د.أشرف محمد سمحان

اثارت حادثة مقتل احد عاملي الديليفري لدى مطعم 'برغر كنغ' - وهو شاب يدعى 'محمد ابو خديجة' في الثالثة والعشرين من عمره - سخط الرأي العام في الاردن، سيما مع ما تم تداوله من محاولة المرحوم الشاب الاعتذار من العمل في الظروف الجوية القاسية التي عمت البلاد مؤخراً وتحذيرات الامن العام المتكررة بعدم الخروج، الا ان مسؤوله في العمل أصر على خروجه لايصال 'الديلفري' رغم كل الظروف تلك، ومن أجل دراهم معدودات، لم تتم المبالاة بحياة ذلك الشاب، وتم الدفع به للخروج في تلك الاجواء 'المميتة' رغم علمه بخطورتها والتحذيرات المتكررة والوفيات التي أعلن عن سقوطها نتيجة لذلك، مما كانت معه ممارسات مسؤوله في العمل أقرب للرق والاستعباد منها الى علاقة العمل التي نظمها القانون ووضع القواعد والاسس التي تحكمها.

ولما كانت أبسط مقتضيات العقل والمنطق والإحساس العام بالعدالة توجب أن يتحمل الموظف المسؤول والمطعم المذكور ككل كامل المسؤولية عن وفاة ذلك الشاب، فإن مثل ذلك دفعنا الى البحث عن موجب لملاحقته، الا ان مثل ذلك وفي ظل غياب القصد الجرمي يحتم علينا البحث في المسؤولية الجزائية عن وفاة ذلك الشاب على أساس من القول بتوافر الخطأ الجنائي لديه لتحميله المسؤولية الجزائية عن التسبب بالوفاة.

وبالرجوع الى قانون العقوبات الاردني نجده ينص في المادة (343) منه على ما يلي: [من سبب موت أحد عن إهمال او قلة احتراز او عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات].

ومن خلال النص السابق نخلص الى صور ثلاثة للخطأالجنائي في التسبب بالوفاة، هي:
1. الاهمال.
2. قلة الاحتراز.
3. عدم مراعاة القوانين والانظمة.

وعلى فرض ثبوت الوقائع المسندة للمطعم المذكور، نجد أن صورتين من الصور الثلاثة السابقة متوافرتين للقول بالخطأ الجنائي بناء عليهما هاتان الصورتان هما قلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والانظمة، ويمكن لنا تفصيل كل منهما على النحو التالي:

(1) في توافر قلة الاحتراز في جانب المسؤول عن العامل المتوفى:
وذلك من خلال ما يلي:
أ‌. دفع العامل الشاب للعمل والخروج في ظروف أقل ما يمكن ان يقال بها انها يغلب في الاذى ان لم يكن الهلاك، او هي على الاقل ظروف لا تتوافر فيها متطلبات الامن والسلامة.
ب‌. تهديد ذلك العامل بالفصل ان هو امتنع عن تنفيذ ما تم تكليفه به رغم تلك الظروف.
ج‌. رفض تعذر ذلك العامل من العمل في تلك الظروف.
د‌. الاصرار على تشغيل العامل في مثل تلك الظروف رغم تحذيرات الامن العام المتكررة بهذا الخصوص، واعلانها عن حوادث المرور والاصابات بل وحالات الوفاة التي وقعت نتيجة للخروج في تلك الاجواء العاصفة.


(2) في توافر عدم مراعاة القوانين والانظمة (والتعليمات) في جانب المسؤول عن العامل المتوفى:
وذلك من خلال ما يلي:
أ‌- مخالفة الواجب الملقى على المطعم بموجب المادة (78/أ) من قانون العمل، والتي جاءت تحت عنوان 'الفصل التاسع: السلامة والصحة المهنية':
حيث نصت على ما يلي:
[يتوجب على صاحب العمل ما يلي : 1. توفير الاحتياطات والتدابير اللازمة لحماية العمال من الاخطار والامراض التي قد تنجم عن العمل وعن الالات المستعملة فيه. 2. توفير وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من اخطار العمل وامراض المهنة كالملابس والنظارات والقفازات والاحذية وغيرها وارشادهم الى طريقة استعمالها والمحافظة عليها وعلى نظافتها. 3. احاطة العامل قبل اشتغاله بمخاطر مهنته وسبل الوقاية الواجب عليه اتخاذها وان يعلق بمكان ظاهر تعليمات وارشادات توضح فيها مخاطر المهنة ووسائل الوقاية منها وفق الانظمة والقرارات التي تصدر بهذا الشان. 4. توفير وسائل واجهزة الاسعاف الطبي للعمال في المؤسسة وفقاً للمستويات التي تحدد بقرار من الوزير بعد استطلاع آراء الجهات الرسمية المختصة].
وبالرجوع الى المادة (84/أ) من قانون العمل نجدها تفرض الجزاء على مجرد مخالفة المادة السابقة، وان لم تترتب عليها نتيحة الوفاة، حيث تقرر أنه:
[اذا خالف صاحب العمل حكم من احكام هذا الفصل فللوزير اغلاق المؤسسة او مكان العمل كليا او جزئياً أو ايقاف أي آلة فيهما اذا كان من شان تلك المخالفة تعريض العمال او المؤسسة او الالات للخطر وذلك الى ان يزيل صاحب العمل المخالفة].

ب- مخالفة المادة (59) من قانون العمل التي تشترط موافقة العامل لتشغيله بالعمل الاضافي ومن قبيله العمل باوقات العطل الرسمية.
ذلك انه وبالرجوع الى الوقائع التي تداولتها وسائل الاعلام، نجد ان المرحوم محمد لم يرتض العمل في ذلك اليوم العاصف، وطلب أعفاءه من العمل به، الا ان المسؤول عنه رفض ذلك، وأصر على تشغيله في ذلك اليوم على الرغم من تقريره عطلة رسمية للاجواء العاصفة ذاتها التي توفي الشاب محمد بسببها.

ج- مخالفة تعليمات وزارة الداخلية ومديرية الامن العام وتحذيراتها للمواطنين بعدم الخروج في الاجواء العاصفة التي مرت بها المملكة، اضافة الى طلب الدفاع المدني عبر صفارات الانذار التزام المواطنين بيوتهم.
واخيراً، فمن الممكن مساءلة المطعم نفسه –لا الموظف المسؤول به فقط- عن جرم التسبب بالوفاة، وذلك تبعاً للمادة (74/2) من قانون العقوبات والتي قررت بدورها انه:
[2- يعتبر الشخص المعنوي باستثناء الدائرة الحكومية أو المؤسسة الرسمية أو العامة مسؤولاً جزائياً عن أعمال رئيسه أو أي من أعضاء إدارته أو مديريه أو أي من ممثليه أو عماله عندما يأتون هذه الأعمال باسمه أو بإحدى وسائله بصفته شخصاً معنوياً].

مما سبق، نخلص الى امكانية ملاحقة المطعم الذي كان يعمل به المرحوم محمد ابو خديجة، اضافة الى المسؤولين به، عن جرم التسبب بوفاته، كما ونهيب بالاخوة في وزارة العمل وبالتحديد دائرة التفتيش بأن يوقعوا اشد الجزاءات التي يملكون توقيعها بحق، وهذا ليعلم أن زمان الرق والعبودة انتهى للأبد في هذا البلد العزيز، وان ليس لأحد ان يستعبد أحداً لا بالعمل ولا بغيره، رحم الله محمد، وألهم أهله الصبر والسلوان.
ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.





المواضيع المتشابهه: