تغريد الرشقعمان - في الوقت، الذي رفضت فيه السفارة الأميركية لدى الأردن، أي "إيحاءات" بأن الولايات المتحدة، كان لها دور في إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، أيد باحثون مختصون في الجماعات المتشددة، "عدم واقعية" فرضية أن "أميركا هي صانعة داعش"، لكن ذلك لم يمنع محللين وساسة من تحميل سياسات الولايات المتحدة والغرب تجاه الشرق الأوسط، جزءا مهما من مسؤولية انتعاش الحركات المتطرفة في المنطقة والعالم.
ورغم نفيهم لهذه الفرضية، إلا أن بعض هؤلاء المحللين، ذهب إلى التأكيد بأن الولايات المتحدة لم تلجأ لضرب مواقع "داعش" في العراق، إلا بعد أن باتت المصالح الأميركية مهددة، وأصبح الأمر يهدد إسرائيل.
وفيما دأب ساسة عرب وقوى شعبية وسياسية على تحميل الولايات المتحدة دورا في خلق الظروف المواتية لصناعة التطرف والارهاب في الوطن العربي والعالم اجمع، عبر دعمها المطلق لاسرائيل، وانحيازها الأعمى لمصالح الاحتلال، على حساب الحقوق العربية والفلسطينية، وبما عطل حتى الآن الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، إلا أن مختصين ومحللين، لا يؤيدون فكرة "وجود علاقة مباشرة للولايات المتحدة بتأسيس داعش".
وحول ذلك، رأى باحثون، تحدثت اليهم "الغد"، ان هناك بلا شك تداخل مصالح إقليمية ودولية، ساعد على صعود هذا التنظيم، وأن حضوره تم توظيفه، من قبل أنظمة إقليمية، وإن الاستراتيجية الأميركية "ساعدت على نموه"، إلا أنهم اتفقوا على أن هذا، "مختلف تماما عن جوهر التنظيم، وأفكاره وأسباب صعوده"، كما ذهب بعضهم إلى اعتبار أنه "يمكن القول أن (داعش) صناعة عربية بامتياز".
بدوره، عبر متحدث باسم السفارة الأميركية في عمان لـ"الغد"، عن رفضه لأي "إيحاء بأن الولايات المتحدة كان لها دور في خلق داعش، واصفا ذلك بـ"الادعاءات السخيفة والكاذبة تماما".
وقال إن بلاده ترى إن "داعش هي مجموعة من الإرهابيين الشرسين، وحملتهم الإرهابية وعنفهم البشع، والأيديولوجية القمعية تشكل تهديدات خطيرة لاستقرار ومستقبل العراق".
وشدد على أن أفعال بلاده، "تتحدث عن مدى القلق الذي يعترينا حول تنظيم الدولة الإسلامية"، وتابع موضحا "لقد رأينا طبيعة "داعش" بالكامل، من خلال هجماتها القاسية، ليس فقط على الشعب العراقي، ولكن على الشعب السوري أيضا.
وفيما تداولت وسائل إعلام مؤخرا، ما مفاده أن أميركا هي "صانعة داعش"، اختلف الكاتب والباحث محمد أبورمان، مع هذه النظرية، واعتبر أنها "فرضية لا تمت إلى العقل والواقع الموضوعي بصلة، ولا إلى قراءة تطور وتحول هذه الحركة".
ورأى أبو رمان أن هناك تداخل مصالح إقليمية ودولية، ساعد على صعود هذا التنظيم، وانه تم توظيف وجوده وحضوره من قبل أنظمة إقليمية، كما أن الاستراتيجية الأميركية "ساعدت على نموه"، لكن هذا "مختلف تماما عن جوهر التنظيم والأفكار التي يتبناها، وتفسير الأسباب الحقيقية لصعوده، وإذا أردنا أن نختزل ذلك بعبارات محددة، وموجزة، فإنه يمكن القول أن "داعش" صناعة عربية بامتياز".
واتفق الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي مع ما ذهب اليه أبو رمان، بقوله إن "داعش هي امتداد للقاعدة والسلفية الجهادية، وهي ابنة المنطقة ووليدة السياق الاجتماعي والثقافي والتاريخي لهذه المنطقة، وهي ليست صناعة أجنبية، ولم تصنع، لا في واشنطن ولا في بروكسل ولا في موسكو".
واعتبر الرنتاوي أن "داعش" هي "ثمرة نمو تيار سلفي في المنطقة، في السنوات الأربعين الفائتة، بعد حرب أكتوبر وثورة النفط وتعاظم دور دول الخليج".
كما أن "داعش" هي "ابنة شرعية لحالة الفشل الذريع التي منيت بها الدولة العربية الحديثة بعد الاستقلالات، من حيث عجزها عن إقامة علاقة صحية مع مواطنيها، وعقد اجتماعي ناظم للحقوق والواجبات، وتوزيع عادل للثروات وتنمية شاملة".
واتهم الرنتاوي دولا عربية بتسخير "السلفية الجهادية" كأحد أكبر أدواتها للسياسة الخارجية، وأن هذه السلفية انتعشت في ظل انقسام حاد في المنطقة، بوجود حلفين، هما السني وما حوله، والإيراني وحلفه الشيعي وما حوله.
ولا يؤمن الرنتاوي بأن "داعش" وقبلها القاعدة "تؤتمر بأي أوامر مرجعية، لا من عرب، ولا من فرس، ولا من أتراك"، إلا أنها، كتنظيمات متطرفة، "بالتأكيد أظهرت مرونة بالاستفادة من كل هذه التناقضات بين هذه المحاور"، التي "لعبوا بها ولعبت عليهم".
"وقد نجحت هذه التنظيمات بإقامة تحالفات مؤقتة، وارتدت على حلفائها، ولا يوجد طرف بريء في المنطقة"، أما أميركا فـ"استفادت منها في افغانستان، وصرفت النظر عنها في سورية، على أمل القضاء على النظام السوري"، وحتى عندما وضعتها اميركا على قائمة الإرهاب فانها "لم تضغط على حلفائها في هذا الشأن".
وخلص مدير مركز القدس للدراسات الرنتاوي إلى أن "لا أحد بريء" من تهمة صناعة "داعش"، ولكن بذات الوقت "لا أحد يمكن اتهامه بأنه الأب الشرعي لها، كما لا يمكن اتهام أي طرف بأن "داعش" لعبة بيده".
في ذات السياق، تساءل الباحث في شؤون الجماعات المتشددة حسن ابوهنية، "كيف تكون صناعة أميركية، ولولا التدخل الأميركي بالعراق، لأصبح تنظيم الدولة الاسلامية يجلس الآن في اربيل؟"، مشيرا الى ان الضربات الأميركية منعت "داعش" من التمدد باتجاه كردستان واربيل.
ورغم وصف أبو هنية الترويج لفكرة ان "داعش" صناعة اميركية بـ"التهريج والخرافات"، فإنه يرى أن اميركا "لم تتدخل فعليا لضرب "داعش"، ولكنها تدخلت عندما أصبحت مصالحها مهددة، وأصبح الأمر يهدد اسرائيل، اما قضية حماية الأقليات والحرب على الإرهاب، فهي ذرائع فقط، تستخدمها اميركا، بينما واقع الأمر، هو ان اميركا يهمها الدفاع عن مصالحها الحيوية، مثل النفط في اربيل وكركوك".
الى ذلك، كانت وسائل إعلام لبنانية ومصرية، تداولت قبل حوالي الأسبوعين، ان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، ذكرت، في كتابها، الذي يحمل اسم "خيارات صعبة" الصادر مؤخرا، بأن بلادها أنشات "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو الأمر الذي نفته السفارة الأميركية في بيروت.
ورفضت سفارة واشنطن في بيروت، "أي تلميح بأن الولايات المتحدة قد فكرت في أي وقت من الأوقات الاعتراف بالدولة الاسلامية في العراق والشام، وان ذلك "باطل"، كما رفضت السفارة اعتبار "الدولة" اي شيء عدا عن كونها "منظمة ارهابية".
وأكد أكاديميون وكتاب عرب في الولايات المتحدة، ممن قرأوا الكتاب، انه لم "يرد مثل هذا الادعاء في الكتاب" المذكور.
وهو ما علق عليه ابوهنية، بقوله ان كلينتون انتقدت سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما في العراق وسورية، واعتبرت أن عدم التدخل الأميركي المباشر، ودعم سياسات المالكي والصمت عن الأسد، أدى إلى حصول فراغ، وبالتالي تنامي "داعش"، وأنها لم تقل أن "أميركا هي من أنشأت داعش".


الغد


المواضيع المتشابهه: