بسم الله الرحمن الرحيم


العرف الدستوري هو عادة درجت عليها هيئة حاكمة في موضوع ذي طبيعة دستورية، و استقرت في ضمير الجماعة كقاعدة ملزمة، حيث أن للعرف الدستوري ركنان : ركن مادي L'élement matériel و ركن معنوي L'élement moral.

I-الركن المادي

يقصد بالركن أو العنصر المادي للعرف التصرف الإيجابي أو السلبي ، لإحدى الهيئات الحاكمة بصورة مطردة و ثابتة و واضحة، في شأن من الشؤون ذات الطبيعة الدستورية.

1-التكرار La Répétition
ذهب أغلب الفقهاء إلى القول إنّ العادة لا تنشأ من مجرد تصرف أو إجراء وحيد، إذ يلزم أن يتوافر تكرار هذا التصرف أو الإجراء، حتى يعتبر دليلاً على دخول هذه العادة في ضمير الجماعة و تصبح بالنسبة لهم قاعدة دستورية ملزمة واجبة الاحترام. بينما ذهب قلة من الفقهاء إلى عدم ضرورة تكرار التصرف، أو الإجراء لنشوء العرف الدستوري، فالعرف الدستوري يمكن أن ينشأ بمجرد حدوث التصرف أو الإجراء مرة واحدة إذا كان يعبر عن ضمير الجماعة، و قد لا ينشأ رغم تكرار التصرف أو الإجراء. و في الواقع لا يمكن القبول برأي الفئة القليلة من الفقهاء، فالتكرار عنصر هام في نشوء الأعراف الدستورية، و لا يكفي حدوث التكرار لمرة واحدة حتى يعبر عن ضمير الجماعة.

2-العمومية La Généralité
يشترط في التصرف أو الإجراء الصادر من إحدى الهيئات الحاكمة و الذي تحول إلى عادة، أن يكون هذا التصرف أو الإجراء عاماً. أي يجب أن تلتزم به بقية الهيئات الحاكمة دون اعتراض من قبلها، بمعنى غير منازع فيه.
و إذا كان جانب من الفقه يكتفي بعدم اعتراض بقية الهيئات الحاكمة على الإجراء أو التصرف، فإن قسماً أخر اشترط إضافةً لذلك عدم اعتراض أفراد الجماعة. فالاعتراض الصادر عن أفراد الجماعة، شأنه شأن اعتراض إحدى الهيئات الحاكمة يشكل مانعاً من نشوء العرف الدستوري.
و هذا ما نؤيده نحن لأن العرف الدستوري كما قلنا يقوم على أساس الضمير العام للجماعة و قبوله لهذا العرف كقاعدة دستورية ملزمة، و لا شكّ أنّ تعبير الجماعة لا يقتصر على الهيئات الحاكمة و الحكام فحسب، بل يتضمن الأفراد أو المحكومين.

3-الاطراد و الثبات La Constance
هذا الشرط، في الحقيقة، ملازم لشرط التكرار، إذ ينبغي أن يتكرر التصرف أو الإجراء بشكل ثابت و مطرد، أي بدون انقطاع. أي يجب أن يكون التصرف أو الإجراء من قبل الهيئة الحاكمة مستمراً و منتظماً، و لا تلجأ إليه بشكل متذبذب : أي يجب أن يشكل عادة ثابتة و مستقرة.

4-الوضوح La Clarté
يجب أن تكون العادة التي درجت عليها الهيئة الحاكمة على قدر من الوضوح، بحيث لا تكون عرضةً إلى تفسيرات مختلفة، توقعنا في الاضطراب.

5-القدم L'Ancienneté
هذا الشرط مرتبط بعنصر الثبات و الاطراد، إذ يجب حتى تصبح العادة عرفاً أن يتواتر العمل بها لمدة طويلة تدل على ثباتها و استقرارها. و لكن من الصعوبة بمكان تحديد هذه المدة، فلكل حالة ظروفها الخاصة : فهناك أعراف دستورية تكونت باتباعها مدة تقارب القرن أو تزيد، و هناك أعراف تشكلت في غضون عشر سنوات أو أقل.

II-الركن المعنوي
إضافةً للركن المادي الذي يكون العادة أو الاعتياد، يجب توافر صفة الإلزام لهذه العادة، و هي التي تشكل الركن المعنوي. و الركن المعنوي يعني بأنه يتوجب أن يستقر في ضمير الجماعة الشعور بأن هذه العادة ملزمة و واجبة الاتباع. فإذا كان الاعتياد يتشكل من خلال تكرار و اطراد إحدى الهيئات الحاكمة على تصرف أو إجراء معين، فإن الركن المعنوي يتشكل من خلال اقتناع بقية الهيئات الحاكمة و الأفراد على حد سواء بإلزامية هذه القاعدة.


المواضيع المتشابهه: