الالتزام بضمان السلامة
نظرة عامة - تاريخ نشأة الالتزام بضمان السلامة




ترجع جذور تقنيين فكرة الالتزام بضمان السلامة قانونيا الى القضاء الفرنسي وذلك حينما آثر تطبيق معايير العدالة في العقود التي رأى ان المسألة التقصيرية وما تثيره من صعوبات في الاثبات غير كافية بحق المتضررين، حيث "كان القضاء الفرنسي يطبق أحكام المسؤولية التقصيرية عندما كان أحد الركاب يصاب أثناء عملية نقله وكانت المحاكم ترفض التسليم بوجود التزام تعاقدي بضمان سلامة الأشخاص ، إذ ذهبت في أحكامها إلى أنه لا يجوز قياس نقل الأشخاص بنقل الأشياء ، إذ الراكب يملك حرية الحركة عند ركوبه لأية وسيلة من وسائل النقل البرية أو البحرية أو الجوية بعكس الأشياء ، وإذا ما أصيب الراكب بأي حادث فإنه لا يستطيع إلا اللجوء إلى قواعد المسؤولية التقصيرية بإثبات خطأ الناقل وحدوث الضرر نتيجة له" ([1]).

وإثر شعور القضاء الفرنسي بعدم العدالة التي استقر عليها اجتهادها السابق فقد آثرت النهوض بفكرة جديدة عرفت لاحقا بالإلتزام بضمان السلامة كمصدر من مصادر المسؤولية العقدية لا التقصيرية. طبقت بادئ الأمر في عقود النقل وتوالت التطبيقات القضائية فأدخل هذا الالتزام في عقود اخرى كعقود المقاولة والسياحه والعمل وغيرها.
وجوهر هذا الالتزام هو التأكيد على الالتزام بتسليم منج خال من عيب او نقص يجعله مصدر خطر على شخص المستهلك، او هو القيام بالالتزام بدقة متناهية تجعل الطرف الآخر في العقد في مأمن على جسده وحياته بان لا يصيبه ضرر او وفاه.

وتأسيسا على ذلك، فقد اعتبر هذا الإلتزام العقدي الجديد التزاما بتحقيق غاية هي المحافظة على سلامة الشخص، فان كان راكبا تمثل هذا الالتزام بالحفاظ على سلامته من لحظة صعوده اداه النقل الى حد نزوله منها. فان حصل له مكروه فهنا يسأل الناقل –او من يقع عليه الالتزام بضمان الاسلامه- مسؤولية عقدية لا تقصيرية ([2]).

ويثور في هذا الأمر فكرة النطاق الزماني الذي تنشأ به مسؤولية الملتزم بضمان السلامة، وهذه المدة تختلف بحسب طبيعة كل عقد على حدى الا انها تشترك في غالب الأحيان في انها تبدأ منذ نشوء الالتزام بضمان السلامه وحتى انتهاء العقد. ففي عقود العمل او النقل تبدأ مسؤولية رب العمل او الناقل من لحظة بدء العمل او بدء عقد النقل الى لحظة انتهاء فترة العمل. وهذا على خلاف ضمان التزام السلامة الناشئ عن عقد البيع الذي علينا ان نحدد في البداية تاريخ انعقاد العقد او نفاذه –حسب النظام التشريعي لكل دولة على حدى- لنحدد تاريخ بدء سريان هذا الالتزام، ومن ثم نحدد المدى الذي تبقى به هذه المسؤولية قائمة، ففي بعض العقود ينص صراحه على ان البائع غير مسؤول عن اي استخدام بعد فترة معينة تسمى اصلاحا بفتره انتهاء عمر المنتج وصلاحيته للاستخدام.


ومن الواضح ان ثمة شبه اجماع بين الفقهاء على ان الالتزام بضمان السلامة يتكون من ثلاث اركان اساسية يجب توافرها مجتمعة للقول ان هناك التزاما بضمان السلامة في أي عقد من العقود المختلفة، وهذه الاركان هي: وجود خطر يهدد السلامة وان يعطي المتعاقد للشخص الملتزم بضمان السلامة صلاحية حفظ سلامته للشخص الاخر وأخيرا، هو كون المدين بالتزام السلامة غالبا ما يكون شخصا محترفا او ذو خبرة في مجال عمله([3]).



* قدمت هذه الورقة في معرض التعريف بالالتزام بضمان السلامة في محاضرة القيت على طلبة البكالوريوس/كلية الحقوق في مادة مصادر الالتزام.
عيسى العماوي 2013
.



[1] د. حسين عامر ، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية ، ط1 ، مطبعة مصر ،1956 ، ص107 (مقتطف الكتروني من الكتاب).

2 استخلاص لقرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 21/11/1911 والذي أشار إليه د. محمد علي عمران ، الالتزام بضمان السلامة وتطبيقاته في بعض العقود ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1980 ، ص198.

[3] د. محمد علي عمران ، الالتزام بضمان السلامة وتطبيقاته في بعض العقود ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1980 ، ص143 (مقتطف الكتروني من الكتاب).





المواضيع المتشابهه: