الجريمــــــة الدوليـــــة
المبحث الأول : ماهية الجريمة الدولية
المطلب الأول : تعريف الجريمة الدولية و تميزها عن باقي الجرائم
أولا : تعريف الجريمة الدولية
لقد تعددت التعاريف بشأن الجريمة الدولية فمنهم من عرفها على أنها كل سلوك محضور يقع تحت طائلة الجزاء الجنائي الذي يطبق و ينفذ باسم المجموعة الدولية . كما عرفه جلاسير فإنما كل فعل يخالف القانون الدولي كونه يضر بالمصالح التي تحميها هذا القانون في نطاق العلاقات الدولية و يوصف بأنه عمل جنائي يستوجب تطبيق العقاب على فاعله . [ 1]
و يرى بلاوسكي بأن الجريمة الدولية هي كل فعل غير مشروع يقترفه الأفراد و يعاقب عليه القانون الدولي الجنائي كونه يضر بالعلاقات الدولية في المجتمع الدولي [ 2] .
إلا أنه من خلال ما سبق من تعاريف يمكن تعريف الجريمة الدولية على أنها كل عمل أو امتناع عن عمل يصيب المصالح الدولية أو الأساسية الكبرى بضرر يمنعه العرف الدولي و يدعو إلى المعاقبة عليه باسم المجموعة الدولية . و استنتاجا لهذا التعريف نرى أن الجريمة الدولية هي سلوك من شأنه لو حدث أن يعكر صفو العلاقات الودية بين الدول بوصفه عملا يصيب المصالح الدولية المحمية بالضرر كجرائم السلام مثلا و لا تنحصر هذه المصالح المحمية في العلاقات الدولية بين الدول فحسب فقد أقر المجتمع الدولي ضرورة حماية المصالح الأساسية أيضا كذلك بتحريمه أعمال القتل أو الإبادة أو الاسترقاق أو الإبعاد و كل اضطهاد مبني على أسباب سياسية أو عنصرية دينية بل و يحمي القانون الدولي الجنائي كل ما من شأنه أن يحط بكرامة الإنسان كالتعذيب و المعاملة السيئة و الاعتداء على المدنيين فيما يسمى بجرائم الحرب .
ثانيا : تمييز الجريمة الدولية عن باقي الجرائم
1- الجريمة الدولية و الجريمة السياسية :
الجريمة السياسية جريمة داخلية ينظمها و ينص عليها القانون الجنائي الوطني و تتميز الجريمة السياسية عن جرائم القانون العام بالدافع السياسي الذي يحرك الفاعل لافتراقها أو الطبيعة السياسية للمصلحة المحمية المعتدى عليها و المبدأ أنه لا يجوز التسليم بها . أما الجريمة الدولية فهي من الجرائم التي حددها العرف الدولي و ترتكب ضد مصالح دولته أو إنسانية و يحدث اضطرابا في العلاقات الدولية و يجوز التسليم فيها. [3]
2- الجريمة الدولية و الجريمة العالمية :
هناك قيم أساسية و مشتركة في المجتمع الدولي قد تعمل الدول على صيانتها و منع الاعتداء عليها و يتخذ هذا الموقف صفة العالمية كتزييف النقود أو الاتجار بالرقيق و النساء و الأطفال .
لقد حرمتها مختلف الدول التي تعمل على محاربتها فإنها مع ذلك جريمة داخلية ينص عليها التشريع الوطني و تختص بها المحاكم الوطنية و هي بمثل هذه المفاهيم تختلف عن الجريمة الدولية التي تمس المصالح الدولية و تجد مصدرها في العرف الدولي و المعاهدات الدولية التي تستند إلى هذا العرف و يرجى أن تنشأ محاكم دولية للنظر فيها.
3- الجريمة الدولية و جريمة قانون الشعوب :
تعد الجرائم التي تنسب إلى قانون الشعوب صورة من الجرائم العالمية التي تحرمها القوانين الوضعية عادة كالقرصنة ، و تختلف هذه الجرائم الدولية من حيث إنها جرائم تنص عليها القوانين الوضعية و نرى أن هذه الجرائم هي جرائم دولية إذا ما توافر لها الركن الدولي كأن ترتكب تنفيذا لأوامر دولة لحسابها .
المطلب الثاني : خصائص الجريمة الدولية
لقد استقر العرف و أكدت التجارب الدولية جملة من الحقائق أعطت للجريمة الدولية بعض الخصائص الذاتية و القانونية التي تميزها عن الجريمة الداخلية من هذه الخصائص:
1- خطورة الجريمة الدولية و جسامتها :
تظهر خطورة و جسامة الجريمة الدولية في اتساع و شمولية آثارها و يكفي بأن نذكر بأن من الجرائم الدولية ما يستهدف إبادة و تدمير مدنا و قتلى بالجملة و تعذيب مجموعات و غير ذلك من الأعمال الفظيعة التي يعجز القلم عن وصفها و وصف نتائجها المدمرة .
لقد وصفت لجنة القانون الدولي الجريمة بقولها: « يبدو أن هناك إجماعا حول معيار الخطورة فالأمر يتعلق بجرائم تمس أساسا المجتمع البشري نفسه » يمكن استخلاص الخطورة إما من طابع الفعل المجرم و إما من اتساع آثاره و إما من الدافع لدى الفاعل و إما من عدة عوامل .
2- جواز التسليم في الجرائم الدولية :
الجرائم في القانون الداخلي نوعان عادية و سياسية و تجيز القوانين الداخلية التسليم في الجرائم العادية فقط و تنكر التسليم في الجرائم السياسية و نظرا لتواترها و الأخذ بها نصت عليها الدساتير و منها على سبيل المثال الدستور الجزائري 1989 في (المادة 66).
و يختلف الأمر في القانون الدولي الجنائي عن القانون الوطني إذ لا يعرف القانون الدولي الجنائي تمييزا أو تفرقة بين الجرائم و بالتالي لا يجوز وصف جريمة دولية أخرى بأنه جريمة عادية و هذا يعني أن جميع الجرائم الدولية تخضع لنفس المبدأ فإما أنها جميعها من الجرائم التي يجوز فيها لتسليم و إما أنها من الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم.
3- استعباد قاعدة التقادم من التطبيق في الجرائم الدولية :
نعني بالتقادم سقوط العقوبة أو الدعوى العمومية لمضي المدة و هي قاعدة تأخذ بها معظم التشريعات الوطنية أما على المستوى الدولي لم يتطرق أحد لقاعدة التقادم قبل الحرب العالمية الثانية و لعل السبب يعود إلى أن أحدا لم يحتج بهذه القاعدة قبل هذا التاريخ .
و لم تشير إليها اتفاقية لندن 1945 و النظام الأساسي لمحكمة ( نورمبورغ ) . إلا أن ألمانيا الاتحادية أعلنت عام 1964 بأن قانونها الجنائي يأخذ بقاعدة تقادم الجرائم بمضي 20 سنة على ارتكابها و يعني تطبيقها على هذا النحو سقوط الدعوى العمومية بالنسبة لجميع الأشخاص المذنبين بارتكاب الجرائم الدولية و الذين لم يقدموا للمحاكمة بعد.
لقد عرف موقف ألمانيا استنكارا و تقدمت على إثره بولندا بمذكرة إلى الأمم المتحدة تطلب من لجنتها القانونية البث بهذه المسألة و قد أجابت اللجنة القانونية في 10 أبريل 1965 بالإجماع بأن الجرائم الدولية لا تتقادم. ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذه الاتفاقية عام 26 نوفمبر 1968 . [4]
4- استبعاد نظام العفو من التطبيق في الجرائم الدولية :
العفو هو تنازل الهيئة الاجتماعية عن كل أو بعض حقوقها المترتبة على الجريمة و هو نوعان عفو عن العقوبة و يسمى العفو الخاص و عفو عن الجريمة و يسمى العفو الشامل .
و العفو سلطة تقليدية خاصة لرئيس الدولة ينص عليها الدستور يرى أن هذا النظام غريب عن القانون الدولي الجنائي و لخطورة الجرائم الدولية و جسامتها تجعل نظام العفو أمرا مستعجلا و لقد أكد المجتمع الدولي على رفض الأخذ بقاعدة التقادم و أجازت التسليم في الجرائم الدولية بعرض الوصول إلى معاقبة المجرم لذلك لا يسمح العفو عن المجرمين الدوليين .
5- استعباد الحصانات في الجرائم الدولية :
تمنح القوانين بعض الأشخاص السامين حصانة خاصة بموجبها لا يحاكم من اقترف جريمة منهم أمام المحاكم الوطنية بموجب قانون العقوبات من أمثلة هذه الحصانات في القانون الداخلي حصانة رئيس الدولة حصانة أعضاء المجلس النيابي أثناء تأدية عملهم و حصانة رؤساء الدول الأجنبية خارج بلادهم إلى غير ذلك من الحصانات .
إلا أن القانون الدولي الجنائي استقر إلى عدم إعفاء رئيس الدولة أو الحكام الذي يقترف جريمة دولية حتى و لو كان وقت اقترافها متصرف بوصفه رئيسا حاكما.
المبحث الثاني :أساسها القانوني و النتائج المترتبة عنها
المطلب الأول : أساسها القانوني
الأساس القانوني للجريمة الدولية يعني به مصدر تأثيمها أي النص القانوني الذي يصف الفعل المقترن على أنه جريمة إذ الأصل في الأفعال الإباحة حتى يأتي النص التشريعي الذي يحرمها. ففي النص القانوني الجنائي الداخلي يحدد النص التشريعي الأفعال المحظورة التي يعد اقترافها جريمة من الجرائم و تتعدد هذه النصوص بتعدد الأفعال التي يحظرها القانون و تسمى نصوص التحريم و عليه لا يمكن اعتبار أي فعل من الأفعال جريمة إلا إذا انطبق عليه أحد هذه النصوص و معنى ذلك أن النص التشريعي هو وحده الذي يحدد الجرائم و العقوبات المكتوب مصدرا للتجريم حيث تستبعد المصادر الأخرى كالعرف و قواعد العدالة و مبادئ الأخلاق .
الجريمة لا تنشأ إلا بنص قانوني يبين ماهيتها و أركانها من جهة و العقوبات المقررة لها و بيان نوعها و مدتها من جهة أخرى أي لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص قانوني .
و بالتالي هل أخذ القانون الدولي بهذا المبدأ لتحديد الجرائم الدولية ؟
من المعروف أن القانون الدولي الجنائي هو قانون عرفي بعد أن فشلت كل المحاولات حتى الآن في تقنينه و لهذا فالجرائم الدولية ليست أفعالا منصوصا عليها في قانون مكتوب كما هو الحال في الجرائم الداخلية و إنما هي أفعال بينها العرف فقط و يبقى العرف الدولي مصدرا للتحريم في الجرائم الدولية حتى و لو نصت المعاهدات على تحريم بعض الأفعال باعتبار أن هذه المعاهدات لا تنشئ الجرائم و إنما تكشف عن العرف الذي حرمها و هكذا فإن القاعدة الشرعية المكتوبة لا تجد مكانا في القانون الدولي الجنائي إذ يعني التمسك بالقاعدة جزئيا إنه لا جريمة دولية بلا قانون مكتوب يحددها و يبين العقوبات المقررة . [5]

المطلب الثاني : النتائج المترتبة عنها من أهم النتائج التي تترتب على اعتبار العرف الدولي هو المصدر الوحيد للجرائم الدولية هي :
1- غموض فكرة الجريمة الدولية :
سبب الغموض هو أن الجريمة الدولية يعتمد على العرف و لا يغرب عن البال مدى صعوبة التأكد من وجود العرف و تفسيره و بيان مضمونه ففي غياب النموذج القانوني للجريمة الذي يمكن الامتداد به و الذي على ضوءه يمكن بيان أركان الجريمة يبقى مفهوم الجريمة غامضا و مبهما و عرضه للتأويل و التفسير الذي يحتمل الخلاف .
2- قاعدة عدم الرجعية في القانون الدولي الجنائي :
تعتبر هذه القاعدة النتيجة المنطقية لمبدأ الشرعية و تقضي بأنه لا يجوز سريان القانون على الأفعال التي سبقت وجوده من حيث التحريم و تعد هذه القاعدة بمثابة التأكيد العملي لمبدأ الشرعية و قد نصت عليها القوانين الجنائية عموما و حتى الدساتير و منها الدستور الجزائري 1989 في مادته 43 « لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم » .
3- القياس و التفسير الموسع :
يقتضي مبدأ الشرعية في القانون الداخلي عدم اللجوء إلى القياس في نطاق التحريم خشية أن يؤدي الأخذ بالقياس إلى خلق جرائم جديدة ينص عليها القانون فهل تطبق هذه القاعدة في القانون الجنائي ؟
يختلف الأمر بين القانون الداخلي و الدولي في هذا المضمار و مرد ذلك أن المشرع الوطني قادر على متابعة و تحريم الأفعال التي تصيب المصالح الجديدة بالحماية و لهذا عدم الأخذ بالقياس على الصعيد الداخلي أمر يبرره حماية الحريات الفردية في تعسف الإدارة أو تحكم القضاء أما في القانون الدولي الجنائي فلا حرج من اللجوء إلى القياس نظرا لغياب المشرع القادر على تحريم الأفعال الصادرة و متابعتها . إذ أننا بصدد قانون عرفي يتطور و يتغير باستمرار و من أمثلة الأخذ بالقياس على الصعيد الدولي تحريم استعمال الأسلحة النووية تحريما قاطعا قياسا على تحريم الأسلحة التي هي أقل خطرا منها . [6]


المواضيع المتشابهه: