المصرية في حكم لها حيث اعتبرت: أن حوالة الدين بين تاجرين تكتسب الصفة التجارية متى عقدت لشئون تتعلق بتجارتهما، ومن ثم يجوز إثباتها بالبينة والقرائن( ).

أما إذا كان التصرف تجارياً بالنسبة لطرف واحد فقط، فإن الإثبات بالبينة والقرائن لا يمكن قبوله إلا إذا كان موجهاً ضد الشخص الذي له صفة التاجر مثلها عقد المقاولة الذي يتم إبرامه بين مقاول، وصاحب بناء، ففي هذه الحالة تسري قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة في مواجهة من كان التصرف تجارياً بالنسبة له وهو المقاول، بينما يجوز لمن كان التصرف مدنياً بالنسبة له وهو صاحب البناء أن يثبت دعواه بكافة طرق الإثبات، حتى وإن كانت قيمة التصرف تزيد عن مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً( ).

وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية في حكم لها، حيث قررت "بأنه لا يجوز لمقاول بناء أن يثبت بالبينة على صاحب العمل المتعاقد معه أنه آذنه بإجراء أعمال زائدة على المتفق عليه في عقد المقاولة، لأن عمل المقاولة لا يعتبر تجارياً بالنسبة لصاحب البناء حتى يباح له الإثبات بهذا الطريق( ).
إلا أنه يرد على هذه القاعدة استثناءان في إثبات التصرفات القانونية بالكتابة تجدر الإشارة إليهما.


الأمر الأول:-
جواز الاتفاق بين التجار على إثبات تصرفاتهم التجارية بالكتابة، فعندئذ تكون الكتابة واجبة، و يكون الاتفاق صحيحاً لأن أصل الإباحة في المواد التجارية ليس من النظام العام، ومن ثم تجوز مخالفته( ). وهذا ما قررته محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها حيث قررت "أن من المقرر أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليس من النظام العام ويجوز الاتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفتها، ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في استخلاص القبول الضمني من سلوك الخصم متى أقام قضاءه على أسباب سائغة( ) .

الأمر الثاني:-

إذا وجد نص قانوني يتطلب الكتابة في التصرفات التجارية كشرط إثبات كما هو الحال بعدم قيام سمسار الأوراق المالية بإجراء أي عملية بدون تفويض مكتوب من العميل( )، وذلك وفق ما نصت عليه المادة 45/2 من قانون التجارة المصري والتي جاء نصها على أنه" لا يجوز لسمسار إجراء عمليات في السوق لحساب عملائه إلا إذا كان مفوضاً في إجرائها من العميل بموجب تفويض خاص مكتوب، فإذا أجرى السمسار العملية دون هذا التفويض جاز للعميل قبولها أو رفضها( ).


3- أن تزيد القيمة عن مائتي دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً.
يشترط لعدم الإثبات بالبينة والقرائن أن تزيد قيمة التصرف عن النصاب القانوني، أو أن يكون غير محدد القيمة، فإذا كان محل التصرف مبلغاً من المال قد جاوز مائتي دينار أردني، فلا يجوز الإثبات فيها إلا بالكتابة، وقد أعطى المشرع نفس الحكم للتصرفات القانونية غير محددة القيمة، كما إذا كان متعلقاً بأداء خدمة معينة مثل البناء والهدم( )، فإنه لا يمكن إثباته بواسطة الشهود، وللقاضي في هذا سلطة تقدير قيمة الالتزام، أو باللجوء إلى أهل الخبرة( ).


4- عدم وجود اتفاق صريح أو ضمني أو نص مخالف.
يشترط أخيراً عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود ألا يوجد اتفاق صريح أو ضمني أو نص مخالف يفيد ما قررته المادة 68/1 من قانون البينات بعد أن قررت المبدأ العام الذي تتطلبه بإثبات كافة التصرفات المدنية التي تزيد قيمتها على مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أوردت في الفقرة الأخيرة استثناءً على الأصل العام مفاده "ما لم يوجد اتفاق صريح أو ضمني يقضي بغير ذلك" نفهم من ذلك أن المشرع أجاز الاتفاق على إثبات التصرفات التي تزيد قيمتها عن النصاب القانوني المطلوب بالبينة.
وهذا يعني أن المشرع سمح للأطراف الاتفاق فيما بينهم على طريقة قواعد إثبات تصرفاتهم القانونية فيما يتناسب مع مصالحهم، فهم أحرار في تقدير ما يرونه مناسباً مادام الحق المتنازع عليه لا يمس النظام العام( ).


ويبني على ذلك أنه يجوز للأطراف الاتفاق على إثبات تصرفاتهم القانونية التي تزيد على النصاب القانوني بالبينة، كما يجوز لهم الاتفاق على إثبات هذه التصرفات بالكتابة، حتى لو قلت قيمتها عن النصاب المطلوب سواء كان صريحاً وليس صعوبة في ذلك، أو ضمنياً يستخلصه قاضي الموضوع من ظروف الدعوى، مثل عدم اعتراض الخصم على طريقة الإثبات التي لجأ إليها خصمه، ومن مساهمته في هذه الطريقة مثل مناقشة الشهود في التحقيق أو المطالبة باستدعاء شهود( )، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها فقررت بأن عدم تمسك الخصم بوجوب الإثبات الكتابي قبل البدء في سماع الشهود يعتبر تنازلاً منه عن حقه في الإثبات بالطريق القانوني( ).

أما عن النص القانوني الذي يقضي بغير ذلك. ما تتطلبه المادة 35/6 من قانون العمل التي توجب على العـامل إخطار صاحب العمل خطياً لإثبات واقعة الرغبة في إنهاء عقد العمل( ).



ثانياً: كيفية تقدير قيمة التصرف:

حددت المادة 68 من قانون البينات الفلسطيني الأسس التي بموجبها يتم تحديد قيمة الالتزام وذلك على النحو التالي:-

1- إذا كان الالتزام غير محدد القيمة اعتبر المشرع قيمته تزيد عن مائتى دينار أردني :
ومعني ذالك أن المشرع اعتبر الالتزام المدني غير محدد القيمة، كدعوى تقديم حساب لا يعرف رصيده يزيد قيمته على مائتي دينار أردني أو ما يعدلها بالعملة المتداولة قانوناً، ومن ثم تعتبر الكتابة شرطاً لازماً لإثبات وجود وانقضاء الالتزام، ولا تجوز البينة في إثباته ما لم يوجد اتفاق بين أطراف الالتزام سواء كان صريحاً تضمنته بنود الالتزام، أو ضمنياً يمكن استخلاصه من طبيعة الالتزام، أو نصاً صريحاً في القانون يقضي بخلاف ذلك( ).


2- تقدير قيمة الالتزام وقت صدور التصرف.
وهذا ما تناولته المادة 68/2من قانون البينات الفلسطيني، حيث جاء نصها على أن "يقدر قيمته وقت صدور التصرف، ويجوز الإثبات بشهادة الشهود إذا كانت زيادة الالتزام علي مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً لم تأت إلا من ضم الملحقات إلي الأصل ".

وهذه الفقرة تتطابق مع نص المادة 60/2 من قانون الإثبات المصري والتي جاء نصها "ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف، ويجوز الإثبات بشهادة الشهود إذا كانت زيادة الالتزام علي أربعين جنيهاً( ) لم تأت إلا من ضم الفوائد والملحقات إلي الأصل "

وقد نصت المادة 54 /2 من قانون البينات السوري " ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت تمام العقد لا وقت الوفاء، فإذا كان أصل الالتزام في ذلك الوقت لا يزيد على مائة ليرة فالشهادة لاتمنع حتي لو زاد مجموع الالتزام علي هذا القدر بعد ضم الملحقات والفوائد".

وأورد المشرع الأردني نصاً مشابها لنص المادة 54 /2 من قانون البينات السوري حيث نصت المادة 28 /2 من قانون البينات الأردني علي "ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت تمام العقد لا وقت الوفاء، فإذا كان أصل الالتزام في ذلك الوقت لا يزيد علي عشرة دنانير فالشهادة لا تمنع حتي لو زاد مجموع الالتزام علي هذا القدر بعد ضم الملحقات والفوائد ".

أما عن المشرع العراقي فقد نص في المادة 27 /3 من قانون الإثبات " تقدر قيمة الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا وقت الوفاء به فإذا كانت قيمته في ذلك الوقت لا تزيد علي خمسين ديناراً فتصح الشهادة لإثباته حتي لو زادت قيمته علي خمسين ديناراً بعد ضم الفوائد والملحقات ".

يستفاد من النصوص السالفة الذكر أنها متطابقة من حيث الأحكام مع اختلاف في الصياغة وقيمة النصاب المطلوبة، إذ أن العبرة عند تقدير قيمة الالتزام وقت صدوره بغض النظر عما يطرأ على هذا التصرف من زيادة أو تقصان بسبب ما يلحق التصرف من فوائد و ملحقات بعد صدور التصرف، مهما كانت قيمة الالتزام وقت صدور التصرف( ).


3- العبرة في التقدير بأصل الالتزام دون ضم الفوائد والملحقات:
وتنص أيضاً المادة 68/2 بينات فلسطينى على "ويجوز الإثبات بشهادة
الشهود إذا كانت زيادة الالتزام على مائتي دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً لم تأت إلا من ضم الملحقات إلى الأصل.

وينصرف مفهوم الفقرة الثانية من المادة 68 بينات فلسطيني إلى أن قيمة الالتزام بحسب أصله وقت صدور التصرف، فلا يحسب ما يضاف إلى هذاالأصل من ملحقات أو فوائد سواء كانت معلومة وقت التصرف كالفوائد التي لايمكن توقعها عند نشوء الالتزام، أو التعويض الناتج عن عدم الوفاءأوالتأخير( )،مثلها أن نفرض أن الدائن أقرض المدين 195 ديناراً أردنياً لمدة سنة بواقع فائدة 7% من حق الدائن أن يعتمد في إثبات حقه على البينة "شهادة الشهود" وليس عليه أن يحصل على دليل كتابي على أساس أن أصل الدين أقل من النصاب المحدد قانوناً، ولم يزد إلا بضم الفوائد بعد نشوء الدين.

وتجدر الإشارة هنا أن هذا التقدير الذي تطلبته م 68/2 السالفة الذكر يغاير نص المادة 32 من قانون أصول المحاكمات التي نصت على أنه" يدخل في تقدير قيمة الدعوى ما يكون مستحقاً يوم إقامتها من التضمينات والريع والمصروفات، وغير ذلك من الملحقات المقدرة القيمة، ويعتد كذلك في جميع الأحوال بقيمة البناء أو الغراس إذا طلبت إزالته"( )، وقد يكون هذا التباين في التقدير المقصود منه تعيين الاختصاص القيمى لكلا القانونين، ولكل غايته في التقدير.


4- إذا اشتملت الدعوى على عدة طلبات.
يعتد بقيمة كل طلب على حده، وهذا ما قصدته نص المادة 69/1 من قانون البينات و التى جاء نصها "إذا اشتملت الدعوى على طلبات ناشئة عن مصادر متعددة وليس على أي منها دليل كتابي، جاز الإثبات بشهادة الشهود في كل طلب لا تزيد قيمته على مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً حتى لو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة ولو كان منشأها علاقات أو عقود من طبيعة واحدة".

يتطابق هذا النص مع ما أورده المشرع المصري في قانون الإثبات في المادة 60/3 حيث جاء نصها "وإذا اشتملت الدعوى علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة جاز الإثبات بشهادة الشهود في كل طلب لا تزيد قيمته علي أربعين جنيهاً ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات من طبيعة واحدة ".

ونصت المادة 54 /3 من قانون البينات السوري على " وإذا اشتملت الدعوى علي طلبات متعددة يتميز كل منها عن الأخر, وليس علي إياها دليل كتابي، جاز الإثبات بالشهادة في كل طلب لأتزيد قيمته علي مائة ليرة حتى ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة ولو كان منشؤها علاقات أو عقود من طبيعة واحدة بين نفس الخصوم.

ونصت المادة 77/4 من قانون الإثبات العراقي علي " إذا اشتملت الدعوى علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة جاز الإثبات بالشهادة في كل طلب لا تزيد قيمته علي خمسين ديناراً حتى ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة أو كان منشؤها تصرفات قانونية ذات طبيعة واحدة بين الخصوم أنفسهم".

ونصت المادة 28 / 3 من قانون البينات الأردني علي "وإذا اشتملت الدعوى علي طلبات متعددة يتميز كل منها علي الأخر وليس علي أيها دليل كتابي جاز الإثبات بالشهادة في كل طلب لا تزيد قيمته علي عشرة دنانير حتى ولو كان منشؤها علاقات أو عقود من طبيعة واحدة بين الخصوم أنفسهم".

يتفق سياق نص هذه الفقرة مع مبدأ تقدير الالتزام باعتبار قيمته وقت نشوئه، فإذا تعددت الالتزامات بين شخصين وكانت ناشئة من مصادر متعددة وجب الاعتداد بكل تصرف على حده لتقدير قيمته وقت تمامه، ويجوز إثباته بشهادة الشهود إذا كانت قيمته لا تجاوز النصاب المحدد قانوناً حتى لو زادت قيمة هذه الالتزامات مجتمعة عن هذا النصاب، أما إذا زادت هذه القيمة عن النصاب المحدد وجب إثباتها بالكتابة أو ما يقوم مقامها( )، وتفريعاً على ما تقدم لو كانت الديون ناشئة عن عقد قرض، وعقد بيع، وعقد إيجار فمن الواجب أن يستقل كل دين منها بدليل إثباته تبعاً لقيمته فإذا كانت قيمته أقل من النصاب جاز إثباته بشهادة الشهود حتى ولو كانت فى مجموعها تزيد عن النصاب القانوني، وهذا بخلاف ما لو بيعت أشياء متعددة في صفقة واحدة، وكانت قيمتها تجاوز المائتي دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، فالإثبات لا يجوز إلا بالكتابة على اعتبار أن التصرف ناتج عن مصدر واحد( ).


5- العبرة في الوفاء الجزئي بقيمة الالتزام الأصلي:
وهذا ما نصت عليه المادة69/2 بينات على أن "تكون العبرة في إثبات الوفاء الجزئي بقيمة الالتزام الأصلي" يتطابق هذا النص مع نص المادة 60/4 إثبات مصري حيث جاء نصها "وتكون العبرة في الوفاء إذا كان جزئياً بقيمة الالتزام الأصلي".

ونصت عليه المادة 54/3 من قانون البينات السوري حيث جاء نصها " وكذلك الحكم في وفاء لا تزيد قيمته علي خمسمائة ليرة ".

ونصت المادة 77/4 من قانون الإثبات العراقي علي ".... وكذلك الحكم في كل وفاء يتعلق بتلك الطلبات لا تزيد قيمته علي خمسين ديناراً".

وتنص المادة 28/3 " من قانون البينات الأردني.... وكذلك الحكم في وفاء لا تزيد قيمته علي عشرة دنانير


يتضح من النصوص السابقه أنها تتفق في الأحكام وتختلف في قيمة النصاب المحدد.
ومعنى ذلك أنه في حالة الوفاء الجزئي يؤخذ بعين الاعتبار قيمة الدين الأصلي، حيث يعتبر الوفاء بالالتزام تصرفاً قانونياً يجب إثباته بالكتابة أو ما يقوم مقامها إذا زادت قيمة الالتزام عن مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة، وبذلك نجد المشرع قد ربط بين الوفاء الجزئي وأصل الدين وقيدها بالنصاب القانوني المطلوب حتى لا يتحايل المدين على قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة بادعاء وفائه بالدين على دفعات متعددة لا تتجاوز قيمة كل منها النصاب الجائز إثباته بشهادة الشهود( ).


وهذا ما أوضحته اللائحة التنفيذية المصرية لقانون الإثبات بقولها "يمكن من يتمسك بالوفاء من ادعاء للوفاء على دفعات متعددة لا تجاوز كل منها النصاب الجائز إثباته بشهادة الشهود فيتيسر له بذلك الإثبات بشهادة الشهود ولو جاوزت قيمة التزامه نصابها، ويتخلص من واجب الإثبات بالدليل الكتابي وهو تحايل لا يجوز إقراره.


هذا وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على اعتبار أن "الوفاء باعتباره تصرفاً قانونياً لا يجوز إثباته بغير الكتابة أو ما يقوم مقامها إذا كانت قيمته تزيد عن" 1000"جنيه( )طبقاً لنص المادة 60 من قانون الإثبات المصري ومما تكون العبرة فيه بقيمة الالتزام الأصلي إذا كان الوفاء جزئياً( ).


المواضيع المتشابهه: