من الواضح ان المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام جسيمة وخطيرة، فهي من تسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي كما انها تراقب سياسات الحكومة الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والمالية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية.

فلذلك اعطى الدستور الاردني مجموعة من الحصانات لأعضاء مجلس النواب الأردني وذلك من اجل ان يمارسوا اعمالهم دون اية قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد او وعيد او ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة اعمالهم على اكمل وجه.

وقد نص الدستور الأردني في المادة (86) على ما يلي :

1- لا يوقف احد اعضاء مجلسي الاعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه او لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب اعلام المجلس بذلك فورا.

2- اذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون مجلس الامة مجتمعا فيها فعلى رئيس الوزراء ان يبلغ المجلس المنتسب اليه ذلك العضو عند اجتماعه الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم.

وعليه فإن الحصانة هنا تقضي بعدم جواز اتخاذ اجراءات التوقيف والمحاكمة بحق عضو مجلس النواب في غير حالة التلبس أثناء الانعقاد إلا بعد الحصول على أذن المجلس -وهذا ما يطلق عليه بالحصانة البرلمانية الاجرائية) اما (الحصانة البرلمانية الموضوعية - فتتمثل بعدم جواز مؤاخذة اعضاء البرلمان جزائيا ومدنيا في أي وقت من الاوقات عما يبدونه من آراء أو أفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني، ولقد جاء الدستور الاردني صريحا في أخذه بهذا النوع من الحصانة حيث نصت المادة (87) منه على انه" لكل عضو من اعضاء مجلسي الاعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب اليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت او رأى يبديه او خطاب يلقيه في اثناء جلسات المجلس".

وعندما يطلب من مجلس النواب رفع الحصانة عن عضو من اعضائه فهو لا يبحث في موضوع الوقائع المنسوبة اليه بحثا قضائيا ليبين الإدانة أو البراءة وإنما يفحصها فحصا سياسيا للتأكد فقط من كون الاتهام جديا او كيديا وليد دوافع أو أغراض انتقامية تهديدية، فإن ظهر للمجلس جدية الاتهام وجب عليه رفع الحصانة البرلمانية عن عضو البرلمان وهذا ما اكده النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة (150) منه حيث نصت على انه "ليس للمجلس ان يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له ان الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي".

وفيما يتعلق بالتطور التاريخي للحصانة البرلمانية في الاردن فأننا نرى ان القانون الاساسي لعام 1928 لم يتضمن عند صدوره اية اشارة الى الحصانة البرلمانية الموضوعية (الحصانة ضد جرائم الرأي) أو الحصانةالبرلمانية الاجرائية (الحصانة ضد الإجراءات الجزائية) كضمانات من ضمانات المجلس التشريعي.


وقد كانت الحصانة البرلمانية من اهم المواضيع التي طرحها اعضاء المجلس التشريعي ،حيث رفضوا النظر في جدول الاعمال الموكلة اليهم والتي كان على رأسها التصديق على المعاهدة الأردنية البريطانية إلا بعد إقرار نصوص تمنح اعضاء المجلس التشريعي الحصانة البرلمانية فما كان من الأمير عبدالله إلا أن تدخل لفض النزاع لصالح المجلس التشريعي وتم منح اعضائه الحصانة البرلمانية بموجب تعديل القانون الاساسي لعام 1928 وقد جاءت المادة (41) من القانون الأساسي بعد التعديل لتؤكد على انه لا يلقى القبض على احد اعضاء المجلس التشريعي او يحاكم خلال الدورة ما لم يعلن بقرار وجود سبب كاف لمحاكمته او انه القي القبض عليه اثناء ارتكابه الجناية. ولكل عضو من اعضاء المجلس الحرية في التكلم ضمن حدود النظام الداخلي الذي اقره المجلس ولا تتخذ بحقه اجراءات قانونية من اجل أي تصويت او رأي أو خطاب يلقيه، وإذا القي القبض على عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء عندما يعيد اجتماعه الاجراءات المتخذة مع الايضاح اللازم.

وبعد الغاء القانون الأساسي لعام 1928 وإصدار دستور 1947 أكد هذا الدستور في المادة (54) منه على انه لا يوقف احد الاعضاء ولا يحاكم في مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر في المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية بوجود سبب كاف لمحاكمته او ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية ولكل عضو الحرية في التكلم ضمن حدود نظام المجلس الذي هو منتسب اليه ولا تتخذ اجراءات قانونية من اجل أي تصويت او رأي يبديه او خطاب يلقيه، واذا اوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء المجلس عندما يعيد اجتماعه الاجراءات المتخذه مع الايضاح اللازم.

مع الاشارة هنا الى ان النظام الداخلي لمجلس النواب في تلك الفترة لم يتضمن اية اشارة الى الحصانة البرلمانية بشقيها الموضوعي والاجرائي ولم يبين الالية القانونية لرفع الحصانة.
وبعد ذلك صدر دستور 1952 والذي نص على الحصانة البرلمانية في مواده(86) و(87) والمذكورتين سابقا فدستور (1952) اوجب على الحكومة في حال القبض على العضو في حالة التلبس بالجريمة اعلام المجلس فورا وهذا ما لم يكن منصوصا عليه في دستور 1947.

والنظام الداخلي الحالي لمجلس النواب والصادر عام 2013 جاء متطورا ومنسجما مع ما تتطلبه الحياة النيابية والديمقراطية، ففيما يتعلق بالحصانة البرلمانية فقد اكد النظام الداخلي في المادة (146) منه على الحصانةالبرلمانية الاجرائية ووسع من نطاقها الاجرائي ليشمل امتناع اتخاذ اية اجراءات جزائية او ادارية بحق عضو البرلمان في اثناء فترة انعقاد المجلس باستثناء حالة التلبس بالجريمة.
كما بين النظام الداخلي اجراءات رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب حيث يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن باتخاذ الاجراءات الجزائية الى رئيس المجلس مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والادلة ويقوم رئيس المجلس بإحالة الطلب الى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً فأن لم يقدم التقرير خلال تلك المدة جاز للمجلس البت في الطلب مباشرة ويعرضتقرير اللجنة على المجلس لمناقشته للبت نهائيا بالامر، فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الاجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بالاكثرية المطلقة.

ولا بد من الاشارة هنا ان العضو الذي رفعت عنه الحصانة ولم يوقف له الحق في حضور جلسات المجلس واجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشة والتصويت، كما انه ليس من حق النائب ان يتنازل عن حصانته دون موافقة المجلس.

ومن هذا كله نجد ان الحصانة البرلمانية ما هي الا عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة المقررة كإستثناء للبرلمان لتأمين استقلاليته عن السلطات الاخرى ولتمكينه من القيام بواجباته الدستورية، وتتمثل هذه القواعد بعدم مؤاخذة اعضاء البرلمان عما يبدونه من اراء وافكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني وعدم جواز اتخاذ اجراءات جزائية ضدهم الا بعد الحصول على اذن المجلس التابعين له.

المواضيع المتشابهه: