رد أهل الخبرة في القضاء الشرعي

إعداد المحامي
أحمد عبد المنعم ابو زنط


2014



بسم الله الرحمن الرحيم

" وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "


سورة هود : 88




الفهرس

الموضوع الصفحة
المقدمة 4
المبحث الاول: ماهية رد أهل الخبرة 5
المطلب الاول: مفهوم الخبير والخبرة 5
الفرع الاول: تعريف الخبير 5
الفرع الثاني: تعريف الخبرة 9
المطلب الثاني: مفهوم رد أهل الخبرة 11
الفرع الاول: تعريف رد أخل الخبرة 11
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية لرد أهل الخبرة 15
المبحث الثاني: الطعن في اهل الخبرة واجراءاته 18
المطلب الاول: الطعن في أهل الخبرة 18
الفرع الاول: شروط الخبير 19
الفرع الثاني: الطعون التي ترد على أهل الخبرة 22
المطلب الثاني: اجراءات طلب رد أهل الخبرة 28
الفرع الاول: شروط طلب رد أهل الخبرة 28
الفرع الثاني: اجراءات طلب رد أهل الخبرة 31
قائمة المراجع 34


المقدمة
الحمد لله بداية كل أمر ونهايته والشكر له على النعم وما قد يخصنا به من المحن، والحمد والشكر لله موصول على نعمة العلم، ونسأله تعالى أن ييسره لنا وأن يرزقنا الصبر والحلم.
والحمد لله القائل في محكم التنزيل "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىظ° أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" ، ولما كان العدل أساس الملك فقد كانت العدالة غاية القضاء ومنهجه الرشيد للحكم بين الناس، ومن اسس القضاء العادل في الحكم الالتجاء للخبرة في مواضعها للبيان والتبيان لما في ذلك من أهمية في ارساء العدالة واقامة العدل بالحق والقسطاس المبين.
وعليه فان هذا البحث يسلط الضوء على اجراء قانوني ضامن لعدالة القضاء، ألا وهو "رد أهل الخبرة في القضاء الشرعي"، فمن المعروف أن الخبراء هم أعوان القضاء، وهم الذين ترتكز عليهم في كثير من الاحيان أحكام المحاكم على اختلاف انواعها لما في خبرتهم من قوة ثبوتية وبينة يُعتمد عليها ويركن اليها القضاء، وعليه كان لزاما التوثق والتحقق من نزاهة وعدالة الخبراء تحقيقا للعدالة المتوخاة، وحيث أن الخبراء ما هم بالنتيجة الا أشخاص يخطئون ويصيبون وتعتري عدالتهم ونزاهتم شبهات قد تؤثر على مسار العدالة؛ فقد شرع قانون اصول المحاكمات الشرعية نصوص قانونية تمكن الخصوم والمحكمة من رد الخبير اذا ما توفرت شروط ذلك، ومن هنا تتأتى أهمية البحث في موضوع رد أهل الخبرة من حيث بيان مفهوم الرد وشروطه وحالته واجراءاته التي نص عليها المشرع الأردني.
إن نطاق البحث في هذا الموضوع يقتصر على دراسة رد أهل الخبرة وفق قانون اصول المحاكمات الشرعية وبعض المواد ذات الصلحة في قانون الاحوال الشخصية، وينسحب نطاق البحث لبيان بعض القواعد الشرعية المتعلقة بالشهود وشهادتهم، ولعيه سيتنقل هذا البحث بين المنهج الوصفي لنصوص القانونية تارة وبين المنهج التحليلي لهذه النصوص تارة أخرى.
فإذا قصرت في محاولتي المخلصة فحسبي أن الكمال لله وحده، وإن حالفني توفيق المولى فذلك منتهى الأمل وغاية الرجاء، والحمد لله بداية كل أمر ونهايته وهو من وراء القصد وإليه حسن المآل.
المبحث الاول
ماهية رد أهل الخبرة

يتناول هذا المبحث الحديث عن ماهية رد اهل الخبرة حيث انه سوف يبين مفهوم الرد بالاضافة لتعريف الخبير والخبرة وبيان شروط الخبير وذلك في مطلبين نتناول في الاول بيان التعريفات وفي الثاني شروط الخبرة والخبير.

المطلب الاول
مفهوم الخبير والخبرة

حتى نتمكن من تحديد ما المقصود برد اهل الخبرة فلا بد لنا اولا بيان تعريف الخبير والخبرة ، وهذا ما يتناوله هذا المطلب وفق التفصيل التالي:

الفرع الاول
تعريف الخبير
الخبير هو مفرد لكلمة خبير، والخبير في اللغة " العالم بالشيء[1]. والرجل الخبير أي العالم بالخبر[2] وهو الذي يخبر الشيء بعمله[3] وهو من الفعل خبر وله أصلان: الأول: (العلم بالشيء، والثاني: اللين والرخاوة والغزر[4] ) وقد ورد ذكر الخبير في القرآن الكريم في قوله تعالى: "فاسأل به خبيراً"[5] ، وقوله تعالى " ولا ينبئك مثل خبير"[6]
نستنتج مما تقدم أن الخبير لغة هو العالم بالشيء على حقيقته. وتشريعياً نجد أن المنظومة التشريعية الأردنية المتصلة بموضوع هذا البحث والمتمثلة بكل من: قانون البينات، وقانون أصول المحاكمات الشرعية، وقانون الاحوال الشخصية، قد خلت من أي تعريف للخبير القضائي في الدعوى، بدليل أن المشرع الأردني ومن خلال قانون البينات لم يتعرض إلى الخبرة إلا بشكل موجز ومقتضب مكتفياً باعتبارها جزءا من عداد البينات[7] ودون أن ينظم أحكامها وسائر تفاصيلها وحيثياتها المتشعبة رغم أهميتها.[8]
وبالرجوع الى قانون أصول المحاكمات الشرعية نجد أن المشرع لم يأتِ على تعريف الخبير، واكتفى بالنص على الاحوال التي يأخذ بها بالخبرة أو المسائل التي يستعين بها القضاء بالخبراء وأصول اجراءها نحو المادة 71 من قانون اصول المحاكمات الشرعية التي أجازت الانابة في بعض المسائل ومن ضمنها الاستماع لأهل الخبرة وكذلك الحال في المادة 73 من قانون اصول المحاكمات الشرعية، اضافة للمادة 84 من القانون ذاته التي حددت اصول تعيين الخبراء وانتخابهم في الدعاوى التي تحتاج الى الخبرة وضرب المشرع مثالا على تلك الدعاوى كالنفقة واجر المثل، حيث نصت المادة 84 على ما يلي:
" اذا لم يتفق الطرفان على انتخاب اهل الخبرة في الامور التي تحتاج الى الاخبار كتعيين مقدار النفقة واجر المثل او كان المدعى عليه غائبا تعين المحكمة اهل الخبرة ويعمل برأي الاكثرية واذا اتفق الحاضن والخصم على قدر النفقة ونحوها فلا يصار الى الاخبار."
وتابع المشرع في قانون اصول المحاكمات الشرعية بيان احكام الخبرة في مواد متفرقة حيث استكمل ضمن الفصل الحادي عشر من القانون وتحديدا ضمن البينات الكتابية حيث بين الاصول المتبعة للخبرة المجراة في مسائل الاستكتاب والمضاهاة وقد بين المشرع هذه الاجراءات في المواد من 78 الى 84، ثم تابع المشرع لبيان احكام رد الخبرة في المواد من 85 الى 88 وهو موضوع هذا البحث، الا انه لم يتطرق في اي من هذه المواد لتعريف الخبرة او الخبير.

وعلى النهج ذاته سار المشرع في قانون الاحوال الشخصية حيث تطرق لمواضع الاخذ بالخبرة دون تحديد تعريف لها، كالمادة 126/د من قانون الاحوال الشخصية التي حددت شروط تحكيم الخبراء في دعاوى الشقاق والنزاع، حيث اشترط المشرع ان يكون الحكمين من ذوي الخبرة والعدالة والقدرة على الاصلاح.

وفي موضع اخر اتى المشرع على ذكر اهل الخبرة والاختصاص كما في المادة 131 من قانون الاحوال الشخصية التي تناولت بيان حكم التفريق لعلة المرض

وعليه؛ نلمس بشكل جلي مما سبق أن المشرع الأردني تجنب أي ذكر لتعريف الخبير القضائي، وقضائياً لم يسبق لمحكمتي البداية والاستئناف الشرعيتين ان تطرقتا لتعريف الخبير وذلك بحدود علم الباحث، فجل أحكامهما تنصب على الأمور الواقعية لتقرير الخبرة، وصحة أو عدم صحة التقرير الخبرة، وحالات بطلان تقرير الخبرة أو رد الخبراء.

وبذلك نجد أنه من الصعب صياغة مفهوم جامع ومانع لمفهوم الخبير حيث انه مفهوم واسع وفضفاض نظرا لتعدد وتشعب أنواع الخبرة والخبراء، وهذا ما يمنح القضاء مرونة عالية عند التطبيق، الا انه يجدر القول أن مسألة تعريف الخبير لدى فقهاء وشراح القانون، قد حظيت بقدر كافٍ من الاهتمام والعناية، وتصدى الكثير منهم لتعريف الخبير، فقد عُرف الخبير بأنه "كل شخص له دراية خاصة بمسألة من المسائل يتطلب حلها معلومات خاصة لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لها[9]"



كما عُرف بأنه شخص غير موظف بالمحكمة له معلومات فنية خاصة يستعين القضاء برأيه في المسائل التي يستلزم تحقيقها[10]، وعمله الذي يقوم به هو اجراء تحقيقي يقصد منه الحصول على معلومات ضرورية في اي فرع من فروع المعرفة عن طريق اصحاب الاختصاص.[11] كما انه كل شخص توافرت لديه معرفة علمية أو فنية لتخصصه في مادة معينة ويستعين به عضو السلطة القضائية لتقدير المسائل الفنية.[12]

وبالمحصلة فان الخبراء هم : "طائفة من المختصين في العلوم والفنون وغيرها تستعين بهم المحاكم لجلاء ما خفي وما أشكل عليها"[13]

يتبين مما تقدم أن الخبير شخص ذو كفاءة علمية وعملية وصاحب دراية فنية خاصة، ويلم بجانب من جوانب العلوم، ويسخر كل ما تمتع به من علوم ومعارف وتجارب لخدمة مرفق القضاء وتحقيق العدالة، وذلك بعد الاستعانه به من جانب القاضي الناظر في نزاع معين.


الفرع الثاني
تعريف الخبرة
اولا: الخبرة لغة:
خبرت الأمر أخبره، اذا عرفته على حقيقته، ورجل خابر وخبير عالم بالخبر، والخبير المخبر والخبرة كله العلم بالشيء.[14]
ثانيا: الخبرة اصطلاحا:
الخبرة اصطلاحا: (هي الاعتماد على رأي المختصين في حقيقة النزاع بطلب من القاضي)[15]
ويلاحظ في هذا التعريف أن المقصود بالاعتماد على رأي المختصين، أي اصحاب الكفاءة العلمية والعملية والدراية الفنية، وهذا بدوره يخرج الخبرة عن اطار الشهود او الاقرار.
أما القول عن "حقيقة النزاع بطلب من القاضي" أي انه ينصب على الخبرة القضائية التي تجرى بواسطة المحكمة، وبذلك تخرج الخبرة القضائية عن اطار الخبرة الرضائية او الاتفاقية.[16]
ثالثا: الخبرة قانوناً:
كنا قد تحدثنا سابقا عن ان المشرع لم يتطرق لتعريف الخبير وبالمنطق ذاته نجد ان المشرع الاردني لم يتطرق لتعريف الخبرة، وقد ترك امر التعريف للفقه، وقد زخرت المكتبة القانونية بثلة من المرجعيات المتخصصة بالخبرة القضائية والتي أول ما تصدت له محاولة وضع تعريف جامع مانع للخبرة القضائية وكل بحسب اجتهاده.
وعلى هذا نرى العبودي يعرفها على أنها: "وسيلة لتعزيز ادلة الاثبات في الدعوى، لأن الخبرة ليست بحد ذاتها دليلا في الاثبات وانما هي وسيلة تساعد القاضي في حسم الدعوى"[17]
وليس ببعيد يعرفها انس الكيلاني على انها: "تدبير تحقيقي الهدف منه الحصول على استشارة من ذوي الاختصاص في محل نزاع معروض على القضاء تقوم به المحكمة وهو لا يشكل بحد ذاته وسيلة اثبات "[18]
ومع ان كلا التعريفين السابقين يتفقان في ان الخبرة لا تعتبر من عداد البينات الا ان المشرع الاردني قد ذهب لخلاف ذلك حينما اعتبر الخبرة من جزءا من البينات ويظهر ذلك جليا واضحا في قانون البينات حيث نص المشرع صراحة في المادة 71 على ما يلي:
" تعتبر جزءا من البينات المعاينة والخبرة التي تجري وفقا للاحكام المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات المدنية "
اما في قانون اصول المحاكمات الشرعية، فنجد ان المشرع قد فصل احكام الخبرة تباعا ضمن الفصل الحادي عشر وتحت عنوان "البينات الكتابية" وقد درجت المحاكم واستقر العمل القضائي في الاردن على اعتبار الخبرة من قبيل البينات التي من الممكن ان يطلبها الخصوم بالدعوى.
وهذا ما ذهب اليه ايضا بكر السرحان حيث عرف الخبرة بانها: (وسيلة اثبات استثنائية يلجأ اليها القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من أحد الفرقاء في الدعوى ليستعين من خلالها بمتخصصين في مسائل فنية او علمية أو مهنية تخرج بالضرورة عن حدود ادراكه وعلمه المفترض، ليردك ويستثبت من خلالها عناصر وتفاصيل الواقعة المعروضة عليه مراعيا في ذلك الشروط التي حددها القانون)[19]
المطلب الثاني
مفهوم رد اهل الخبرة

يتناول هذا المطلب بيان مفهوم رد اهل الخبرة، ومن مقتضيات ذلك تعريف رد الخبراء وبيان طبيعته القانونية ، ونتناول ذلك على فرعين؛ يتخصص الفرع الأول في تعريف رد أهل الخبرة، ويتخصص الفرع الثاني في تحديد الطبيعة القانونية للرد.

الفرع الاول
تعريف رد أهل الخبرة
بعد ان تطرق البحث لتعريف الخبير والخبرة وبيان معانيهما فلا بد لنا الان من بيان مفهوم رد أهل الخبرة وما هو المقصود به وفقا للقانون، فمن المعروف ان قانون اصول المحاكمات الشرعية قد تضمن اربعة مواد قانونية تبين احكام رد اهل الخبرة، وهذه المواد هي 85 و 86 و 87 و 88 من القانون، وكنهج المشرع ببيان الاحكام وتجنب التعريف فقد خلا القانون من اي تعريف واضح وصريح لرد اهل الخبرة، وبذلك يركز البحث في هذا الفرع على محاولة وضع تعريف لماهية الرد وتوضيح طبيعته القانونية ومن ثم لبيان احكامه واجراءاته في باقي ثنايا البحث.
الرد لغة: هو صرف الشيء ورجعه، والردّ مصدر رددت الشيء. ورده عن وجهه يرده ردا ومردا وتردادا: صرفه.[20]
اما التعريف قانونا فكما ذُكر سابقا من حيث ان قانون اصول المحاكمات الشرعية لم يضع تعريفا للرد، ولدى مراجعة السوابق القضائية واجتهادات القضاء فيتبين أن الاحكام القضائية قد انصبت على معالجة وقائع متصلة برد الخبراء دون التصدي لوضع تعريف واضح.


وقد عرف مولاي ملياني بغدادي رد الخبير بأنه "إجراء خوله المشرع لأطراف الخصومة للوقوف في وجه الخبير الذي عينته المحكمة من تلقاء نفسها وإزاحته أو تبديله بغيره إذا كان يخشى منه تحيزا أو محاباة لأحد الخصوم ، ويعود للمحكمة تقدير الأسباب إذا كانت مؤسسة ولها ما يبررها وللمحكمة رفض طلب الرد إذا لم يكن مستندا على أي سبب وجيه أو خطير"[21]
ويلاحظ أن هذا التعريف قد ذهب الى اعتبار الرد اجراء تتخذه المحكمة بناءً على طلب اطراف الخصومة بهدف إزاحة الخبير الذي يخشى تحيزه، وقد ارجع التعريف قرار الرد لتقدير المحكمة وبما تؤسسه من اسباب.
وان كان في هذا التعريف بيان لماهية الرد، الا ان مقارنته مع ما ذهب اليه المشرع الاردني في المادة 85 من قانون اصول المحاكمات الشرعية يظهر لنا بعض الاختلاف، حيث ان المشرع الاردني قد ذهب الى اعتبار الرد اجازة تقضي بغير الاصل ان تحقق مقتضى الاستثناء، والاصل ان لا يرد الخبير الا في حالات خاصة، فمتى انتخب الخبير من خلال الخصوم او عُين بقرار المحكمة اصبح ملزما واستثناءً على ذلك يمكن عزل الخبراء وفقا لضوابط شرعية وقانونية.
وعليه يمكن اعتبار رد اهل الخبرة وفق قانون اصول المحاكمات الشرعية بأنه: اجازة خولها المشرع للمحكمة لعزل الخبير الذي عينته بنفسها وتبديله بغيره ، بناءً على طلب أي من الخصوم اذا كان الخبير ممن لا تقبل شهادته شرعا بمواجهة ذلك الخصم.
من التعريف السابق يمكن لنا استبيان المقصود برد اهل الخبرة وفق مقصد المشرع الاردني في قانون اصول المحاكمات الشرعية، كما يمكن لنا ملاحظة ان رد الخبير لا يكون الا عن طريق المحكمة وليس باتفاق الخصوم أو ارادة أحدهم، ويجب ان يكون طلب الرد منصبا على خبير عينته المحكمة من تلقاء نفسها، وبمفهوم المخالفة وسندا لمنطوق المادة 86 فانه لا يجوز للخصوم طلب رد أهل الخبرة المنتخبين من قبلهم لأن الاخبار وفقا لهذه الحالة اضحى ملزما للطرفين وأصبح الخبراء في منزلة الحكمين وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الموقرة في العديد من قراراتها ومن ذلك القرارات ذوات الارقام: 14975 ، 18326 ، 19278، 22207، 29498، 43814.
وهنا يثور تساؤل لافت للنظر، من حيث مدى صلاحية المحكمة برد الخبير من تلقاء نفسها دون طلب أي من الخصوم ذلك، فقد يتصور ان تنتبه المحكمة الى سبب من اسباب رد اهل الخبرة فلا يثير الخصوم ذلك أو لا يتمسكوا به، فهل يحق للمحكمة عندئذ التراجع عن قرارها السابق القاضي بتعيين الخبراء لتقوم بعزلهم وتعيين غيرهم من تلقاء نفسها !
واجابة على هذا السؤال لا بد لنا اولا من استقراء مقاصد الخبرة، حيث ان الهدف الاساسي من الخبرة اعتماد القضاء على رأي المختصين في حقيقة النزاع، فاذا ما رأت المحكمة ان هذا المقصد لن يتحقق في ظل وجود خبراء غير مؤهلين او يخشى انحيازهم فان لها أن تصحح هذا الامر وان تتراجع عن هذا الخطأ لأن هدف القضاء الاساسي هو تحقيق العدالة.
ومؤدى ذلك ان للمحكمة ان عينت خبراء في دعوى ما، فالتمست عدم اهليتهم لتلك الخبرة او تراخيهم فان لها التراجع عن قرارها وعزل الخبراء وتعيين غيرهم حيث ان من يملك الانشاء يملك الالغاء خصوصا ان هذا التراجع يحقق المقصد الحقيقي من اللجوء للخبرة، اضافة لسلطة المحكمة الاصيلة في فرض رقابتها على البينات وعدالة الشهود وقياسا عليها الخبراء وفقا لمنطوق المادة 85 من قانون اصول المحاكمات الشرعية.


من ناحية اخرى فان طلب رد اهل الخبرة يجب ان لا يكون جزافيا، بل يجب ان يكون مسببا ومستندا لمبررات قانونية وقد وضحت المادة 85 من قانون اصول المحاكمات الشرعية أن سبب رد اهل الخبرة عائد لكونهم من الاشخاص الذين لا تقبل شهادتهم شرعا لأحد الخصوم، وسيتم بيان هذه الاشكالية باذن الله في ثنايا هذا البحث.

والجدير بالذكر ان نتيجة طلب الرد تكون خاضعة لتقدير المحكمة فان اقتنعت بالاسباب الموجبة للرد اصدرت قرارها القاضي بعزل اهل الخبرة وعينت غيرهم ليحلوا محلهم، وبخلاف ذلك ترد المحكمة الطلب ويكون قرارها على اي حال خاضعا لراقبة محكمة الاستئناف مع نتيجة الدعوى.


الفرع الثاني
الطبيعة القانونية لرد أهل الخبرة
بعد ان تصدى الفرع الاول لوضع تعريف لبيان مفهوم رد أهل الخبرة، فان هذا الفرع سيحاول بيان الطبيعة القانونية للرد، وان كان هذا لا يمكن اتمامه دون استقاء الطبيعة من التعريف.
وقد لوحظ في الفرع الاول ندرة المراجع التي تصدت لوضع تعريف لرد اهل الخبرة حيث ان انصب جهد الشراح على بيان الاجراءات وشرح الشروط والوقائع، خصوصا الدراسات الاردنية التي انعدم فيها اي اشارة لتعريف رد اهل الخبرة وذلك بحدود معرفة الباحث واطلاعه.
وعلى ذلك فإن بيان الطبيعة القانونية لرد اهل الخبرة في القضاء الشرعي قد يعتريه بعض الخلاف، فالمشرع الاردني قد نظم احكام الرد بأربعة مواد واقتصر فيها على بيان الاحكام والاجراءات، وهنا يأتي دور هذا البحث في استقاء الطبيعة القانونية للرد كما تم استقاء التعريف في الفرع الاول.
ان إضفاء وصف قانوني على طبيعة رد اهل الخبرة وتكييفه قد تتباين باختلاف الأنظمة القانونية التي نظمت موضوع الرد، حيث أن اختلاف السياسة التشريعية من قانون لآخر ومن دولة لأخرى يلعب دورا هاما في تحديد كنه الرد، مما يؤدي إلى وجود تباين في طبيعته القانونية.
حتى ان هذا الاختلاف تتبين معالمه ما بين قانون اصول المحاكمات المدنية وقانون اصول المحاكمات الشرعية، فالمادة 90 من قانون اصول المحاكمات المدنية قد حددت اجراءات رد الخبراء الذين تنتخبهم المحكمة من تلقاء نفسها بتتبع اجراءات رد القضاة وهذا ما نجده في المادة 90/2 من قانون اصول المحاكمات المدنية والتي جاء فيها:
"الخبراء الذين تنتخبهم المحكمة من تلقاء نفسها تجري عليهم الأحكام المتعلقة برد القضاة ."
بالمقابل نجد أن 85 من قانون اصول المحاكمات الشرعية وان اتفقت مع المادة 90 من قانون اصول المحاكمات المدنية من حيث اجازة رد الخبراء، الا انها قد ربطت معايير رد الخبير بمدى جواز شهادته بالنسبة لأحد الخصوم.
وقد تطرقنا في الفرع الاول الى ان المشرع الاردني في قانون اصول المحاكمات الشرعية قد ذهب الى اعتبار الرد اجازة تقضي بغير الاصل إن تحقق مقتضى الاستثناء، ودليل ذلك أن المشرع قد استهل نص المادة 85 بكلمة "يجوز" والاصل ان لا يرد الخبير الا في حالات خاصة مرتبطة بشخص الخبير ومدى جواز شهادته شرعا بمواجهة اي من الخصوم .
ووفقا لتعريف البغدادي المذكور في الفرع الاول والذي اعتبر فيه رد الخبير "إجراء خوله المشرع لأطراف الخصومة" فانه يتبين أن الرد وفقا لهذا التعريف لا يعدو كونه عمل إجرائي ذو صفة قضائية يرتب أثاره بموجب القانون؛ حيث تنعقد سلطة القاضي في رد أهل الخبرة متى ما تحققت الشروط .
إن تبني هذا الرأي كوصف قانوني عائد إلى القول أن انعقاد سلطة المحكمة بالرد ما هو إلا التزام يقوم على مسألة عامة وليست خاصة، أي أنه اجراء تتخذه المحكمة تحقيقا لمصلحة العدالة بوصفها مصلحة عامة وهذا ما يبرر حق المحكمة برد الخبير من تلقاء نفسها دون طلب من الخصوم.
من ناحية أخرى يمكن لنا القول أن رد اهل الخبرة هو رخصة تشريعية ممنوحة من المشرع للمحكمة تحكم بها وفقا لأحكام القانون، وهذا الرأي مؤداه أن الرد هو اجازة للمحكمة، وليس مجرد عمل إجرائي حيث أن الرد لا يتم إلا إذا قبلت به المحكمة وفقا لسلطتها التقديرية المستندة الى اساس صحيح من الشرع والقانون.

أما بالنسبة للمشرع الأردني فيظهر جليا من خلال نص المادة 85 و87 من قانون اصول المحاكمات الشرعية أنه اعتبر الرد سلطة جوازية للمحكمة تحكم بها من تلقاء نفسها او بناءً على طلب الخصوم متى ما تحققت شروط ذلك، وهذا يعني أن الرد وإن كان اجراء جوازي من جهة المحكمة فانه مكنة من جهة الخصوم، اذ مكن القانون الخصوم من حق تقديم طلب لعزل الخبير ورده، وبالنتيجة فان القرار يكون للمحكمة والقاضي ناظر الدعوى وفقا لما يقدره من اسباب متوافقة مع حكم الشرع والقانون، ويكون قرار محكمة البداية في هذا الشأن خاضعا لرقابة محكمة الاستئناف مع نتيجة الدعوى.


المبحث الثاني
الطعن في اهل الخبرة واجراءاته

ينقسم هذا المبحث لمطلبين، يتناول الاول بيان شروط رد اهل الخبرة وفقا لقانون اصول المحاكمات الشرعية ومن مقتضيات ذلك بيان شروط الخبير المعتبرة شرعا اضافة لشروط الشاهد الذي يقاس عليه صلاحية الخبير بالنسبة لأحد المتخاصمين، في حين يتناول المطلب الثاني اجراءات تقديم طلب رد اهل الخبرة من الخصوم وقرار المحكمة بهذا الشأن.

المطلب الاول
الطعن في أهل الخبرة

يتناول هذا المطلب بيان الطعون الواردة على أهل الخبرة، حيث ان رد الخبراء لا بد أن يكون مرتكزا على طعن مستند على مانع من موانع قبول الشهادة كدفع مغرم أو جر مغنم، وهذا يعني بالضرورة أنه لا بد من بيان الشروط الواجب توافرها في الخبير، حيث ان انعدام اي شرط من تلك الشروط قد يكون سببا من اسباب الطعن الواردة على الخبير، وبذلك فان هذا المطلب ينقسم الى فرعين، يتناول الفرع الاول شروط الخبير، ويتناول المبحث الثاني الطعون التي ترد على أهل الخبرة.


الفرع الاول
شروط الخبير
للخبير شروط لا بد من توافرها شرعا وقانونا، وان كان قانون اصول المحاكمات الشرعية لم يبين ماهية هذه الشروط إلا أننا نجد ان المشرع قد أحال بيان شروط الخبير لشروط الشاهد المعتبرة شرعا، اضافة لبعض الشروط الخاصة التي سوف نستقيها من ثنايا القانون، وعلى ذلك يمكن لنا ان نجمل شروط الخبير بما يلي:
أولا: أن يكون الخبير أهلاً للشهادة:
يمكن لنا استقاء هذا الشرط من نص المادة 85 من قانون اصول المحاكمات الشرعية والتي جاء فيها: "يجوز رد أهل الخبرة اذا كان الخبير ممن لا تقبل شهادته شرعا لاحد الخصوم"
وعليه فان الخبير كالشاهد من هذه الناحية ويجب ان تتوفر فيه اهلية الشهادة من إسلام وبلوغ وعقل وتمييز وعدم الغفلة [22] وبالمقابل يجب ان يكون الخبير خاليا من كل مانع من موانع الشهادة وقد ذكر الحجاوي في زاد المستقنع وشرحه ابن عثيمين "لا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض ولا شهادة أحد الزوجين لصاحبه وتقبل عليهم، ولا من يجر الى نفسه نفعا أو يدفع عنها ضرارا ولا عدو على عدوه"[23]
وقد ذكرت المادة 1686 من مجلة الاحكام العدلية أنه " لا تقبل شهادة الأخرس والأعمى" وبين علي حيدر في شرح هذه المادة أنه "ترد شهادة الاخرس والمجنون والمعتوه والصبي والمملوك وشديد الغفلة والمجازف في كلامه وبائع الاكفان والمحدود في القذف والمعروف في الكذب والمخنث والمغني والمغنية والنائحة والمدمن على شرب الخمر واللعب بالشطرنج والمرتكب للكبائر من المحرمات والذي يظهر سب السلف والذي اعتاد سب اهله، والاصل للفرع والفرع للاصل واحد الزوجين للاخر والسيد للعبد والعبد على العبد واحد الشريكين لشريكه في مال الشركة والذين يقفون في الطرقات ويتفرجون على المارة والأعمى"[24]
وان كان ما ذهب اليه علي حيدر من بسط لشروط عدالة الشاهد كان مقبولا في وقت تشريع مجلة الاحكام العدلية، إلا أن اختلاف الواقع يفرض متطلبات جديدة، فما كان يعتبر خارما من خوارم المروءة وجارحا لعدالة الشهود في عهد ما ليس بالضرورة ان يكون كذلك في مثل ايامنا، وعليه تبقى للقضاء السلطة التقديرية في اعتبار مدى عدالة الشهود والخبراء على ضوء عرف المجتمع وحكم الشريعة والقانون.
ثانيا: أن يكون من أهل المعرفة في صنعته ومهنته واختصاصه
ويمكن لنا استقاء هذا الشرط من مقصد الخبرة اساسا، ومن تعريف الخبير والخبرة، فقد تبين لنا ان الخبير هو العالم بالشيء وعليه فانه لا بد ان يكون من اهل المعرفة والاختصاص، أما قانونا فيمكن لنا اكتشاف هذا الشرط بسهولة عند على الاطلاع على نص المادة 126/د من قانون الاحوال الشخصية التي حددت شروط تحكيم الخبراء في دعاوى الشقاق والنزاع، حيث اشترطت ان يكون الحكمين من ذوي الخبرة والعدالة والقدرة على الاصلاح. وكذلك جاءت المادة 131 من القانون للتاكيد على ذكر اهل الخبرة والاختصاص في دعاوى التفريق لعلة المرض.
ولا يكفي ان يكون الخبير من اهل المعرفة والاختصاص حتى تصلح خبرته، بل يجب ان يكون لاختصاصه صلة بموضوع الدعوى والخبرة المطلوبة منه، فلا يقبل مثلا خبرة الخبير المختص بالهندسة في موضع يحتاج لخبير مختص بالطب، كما لا تقبل خبرة طبيب مختص بالعيون في موضع يحتاج لطبيب مختص بالعظام مثلا.



ثالثا: أن يكون خاليا عن الغرض:
أي ان يكون محايدا فلا تدفع خبرته عنه مغرما أو تجر له مغنما وان لا تكون له صلة أو منفعة أو عداوة أو قرابة او مصاهرة أو منفعة مشتركة مع احد الخصوم، وقد اتت المادة 414 من مجلة الاحكام العدلية على اشتراط خلو الخبير من الغرض عن تقدير اجر المثل، ومن ناحية أخرى فقد ذهبت محكمة الاستئناف الشرعية عند وصف الخبراء الى القول بما يجيز الاعتماد عليهم كخلوهم من الغرض[25].

وهنا نحن نتحدث عن اي مصلحة قد يبتغيها الخبير من وراء خبرته، او مجاملة قد يتحراها لمصلحة أحد الخصوم على حساب الاخر، ومن عداد ذلك تقصد الخبير محاباة احد الخصوم رفعا للحرج عنه، وقبول الهدايا أو الرشاوى أو الوعد بتقديم خدمات او منفعة أو تسيير مصلحة.

أما أتعاب الخبير عن خبرته فلا تدخل من عداد الغرض المقصود في هذا الشرط، بل تخرج عن ذلك؛ حيث أن الاتعاب تستحق للخبير عن الجهد الذي اداه في اعداد خبرته، وهو امر مستحق له بحكم وتقدير المحكمة سواء رضي الخصوم عن تقرير الخبرة أم سخطوا عليه، وهذه الاتعاب ليست مرتبطة بمنفعة يبتغيها الخبير من الخصوم في الدعوى.



الفرع الثاني
الطعون التي ترد على أهل الخبرة
تم البيان في الفرع الاول ما هي الشروط الواجب توافرها في الخبير حتى تقبل خبرته، هذه الشروط التي تم بيانها تعتبر مقدمة لما سيتم بسطه في هذا الفرع باذن الله، حيث أن أهم الطعون التي قد ترد على الخبير انما هي طعون تنصب على اختلال أو انعدام أحد الشروط الواجب توافرها به، ونبين هذه الطعون وفقا لما يلي:
1. أن تجر الخبرة للخبير مغنما أو تدفع عنه مغرما:
وقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة على ان الشهادة اذا كانت تجر مغنما لصاحبها أو تدفع عنه مغرما فانها لا تقبل[26]
ومن صور جر المغنم ودفع المغرم كما قلنا او الوعد بالرشوة والهدايا أو الانتقام من الخصوم والى آخر ذلك من الوقائع.

2. أن يرتبط الخبير بعلاقة قرابة أو صلة بأحد الخصوم.
وفي هذا نصت المادة 1700 من مجلة الاحكام العدلية على أنه (يشترط أن لا يكون في الشهادة دفع مغرم او جر مغنم، يعني أن لا يكون داعية لدفع المضرة وجلب المنفعة بناء عليه لا تقبل شهادة الاصل للفرع والفرع للأصل ولا تقبل شهادة الاباء والاجداد والامهات والجدات لأولادهم وأحفادهم ولا شهادة الاولاد والاحفاد للأباء والاجداد والامهات والجدات وهكذا)

وان كان جمهور الفقهاء قد اتفقوا على أن الشهادة يجب ان لا تجر مغنما أو تدفع مغرما كما سبق بيانه في النقطة الاولى بما في ذلك عدم قبول شهادة عمودي النسب لبعضهم البعض الا أنهم قد اختلفوا في شهادة احد الزوجين للأخر، فردها الحنفية والمالكية والحنابلة لأن كل منهما يرث الاخر وينتفع بماله، بالمقابل فقد اجازها الشافعية وقالوا: انها تقبل لأنه ليس بينهما بعضية والزوجية قد تكون سببا للتنافر والعداوة وقد تكون سببا للميل والايثار فهي نظير الاخوة أو دون الاخوة وهي تحتمل القطع والاخوة لا تحتمل. والراجح هو رأي الجمهور للعلاقة الخاصة بين الزوجين واحتمال المصلحة بينهما أرجح.[27]
وقد استقر اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية على رأي الجمهور وذلك سندا لقرار محكمة الاستئناف رقم 28939 والذي جاء فيه: (اذا طعن ان الخبير جد لأم فعلى المحكمة أن تحقق في ذلك وفق المادة 85 من قانون اصول المحاكمات الشرعية التي اجازت رد أهل الخبرة إذا كان الخبير ممن لا تقبل شهادته شرعا لأحد الخصوم)[28]

3. أن يكون الخبير شريك أحد الخصوم في الدعوى:
وفي هذا نجد أن الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة قد ذهبوا الى ان شهادة الشريك لشريكه في أمور الشركة لا تقبل لأنها شهادة لنفسه من وجه لاشتراكهما في الشركة ولو شهد الشريك بما ليس من شركتهما تقبل لانتفاء التهمة وأجاز المالكية شهادة الشريك لشريكه.[29]


4. أن يكون الخبير عدو لأحد الخصوم
ويعبر عن ذلك بكون الخبير عدو لأحد الخصوم فيفرح لحزنه ويحزن لفرحه، وهنا تصبح شبهة المحاباة ضد الخصم حاضرة لوجود العداوة فلا يطمئن لخبرته، وقد ذكر شرف الدين الحجاوي في الزاد أنه "لا تقبل شهادة ... عدو على عدوه"[30]
وفي هذا نجد ان المادة 1702 من مجلة الاحكام العدلية قد جاء فيها: (يشترط ان لا يكون بين الشاهد والمشهود عليه عداوة دنيوية، وتعرف العداوة الدنيوية بالعرف) ويقول علي حيدر في شرح هذه المادة "العداوة الدنيوية هي التي تنشأ عن أمور كالمال والجاه وتعرف بالعرف فلذلك لا تقبل شهادة المجروح على الجارح وورثة المقتول على القاتل والمقذوف على القاذف والمشتوم على الشاتم"[31]

5. أن يكون الخبير قد سبق له ان كان محاميا لأحد الخصوم أو مستشارا له.
من المعروف في مجال القضاء الشرعي أن الخبراء في كثير من الدعاوى كتقدير النفقات على اختلاف انواعها عادة ما يكونوا من المحامين، وقد يصدف ان يكون الخبير المنتخب قد سبق له ان كان محاميا لأحد الخصوم في ذات الدعوى المنظورة أو غيرها، أو ان احد الخصوم قد استشاره في موضوع الدعوى واعطى استشارة في النزاع، ففي هذه الحالة ينتفي شرط الحياد المطلوب في الخبير، وتقوم مقامه شبهة تعاطف الخبير مع احد الخصوم لسبق التوكيل ، فمن المفروض ان يكون الخبير محايدا وابداء الخبير رأيه في موضوع النزاع خارج حدود خبرته ومن خلال استشارته من قبل احد الخصوم أو تبنيه الدفاع عن احد الخصوم بموجب وكالة من الخصم في الدعوى او انابة من محامي ذلك الخصم يعني ذلك بطبيعة الحال ميل الخبير بشكل واضح لأحد الخصوم دون غيره، مما يفقد الخبير في هذه الحالة شرط الحياد.

6. أن يكون الخبير تابعاً لأحد الخصوم في الدعوى
ومؤدى هذا الطعن ان يكون الخبير يرتبط بعلاقة تبعية مع احد الخصوم في الدعوى، كأن يكون عاملا أو موظفا لديه، أو خادما عنده، او ان يكون احد الخصم ذو شوكة أو سلطة على الخبير، ففي هذه الحالة تقوم شبهة محاباة المرؤوس لرئيسه ، ومن ذلك ما ذكر سابقا في شرح علي حيدر لنص المادة 1686 من مجلة الاحكام العدلية من عدم جواز شهادة العبد على الحر.

7. أن يكون الخبير قد قذف أحد المحصنات بالزنا
وهذا الطعن يأتي مصداقا لقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون)[32] ، ونص الاية القرآنية واضح بعدم قبول شهادة القاذف للمحصنات والذي ينال من الاعراض ، ويشترط لرد الخبير في هذه الحالة ان تكون تهمة القذف ثابتة على الخبير باقرار منه أو بحكم قضائي قطعي مبرم ونحوه، وان لا يكون مجرد طعن عام لا يستند الى اساسي واقعي وسليم وثابت.
واختلف الفقهاء في مدى جواز قبول شهادة التائب من جرم القذف ، فقد ذهب الشافعية والحنابلة الى قبولها ان تاب واصلح حاله وكذب نفسه، وذهب المالكية الى القول بانه لا تقبل شهادة المحدود فيما حد فيه وتقبل فيما عداه ان تاب، أما الحنفية فقد ذهبوا الى عدم قبول شهادة القاذف وان تاب[33]، وبذلك يجب ان يؤخذ برأي الحنفية سندا لنص المادة32 من قانون الاحوال الشخصية التي جاء فيها "ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة فاذا لم يوجد حكمت المحكمة بأحكام الفقه الاسلامي الاكثر موافقة لنصوص هذا القانون"
8. أن يكون الخبير اخرسا أو اعمى
ويستقى هذا الطعن من نص المادة 1686 من مجلة الاحكام العدلية التي جاء فيها "لا تقبل شهادة الأخرس والأعمى"
وقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة الى عدم قبول شهادة الاخرس حتى وان فهمت اشارته، حيث اعتبروا ان المطلوب هو التلفظ بالشهادة لان الشهادة يعتبر فيها اليقين، اما المالكية فقبلوا شهادة الاخرس اذا فهمت اشارته لانها تقوم مقام النطق في الطلاق والنكاح وكذلك الشهادة.[34]
اما بالنسبة لشهادة الاعمى فقد ذهب الحنفية والشافعية الى عدم قبولها لأنه لا بد من معرفة المشهود له والاشارة اليه عند الشهادة والاعمى لا يميز بين الناس الا بالصوت والاصوات تتشابه، في حين ذهب المالكية والحنابلة الى جواز شهادة الاعمى اذا تيقن الصوت.[35]
وان كان ما ذكر سابقا من احكام ترتبط بالشهادة تنطبق على الخبراء سندا لمنطوق المادة 86 من قانون اصول المحاكمات الشرعية، الا ان الناظر في علة تحريم شهادة الاخرس والاعمى يجدها تدور حول عدم التيقن من صحة الشهادة للعمى أو الخرس، وبمفهوم المخالفة نجد انه متى ما تحقق اليقين قبلت الشهادة، فقد اضحى مثلا للخرس لغة خاصة بالاشارة ويمكن ترجمتها بواسطة المختصين للغة منطوقة سليمة وهنا يتحقق اليقين من الشهادة.
اما بخصوص الخبراء فانهم وان كانت تنطبق عليهم شروط الشهود الا ان العبرة تدور حول مدى اهليتهم وقدرتهم على اداء الخبرة الموكلة اليهم، فان كان العمى أو الخرس لا يؤثر في ذلك فلا مجال للقول برد خبرتهم، اما متى كان الخرس او العمى يحول عائق دون استكمال الخبير لمهتمه حينها يقبل رد الخبير كأن يكون الخبير مصابا بالعمى والخبرة مما يحتاج معه للمعاينة والمشاهدة.


9. أن لا يكون الخبير مسلما
ان من شروط الشهادة ان يكون الشاهد مسلما، فان لم يكن كذلك وجب رده ، حيث في الشهادة معنى الولاية ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، الا ان المالكية قد اجازوا خبرة الكافر فيما اضطر فيه، على ان لا يوجد غيره من المسلمين ملما في حدود اختصاصه.[36]

10. ان لا يكون الخبير عاقلا أو بالغا أو ذو غفلة
وهذا مما ينصب على اهلية الخبير، فمن غير المقبول الاخذ بخبرة ناقص الاهلية، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل او يفيق)
11. ان لا يكون الخبير عالما في موضوع الخبرة
وقد ذكر سابقا ان الخبير هو العالم في الشيء، ولكن لا يمكن قبول خبرة اي عالم أو اي شخص من اهل المعرفة، بل يجب ان يكون الخبير من اهل الاختصاص والمعرفة في موضوع الخبرة.
12. ان لا يكون الخبير عدلا.
ويرد هذا الطعن على الخبير الذي يأتي بفعل من خوارم المروءة أو ارتكاب المحرمات كالكذب وشرب الخمر وترك الصلاة أو الصوم او اكل الربا ونحوه، فهذه الافعال تقدح وتجرح في عدالة الخبير وبالتالي لا تقبل شهادته ولا خبرته.
وقد جاء في المادة 1705 من مجلة الاحكام العدلية ما نصه (يشترط ان يكون الشاهد عدلا والعدل من تكون حسناته غالبة على سيئاته بناء عليه لا تقبل شهادة من اعتاد اعمالا تخل بالناموس والمروءة كالرقاص والمسخرة ولا تقبل شهادة المعروف بالكذب).
وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية ومن ذلك القرار رقم 38447 تاريخ 16/2/1995 والذي جاء فيه (الطعن بالشهود أنهم لا يصلون ولا يصومون طعن مقبول على المحكمة التحقيق فيه)




المطلب الثاني
اجراءات رد اهل الخبرة
ينقسم هذا المطلب لفرعين، يتناول الاول شروط طلب رد أهل الخبرة سندا لنصوص قانون الاحوال الشخصية، أما الفرع الثاني فسيخصص لبيان اجراءات طلب رد أهل الخبرة أمام المحاكم الشرعية
الفرع الاول
شروط طلب رد أهل الخبرة

يمكننا واعتمادا على نصوص قانون الاحوال الشخصية استقاء عدد من الشروط القانونية المطلوبة لقبول طلب رد أهل الخبرة، وان كان القانون لا يضع شروطا صريحة ومحددة إلا أنه يمكن لنا استنباط هذه الشروط بالاطلاع على المواد القانونية الناظمة لطلب رد الخبرة، وعليه وبالاطلاع على المواد 85، و86 و 87 من قانون الاحوال الشخصية يمكن لنا القول أن شروط طلب رد أهل الخبرة هي:
1. أن يكون سبب الرد متعلقا بشخص الخبير:
يمكننا استنتاج هذا الشرط سندا لنص المادة 85 من قانون أصول المحاكمات الشرعية، حيث تنص هذه المادة على ما يلي : (يجوز رد أهل الخبرة اذا كان الخبير ممن لا تقبل شهادته شرعا لاحد الخصوم )، وسندا لذلك يمكن القول بأن أحد شروط طلب الرد ينصب على شخص الخبير؛ ومن مقتضيات ذلك أن لا يكون الطعن منصبا على تقرير الخبرة أو يناقش مدى انتاجيته؛ لأن ذلك يعني بطبيعة الحال ان الخصم يعترض على التقرير وعلى النتيجة التي خرج بها لا على شخص الخبير.
ويكون سبب الرد متعلقا بشخص الخبيروفق معيارين أساسيين وهما:
المعيار الأول: مدى جواز شهادة شخص الخبير شرعا بالنسبة لأحد الخصوم، أي ان يستند الطعن على "أهلية" الخبير الشرعية للشهادة بمواجهة أحد الخصوم، وبذلك يجب أن يكون الطعن منصبا على أي مانع من موانع الشهادة؛ كشهادة عمودي النسب بعضهم لبعض وشهادة أحد الزوجين للآخر ، ومن يجر الى نفسه نفعا أو يدفع عنها ضرارا ولا العدو على عدوه، بالاضافة لوجوب خلو الخبير من الغرض، ويمكننا استنتاج هذا المعيار من نص المادة 85 من أصول المحاكمات الشرعية ومنعا للتكرار فإننا نحيل الى ما ورد في المطلب السابق من هذا المبحث بخصوص هذه الجزئية.
المعيار الثاني: مدى أهلية الخبير الفنية في موضوع الخبرة، وينصب هذا المعيار على مدى معرفة ودراية الخبير وقدرته على القيام بالخبرة المطلوبة منه خير القيام، ومن مقتضيات ذلك أن يكون الخبير ملماً بكافة الجوانب العلمية والفنية والمهنية وغيرها من الاسس التي تضمن وتؤكد اختصاصه في مجال الخبرة الموكله اليه.
ويمكن لنا استنباط هذا المعيار من طبيعة عمل الخبير والمهام المطلوبة منه، اضافة لمعنى كلمة "خبير" التي اعتمدها المشرع للتعبير عن صاحب الاختصاص والمعرفة، وبالاستناد كذلك للمواضع التي نص المشرع فيها على وجوب الاستعانة بخبير من ذوي الخبرة والعدالة والاختصاص نحو المادتين (126/د) و(131) من قانون الاحوال الشخصية.
2. أن يكون سبب الرد مستندا لأحد الطعون التي ترد على الخبير:
ومعنى ذلك أن يكون الطعن متعلقا باختلال أو انعدام أحد الشروط الواجب توافرها بشخص الخبير، ومن جملة تلك الطعون أن لا يكون الخبير محايدا أو بالغا أو عدلا ونحو ذلك من الطعون التي سبق بيانها في المطلب الاول من هذا المبحث.
3. ان يكون الخبير المطلوب رده معين من قبل المحكمة:
وبمقتضى ذلك يجب أن لا يكون طلب الرد متعلقا بخبير تم انتخابه من قبل الخصوم أنفسهم وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية في العديد من قراراتها لأن الاخبار وفقا لهذه الحالة اضحى ملزما للخصوم وأصبح الخبراء في منزلة الحكمين، إلا انه يرد استثناء على هذه الشرط ويجوز بمقتضى هذا الاستثناء رد أهل الخبرة إذا كان سبب الرد حادثاً بعد التعيين؛ كوقوع عداوة لاحقة على التعيين بين أحد الخصوم والخبير أو استحداث شراكة بينهما أو قبول الخبير بعد تعيينه لرشوة، وفي هذه الحالة يمكن استثناءً على القاعدة أن يقدم أحد الخصوم طلبا لرد الخبير وهذا ما نصت عليه المادة 86 من قانون اصول المحاكمات الشرعية: (لا يقبل من احد الخصوم رد أهل الخبرة المعينين بانتخابهم الا اذا كان سبب الرد حادثاً بعد التعيين)
ولكن لو افترضنا أن سبب الرد نشأ بعد التعيين وبعد تقديم تقرير الخبرة للمحكمة، فهل يجوز الرد في هذه الحالة ؟ وهنا يمكن القول بأن الغاية من الرد قد انقضت، حيث أن الرد قد شرع لضمان نزاهة وعدالة واهلية الخبير لأداء الخبرة، وحيث أن سبب الرد قد نشأ بعد اتمام الخبرة فلا مجال للقول بأن السبب الناشيء يؤثر على الخبرة لأن الخبرة قد تمت في وقت كان فيه الخبير اهلا لذلك.
4. أن يقدم الطلب للمحكمة المختصة في نظره:
ومعنى ذلك أن يقدم طلب الرد للمحكمة الناظرة للدعوى، وللقاضي الذي قام بتعيين الخبير، فهو صاحب الصلاحية برده ان وجد مقتضا لذلك، وعليه لا يجوز تقديم الطلب بدعوى مستقلة، بل يثار الطلب في ذات الدعوى التي عُين فيها المطلوب رده خبيرا، كما لا يقدم الطلب لمحكمة الاستئناف كطعن مستقل بذاته، بل بامكان الخصوم الطعن بقرار قاضي الموضوع بخصوص طلب الرد مع نتيجة الدعوى النهائية، ويمكن لنا استنباط هذا الشرط من نص المادة 87 من قانون اصول المحاكمات الشرعية، وفيها: (يقدم طلب الرد الى المحكمة التي تنظر الدعوى ...).
5. أن يكون طلب الرد مسبباً:
ومؤدى هذا الشرط أن يكون طلب الرد معللاً ومشتملاً على الاسباب القانونية الموجبة لرد الخبير، فلا يقبل ان يكون الطعن جزافياً أو عاماً ومجرداً وغير مستندٍ على من أساس سليم من الواقع والقانون، ويمكن لنا استظهار هذا الشرط من نص المادة 87 من قانون اصول المحاكمات الشرعية والتي نصت على: (يقدم طلب الرد الى المحكمة التي تنظر الدعوى مشتملا على الاسباب التي يعتمد عليها طالب الرد في طلبه)

الفرع الثاني
الاجراءات العملية لرد أهل الخبرة

يتناول هذا الفرع بيان الاجراءات المتبعة لطلب رد أهل الخبرة في القضايا الشرعية، حيث سيتم بيان من يحق له تقديم الطلب ووقت تقديمه ومشتملاته واثباته وحكم القضاء به واثره القانوني وذلك وفقا لما يلي:
أولا: ممن يقدم طلب رد اهل الخبرة:
نصت المادة الثالثة من قانون اصول المحاكمات المدنية على شرط المصلحة في اقامة الدعوى بشكل واضح وصريح، وهو شرط مطلوب لغايات صحة الخصومة حيث نصت تلك المادة على: (لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون)، في حين أننا لا نجد نصا مماثلاً في قانون اصول المحاكمات الشرعية لوجود انواع من دعاوى الحسبة التي ترفع أمام المحاكم الشرعية و يقيمها المحتسب لدى القاضي دفاعا عن حق لله تعالى.
ومع كل ذلك فإن الحقوق الشخصية في القضاء الشرعي لا ترفع الا من ذي مصلحة في الدعوى وهذا ما يمكن استنتاجه من نص المادة 11/ب من قانون اصول المحاكمات الشرعية والتي نصت على: (يجب ان تقدم لائحة الدعوى مشتملة على اسم كل من الفرقاء وشهرته ومحل اقامته وعلى الادعاء والبينات التي يستند اليها وتبلغ صورة عن اللائحة الى كل من المدعى عليهم.) ونجد أن هذا النص قد اشترط بيان الفرقاء في الدعوى عند قيدها ، أي لا بد من بيان أطراف الخصومة حتى يمثلوا أمام المحكمة الناظرة للنزاع، وبهذا تسير اجراءات التقاضي في الدعوى ويقدم الادعاء والجواب عليه والبينات والدفوع من قبل المتخاصمين أو بواسطة من يمثلهم قانوناً كوكيل او وصي أو ولي.
وبذلك نجد أن طلب رد الخبراء يقدم من قبل الخصوم في الدعوى دون غيرهم فهم أصحاب المصلحة والحق في اثارة هذا الدفع، وعليه لا يجوز للغير اثارة طلب الرد خصوصا أن المادة 86 من قانون أصول المحاكمات الشرعية قد أشارت إلى صلة الخصوم بتقديم الطلب وقد افترضت أن الرد يثار من قبل الخصوم فاستهلت المادة بالقول (لا يقبل من احد الخصوم رد أهل الخبرة المعينين بانتخابهم...) ثم تبعتها المادة 87 من القانون ذاته وعبرت عن الخصم بالدعوى بلفظ "طالب الرد"
ثانيا: تقديم الطلب ومشتملاته:
سبق وان بينا أن طلب رد الخبراء يقدم للمحكمة المختصة ، وتحديدا لدى القاضي الناظر للدعوى والذي قام بتعيين اهل الخبرة المطلوب ردهم، ويقدم الطلب مشتملا على الاسباب الموجبة للرد، مع بيان وقائع هذه الاسباب ، فقد ذكرنا أنه لا يقبل أن يكون الطلب عاما ومجردا من اي تسبيب قانوني أو واقعي، وكذلك لا يقبل ذكر السبب مجردا عن اية وقائع فعلية، وعليه يقدم الطلب مشتملا على اسباب الطعن مؤيدة بالوقائع.
فلو سبب طالب الرد طلبه بأن الخبرة تجر للخبير منفعة، فعلى طالب الرد عندئذ أن يبين ماهية هذه المنفعة التي سيكتسبها الخبير، وكذلك الحال لو جرح في عدالة الخبير ونزاهته وحياده فيجب بيان مبررات ذلك الادعاء وما يعززه من وقائع.
من ناحية اخرى نجد أن قانون اصول المحاكمات الشرعية لم يتشرط أن يكون الطلب مكتوبا وعليه من الجائز أن يثير طالب الرد طلبه ومشتملاته شفاهة أمام المحكمة ويوثق هذا الطلب تدوينا في محاضر الدعوى.
ثالثا: اثبات طلب رد أهل الخبرة:
من الواضح أن الطلب الذي يقدمه احد الخصوم في الدعوى لرد الخبير لا يعدو كونه مجرد ادعاء بدون بينات تثبته، وحيث ان البينة على من ادعى فعلى طالب الرد اثبات ادعاءه بالبينة المعتبرة قانوناً، فلو ادعى طالب الرد أن الخبير ليس بعدل لأسبقيات جنائية وجب عليه اثبات ذلك.
وعند تقديم طلب الرد تسأل المحكمة الخبير عما اثاره طالب الرد فان اقر تأخذ المحكمة باقراره وتحكم بناءً عليه، وإلا يكلف طالب الرد باثبات ادعاءه ويمكن اثبات طلب الرد بالبينة الخطية والشخصية واليمين وبأي وسيلة من وسائل الاثبات، ولا يمنع ذلك المحكمة من اجراء تحقيقها الخاص لكون هذه المسألة تمس العدالة وتعيين الخبير العدل من واجبات المحكمة والتثبت من عدالته من صميم واجباتها، فاذا ما شكت بذلك فإن لها التحقق بما تملكه من صلاحية كمخاطبة الجهات ذات العلاقة واستحضار البينات وجلب المشروحات.
رابعا: الحكم بالطلب المقدم لرد أهل الخبرة:
على ضوء طلب الخصوم برد أهل الخبرة ومسبباته وبعد النظر بالبينات المقدمة على الطلب تقوم المحكمة بتدقيق الطلب واصدار قرارها بشأنه، فإن وجدت مسوغا لرد أهل الخبرة وجب عليها عندئذ الحكم بردهم واستبدالهم بخبراء جدد تتوافر فيهم الشروط القانونية، أما إن لم تقتنع المحكمة بالطعن المقدم فتحكم عندها برد الطلب والالتفات عما ورد فيه ، وعلى كل الاحوال يكون قرارها خاضعا لرقابة محكمة الاستئناف مع نتيجة الدعوى بناءً عند استئناف القرار من قبل الخصوم.


المراجع
1. القرآن الكريم
2. قانون أصول المحاكمات الشرعية الاردني رقم (31 ) لسنة ( 1959 ) والمعدل بالقانون رقم (50) لسنة ( 2007 )
3. قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (36) لسنة (2010)
4. قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني رقم (24) لسنة (1988) والمعدل بالقانون رقم ( 16 ) لسنة ( 2006 )
5. قانون البينات الأردني رقم ( 30 ) لسنة ( 1952 ) والمعدل بالقانون رقم ( 16 ) لسنة (2005)
6. القاموس المحيط، الفيروز آبادي
7. معجم لسان العرب، ابن منظور، دار صادر ، بيروت ، ط1
8. مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي
9. المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته، ابراهيم القطاونة، 2014 ، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلّد 41
10. ندب الخبراء في المجالين الجنائي والمدني في ضوء أحدث الأراء الفقهية وأحكام محكمة النقض، مصطفى مجدى هرجه
11. أصول المحاكمات المدنيّة ، ط1، الدار المصرية للطباعة والنشر، د. أحمد أبو الوفا
12. دور الحاكم المدني في الاثبات، آدم وهيب النداوي، دراسة مقارنة، دار الثقافة، ط1 ، 1976
13. القضاء ونظام الاثبات في الفقه الاسلامي والانظمة الوضعية، هاشم محمود محمد، الرياض: جامعة الملك سعود، 1988
14. ، الفقه الاسلامي وأدلته، د. وهبه الزحيلي، ج8 – دار الفكر – دمشق 1997م
15. شرح احكام قانون الاثبات المدني، د. عباس العبودي – دار الثقافة ، عمان 2005
16. موسوعة الاثبات في القضايا المدنية والتجارية والشرعية – انس الكيلاني، ج 3 ، ط1 – 1982م
17. الاثبات بالخبرة في القضايا الحقوقية وفق القانون المدني، بكر عبد الفتاح السرحان – 1999م
18. الخبرة القضائية في المواد المدنية ، مولاي مليان بغدادي، دار حلب ، 1992
19. شرح الشيخ ابن العثيمين لكتاب زاد المستقنع – باب موانع الشهادة وعدد الشهود لشرف الدين الحجاوي - موقع الشيخ ابن العثيمين الالكتروني
20. درر الحكام، علي حيدر خواجه أمين أفندي، الجزء الثاني، دار الجيل ، 1991


[1] الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص 489

[2] الرازي، مختار الصحاح، ص 572

[3] ابن منظور، معجم لسان العرب، ص 361

[4] الفيروز آبادي، المرجع السابق، ص 490

[5] سورة الفرقان، آية 59

[6] سورة فاطر، آية 14

[7] المادة 71 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة1952 وتعديلاته

[8] ابراهيم القطاونة ، المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته ، 2014 ، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلّد 41

[9] هرجه، ندب الخبراء في المجالين الجنائي والمدني في ضوء أحدث الأراء الفقهية وأحكام محكمة النقض، ط 1، ص 6

[10] أبو الوفا، اصول المحاكمات المدنية، ص 115

[11] آدم وهيب النداوي، دور الحاكم المدني في الاثبات، دراسة مقارنة، ط1 ، 1976 ، ص 469

[12] مرجع سابق، ابراهيم القطاونة ، المسؤولية الجزائية للخبير القضائي في نطاق خبرته .

[13] هاشم محمود، القضاء ونظام الاثبات في الفقه الاسلامي والانظمة الوضعية

[14] ابن منظور محمد بن مكرم الافريقي المصري، لسان العرب، دار صادر – بيروت – ط1 الجزء الرابع ص 226

[15] وهبه الزحيلي، ، الفقه الاسلامي وأدلته ج8 – ص 288 – دار الفكر – دمشق 1997م.

[16] سليمان الحمادين، الخبرة القضائية حجيتها وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية، اطروحة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الاردنية، ص 10 - 2009

[17] عباس العبودي، شرح احكام قانون الاثبات المدني، ص 325 – دار الثقافة ، عمان 2005

[18] انس الكيلاني – موسوعة الاثبات في القضايا المدنية والتجارية والشرعية – ج 3 – ص 699 ط1 – 1982م

[19] بكر عبد الفتاح السرحان – الاثبات بالخبرة في القضايا الحقوقية وفق القانون المدني – ص 7- 1999م

[20] ابن منظور، لسان العرب – ج5 – ص 184 – ط1 – 1995 – دار احياء التراث العربي - بيروت

[21] مولاي مليان بغدادي – الخبرة القضائية في المواد المدنية – دار حلب – 1992 – ص 89

[22] سليمان الحمادين، الخبرة القضائية حجيتها وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية، اطروحة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الاردنية، ص 40 - 2009

[23] شرح الشيخ ابن العثيمين لكتاب زاد المستقنع – باب موانع الشهادة وعدد الشهود لشرف الدين الحجاوي - موقع الشيخ ابن العثيمين الالكتروني

[24] علي حيدر، درر الحكام – الجزء الثاني – الصفحة 393

[25] سليمان الحمادين، الخبرة القضائية حجيتها وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية ، مرجع سابق، ص 40

[26] سليمان الحمادين، الخبرة القضائية حجيتها وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية ، مرجع سابق، ص 61، وقد استند في ذلك القول على مراجع عدة مها الهداية شرح البداية لعلي المرغيناني وشرح فتح القدير للسيواسي ، واللباب شرح الكتاب للغنيمي.

[27] المرجع السابق سليمان الحمادين، الخبرة القضائية حجيتها وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية، ص 62.

[28] المرجع السابق، وأسنده للقرارات الاستئنافية في اصول المحاكمات لداود – الجزء الاول ص 261

[29] المرجع السابق، ص 62

[30] مرجع سابق، شرح الشيخ ابن العثيمين لكتاب زاد المستقنع .

[31] مرجع سابق، علي حيدر، درر الحكام – الجزء الرابع – الصفحة 402

[32] سورة النور – آية 4

[33] المرجع السابق سليمان الحمادين، الخبرة القضائية حجيتها وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية، ص 64.

[34] المرجع السابق ص 65

[35] المرجع السابق 65

[36] المرجع السابق 66

المواضيع المتشابهه: