بسم الله الرحمن الرحيم


إن المشرع السوري قد حدد بدء ميعاد الطعن من تاريخ تبليغ الأطراف فيما يتعلق بأحكام المحكمة المسلكية والتي تطبق قانون أصول المحاكمات الجزائية فيما لم يرد به نص في قانونهاً، فإنه لابد من التذكير بأن الأحكام الإدارية لا تصدر بالصفة الغيابية كمال هو الحال في الأحكام الجزائية، وهذا المبدأ رسخته المحكمة الإدارية العليا في أحكامها ومن ذلك قولها: «إن أحكام المحكمة المسلكية لا تكون بالصفة الغيابية ولا يصح إصدار حكم عن القضاء المسلكي بالصورة الغيابية؛ لأن القضاء المسلكي ليس قضاءً جزائياً وإنما هو جزء من القضاء الإداري في مجلس الدولة وليس من طبيعة القضاء الإداري ولا في قانونه ما يسوغ إصدار أحكام غيابية، وعلى ذلك فإن ثبوت تبلُّغ المحال الحضور إلى المحكمة المسلكية في موعد محدد وتخلُّفه عن الحضور يجعل من حق المحكمة المضي في محاكمة المحال كما لو كان حاضراً وإصدار حكمها بصورة اعتيادية، ويكون هذا الحكم قابلاً للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا خلال مدة الطعن بعد تبليغه للمحال أصولاً».
وعلى هذا فإن فكرة الأحكام الغيابية مستبعدة في المرافعات الإدارية؛ لأن هذه الإجراءات تقوم أساساً على نظام المرافعات التحريرية وأن المحكمة تقوم بالفصل بالدعوى بناء على ما أودع فيها من مستندات ومذكرات حتى ولو تخلف بعض الخصوم عن الحضور في أي جلسة من جلساتها شريطة تبليغهم بها أصولاً.
ويلاحظ أنه وإن كان قانون المحاكم المسلكية قد أحال فيما لم يرد بشأنه نص إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية فإن القاضي الإداري يأخذ من هذه الأحكام ما يتفق مع طبيعة المنازعة الإدارية ويترك ما عداها، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا السورية بقولها: «إن قواعد القانون المدني والجزائي إنما وضعت بالأصل لتحكم روابط القانون الخاص، وإن تلك القواعد لا تسري لزاماً على روابط القانون العام بيد أن للقضاء الإداري أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون العام، وله أن يطورها بما يحقق هذا التلاؤم».
ويترتب على تقديم الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا بعد فوات هذه المواعيد عدم قبوله شكلاً، ولقد ذهب رأي في الفقه المصري إلى أن ميعاد الطعن ينقطع بمجرد تقديم صاحب الشأن عريضة الطعن في الميعاد القانوني، فليس بلازم أن توقع العريضة في مراحلها الأولى من محام حيث يكفي لقطع الميعاد إظهار المحكوم ضده رغبته في الطعن بعريضة تقدم منه في الميعاد القانوني بحيث تحدث العريضة أثرها في قطع الميعاد سواء وقعت من محام أو من صاحب الشأن على أن يكون توقيع المحامي إذا خلت العريضة منه بإجراء لاحق وقبل عرض تقرير الطعن على دائرة فحص الطعون، وبذلك يمكن التوفيق بين ما يهدف إليه المشرع من النص على توقيع الطعن من محام وبين مصلحة صاحب الشأن الذي قد يجد صعوبة في الاهتداء إلى محام في الموعد المحدد للطعن في الوقت الذي يكون لديه الرغبة في الطعن مما قد يترتب على ذلك فوات ميعاد الطعن على صاحب الشأن.
إلا أن هذا الرأي رغم وجاهته لا يتفق مع صريح نص القانون الذي نص على ضرورة تقديم عريضة الطعن من قبل محام مقبول أمام المحكمة، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى رد الطعن شكلاً على اعتبار أنه مقدم من العامل شخصياً وليس من قبل محام.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه وإن كانت المحكمة الإدارية العليا هي بمثابة محكمة نقض إداري إلا أنها لا تتقيد عند فصلها في الطعن بما تتقيد به محكمة النقض المدنية فهي لا تتقيد في نظرها للطعن المرفوع أمامها بأسباب الطعن المحددة في القانون، فاختصاصها بنظر الطعن لا يقتصر على تلك الأسباب فقط، بل يمتد ليشمل النظر في موضوع الطعن حيث يتم فحص الطعن بمعرفة هيئة قضائية مشكلة لدى المحكمة الإدارية العليا هي دائرة فحص الطعون، وهذه الهيئة مهمتها فحص الطعن أولياً للتأكد من جديته قبل عرضه على المحكمة الإدارية العليا لفحصه موضوعياً لتقرير ما إذا كان جديراً بالعرض على هذه المحكمة من حيث ترجيح قبوله، كما قد تحيله بالرغم من عدم ترجيح قبوله إذا تراءى لها أنه يتعين بالنسبة لموضوع الحكم تقرير مبدأ قانوني لم يكن للمحكمة سابقة تقرير هذا المبدأ، أما إذا رأت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء أنه غير مقبول شكلاً أو غير جدير بالعرض حكمت برفضه، ولا يجوز الطعن في حكم الرفض بأي طريق من طرق الطعن، ويلاحظ أن المشرع قدَّر خطورة قرار الدائرة في هذه الحالات وما يترتب عليه من آثار، لذلك أوجب أن يكون الرفض بالإجماع وهي ضمانة فعَّالة وتحفظ حقوق الطاعن، ولم يشترط المشرع هذا الإجماع في حالة قبول الطعن، وبالتالي فإن الأغلبية تكفي للحكم بقبول الطعن، وهذا حكم منطقي وفيه تيسير على الطاعنين.


المواضيع المتشابهه: