القرار التفسيري رقم 4/2014
2014-09-03


النص
الصادر عن المحكمة الدستورية المنعقدة برئاسة السيد طاهر حكمت وعضوية السادة : مروان دودين ، فهد ابو العثم النسور ، أحمد طبيشات ، الدكتور كامل السعيد ، فؤاد سويدان ، يوسف الحمود ، الدكتور عبد القادر الطوره ، الدكتور محمد سليم الغزوي .
في الطعن المقدم بعدم دستورية المادة ( 14/ب ) من نظام موظفي وكالة الأنباء الاردنية وتعديلاته رقم (17) لسنة 2010 .

بعد الاطلاع على أوراق الدعوى نجد ان وقائعها تتحصل في أن المستدعي سليم ساكت سليمان المعاني كان قد طعن امام محكمة العدل العليا بواسطة وكيله المحامي الاستاذ محمود الناجي القطيشات بقرار لجنة التقاعد المدني الصادر بتاريخ 24/2/2014 المتضمن تخصيص راتب تقاعدي له مقداره (580) دينارا و (938) فلسا بالاضافة الى تخصيص راتب اعتلال قدره ( 145) دينارا و (234) فلسا وذلك اعتبارا من تاريخ 24/8/2013 ، وقد أسس ذلك الطعن على انه كان قد عمل في مديرية الدفاع المدني منذ 10/12/1971 وحتى تاريخ 15/12/1973 ومن ثم عمل في وكالة الانباء الاردنية منذ الاول من ايار لسنة 1981 بخدمة غير مصنفة حتى تاريخ 20/11/1985 وبعد ذلك بخدمة مصنفة من تاريخ 1/12/1985 وأنه قد تدرج بالوظائف في هذه الوكالة الى ان احيل على التقاعد من تاريخ 24/8/2013 ، واثناء اجراء معاملة تقاعده تبين ان المستدعى ضدها لجنة التقاعد المدني قد أخطأت في حساب راتبه التقاعدي على أساس احتساب راتبه الشهري الاخير خلافا للواقع مخالفة بذلك احكام المادتين (19 ، 27 ) من قانون التقاعد ، وقد استند المستدعي في اسباب طعنه الى ان قرار لجنة التقاعد مخالف للدستور ولقانون التقاعد المدني والى عدم تطبيق القاعدة القانونية في احتساب الراتب التقاعدي بالرغم من تماثل وتساوي المراكز القانونية وان القرار قد بني على خطأ في تأويل وتفسير القانون والانحراف في استعمال السلطة ، وقد ارفق المستدعي باستدعاء الطعن لائحة دفع من خلالها بعدم دستورية الفقرة (ب) من المادة (14) من نظام موظفي الأنباء الاردنية رقم (17) سنة 2010 التي استندت اليها لجنة التقاعد في احتساب راتبه التقاعدي وقد استند في اسباب دفعه بعدم دستوريتها الى انها تخالف المبادئ الدستورية التي تضمن مساواة الاردنيين امام القانون وعلى وجه الخصوص المادة (6/1) من الدستور ، واثناء اجراءات الدعوى كرر وكيل المستدعي لائحة الدفع بعدم الدستورية المشار اليها ، واذ وجدت محكمة العدل العليا بعد سماعها الى طرفي الطعن أن مصلحة المستدعي بالدفع بعدم الدستورية متحققة باعتبار ان المادة (14) من نظام وكالة الانباء الاردنية المطعون بعدم دستوريتها واجبة التطبيق على وقائع الدعوى وأن الطعن بها جدي لما يوحيه ظاهرها من شبهة عدم الدستورية فقد قضت بقرارها رقم (101/ 2014 ) تاريخ 29/5/2014 بوقف النظر بالدعوى واحالة الدفع بعدم الدستورية الى محكمتنا ، واثر ذلك تقدم وكيل المستدعي بلائحة توضيحية بتاريخ 9/6/2014 ، وبعد تبلغه قرار الاحالة قدم رئيس الوزراء مذكرة توضيحية بعد فوات المهلة القانونية كما قدم وكيل المستدعي ردا على مذكرة رئيس الوزراء بعد فوات المهلة القانونية ايضا .
وحيث ان اختصاص محكمتنا وفقا للمادة (59/1 ) من الدستور والمادة (4/ أ) من قانون المحكمة الدستورية رقم (15 ) لسنة 2012 ينعقد للنظر في الطعون بعدم دستورية القوانين مثلما ينعقد للنظر في الطعون بعدم دستورية الانظمة وسواء أكانت الاخيرة لتنفيذ القوانين صادرة استنادا للمادة (31) من الدستور ام صادرة لتنظيم مراكز قانونية محددة وفق الموا (45 / 2 ، 120 ، 114 ) منه ، ذلك ان تعبير الانظمة الذي ورد في المادة (59 /1 ) من الدستور والمادة ( 4 / أ) من قانون المحكمة الدستورية قد جاء عاما مطلقا ليشمل جميع القواعد القانونية العامة المجردة الواردة في الانظمة المشار اليها دون تمييز والمطلق يجري على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده ، هذا من جهة ومن جهة اخرى فإن مظنه الخروج على احكام الدستور قائمة بالنسبة الى جميع تلك الانظمة تنفيذية كانت او غير تنفيذية بل ان هذه المظنة اكثر احتمالا في التشريعات التي تتضمنها الانظمة من التشريعات التي تتضمنها القوانين اذ يتوفر للاخيرة من الدراسة والبحث والتمحيص في مراحل اعدادها ما لا يتوفر للانظمة سواء استندت في صدورها الى الدستور مباشرة او كانت الغاية منها تنفيذ القوانين وفقا للمادة (31) من الدستور .
وتأسيسا على ذلك فإن محكمتنا بعد التدقيق والمداولة وبرجوعها الى المادة ( 14/ ب ) من نظام موظفي وكالة الانباء الاردنية رقم (17 ) لسنة 2010 المطعون بعدم دستوريتها ( وذلك قبل تعديلها بالنظام المعدل رقم (60) لسنة 2014 الصادر والنفاذ من تاريخ 15/5/2014 اثناء نظر محكمة العدل العليا للطعن ) تجد أن هذه المادة كانت تنص على ما يلي :-
(14/ ب) : يبقى الموظفون الصحفيون المصنفون الخاضعون لاحكام التقاعد المدني قبل صدور هذا النظام خاضعين لاحكامه ويخضع للتقاعد ما نسبته (65%) من رواتبهم الاساسية المستحقة لهم بعد توفيق اوضاعهم وفقا لاحكام هذا النظام ويتم احتساب العائدات التقاعدية وفق احكام قانون التقاعد المدني النافذ .
كما نجد ان النظام المعدل المشار اليه قد مضى بموجب المادة الثانية منه بضم العبارة التالية الى اخر الفقرة (ب) المشار اليها : على ان لا تقل رواتبهم الاساسية الخاضعة للتقاعد المدني في جميع الاحوال عن الرواتب الاساسية لمثيلاتها من الدرجات المنصوص عليها في نظام الخدمة .
كما تنص المادة (19/أ) من قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 بخصوص احتساب الراتب التقاعدي بالنسبة للمشمولين بأحكامه على ما يلي :
يحسب الراتب التقاعد الشهري للموظف الذي يستحق التقاعد على اساس ضرب مجموع عدد اشهر خدمته المقبولة للتقاعد في راتبه الشهري الاخير ويقسم حاصل الضرب على ثلاثمائة وستين ، ولا يجوز ان يتجاوز راتب التقاعد الشهري في اية حال راتب الموظف الشهري الاخير .
من ذلك يتبين ان نص المادة ( 14/ ب) من نظام موظفي وكالة الانباء قد مايز بين فئتين من الموظفين الذين اكتملت بشأنهم شرائط استحقاق راتب التقاعد المدني احدها الصحفيون من الموظفين اذ تخضع ما نسبته (65%) من رواتبهم الاساسية المستحقة لغايات حساب مقدار التقاعد والأخرى هي التي تخضع لقانون التقاعد المدني ( ولا تمارس من تشملها أعمال الصحافة ) ويحتسب راتبها التقاعدي على اساس احتساب الراتب الاساسي كاملا رغم ان الفئتين من الموظفين المشمولين بقانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 التي تستند المادة (19/أ) منه الى الراتب الاساسي كاملا اساسا لاحتساب الراتب التقاعدي .
وحيث ان المستدعي الطاعن من المشمولين باحكام قانون التقاعد المدني المشار اليه منذ تعيينه بالعمل ابتداء في مديرية الدفاع المدني ومن ثم في وكالة الانباء الاردنية سنة 1981 وفق ما يتبين من قرار لجنة التقاعد المدني الصادر بحقه ، وانه بذلك مع زملائه من الموظفين في تلك المؤسسة من غير الصحفيين او في باقي دوائر الدولة من الخاضعين لقانون التقاعد المدني مهما اختلفت مسمياتهم الوظيفية يحتلون مركزا قانونيا واحدا بما يستوجب وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي تطبيقها عليهم لغاية حساب رواتبهم التقاعدية ، هذه القاعدة هي التي نصت عليها المادة ( 19/ أ) من قانون التقاعد المدني باحتساب الراتب الاساسي كاملا وبنسبة ( 100%) كعنصر يدخل في حساب مقدار التقاعد ، وعليه فإن تخفيض هذا الاساس بنسبة ( 35%) من الراتب الأساسي بموجب المادة ( 14/ ب) من نظام موظفي وكالة الأنباء الأردنية يعتبر اخلالا بالحق في مبدأ المساواة امام القانون المقرر بالمادة السادسة من الدستور .
وحيث أن مبدأ المساواة المنصوص عليه بالمادة السادسة من الدستور مؤداه أنه لا يجوز ان تخل السلطتان التشريعية والتنفيذية في مجال مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور بالحماية المتكافئة للحقوق جميعا سواء في ذلك التي ضمنها الدستور او المشرع وذلك تحقيقا للسلم والامن الاجتماعي وبذلك يكوم مبدأ المساواة مانعا من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها ، ذلك ان الاصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق انها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من اطلاقها وتقيم حدا لا يجوز تخطيه ، وعليه فإن الدستور اذ يعهد بتنظيم موضوع معين الى السلطة التشريعية فإن ما تقرره من قواعد قانونية بصدده لا يجوز ان تنال من الحق محل الحماية بأي صورة كانت ، وذلك اعمالا لنص المادة ( 128/ 1) من الدستور .
وحيث ان المادة (31) من الدستور قد تضمنت ان الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الانظمة اللازمة لتنفيذها فإنها قد اشترطت ان لا تتضمن تلك الانظمة ما يخالف احكام القوانين التي وضعت من اجل تنفيذها ، وحيث ان المادة (13) من قانون وكالة الانباء الاردنية رقم (11) لسنة 2009 الذي صدر نظام موظفي وكالة الأنباء الاردنية رقم (17) لسنة 2010 استنادا اليه تنص على ما يلي :
تعتبر الوكالة الخلف القانوني والواقعي لوكالة الانباء الاردنية المنشأة بموجب نظام وكالة الانباء الاردنية رقم (94) لسنة 2004 وتؤول اليها جميع موجوداتها وحقوقها واموالها المنقولة غير المنقولة وتتحمل جميع الالتزامات المترتبة عليها وينقل اليها جميع موظفيها ومستخدميها حكما وتعتبر خدماتهم لديها استمرارا لخدماتهم السابقة ويستمرون في تقاضي اي علاوة ممنوحة لهم بموجب ذلك النظام او قرارات مجلس الوزراء لحين صدور نظام الموظفين الخاص بالوكالة .
فإن تطبيق هذا النص يستلزم الاستمرار باحتساب رواتب موظفي وكالة الأنباء لغايات التقاعد على اساس كامل رواتبهم الاساسية وفق ما تنص عليه المادة ( 19/ أ) من قانون التقاعد وكما كان مطبقا قبل صدور النظام رقم (17) لسنة 2010 ، وبذلك فإن المادة ( 14/ ب ) من هذا النظام المطعون بعدم دستوريتها تكون قد خالفت المادة (31) من الدستور لمخالفتها المادة (13) من قانون وكالة الانباء الذي صدر نظام موظفي وكالة الانباء لغايات تنفيذه ، وبما ينبني عليه عدم دستورية المادة ( 14/ ب) المشار اليها .
وفضلا عن ذلك فإن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة المتحصلة من جهد شريف تمتد الى كل حق ذي قيمة مالية سواء كان هذا الحق عينيا او شخصيا او ادبيا ، وانه ما استحق في ذمة جهة من الجهات يغدو العدوان عليه مخالفة دستورية وبما ينبني عليه بالنتيجة ان تخفيض اساس احتساب مقدار تقاعد الطاعن من (0 10%) من مقدار راتبه الاساسي الى ( 65%) بموجب المادة ( 14/ ب ) من نظام موظفي وكالة الانباء الاردنية وتعديلاته رقم ( 17 ) سنة 2010 بعد ان كان يحتسب على اساس ( 100 %) منذ ان بدا عمله يعتبر انتقاصا دون مقتضى من الحقوق التي تثرى الجانب الايجابي لذمته المالية ويكون بذلك قد انطوى على مس بالملكية مخالفا للدستور سيما وأن المستدعي وفق ما يتبين من قرار لجنة التقاعد المحفوظ بين اوراق الدعوى كان مستحقا للتقاعد قبل سنوات عديدة من صدور نظام وكالة الانباء الاردنية لسنة 2010 .

وحيث ان الرقابة على دستورية القوانين واللوائح هي رقابة على مشروعية هذه التشريعات وعدم مخالفتها للدستور وبما مؤداه انه لا يجوز ان تتعرض المحكمة الدستورية لبحث مدى ملائمة التشريعات المطعون بعدم دستوريتها او الخوض في ماهية البواعث التي أدت الى سنها أو ضرورته إذ ان جميع هذه المسائل تدخل في الاختصاص التشريعي لمجلس النواب او الجهة التشريعية التي أولاها الدستور هذا الاختصاص ولا يجوز للمحكمة ان تحل نفسها محلها ، وبذلك فإن القول بأن رواتب الصحفيين المحددة بالمادة السادسة من نظام موظفي وكالة الأنباء الأردنية رقم (17) لسنة 2010 هي رواتب مرتفعة وان المشرع قد ابتغى من المادة المطعون بعدم دستوريتها تحقيق المساواة بين رواتب الصحفيين التقاعدية وبين رواتب غيرهم ممن يساووهم بالدرجات بما يجعل هذه المادة متفقة مع الدستور وذلك قبل البحث في اتفاقها مع الدستور من عدمه هو قول غير سديد وذلك بصرف النظر عن ارتفاع رواتب الصحفيين المحددة بالنظام المطعون به أو عدم ارتفاعها طالما اعتبر ذلك النظام ان الرواتب المشار اليها هي رواتب أساسية لهم .

وحيث أن نص المادة ( 14/ ب ) من نظام موظفي وكالة الانباء الاردنية رقم ( 17 ) لسنة 2010 وفقا لما تقدم قد انطوى على اخلال بالحق في المساواة المنصوص عليه بالمادة السادسة من الدستور وذلك بين المشمولين باحكامها ومنهم الطاعن وبين غيرهم من المشمولين باحكام قانون التقاعد المدني رقم ( 34) لسنة 1959 رغم احتلالهم مركزا قانونيا واحدا كما خالف المادة ( 31) من الدستور ، وأنه قد انطوى ايضا على مس بحقوق الطاعن المالية بالانتقاص منها بعد استكمال شروط استحقاقها بما يخالف المادة ( 128 ) من الدستور فإن محكمتنا تقرر لكل ذلك عدم دستورية نص الفقرة ( ب) من المادة ( 14) من نظام موظفي وكالة الانباء الاردنية المشار اليها واعتبارها باطلة .

قرارا صدر بتاريخ الثامن من ذي القعدة لسنة 1435 هـ الموافق الثالث من ايلول لسنة 2014 من باسم حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم




المواضيع المتشابهه: