مصادر الإستدلال

إن الأدلة المعتبرة شرعاً هي الكتاب , والسنة , والإجماع , والقياس , وهذه الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف إذ يوافق بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً لأن الجميع حق , والحق لا يتناقض , كما أن جميع هذه الأدلة ترجع إلى الكتاب .
فالكتاب دل على حجية السنة , والكتاب والسنة دلا على حجية الإجماع , وهذه الأدلة الثلاثة دلت على حجية القياس , لذلك مصدر هذه الأدلة هو القرآن .

الأدلـــــة
الأدلة جمع دليل ،

والدليل لغة يطلق على ما يستدل به ،أي : ما يكون به الإرشاد كالعلامات التي توضع على الطريق ، فتسمى دليلاً ، أي : التي يستدل بها على الطريق.
والدليل اصطلاحاً:
ما يمكن التوصل بالنظر الصحيح فيه إلى حكم شرعي.

الدليل الأول : القرآن الكريم

تعريف القرآن الكريم:
هو كلام الله تعالى المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المعجز، المتعبد بتلاوته ، المنقول إلينا نقلاً متواتراً. حقيقة حروفه ومعانيه , ليس كلامه الحروف دون المعانى ولا المعانى دون الحروف , كما قال الله تعالى { وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله }سورة التوبة : الآية 6 .
تكلم الله به قولاً وأنزله على نبيه وحياً وآمن به المؤمنون حقاً, وهو كتاب الله تعالى الذى جعله آية باهرة,ومعجزة قاهرة , وحجة باقية إلى قيام الساعة , وقد تكفل الله سبحانه وتعالى القرآن من التبديل و التحريف فقال جل شأنه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}سورة الحجر : الآية 9 .
وقد انعقد الإجماع على أن القرآن نزل على النبى صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام فى اليقظة ولم ينزل منه شى فى المنام, بلفظه ومعناه.كما قال تعالى {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين }سورة الشعراء: الآيتان 194،193.
والقرآن أنزله الله تعالى ليكون كتاب هداية وإرشاد ، وليكون منهاجاً للأمة، تحكمه في كل شؤونها ، في عقيدتها ، وعبادتها، ومعاملاتها، واقتصادها، وسياستها، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.
والقرآن كله نزل باللغة العربية وهذا مما يمتاز به القرآن الكريم عن بقية الكتب السماوية الأخرى من التوراة و الإنجيل وغيرهما .
كما قال الله تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه }سورة إبراهيم : الآية 4. وقوله تعالى { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين } سورة الشعراء: الآيات 192ـ195.
وقوله تعالى { وكذلك أنزلناه حكمًا عربيا } سورة الرعد: الآية 37 .
وبمقتضى هذه الخاصية فإن ما ترجم من القرآن إلى غير اللغة العربية لا يسمى قرآناً وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية سواء كانت الترجمة حرفية أو غير حرفية .

حجيته القرآن الكريم :
القرآن حجة يجب على كل مسلم العمل بما فيه ، لا يخالف في ذلك أحد من المسلمين ، فمن أنكره أو أنكر شيئاً منه فهو كافر بإجماع المسلمين.
إعجازه القرآن الكريم :
القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد تحدى به فصحاء العرب وبلغاءهم على أن يأتوا بمثله أو بمثل آية منه ، فما استطاعوا ، ولن يستطيعوا.
تعبدنا الله بتلاوته ، كما تعبدنا بتحكيمه في كل شؤوننا الخاصة والعامة ، فرداً وجماعة ودولة.

حفظه:
لهذا الكتاب منزلة رفيعة ، فقد تكفل الله بحفظه من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل وغير ذلك ، قال تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } سورة الحجر : الآية 9 . ولقد حاول أعداء الإسلام على مر العصور تحريفه والنقص منه إلى أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل ، قال تعالى واصفاً كتابه: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} سورة فصلت : الآية 42 .
القراءة الشاذة:
وهي ما جاء منقولاً إلينا نقلاً غير متواتر من القراءات ، كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: ( فصيام ثلاثة ايام متتابعات). فكلمة (متتابعات) لم تنقل نقلاً متواتراً وإنما نقلت نقل آحاد عن ابن مسعود رضي الله عنه فهذه ليست من القرآن الكريم قطعاً ، لأنها لو كانت من لنقلت إلينا نقلاً متواتراً.
والراجح والله أعلم : أنه يحتج بها على ما دلت عليه من الأحكام ، لأن الراوي لها يخبر أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا كانت غير قرآن فلا أقل من أن تكون سنة سمعها الصحابي وظن أنها من القرآن ، وهي ليست منه وإنما هي شرح من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المحكم والمتشابه في القرآن الكريم :
لقد ورد وصف القرآن إنه كله محكم فقال تعالى { الر كتابٌ أحكمت آياته }سورة هود :الآية 1. بمعنى أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه , فهو غاية في الفصاحة والأعجاز .
وكما ورد وصفه أنه متشابه قال تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا}سورة الزمر : الآية 23 . بمعنى أن آياته تشبه بعضها بعضاً في الأعجاز والصدق والعدل .
وورد أيضا من أن القرآن منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه قال الله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب }سورة آل عمران : الآية 7 .
وقد ذهب بعض السلف إلى أن المحكم هو ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد والمتشابه ما احتمل من التأويل أكثر من وجه .
وذهب بعضهم إلى أن المحكم ما اتضح معناه والمتشابه ما لم يتضح معناه وغيرها من الأقوال . ولكن كانت طريقتهم في التعامل مع المحكم والمتشابه متفقه وقالوا الواجب أن يرد المتشابه إلى المحكم ,كما قالوا إن القرآن ليس فيه ما لا معنى له , كما اتفقوا على أن جميع ما في القرآن يفهم معناه ويمكن تدبره وإنه ليس في القرآن مالا يمكن أن يعلم معناه أحد

دلالة القرآن على الأحكام
للقرآن الكريم جانبان :
الجانب الأول : جانب الثبوت .
والجانب الثاني : جانب الدلالة .
إما من حيث ثبوت القرآن الكريم فقد اتضح مما سبق أنه كله متواتر قطعي الثبوث. وإما من حيث الدلالة على الأحكام فينقسم إلى قسمين :
1) أن يكون قطعي الدلالة :
ومعنى ذلك أن لا يحتمل اللفظ إلا معنى واحداً فيتعين حمله عليه ومن ذلك :
أ) آيات المواريث :
منها قوله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ فإن كان لهن ولدٌ فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث }سورة النساء : الآية 12 .
فإن النصف والربع والثمن والثلث و السدس مقادير محدودة لا تحتمل أكثر من معنى واحد ولا مجال فيها للرأي والاجتهاد .
ب) آيات الحدود :
منها قوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة }سورة النور: الآية 2 , وقوله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون }سورة النور: الآية 4 .
فإن المائة جلدة والثمانين ومثلهما ليس لها سوى معنى واحد وليس للاجتهاد فيها مجال.
2) أن يكون ظني الدلالة :
ومعنى ذلك أن يحتمل اللفظ عدة معاني فلا يتعين حمله على واحداً منها ومن ذلك :
قول الله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}سورة النساء :الآية 23. فإن الإرضاع يحتمل أن يكون المرة الواحدة , ويحتمل المرات المتعددة , ولذلك اختلف الفقهاء في القدر المحرم من الرضاع فدلالة الآية على أن الرضاع مرة واحده محرم دلالة ظنية وليست قطعية .
وقد يكون النص الواحد من القرآن قطعي الدلالة باعتبار وظني باعتبار آخر
ومثال ذلك قوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين }سورة المائدة : الآية6 . فإن دلالة هذه الآية على أصل المسح قطعية , ودلالتها على القدر المطلوب مسحه من الرأس ظنية , ولذلك اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء مطلوب واختلفوا في القدر المطلوب مسحه .


المواضيع المتشابهه: