طرق وضع الدستور:
تنقسم هذه الطرق عادة إلي نوعين:
- الطرق غير الديمقراطية و الطرق الديمقراطية، و من المعلوم أن وضع الدستور يمر بمرحلتين:
مرحلة الإعداد، و مرحلة الإقرار و المصادقة.
- الطرق غير الديمقراطية هي الطرق التي لا تسمح لشعب بالتدخل في وضع الدستور سواء في مرحلة الإعداد أو مرحلة الإقرار و المصادقة، في حين أن الطرق الديمقراطية هي التي يتدخل فيها الشعب في كلتا الحالتين أو علي الأقل في مرحلة الإقرار و المصادقة.
المطلــــــــــب الأول : الطرق الغير الديمقراطية: تنحصر بصفة أساسية في أسلوبين، هما أسلوب المنحة و أسلوب التقاعد و هما أسلوب قديمان عموما.
الفرع الأول:
أسلوب المنحة: هو أسلوب قديم كان سائدا لدى العروش الملكية الأوربية المطلقة بصفة أساسية، لكنه لازال يظهر حتى الآن أحيانا في أنظمة الحكم الملكية المطلقة حيث تكون السلطة بكاملها ملكا خاصا للملك أكتسبه عن طريق الإرث أو باستناد إلي النظريات الديمقراطية.
و لذا فإن الملك يعتبر أن الشعب ليس له أي حق أصلا في السلطة السياسية و في شؤون الدولة،
بل أن الأفراد الشعب هم رعايا. و لا يمكنهم التطلع إلي مقاسمته سلطته و حكمه، من ثم فإنه عندما يضع دستور البلاد، فإنما يتنازل بإرادته المنفردة للشعب عن بعض الحقوق في وثيقة مكتوبة، هي عبارة عن هبة و منحة و عطاء يقدمه لهم منه، و كشيء من أشيائه، في هذا الأسلوب فإن الشعب لا يشارك في وضع الدستور أو الوثيقة، لا في مرحلة الإعداد و لا في مرحلة الإقرار، و لذلك فإن أسلوب المنحة هو أسلوب غير ديمقراطي.
لكن المعروف تاريخيا أن الملوك تنازلوا عن جزء من ممتلكاتهم تحت تأثير الضغط الشعبي و خوفا من الثورات التي تؤدي إلي سقوطهم و القضاء عليهم أو نتيجة الضغوط الخارجية الدولية عليهم، مثلما حدث و في بعض بلدات الجزيرة العربية علي إثر حرب الخليج، و من الأمثلة عن الدساتير الممنوحة هناك الدستور الفرنسي لسنة 1819 و الدستور الياباني سنة 1889 و دستور الإمارات العربية سنة 1972 و قطر سنة 1971 و الدستور التونسي سنة 1861 و الدستور الإثيوبي
سنة1931.
الفرع الثاني:
أسلوب العقد أو الإتفاق: ينشأ هذا النوع من الدساتير بعد ثورة أو الانقلاب أو تأثير الشعب أو ممثليه علي الملوك فيخضعون لإرادة الشعب إذعانا أحسن لهم من فقد سلطاتهم بالكامل فيشاركون الشعب أو ممثليه في وضع الدستور النظام الجديد، لذلك فإن هذا الدستور يكون و ليد التعاقد الذي تم بين الحاكم و الشعب.
و إذا الأسلوب السابق المتمثل المنحة قد لا يشمل إلا جزاءا فقط من سلطات الملك، فإن الدستور الصادر في شكل اتفاق أو عقد تكون الغلبة فيه للشعب الذي يضعه بواسطة ممثليه، و لا يكون أما الملك إلا القبول أو التخلي عن العرش، و القول بهذا يفيد أن الملك لا يكون ندا للأمة و أن السلطة ليست موزعة بالتساوي و بين الطرفين، و عليه فإن إرادته الملك كطرف تكون ضعيفة بل و مقيدة.
و الأمثلة علي هذا النوع من الدساتير عديدة، نذكر منها الميثاق الأعظم في لإنجلترا سنة 1215 الذي هو جزء من دستور إنجلترا و كذلك قانون الحقوق الصادر سنة 1688 في نفس البلد، و دستور 1830 الفرنسي السابق الإشارة إليه، و الدستورين الكويتي لسنة 1962 و البحريني
لسنة 1973.
المطلـب الثاني : الطرق الديمقراطية (الأسلوب المباشر): هناك أسلوبان رئيسان هما:
الفرع الأول:
1- أسلوب الجمعية التأسيسية : هنا يقوم الشعب بانتخاب ممثلين له يكونون جمعية أو مجلسا تأسيسا ممثليه وضع دستور يعبر عن إرادة الشعب و يكون نافذا بمجرد مصادقة الجمعية التأسيسية عليه
هذا الأسلوب ديمقراطي من حيث طريقة إعداده، و من حيث طريقة إقراره رغم عدم تدخل الشعب في عملية المصادقة عليه بصفة مباشرة.
بهذه الطريقة وضع دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1787، كما استعملت في العديد من البلدان بعد الحرب العالمية الثانية.
و تجدر الإشارة إلي أنه يمكن وضع الدستور من طرف البرلمان أحيانا إذا ما أعطيت له صفة السلطة التأسيسية، إن السلطة التي يحق لها وضع الدستور و تأسيس هياكل و مؤسسات الدولة السياسية.
2- أسلوب الاستفتاء الدستوري : تختلف هذه الطريقة عن وضع الدستور بواسطة الجمعية التأسيسية نظرا لأن الدستور في هذه الحالة يصدر من الشعب مباشرة، فيبدي رأيه فيه و لا يصبح نافذا إلا بعد الموافقة عليه.
و إذا قلنا بأن الشعب هو الذي يضعه فليس معني ذلك أنه يجتمع و يناقش و يصيغ النصوص مباشرة. ز إنما يوكل الأمر إلي جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلي لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن وجدوا الطريقة المختارة لا تهم نظرا لأن الدستور لا يكتسب قوته الإلزامية و الصفة القانونية إلا بعد موافقة الشعب عليه.
و تجدر الإشارة إلي أن الاستفتاء هو شكل من أشكال إشراك الشعب في إقرار نصوص الدستور و يكون ذلك بغرض استفتائه حولها، نظرا لتعذر جمع الشعب و إمكانية توصله إلي وضع مثل تلك النصوص مما يستدعي الاقتصار علي عرضها عليه و التقيد بموقفه منها تجنبا للفوضى و تحقيقا للديمقراطية و يجب علينا أن نميز بين صورتين الاستفتاء الشعبي فقد يكون الاستفتاء دستوريا إذا كان الفرض أخذ رأي الشعب بشأن تشريع دستوري سواء كان الأمر يتعلق بوضع أو تعديل تلك النصوص أو حول تشريع عادي فقط.
و قد أتبع هذا الأسلوب في وضع دساتير 1976 و 1989 و 1996 في الجزائر، و دستوريا إيطاليا لسنة 1948 و العديد من الدساتير الحديثة.
و تعتبر هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها، إلا أنها لكي تحقق تلك الميزة أهدافها يجب أن يكون الشعب واعيا و مدركا للعمل العظيم الذي يقوم به و نظرا لصعوبة تحقيق هذه الأمنية، فإن علي السلطة التي تريد إشراك الشعب فعلا في وضع الدستور لاسيما في الدولة المتخلفة، أن تسبق عملية الاستفتاء مباشرة. فمن المعلوم أن طريقة الاستفتاء أكثر ديمقراطية إلا أن الشعب لا يناقش و ليس له الخيار بين عدة مشاريع و إنما عليه أن يختار النص الجديد أو يرفضه و قد يكون نظام الحكم ساري المفعول مرفوض و المشروع الجديد لا يعبر عن مطامع الشعب خاصة و نحن يعلم بأن إسناد إعداده للجنة مشكلة من صاحب السلطة، و لو كانت من ذوي الاختصاص، لا يعني تمتعها بحرية العمل، بل أنها تعمل وفق توجيهات السلطة التي لها أن ترفض أي اقتراح يحد من استمرار بقائها في السلطة في يدها، و لعل القارئ الكريم يستطيع أن يستشف ما قلناه من خلال تصفحه لمختلف دساتير الدول النامية أين يلاحظ تركيز السلطة في يد رئيس الدولة.
و تجنبا لما سبق ذكره و غيره يفضل اللجوء غلي جمعية تأسيسية مشكلة علي أساس تنافسي، و ليس من حزب واحد تتولي بطريقة استقلالية دون تدخل السلطة التنفيذية إعداد و مناقشة المشروع و التصويت عليه قبل عرضه علي الشعب بغرض الاستفتاء، علي أن يتضمن ذلك المشروع المبادئ العامة و السلطات و اختصاصاتها و علاقتها مع بعضها و بيان الحقوق و الحريات و ضمانات ممارستها و آليات فرض احترام الدستور من قبل السلطة و المسؤولية و الجزاء المرتب علي ذلك.


الـمـبـحـــــث الثـانــي: أنواع الدساتير
المطلــــــب الأول: الدساتير المدونة المكتوبة.
يقصد بالدستور المدون هو الذي يكون في وثيقة رسمية أو عدة وثائق معينة و اللجوء إلي الدساتير يعود إلي حاجة الدول حديثة الاستقلال لتنظيم شؤونها و بناء حكم سوده الاستقرار تجنبا للفوضى كما أن أية حركة تستولي علي الحكم تضع دستورا جديدا محل الدستور السابق. (1)
- الدساتير المدونة هي التي صيغت أحكامها في نصوص تشريعية مكتوبة سواء جمعها قانون واحد أو قوانين متفرقة. و الملاحظة أن جميع دساتير مصر سواء قبل الثورة أو بعدها دساتير مدونة كما أن أغلبية دساتير دول العالم المختلفة هي دساتير مكتوبة. (2)
- و تعد القواعد الدستورية المدونة في وثائق رسمية المصدر الثاني إلي جانب العرف بحيث لا يؤثر عليها من الناحية الدستورية مادام المصدر الغالب هو العرف الدستوري و نأخذ علي سبيل المثال: إنجلترا التي تعتبر من الدول ذات الدساتير العرفية تزخر و تزدحم فيها هذه الوثائق الرسمية المدونة من ذلك الميثاق الأعظم الصادر سنة 1215 و ملتمس الحقوق 1628 و هبياس كوربيس الذي حمى البريطانيين من تعسف الملكية سنة 1667 و كذلك قانون ثورات العرش 1701 أو قانون البرلمان 1911 و 1949 الذي نظم السلطة داخل الدولة و أخيرا القانون الصادر سنة1958. و هناك قد يثور تساؤل حول تعارض نص مكتوب مع القاعدة العرفية لمن ستكون الأفضلية؟ و للجواب علي هذا التساؤل يجب أن نفرق بين افتراضيتين:
- الأول: صدور وثيقة رسمية تقنن بعض المبادئ تختلف عن العرف الدستوري ففي هذه الحالة يجب الأخذ بتلك الوثيقة للعديد من الاعتبارات أهمها أن تلك الوثيقة تجسد النية الصريحة للمشرع بخلاف النية الضمنية المستوحاة من خلال العرف الدستوري كما أنه من مميزات العرف مرونته في التعديل.
- الثاني: يمثل هذا العرض بصدور عرف دستوري يخالف وثيقة رسمية استقر عليها العمل في الدولة ففي هذه الحالة يجب الأخذ بالعرف الدستوري لطبيعة النظام( دولة ذات دستور غير مدون) كما أنه يجب الرجوع إلي السلطة العليا التأسيسية للدولة المتجسدة في النية الضمنية للشعب. (3)





1- سعيد بوشعير: القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ص 157.
2- د.سليمان أحمد الطهاوي: النظم السياسية و القانون الدستوري- دراسة مقارنة – ص 101.
3- فوزي أوصديق: الوافي في شرح القانون الدستوري الجزائري ص31-32.

الفرع الأول: الدساتير المدونة ( المكتوبة)
- مزايا الدساتير المدونة:
للدساتير المكتوبة ميزة ظاهرة من ناحية أثرها في تربية الأمة تربية سياسية و ذلك لأنها بما تتضمنه من أصول بينة و أحكام مسطرة محددة تحمل أبناء الشعب علي التعرف إلي حقوقهم و التمسك بها و بذلك يكون الدستور أكثر إلزاميا و احترام لاسيما في الدول حديثة العهد بالديمقراطية، و لقد جاء التاريخ مثبتا لهذه الحقيقة كما أنه يلاحظ من ناحية أخرى أن الدستور المكتوب ضرورة لازمة للدولة المتحدة إتحادا مركزيا و ذلك لضرورة وضع النصوص المنظمة لهذا الاتحاد و الموزعة
للاختصاصات فيه و حتى لا تطفي الحكومة المركزية علي ما هو محتفظ به للدويلات من استقلال. (1)
الفرع الأول: الدساتير العرفية:
يقصد بها الدساتير غير المدونة و التي نشأت عن طريق العرف نتيجة إتباع السلطات العامة في عند
تنظيم شؤون الدولة سلوكيات معينة استمرت لمدة طويلة فتحولت إلي عرف دستوري ملزم بالنسبة لهذه السلطة و مثال ذلك الدستور العرفي الانجليزي و الرأي الغالب لدي الفقه هو أن القاعدة العرفية أولي ن القاعدة المكتوبة بالتطبيق لغلبة الجانب العرفي في الدستور علي الجانب المكتوب ذلك أن القواعد المكتوبة ما هي إلا استثناء من الأصل العام لا يلجأ إلي إصدارها إلا حين حلول أزمات دستورية لا يمكن للعرف البطء التكوين لحلها بالسرعة المطلوبة يجنبنا للمشاكل التي يمكن أن تنجم عن تلك الأزمة أو غيرها. كما أن للعرف ركنين أحدهما مادي و الأخر معنوي:
-1- الركن المادي: يظهر من خلال التصرفات المتتالية الصادرة من إحدى الهيئات التابعة للدولة و ليس هناك حد أدني لعدد مرات التكرار كقاعدة عامة إلا أنه يجب أن تتعدي مرتين علي الأقل و لكي يكون ذلك التكرار مجديا يجب توافر ثلاثة شروط:
أ- صدور التكرار من ذوي الأمر أو من أصحاب القرار في الدولة كالبرلمان أو رئيس الدولة أو الوزراء.
ب- أن يكون التكرار ذات صبغة عامة أي مقبول لدى جميع الهيئات التابعة للدولة.
ج- اطراد السلطة الحاكمة لذلك التصرف مما يوحي بالاستقرار و الثبات لأنه يكفي بصدور قاعدة مخالفة له التشكيك في ثباتها و استقرارها.



د.سليمان أحمد الطهاوي: النظم السياسية و القانون الدستوري- دراسة مقارنة – ص 101.
-2- الركن المعنوي ( النفساني): لا يكفي صدور تلك القاعدة و اطرداها إلي فيرها من الشروط المادية بل يجب الاعتقاد بإلزامية تلك القاعدة غي وجد أن الجماعة أو الأفراد كما أنه لا يمكن يحدد هذا الاعتبار بطريقة مضبوطة و دقيقة، و هنا نجد اختلاف الفقه حول مدلول الجماعة فمنهم من ينسبها للرأي العام فيكفيه الموفق السلبي إزاء هذه القاعدة العرفية الدستورية كعدم الاعتراض حتى تصبح ملزمة أما الفريق الثاني فإنه يرجعها للهيئات الحاكمة في الدولة من رئيس الجمهورية و الوزراء و رئيس البرلمان لأنها صاحبة الحل و العقد أما الموقف الذي نتخذه من هذين الرأيين نرى أن الجماعة تتشكل من عنصري الرأي العام و الهيئات الحاكمة دون أن ينفصل عنصر عن أخر و يجب التفرقة بين العرف و العادات و التقاليد علي أساس عدم التمتع بالعمومية و الإلزام للعادات أو التقاليد و هكذا يتوفر العنصر المادي و المعنوي للقاعدة الدستورية تصبح ملزمة أنها شأن القواعد القانونية المدونة أو المكتوبة. (1)
الفرع الأول: مزايا الدساتير العرفية.
تمتاز العرفية بمرونتها و استجابتها بسهولة و يسر لمقتضيات الظروف الاجتماعية كما أن قدسية الدساتير و احترمها ترجع أولا و قبل كل شيء لظروف المجتمع و تاريخه و لهذا فإن اختيار طريقة من هاتين الطريقتين يرجع إلي هذه الظروف أكثر مما يعتمد علي التفضيل النظري لميزة كل منهما.
و يلاحظ أخير أن تقسيم الدساتير إلي مكتوبة و عرفية غير مطلق في الحياة العملية بل و من المستحيل أن يكون كذلك لأن الدول ذات الدساتير العرفية كانجلترا توجد فيها بعض القواعد الدستورية المكتوبة رأينا و الدول ذات الدساتير المكتوبة لا تستغني عن العرف لسد ما في دساتيرها المكتوبة من نقص. (2)






1- سعيد بوشعير: القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ص 158.
2- فوزي أوصديق: الوافي في شرح القانون الدستوري الجزائري ص31-32.

المواضيع المتشابهه: