عقود الإذعان :- هي صيغة من صيغ إبرام العقود تعتمد على استخدام نموذج نمطي للعقد يعده أحد طرفي العلاقة التعاقدية بصورة منفردة ويعرضه على الطرف الآخر الذي ليس له إلا الموافقة عليه كما هو أو رفضه دون ان يكون له ان يغير في العبارات الواردة فيه أو الشروط والأحكام التي يتضمنها ولا أن يدخل في مجاذبة أو مساومة حقيقية على شروطه مع الطرف المعد لهذا العقد، ومن هذا وصفت هذه العقود «بالإذعان». وقيل ان أول من سماها كذلك القانوني الفرنسي سالي في مطلع القرن العشرين

يعرف الدكتور «أحمد عبد الرزاق السنهوري» عقد الإذعان بقوله «ففي دائرة عقود الإذعان يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مفاوضة و مناقشة، بل هو في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو يدع. فرضائه موجود و لكنه مفروض عليه.»
وأهم عنصر في هذه العقود، وهو الذي جعل فيها مساحة من التعسف ، هو طريقة عرض العقد من قبل معدة على الطرف الآخر إذ لسان حالة يقول : «أقبله كما هو أو اتركه كما هو» وهو ما يـقال عنه باللغة الإنجليزية Take it-or Leave it»”. ونحن نقول إن هذا النوع من العقود هو عين الإذعان، لأنها لا تكون من عقود الإذعان إلا إذا تضمنت شروطاً ما كان للطرف الآخر إن يقبل بها لو أعطي حرية المساومة ومن ثم يمكن القول بعيب الرضا فيها. فإذا تُحقق من حصول الرضا فيها لم تعد من الإذعان بأي وصفٍ كانت.
مجالات عقود الإذعان
ومن الأمثلة على عقود يعدها الناس من عقود الإذعان :
أ- عقود الاشتراك في الخدمات العامة :
كعقد الاشتراك في خدمة الكهرباء والماء والهاتف ونحو ذلك إذ يعرض مقدم الخدمة سواء كان شركة عامة أو خاصة عقداً نمطياً لا يقبل من المستفيد من الخدمة إلا التوقيع عليه بدون مناقشة أو رفضه بدون مناقشة، وليس فيه مجال لاختلاف الثمن او شروط العقد.
ب- عقود المصارف وشركات التأمين :
ومنها عقود فتح الحسابات المصرفية بأنواعها وإصدار بطاقات الائتمان وشهادات التأمين بنوعيه التجاري والتعاوني.
ج- عقود العمل :
من المعتاد لدى الشركات ان تعد عقداً نمطياً تطلب إلى جميع العاملين فيها التوقيع عليه ولا يكون لطالب العمل فرصة المناقشة لما يرد فيه من شروط وأحكام.
د- العقود المتعلقة باستخدامات برامج الحاسوب :
لبرامج الحاسوب طبيعة خاصة ولدت صيغة جديدة للتعاقد بين طرفي العقد فيها. قام استخدام برامج الكمبيوتر قام ليس على أساس ما يسمى «حق الاستخدام لمدة محددة» فلم يجعلوه بيعاً للبرامج ولا إجارة له.

وقد تناول المشرع الفرنسي عقود الاذعان في القانون المدني اذ انه خلا من نص يحدد فكرة عقود الاذعان او نص يعمد الى إضفاء حماية تشريعية على الطرف الضعيف فيها، الا ان الجدل الفقهي الذي ثار حول طبيعة هذه العقود والذي اشعل جذوته الفقيه (سالي) مما حدا بالمشرع الفرنسي ان يتدخل بنصوص خاصة لمعالجة اهم عقود الاذعان، كعقد التأمين وعقد النقل وعقد العمل هذا من جهة ومن جهة اخرى نلاحظ ان القضاء اوجد حلولاً مناسبة لحماية المُذعن منها مراعاة العدالة وحسن النية في تفسير الشروط التعسفية
اما المشرع العراقي فقد تناول عقود الاذعان في القانون المدني العراقي اذ نصت المادة 167 من القانون المدني العراقي على عقود الاذعان فبالرجوع الى الفقرة الاولى من هذه المادة نجد ان
فكرة الاذعان تتحد في هذه الفقرة حصراً حيث نصت على ان: «القبول في عقد الاذعان ينحصر في مجرد التسليم بمشروع عقد ذي نظام مقرر يضعه الموجب ولا يقبل فيه مناقشة» ويتضح بجلاء من نص هذه الفقرة ان المشرع تتطلب لاسباغ صفة الاذعان على أي عقد امرين لا ثالث لهما:
الاول/ قيام احد المتعاقدين أي الموجب بوضع شروط العقد وعرضها على المتعاقد الاخر أي الموجه اليه.
والثاني/ عدم قبول الموجب مناقشة هذه الشروط من الطرف الاخر الذي اما ان يقبل بها جملة او يرفضها جملة، فاذا قبل بها انعقد العقد وعد عندئذ من قبيل عقد الاذعان.

ومن الملفت للنظر اننا لم نجد في هذه الفقرة ما دأب عليه الفقه والقضاء من تطلب توافر الاحتكار القانوني او الفعلي للسلع او الخدمات الضرورية لاسباغ صفة الاذعان على العقد اضافة الى الشروط الاخرى.
وهذا المفهوم الذي حددته الفقرة الاولى من المادة 167 هو ما يتفق تماماً مع ما اتجه اليه الفقه الحديث في تحديد مفهوم عقد الاذعان.
لذا ولانعدام السند القانوني لما تطلبه الفقه والقضاء من وجوب احتكار السلع او الخدمات في نطاق عقد الاذعان ، اننا ندعو الى اعادة النظر في تحديد مفهوم عقد الاذعان والتوسع في نطاقه.
وتبني المفهوم الواسع بهذا الشأن ولاسيما من وجهة نظر القضاء بقصد بسط الحماية القانونية للطرف المذعن على المستهلك الذي بات بأمس الحاجة الى هذه الحماية امام التطور العلمي والتكنولوجي الذي ساعد على وجود انتاج متدفق من السلع والخدمات واتسام المعاملات وخاصة التعاقدية بالسرعة الفائقة والتي لا تدع مجالاً للمناقشة والتفاوض بصددها مما يجد المستهلك نفسه امام عقد اذعان من الناحية الواقعية.
هذا فضلاً عن انه اذا كان الواقع العملي هو ما حدى بالفقه والقضاء الى اشتراط الاحتكار في عقود الاذعان لاسيما العقود المبرمة بشأن خدمات الماء والكهرباء والنقل والوقود.. الامر الذي ادى الى ارتباط فكرة الاذعان بالظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط التعاقد مما جعلها فكرة اقتصادية اكثر منها قانونية فان المفروض ربط هذه الفكرة بالنصوص القانونية ولاسيما ان هذه النصوص جاءت صريحة وواضحة في تحديد ماهية عقد الاذعان ونطاقه لا بل انها تستوعب التوسع الحاصل في حاجات المستهلك وتوفر له السبل الكفيلة للحماية اذا ما فسرنا هذه النصوص بما ينسجم مع غاياتها التشريعية بعيداً عن التقيد والتمسك بشروط لا اساس قانوني لها.
واذا كان ما قدمناه هو موقف المشرع العراقي في المادة 167 من القانون المدني، فإننا نجد عين الموقف التشريعي في المادة 100 من القانون المدني المصري.




المصدر :- منتديات ستار تايمز



المواضيع المتشابهه: