يمكن تبرير وجود قانون خاص بالتجارة ومستقل عن القانون المدني بما ينطوي عليه هذا القانون من قواعد تيسر سرعة إبرام الصفقات التجارية وتدعم الإئتمان وتقوي ضماناته.

أولاً – السرعة:

السرعة هي روح التجارة، إذ بخلاف الشخص غير التاجر الذي يشتري البضاعة ليستهلكها أو ليحتفظ بها وبالتالي لا يقدم على التصرف إلا بعد تروٍ وتبصر ووزن للأمور من كافة الأوجه، فإن التاجر سعيًا وراء تحقيق الكسب والإستفادة من تقلبات الأسعار وتفاديًا لتلف البضائع يقوم في كل يوم بإبرام العديد من العمليات التجارية، من هنا كانت حاجته إلى قواعد تتفق وطبيعة النشاط الذي يمارسه اي إلى قواعد أكثر مرونة وأقل شكلية من قواعد القانون المدني وذلك سواء فيما يتعلق بإبرام التصرفات القانونية واثباتها وحل ما قد ينشأ عنها من خلافات أو فيما يتعلق بتداول الحقوق التجارية.

لذلك كان من بين أهم قواعد القانون التجاري تلك القاعدة التي تقضي بحرية الإثبات في المواد التجارية، وطبقًا لهذه القاعدة يجوز اثبات التصرفات القانونية بكافة الوسائل بما في ذلك الكتابة وشهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية والمراسلات والفواتير. وحرية الإثبات في المراسلات التجارية مبدأ مسلم به حتى في الدول التي تستلزم قوانينها للإثبات في المواد المدنية كتابة التصرف القانوني متى تجاوز نصابًا معينًا أو كان غير محدد القيمة.

ويترتب على حرية الإثبات في هذه المواد التجارية نتيجة بالغة الأهمية بالنسبة للتجار ألا وهي جواز ابرام الصفقات التجارية عن طريق الإتفاقات الشفهية والهاتف والبرق والتلكس.

كذلك تهتم قواعد القانون التجاري بإنهاء الخلافات المترتبة على التجارة بسرعة وبواسطة أشخاص يتوافر لديهم الإلمام بالبيئة التجارية وبقوانينها، لذلك تشجع معظم التشريعات التجارية اللجوء إلى التحكيم وتعنى في نفس الوقت بتنظيم قضاء يتخصص في المواد التجارية.

ومن مظاهر اهتمام القانون التجاري بالسرعة اهتمامه بتبسيط اجراءات تداول الحقوق الثابتة في الصكوك التجارية وهي الكمبيالة والسند الإذني والشيك، فهو يقضي بانتقال الحقوق الثابتة في هذه الصكوك بالتسليم إذا كانت لحاملها، وبالتظهير إذا كانت إذنيه، وذلك خلافًا لحوالة الحقوق الشخصية التي تستلزم في القانون المدني اتباع اجراءات معينة.

ولكن ليس معنى ذلك أن القانون التجاري خال من الشكلية، فالشركات التجارية والأوراق التجارية مثلاً تخضع لقواعد شكلية خاصة، ومع ذلك فالرأي متفق لدى شراح القانون التجاري على أن الشكلية في القانون التحاري لا تعدو أن تكون مظهرًا من مظاهر التبسيط والسرعة التي يكفلها هذا القانون إذ هي تسمح بمجرد الإطلاع على الشكل الذي يفرغ فيه التصرف، بمعرفة طبيعته وفحواه وبالتالي استبعاد كل خلال حول تكوني التصرف وتفسيره وشروطه.

ثانيًا – الإئتمان:

يهتم القانون التجاري بالائتمان اهتمامًا بالغًا ويتمثل الائتمان في منح المدين أجلاً للوفاء، فالتاجر غالبًا ما يحتاج إلى فترة زمنية أي إلى أجل للوفاء ولتنفيذ تعهداته، إذ هو كثيرًا ما يقوم بشراء بضائع جديدة قبل أن يتمكن من قبض ثمن البضاعة المبيعة أو من تصريفها بكاملها، ومن هنا تأتي أهمية الائتمان في الحياة التجارية وبالتالي أهمية القانون التجاري، فهو القانون الذي يحتوي على مجموعة القواعد والأنظمة التي تعنى بخلق أدوات الائتمان ومؤسساته كنظام الأوراق التجارية ونظام البنوك والشركات وفي نفس الوقت بتدعيمه وحمايته كنظام الإفلاس.

وهكذا يتضح أن السرعة والإئتمان هما أساس ومبرر وجود القانون التجاري وبالتالي استقلاله عن القانون المدني.
منقوووول



المواضيع المتشابهه: