حذر باحثون استراتيجيون مما قد يتعرض له الأردن من أخطار، في ظل تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على أراض عراقية محاذية للمملكة.
ولفتوا إلى أن بوادر خطر تمثلت بمظاهرة تأييد غير مسبوقة لهذا التنظيم، انطلقت في مدينة معان الجمعة الماضي.
واتفق الباحثون على إنه على الرغم من هذه التظاهرة فإن "داعش لا يحظى بتأييد شعبي واجتماعي في الأردن، لأنه خال من وجود خلايا متطرفة لجماعات متشددة، كما أنه لا يشكل بيئة حاضنة اجتماعيا لمثل هذه الجماعات"، بخلاف العراق وسورية.
ورأوا ضرورة وضع سيناريوهات لمواجهة خطر "داعش" في حال توسعت، وحققت انتصارات جديدة في العراق، وأصبح لديها فائض من القوة.
وأكدوا وجوب انطلاق حملات توعوية للمجتمع الأردني، تنتمي للخطاب العقلاني، تشمل المدارس والجامعات والمساجد، لتوضح أن "حاملي هذه الأيديولوجيات المتطرفة لا يمثلون الإسلام". مدير مؤسسة المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء اللواء الركن المتقاعد محمود ارديسات، أوضح لـ"الغد" أمس أنه لا بد من "الحيطة في مجابهة الخطابات المتطرفة، وألا نخاف من مناهضتها".
وأضاف "هناك خطر يجب أن نحتاط له ونواجهه، ونعرف مدى خطورة ما يحصل في المنطقة، ومن هذا الباب يجب تحليل ما يجري، فهو خطر، خصوصا مع تمدد داعش في العراق، ما يشكل ضوءا أحمر".
واعتبر ارديسات أنه على الأردنيين التنبه و"توخي الحذر لمواجهة أي خطر ووضع سيناريوهات لمواجهة داعش في حال توسعها وتحقيقها انتصارات جديدة في العراق، وأصبح لديها فائض من القوة".
وأشار إلى أن مثل هذه التنظيمات "متطرفة ومتزمتة ومتعنتة، وهم موجودون الآن في العراق وسورية، وإن أتيحت لهم الفرصة فلن يتأخروا عن دخول دول اخرى في المنطقة".
ولفت ارديسات إلى أنه "لا يكفي أن يتحدث خطباء الجمعة بطريقة معومة قائلين: يا الله انصر المجاهدين، مثلا، بل يجب ان يحددوا اي مجاهدين هؤلاء الذين يتحدثون عنهم".
ورأى أيضا أن على القيادات الفكرية توعية المجتمع بخطورة ما يجري وعدم الانجرار وراء الحركات الظلامية والميليشيات المتعصبة.
وفي الشأن ذاته، لا ينكر ارديسات وجود مظالم لأهل السنة في العراق، لكن معالجتها تكون بطرق سياسية لا بحرب طائفية بين شيعة وسنة، مؤكدا ان ذلك "لا يعني الاصطفاف الى جانب داعش، باعتبار أنهم سيأخذون حق السنة".
أما نائب عميد كلية الدراسات الدولية في الجامعة الأردنية حسن المومني، فيؤكد أن لا أحد يستطيع الادعاء بأن الأردن خال من أي خلايا متطرفة، لكنه وفي الوقت ذاته "لا يوجد حتى هذه اللحظة خطر استراتيجي على الأردن، بل هناك تحد وخطر، لكنهما ليسا بالمستوى الاستراتيجي كما هو الحال في العراق".
وأضاف المومني لـ"الغد" أننا "نتحدث عن جماعات متشددة تاريخيا ولا نستطيع القول ان الأردن كان خاليا تماما منها، ولكن ليس هناك حاضنة اجتماعية لها في المملكة كما الحال في العراق وسورية، لأن هذه الدول فاشلة".
وهو بذلك يؤكد أن "الأردن دولة قوية فيها مؤسسات ونظام، كما أنه لا يوجد تأييد شعبي لداعش، بحيث تصبح خطرا علينا".
ولفت إلى أننا "رأينا تصريحات جماعة الإخوان المسلمين ومعارضتهم لأي نشاط لداعش في الأردن"، منوها إلى أنه لا بد من دراسة "وضع معان، والمظاهرة المؤيدة لداعش التي جرت فيها الجمعة الماضي".
وقال هذا الأمر "لا بد من دراسته جيدا، وهل ما حدث هو رد فعل على مشاكل معان مع الحكومة، أم أن هذه المحافظة هي فعلا حاضنة لهذه الجماعات؟".
ويرجح المومني الاحتمال الأخير، أي أن ما جرى في معان "ردة فعل تجاه سياسات الحكومة، ونتيجة مشاكلها الاقتصادية والعشائرية".
وختم بتأكيده أن "الأردن يمتلك ادوات ودعما إقليميا ودوليا، يسانده في التصدي لداعش، لأنه من مصلحة هذه الدول والحلفاء أن يبقى مستقرا".
من جهته، يتفق الباحث محمود الجندي مع المومني في "عدم توافر بيئة حاضنة للتطرف في الأردن"، قائلا "على الرغم من قوة تنظيم داعش الذاتية، فإن قوتها الحقيقية موضوعية، فالمشاكل السياسية والاقتصادية في العراق وسورية توفر بيئات حاضنة لها".
ويرى الجندي في مقال تحليلي تلقت "الغد" نسخة منه أن "الطبيعة السلطوية والطائفية لنظامي الأسد والمالكي، المدعومين من إيران، وانحراف طبائع الصراع إلى شكل هوياتي طائفي بين سنة وشيعة، وفرت بيئة مثالية خصبة للتعبئة، وجاذبية أيديولوجية للتنظيم".
ورأى الجندي أن "منسوب القلق الأمني ارتفع بأكثر من شكل وصورة على المستوى الرسمي، بالتوازي مع بروز نزعة لاستثمار الأمر من جانب القيادات السلفية التي تتميز ببعض البراغماتية وقدر من الاعتدال، والتي لا تعارض في الواقع اتصالات ونقاشات، وفي بعض الأحيان تفاهمات مع مؤسسات الحكم في الأردن".
وقال إن "الجانب البراغماتي في الحلقة السلفية الاردنية يسعى لاستثمار المخاوف الأمنية والسياسية في مقايضة لا تقف عن حدود الإفراج عن المقدسي، أو أبو قتادة لاحقا، بل تتعدى ذلك لإنجاز وتحقيق مكاسب يطالب بها الرأي العام السلفي، وأبرزها وقف الاعتقالات والمحاكمات وإلغاء قضية ما عرف بمسيرة الزرقاء والإفراج عن العشرات من السجون وتجميد الملاحقات القضائية ووقف العديد من النشاطات الرسمية التي تستهدف السلفيين وعائلاتهم".
وأشار الجندي في مقالته إلى أن عدد أعضاء "داعش" يصل إلى نحو 15 ألف مقاتل، وأن النسبة الكبرى من مقاتليه أجانب، وتتوافر له موارد مالية كبيرة، تعتمد على فرض الأتاوات في مناطق نفوذه في العراق، وعلى التبرعات التي تأتيه من شبكة منظمة في دول عديدة.

الغد


المواضيع المتشابهه: