دعوى نفقة الزوجة
ونتناول في هذا البحث التعريف بالنفقة ، وأساس تقدير النفقة ، وإعسار الزوج عن دفعها في مطالب :-
المطلب الأول : في التعريف بالنفقة .
المقصود من هذا المطلب إعطاء فكرة عن النفقة بإيجاز :
النفقة لغة: من الإنفاق وهو الإخراج وصرف الشيء في غيره ولا تستعمل الا في الخير ، ويطلق على المال المصروف في النفقة (1) .
وعرّفها بعض الحنفية شرعا ً : الإدرار على الشيء بما فيه بقاؤه (2).
وبعض الحنابلة : كفاية من يمونه خبزا ً وأدما وكسوة وسكنا وتوابعها (3).
سبب وجوبها :
سبب وجوبها العقد الصحيح عند الحنفية في ظاهر الرواية وهو المفتى به ، فالمنكوحة بعقد فاسد لا نفقة لها (4) . بينما يرى الجمهور وجوبها بتمكين زوجها من الاستمتاع بها (5). وقد أخذت المادة 35 من قانون الأحوال الشخصية بالمذهب الحنفي .
على انه إذا طالبها بالانتقال الى مسكنه وامتنعت بغير حق فلا نفقة لها ، ولها حق الامتناع إذا لم يهيئ لها مسكنا ً شرعيا ً أو لم يدفع مهرها المعجل المادة 67 من قانون الأحوال الشخصية .
أنواع النفقة : تشمل نفقة الزوجة الطعام والكسوة والمسكن ، وأدوات المنزل ، وفرشه وأدوات التنظيف والماء ، والاناره ، والوقود والخدمة.ولا تجب أدوات الزينة ، والتطبيب عند جمهور العلماء (6).
وعند الزيدية تطبيب الزوجة من ثمن علاج واجرة طبيب وكذلك أجرة القابلة على الزوج (7)
وجاء في المذكرة الإيضاحية لشرح قانون الأحوال الشخصية الكويتي ص 5 ( ان ثمن العلاج واجرة الطبيب من نفقة الزوجة عند الزيدية وما استظهره الأمامية ونصت المادة 66 من قانون الأحوال الشخصية على ان (نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكن والتطيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لامثالها خدم )
وعند المالكية (1) تشمل النفقة الزوجية أجرة القابلة وقد جعل قانون الأحوال الشخصية نفقات الولادة على الزوج ( المادة 78 من قانون الأحوال الشخصية ).
هل للزوج ان يتولى الإنفاق بنفسه على زوجته ؟
الأصل ان يتولى الزوج الإنفاق على زوجته ولا يفرض لها القاضي نفقة الا إذا كان الزوج لا ينفق عليها ، وليس بصاحب مائدة تتمكن من اخذ نفقتها . وبهذا جاءت المادة 73 من قانون الأحوال الشخصية .
أخذا ً بمذهب الحنفية (2) . والظاهر عند المالكية : ان لها ان تطلب الفرض لتأكل وحدها وتمتنع من الأكل معه (3) .
المطلب الثاني : في أساس تقدير النفقة
اولا ً: أساس تقدير النفقة عند الفقهاء :
1- ذهب المالكية والحنابلة والحنفية في القول المفتى به وهو الذي اختاره الخصاف والمرغيناني : الى ان نفقة الزوجة تقدر حسب حال الزوجين يسرا ً وعسرا ً .
2- وذهب الشافعية والحنفية في قول وهو ظاهر الرواية والمصحح عند محمد : الى ان النفقة الزوجية تقدر حسب حال الزوج يسرا ً او عسرا ً (4) .
ثانيا ً :تقدير النفقات بالقانون .
نصت المادة 70 من قانون الأحوال الشخصية على ان ( تفرض نفقة الزوجة بحسب حال الزوج يسرا ً وعسرا ً ويجوز زيادتها تبعا ً لحالته على ان لا تقل عن الحد الأدنى من القوت والكسوة الضروريين للزوجة ، وتلزم النفقة اما بتراضي الزوجين على قدر معين او بحكم القاضي ،وتسقط نفقة المدة التي سبقت التراضي او الطلب من القاضي ) .




فمعيار فرض النفقة بالقانون :
1- ان تكون متناسبة مع حال الزوج دون الزوجة ، فالفقيرة لها نفقة الموسرين إذا كان زوجها موسرا ً .
2- ان لا تقل النفقة مهما كانت حالة الزوج المادية من الإعسار عن الحد الأدنى من القوت والكسوة الضروريين .
من يقدر النفقة وفقا ً للمعايير السابقة ؟
تطبق المحاكم الشرعية المادة 84 من قانون أصول المحاكمات الشرعية لتقدير النفقة ، والعمل فيها جار ٍ على ان يكلف القاضي الطرفين الاتفاق على مقدار النفقة ، فان اتفقا على شيء حكم به ، وإلا كلفهما انتخاب خبراء لتقديرها ، فان لم يتفقا ، انتخبت المحكمة خبراء ، ولكل خصم الطعن بالخبراء وبما قدروه واثبات طعنه .والواقع العملي ان الخصوم يأتون بخبراء ، ويقوم القاضي بانتخابهم ، لذلك فان خبرتهم عادة لا تخلو من الغرض والتحيز ، ناهيك عن ان الطعن بالخبرة والفصل بها يأخذ وقتا ً طويلا ً من المحاكم ويلحق بها مشقة بالغة .
لذلك أرى تعديل نص المادة 70 من قانون الأحوال الشخصية باعتبار ما ورد فيها فقرة 1 وإضافة الفقرة التالية اليها : يقدر القاضي النفقة مستندا ً الى أسباب سائغة ، وله الاستئناس برأي الخبراء
المطلب الثالث :
في إعسار الزوج عن دفع النفقة :

اولا ً: إعسار الزوج عن دفع النفقة في الفقه :
ذهب الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة : الى ان للزوجة ان تطلب التفريق بينها وبين زوجها للإعسار عن دفع نفقة الإعسار (1).
وذهب الحنفية : الى انه لا حق للزوجة لها بطلب التفريق للإعسار عن دفع النفقة ، ولها ان تطلب الاستدانة على حسابه وترجع عليه إذا ايسر ، وعلى التركة إذا مات (2) ، ولها ان تطلب فرض النفقة على من تجب عليه النفقة من أقاربها على فرض انها غير متزوجة كأبن وأخ ويرجع بها على الزوج إذا ايسر (3) .





ثانيا ً :إعسار الزوج بالقانون :
إذا كان الزوج معسرا ً فالزوجة بالخيار بين :
1- ان تطلب الحكم عليه بالنفقة ، ويثبت عجزه ، ففي هذه الحالة يحكم عليه القاضي بالنفقة اعتبارا ً من تاريخ طلبها ، وتكون ديناً بذمته ، ويأذن لها بالاستدانة على حسابه عملا ً بالمادة 74 من قانون الأحوال الشخصية : (إذا عجز الزوج عن الإنفاق على زوجته وطلبت الزوجة نفقة لها يقدرها القاضي من يوم الطلب على ان تكون دينا ً في ذمته ويأذن لزوجته ان تستدين على حساب الزوج ) .
ويلاحظ ان المحكمة هنا لا تحكم عليه بالدفع ، لانه ثبت عجزه ولانه إذا حكمت عليه بالدفع ، ونفذتها لدى قاضي التنفيذ يحبس إذا لم يدفعها خلال المدة المعينة ، ولا يقبل قوله انه معسر ، ولا حاجة لإثبات اقتداره عملا ً بالمادة 22/ب/2 من قانون التنفيذ .
2- إذا حكم لها بالنفقة على زوجها ، وبعد الحكم تعذر تحصيلها منها ، فلها ان تقيم دعوى على من تجب عليه نفقتها فيما لو فرضت غير ذات زوج كالأب ، او الابن ، او الأخ .
ويحق لمن فرضت عليه من هؤلاء الرجوع بها على الزوج عملا ً بالمادة 75 من قانون الأحوال الشخصية وحصول الزوجة على هذا الحكم لا يمنعها من المطالبة بالتفريق للإعسار ، اذ لها ان تمتنع من قبول النفقة من غير الزوج للمنه عند الحنابلة (1) والشافعية (2).
3- ولها ان تختار التفريق للعجز عن دفع النفقة ، بعد ان تحصل على حكم بنفقتها عليه وتطرحه للتنفيذ ويتعذر تحصيلها منه . وتسير المحكمة بالدعوى بناء على إجابته عليها :
أ- ان كان له مال ، وأظهره ،وكان يمكن تنفيذ حكم النفقة فيه كالموظف ، والتاجر الذي يملك محلا ً تجاريا ً ، تنفذ النفقة عليه بماله وترد دعواها . وقضت محكمة الاستئناف الشرعية في عمان بقرارها رقم 16703 : إذا اثبت الزوج ان له راتبا ً ، وهو مال ظاهر ، وتملك الزوجة مع وجوده تحصيل نفقتها منه في حال امتناعه عن الاتفاق ، وذلك بالتنفيذ ، والحسم منه تبادر المحكمة الى رد دعواها (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
ب-إذا لم يكن له مال يمكن تنفيذ حكم النفقة فيه وقال :
انه موسر ويرفض الإنفاق عليها طلقها القاضي ، وان استعد للإنفاق عليها ، يكلف بذلك ولا يجوز دفع مقدار اقل من نفقة ثلاثة اشهر ان تراكم عليه قدر ذلك او اكثر . عملا ً بالمادة 129 من قانون الأحوال الشخصية ويمهل للدفع .
وإذا سكت ولم يقر انه موسر او معسر حكم القاضي بالتفريق ومثل ذلك لو أنكر الدعوى .
إذا ادعى الإعسار :
إذا لم يثبت إعساره طلق القاضي عليه زوجته حالا ً .
إذا اثبت إعساره أمهله القاضي مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة اشهر . فان لم ينفق ، حَكَم بالتفريق .
وهذا ما نصت عليه المادة 127 من قانون الأحوال الشخصية .
والتفريق للإعسار عن دفع النفقة طلاق رجعي إذا حصل بعد الدخول وللزوج مراجعة زوجته بالشروط التالية :-
1-ان تكون الرجعة أثناء العدة .
2-ان يثبت يساره بدفع نفقة ثلاثة اشهر من نفقتها الماضية .
3- ان يستعد للإنفاق عليها ، وعليه ان يبديِ استعداده أثناء العدة ؛ لذلك إذا أرجعها الى عصمته بالقول دون ان يتحقق الشرطان الثاني والثالث فلا تصح الرجعة .
اما إذا وقع التفريق قبل الدخول فالطلاق بائن ولا رجعة له عملا ً بالمادة 129 من قانون الأحوال الشخصية.
والإعسار عن دفع النفقة يثبت بكافة طرق الإثبات ومنها النكول عن اليمين . ولا يجوز طلب التفريق للإعسار عن دفع النفقة المتراكمة (1) .


المواضيع المتشابهه: