مؤتمر

« التأمينات الاجتماعية بين الواقع والمأمول »
رؤية حول تنظيم العلاقة بين

التأمينات الاجتماعية والموازنة العامة للدولة



إعـــداد

دكتور محمد عبد الحليم عمر

أستاذ المحاسبة
مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي
جامعة الأزهر





فى الفترة من 13-15 أكتوبر 2002م



مقدمـة:
إن العلاقة بين التأمينات الاجتماعية والموازنة العامة علاقة عضوية وجوهرية تنطلق من أن كلا منهما نظام برنامج تؤدى بهما الدولة دورها نحو المواطنين، فالتأمينات الاجتماعية نظام تقوم الحكومة على تنفيذه وإدارته وتمويله جزئياً من أجل الرعاية الاجتماعية للمواطنين وتوفير الأمن الاقتصادى على مستقبلهم من خلال ضمان استمرار الدخل الذى يمكنهم وذويهم من العيش عندما يتقاعدون عن العمل الذى يتكسبون منه إما بسبب بلوغ سن الشيخوخة أو العجز أو الوفاة وتوفير تكاليف العلاج لهم في حالة المرض، أما الموازنة فهى تمثل البرنامج المالى للأنشطة التى تقوم بها الحكومة في توفير الخدمات العامة للمواطنين مجاناً أو بمقابل رمزى مثـل الصحة والتعليم والأمن وغيرها من الخدمات والتى تنفق عليها من الضرائب التى يدفعها المواطنون ومن إيرادات الممتلكات العامة، وتباشر الدولة دورها من خلال وحدات حكومية ممثلة في وزارة المالية وأجهزتها التى تدير الموازنة العامة، ووزارة التأمينات وأجهزتها المختلفة التى تدير التأمينات الاجتماعية، ولا يقتصر الأمر في هذه العلاقة على كونهما يعملان لتحقيق الهدف الاستراتيجي للدولة وإشراف الحكومة وإداراتها لهما، ولكن توجد علاقات مالية كبيرة بينهما فأموال التأمينات تمثل المصدراً الأساسى لتمويل عجز الموازنة، كما أن الحكومة ترصد في الموازنة مبالغ في صورة إعانات لصناديق التأمينات الاجتماعية لتمويل الزيادات التى تتقرر في المعاشات سنوياً، ولقد تطور تنظيم العلاقة بين التأمينات والموازنة طبقاً لعدة أشكال إلى أن وصل إلى الوضع الحاضر الذى بدأ النظر في تطويره مثل التحدث عن أيلولة أموال التأمينات لوزارة المالية ونقل تبعية صناديق التأمينات من وزارة التأمينات إلى وزارة المالية وإدماج بيانات التأمينات في بيانات الموازنة من خلال ما نشر فعلاً وأطلق عليه قائمة «العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة».
ولقد أثارت هذه المقترحات مناقشات عديدة ومازالت على مستوى الرأى العام والمتخصصين والقيادات الحكومة ما بين مؤيد ومعارض.
وفي هذا البحث نطرح هذه القضية في أبعادها المختلفة من أجل تقديم رؤية علمية محايدة حول واقع العلاقة بين الموازنة والتأمينات والتطور المقترح أملاً في أن تسهم هذه الرؤية وما سيدور حولها من مناقشات في المؤتمر في وضع تصور سليم لتنظيم العلاقة بين الموازنة والتأمينات بشكل يعمل على رفع كفاءة وفاعلية كل منهما في أداء دورهما الاجتماعى والمالى والسياسى والاقتصادى، ومن أجل الوصول إلى ذلك سوف ننظم البحث على الوجه التالى:
المبحث الأول: تطور وواقع العلاقة بين التأمينات الاجتماعية والموازنة العامة للدولة
المبحث الثانى: التطوير المقترح لتنظيم العلاقة بين التأمينات الاجتماعية والموازنة العامة

المبحث الأول
تطور وواقع العلاقة بين التأمينات الاجتماعية
والموازنة العامة للدولة

تعدد جوانب العلاقة بين التأمينات والموازنة حيث يمكن تحديدها في ثلاث جوانب أساسية هى:
أولاً: الجانب التنظيمى:
طبقاً للمتعارف عليه وما تنص عليه القوانين فإن الموازنة العامة للدولة من مسئوليات وزارة المالية إعداد وإشرافاً ورقابة على التنفيذ ومتابعة، وهذا ما جاء في المادة (15) من قانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973م ما نصه: «تتولى وزارة المالية إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة..» كما أن دور وزارة المالية في الإشراف والرقابة على تنفيذ الموازنة العامة التى تتم بواسطة الجهات الحكومية المختلفة من خلال ممثلى وزارة المالية المقيمين في كل وحدة ومصلحة حكومية منصوص عليه تفصيلاً في قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 73 وقانون المحاسبة الحكومية رقم 127 لسنة 1981م.
أما التأمينات الاجتماعية، فتقوم على إدارتها والإشراف عليها وزارة التأمينات وأجهزتها المختلفة ممثلة في الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى وصندوقى التأمين وهما: صندوق التأمين الاجتماعى للعاملين بالقطاع الحكومى، وصندوق التأمين الاجتماعى للعاملين بقطاع الأعمال العام والخاص.
وبالتالى فكلا النظامين التأمينات والموازنة يخضعان تنظيمياً لجهتين حكومتين مختلفتين، وهذا الخلاف يستند إلى ما يلى:
أ – اختلاف طبيعة النشاط في كل منهما، فالموازنة العامة للدولة تعد للقطاع الحكومى الذى يتحدد طبقاً لنصوص قانونى الموازنة والمحاسبة الحكومية في كل من:
- الجهاز الإدارى للدولة، والذى يشمل الدواوين العامة للوزارات والمصالح الملحقة بها مركزياً.
- وحدات الحكم المحلى، والتى تشمل دواوين المحافظات والمراكز والأقسام والقرى ومديريات الخدمات بكل محافظة.
- الهيئات العامة الخدمية، وعددها حوالى 43 هيئة مثـل الجامعات.
ومن أهم خصائص هذه الوحدات الحكومية أنها تقدم خدماتها للمواطنين مجاناً أو بمقابل رمزى، وأنها تمول عملياتها من الموارد العامة، وأن أموالها قابلة للإنفاق بحيث تكون صفراً في نهاية كل سنة.
أما التأمينات الاجتماعية فتدار من خلال الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى وصناديق التأمينات وهى تدرج ضمن الهيئات العامة الاقتصادية التى تبلغ حوالى 63 هيئة وتقدم خدماتها بمقابل يغطى التزاماتها ويتحقق فائض تحت مسمى احتياطى أو رأسمالى يدوَّر من سنة إلى أخرى.
ب- التنظيم القطاعى للاقتصاد القومى كما هو متعارف عليه في المحاسبة القومية حيث ينقسم الاقتصاد القومى إلى أربع قطاعات هى القطاع الحكومى، وقطاع الأعمال، وقطاع العائلات، وقطاع العالم الخارجى، وأجهزة الموازنة العامة وهى الوحدات الحكومية تدخل ضمن القطاع الحكومى، بينما أجهزة التأمينات تدخل ضمن القطاع الأعمال.
جـ- تقسيم الأموال التى تديرها الدولة والذى يفرق بين أموال الحكومة، وأموال الغير التى يعهد بها إلى الحكومة لإدارتها على سبيل الوكالة أو الأمانة ، فأموال الحكومة تتم إدارتها عن طريق الموازنة العامة بواسطة وزارة المالية. وأموال التأمينات هى أموال أمانة في يد الحكومة تديرها بواسطة أجهزة التأمينات الاجتماعية وكالة عن أصحابها مستحقى المعاشات.
ومن ذلك يتضح ضرورة الفصل تنظيمياً بين الموازنة العامة للدولة وبين التأمينات الاجتماعية وهو الواقع فعلاً في جميع دول العالم وفي مصر.

ثانياً: الجانب المحاسبى:
ويظهر ذلك في أمرين:
الأمر الأول: مدى إظهار أموال التأمينات ضمن الموازنة العامة للدولة:
وفي هذا الصدد نجد أن قانون الموازنة رقم 53 لسنة 1973 عند صدوره نص في المادة (3) على ما يلى: «تشمل الموازنة العامة للدولة جميع الاستخدامات والموارد لأوجه نشاط الدولة التى يقوم بها كل من الجهاز الإدارى للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة وصناديق التمويل الخاصة وآية أجهزة أو وحدات عامة أخرى يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء».
وطبقاً لهذا النص فإن استخدامات وموارد التأمينات تظهر في الموازنة العامة للدولة لأن الذى كانت تقوم عليها حين إصدار القانون هى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
ولما تبين أن إظهار العمليات المالية من موارد واستخدامات للمؤسسات العامة (التى تحولت فيما بعد إلى مسمى الهيئات الاقتصادية العامة) لا يتفق مع الأسس المحاسبية السليمة لأنه فيه خلط بين أعمال وحدات حكومة لا تهدف إلى الربح، ووحدات أخرى تؤدى عملها بما يحقق فائضاً إلى جانب اختلاف مسميات الحسابات، لذلك تقرر تعديل قانون الموازنة للدولة رقم 53 لسنة 73 بالقانون رقم 11 لسنة 1979 الذى نص صراحة على أنه «لا تشمل الموازنة العامة للدولة موازنات الهيئات العامة الاقتصادية وصناديق التمويل ذات الطابع الخاص». وبناء على هذا النص القانونى فإنه لا يجوز أن تدخل أموال التأمينات في الموازنة العامة للدولة لأن هذه الأموال لإحدى الهيئات الاقتصادية العامة وهى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي.

الأمر الثانى: تطبيق النظام المحاسبى:
من المعروف في علم المحاسبة أنه يوجد نظامان للمحاسبة، أحدهما يطبق في القطاع الحكومى ويسمى المحاسبة الحكومية ، والأخر يطبق في قطاع الأعمال (عاماً أو خاصاً) ويسمى المحاسبة التجارية، والتى نظمت للتطبيق في مصر على الوحدات التى تتعامل في المال العام على إطلاقه من خلال «النظام المحاسبى الموحد» الذى صدر عام 1968 ونص فيه على أنه يطبق على الوحدات الاقتصادية داخل القطاع العام باستثناء البنوك والمنشآت الائتمانية ووحدات التأمين، وجاء في تعريف الوحدة الاقتصادية بالنظام – أنها الوحدة التى تزاول نشاطاً صناعياً أو تجارياً أو زراعياً أو غير ذلك من أوجه النشاط الاقتصادى وكذا المؤسسة العامة أو الهيئة العامة الملزمة قانوناً بإعداد ميزانياتها على نمط الميزانية التجارية ولو لم تكن تباشر بنفسها أى وجه من أوجه النشاط المشار إليها» ولما كانت المؤسسات العامة والهيئات العامة حينها جزءاً من الوحدات الحكومية فإنها كانت تمسك حساباتها على أساس النظام المحاسبى الحكومى وزاد من تأكيد ذلك أن التعليمات حينها كانت تقتضى بأن الوحدات والأجهزة التى تشملها الموازنة العامة للدولة ملزمة بتطبيق المحاسبة الحكومية، وأن المؤسسات العامة حينها وطبقاً لنص المادة 3 من قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973 كانت من الأجهزة التى تشملها الموازنة العامة كما سبق ذكره، غير أن نص النظام المحاسبى الموحد ألزمها بتطبيقه وهو يختلف عن النظام المحاسبى الحكومى مما أوجد ازدواجيه في التطبيق وظلت كثيراً من الهيئات الاقتصادية العامة تطبق النظامين معاً بما فيه من ضياع للوقت والتكلفة والمجهود، واستمر الوضع كذلك حتى صدر قانون المحاسبة الحكومية رقم 127 لسنة 1981 ونص في المادة الأولى منه على أنه «تسرى أحكام هذا القانون على وحدات الجهاز الإدارى ووحدات الحكم المحلى والهيئات العامة الخدمية وكافة الأجهزة الأخرى التى تشملها الموازنة العامة للدولة» ولما كانت الهيئات العامة الاقتصادية قد خرجت بموجب المادة (3) من القانون رقم 11 لسنة 1979 المعدل لقانون الموازنة رقم 53 لسنة 1973 إذا أصبحت غير ملتزمة بتطبيق قانون المحاسبة الحكومية، وعليها أن تطبق النظام المحاسبى الموحد، وبالتالى فإن الوضع القائم الآن أن الموازنة تتم المحاسبة عليها من خلال المحاسبة الحكومية، وأن التأمينات تتم المحاسبة عليها من خلال النظام المحاسبى الموحد.

ومن ذلك نخرج فيما يخص العلاقة بين التأمينات والموازنة العامة للدولة في الجانب المحاسبى بما يلى:
- أن أموال التأمينات لا تظهر ضمن الموازنة العامة للدولة تحت أى مسمى.
- أنه تتم المحاسبة على الأموال (موارد واستخدامات) التى تظهر في الموازنة العامة للدولة وفق النظام المحاسبى الحكومى، بينما تتم المحاسبة على أموال التأمينات وفق النظام المحاسبى الموحد وبين كل من النظامين اختلاف أساسى(*).
- أن القوائم المالية التى تختص بالعرض والإفصاح المحاسبى وتظهر بها نتيجة النشاط والمركز المالى تختلف في الوحدات الحكومية التى تشملها الموازنة عن الوحدات التأمينية القائمة على إدارة أموال التأمينات الاجتماعية.

ثالثاً: الجوانب المالية: في العلاقة بين الموازنة العامة للدولة والتأمينات الاجتماعية ونناقشها فيما يلى:
أ – الذمة المالية: من المعروف قانوناً أن كلا من الأموال التى تظهر في الموازنة وأموال التأمينات من المال العام في اطلاقه فطبقاً لما ورد في القانون رقم 35 لسنة 1973 في شأن حماية المال العام يوجد معياران يؤخذ بأيهما لتحديد المال العام هما:
- معيار الملكية: بمعنى أن يكون المال مملوكاً أو خاصاً بالدولة أو أحد أشخاص القانون العام.
- معيار الانتفاع: بمعنى أن يكون المال مخصصاً لمنفعة عامة.

وتفريعاً لذلك نجد أن هناك مالاً عاماً مملوكاً للدولة ومخصصاً لمنفعة عامة وهذا ينطبق على مال الموازنة العامة للدولة، كما نجد أن المال العام مالاً مملوكاً ملكية خاصة للوحدة ومخصصاً لمنفعة عامة وهذا ما ينطبق على أموال التأمينات الاجتماعية فهى وإن كانت تدخل في إطار المال العام على إطلاقه إلا أن ملكية الوحدات التأمينية لـه ملكية خاصة لمال عام، فهى أموال محصلة من المشتركين فى نظام التأمينات تديرها الهيئات التأمينية لصالحهم، فالخصوصية هنا لا تخرج المال عن كونه مالاً عاماً من حيث حمايته، وإنما هى لتوفير قدر من المرونة والجدية للوحدات التأمينية في القيام بأنشطتها.
وهذا ما يؤكد على أن لا ندخل أموال التأمينات في الذمة المالية للحكومة ممثلة في وزارة المالية وضمها إلى أموال الموازنة العامة، فأموال التأمينات الاجتماعية وإن كانت مالاً عاماً من حيث الحماية، إلا أنها من حيث الحماية، إلا أنها من حيث الملكية مالاً خاصاً لأصحاب المعاشات دفعوه في صورة اشتراكات وينتفعون به وهو في يد الحكومة مال أمانة تديره بصفتها وكيلاً عنهم ولا يدخل في ذمتها المالية، وهذا ما تسير عليه كل أنظمة التأمينات الاجتماعية في دول العالم.
ب- العلاقات المالية المتبادلة بين الموازنة والتأمينات: نظراً لأن العلاقة بين الموازنة والتأمينات هى علاقة بين طرفين وليس طرفا واحد، فإن ما يتم بينهما من معاملات مالية يترتب عليها دائنية ومديونية ويجب أن تنظم على هذا الأساس والواقع يؤكد على وجود علاقات مالية بينهما في صورة تدفقات مالية من التأمينات للموازنة والعكس، غير أن تنظيم ذلك مر بتطورات عديدة نوجزها فيما يلى:
1- في البداية أنشئ صندوق للاستثمار بموجب القانون رقم 45 لسنة 1966 يتجمع فيه المدخرات ومنها فائض أموال التأمينات (الاحتياطى) وكان يتبع وزارة المالية وتستخدم موارده في تمويل الموازنة العامة للدولة وتظهر بقيمها في بنود الموازنة بل ومدمجه فيها وتكرار لها.
2- بصدور قانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 على إنشاء صندوق جديد سمى «صندوق استثمار الودائع والتأمينات» حيث نص في المادة (21) منه على ما يلى: «ينشأ صندوق للودائع والتأمينات ونكون لـه الشخصية الاعتبارية المستقلة ويرأسه وزير المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية – وقتها كان وزيراً واحداً – ويختص بتوظيف الأموال المتاحة للاستثمار من الأوعية الادخارية وهيئات الادخار والتأمينات وتجميع الأموال وما فى حكمها وذلك فيما عدا الودائع الادخارية لدى البنوك..».
كما نصت المادة (36) على إلغاء القانون رقم (45) لسنة 1966 بإنشاء صندوق الاستثمار وتصنيفته، وجاء في تبرير هذا التطوير حسبما ورد في المذكرة الايضاحية للقانون «إن الوضع الحالى لصندوق الاستثمار (المنشأ بموجب القانون رقم 45 لسنة 1966) لا يمثل موازنة استثمارية أو بنكاً للاستثمار كما كان مستهدفاً في القانون، فهو في الواقع حساب مجمع لنتائج العمليات الجارية للموازنات العامة بالإضافة إلى عرض إجمالى لاعتمادات البابين الثالث والرابع في تلك الموازنات مع بعض العمليات الخاصة بالصندوق ذاته .. وهذا لا يتفق والأصول العلمية السليمة، هذا وحتى تكون الودائع الادخارية فيما عدا الودائع الادخارية لدى البنوك، والتأمينات مستقلة عن عمليات الدين العام وإعانات سد العجز لاستخدامها في تمويل الاستثمار وتوفيراً للثقة والاطمئنان الاقتصادى فقد اقترح مشروع قانون الموازنة إنشاء صندوق استثمار مستقل للودائع والتأمينات».
وهكذا أصبحت العلاقة التنظيمية المالية بين الموازنة وأموال التأمينات تتم من خلال صندوق استثمار الودائع والتأمينات عن طريق إيداع فائض أموال التأمينات في هذا الصندوق مقابل فوائد الذى يقوم بدوره بإقراض الحكومة لتمويل استثمارات الموازنة العامة للدولة من مال التأمينات الاجتماعية وأموال الادخار الأخرى وهى تحديداً حصيلة شهادات استثمار البنك الأهلى المصرى وحصيلة ودائع التوفير بالبريد.
- في عام 1980 أنشئ بنك الاستثمار القومى بموجب القانون رقم 119 لسنة 1980 والذى نص في مادته الأولى على أن يتبع وزير التخطيط وتكون لـه الشخصية الاعتبارية كما تحدد غرض البنك في المادة الثانية في تمويل كافة المشروعات المدرجة بالخطة العامة للتنمية عن طريق الإسهام في رؤوس أموال تلك المشروعات أو عن طريق مدها بالقروض وتأكد الأمر بضرورة استخدام هذه الأموال في أغراض الاستثمار دون الاستهلاك (العمليات الجارية) كما نصت المادة 24 من القانون على أن يحل بنك الاستثمار محل صندوق استثمار الودائع والتأمينات السابق إنشائه بموجب المادة 21 من قانون الموازنة وتصفية الصندوق من خلال لجنة تشكل بقرار من وزير التخطيط حسبما جاء في المادة 23.
وجاء ضمن مبررات إنشاء البنك ليحل محل صندوق استثمار الودائع والتأمينات كما جاء في البند (6) بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون ما نصه: «ولقد كان الهدف من إنشاء صندوق استثمار الودائع والتأمينات خلق وعاء يحتوى على المدخرات الحقيقية بهدف توجيهها للاستثمار، إلا أن الممارسة العملية لنشاط الصندوق كشفت عدداً من الثغرات أهمها تسرب الموارد الرأسمالية من مدخرات حقيقية لتمويل العجز الجارى في الموازنة العامة الأمر الذى يتعارض مع مبادئ المالية العامة ويضعف من قدرة الصندوق على نمو بل الإنفاق الاستثمارى. ولعل الأخطر من ذلك إدماج ميزانية الصندوق في موازنة الدولة ... بل وأصبح الصندوق بالفعل مجرد إدارة من إدارات وزارة المالية».
وإلى جانب ذلك فقد أريد من إنشاء بنك الاستثمار القومى عدم الاقتصار في تجميع موارده على ما كان متاحاً للصندوق من أموال التأمينات وشهادات الاستثمار وتوفير البريد وإنما حسبما نصت عليه الفقرة (ز) من المادة الثانية بالقانون «المشاركة في تعبئة المزيد من المدخرات المختلفة ورؤوس الأموال الأجنبية لتمويل المكون المحلى والأجنبى للمشروعات المدرجة في الخطة».
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن نطاق عمل البنك لا يقتصر على تمويل الاستثمارات الحكومية وإنما يمتد لتمويل كافة المشروعات الاستثمارية المدرجة بالخطة سواء قامت بها الحكومة أو القطاع العام أو القطاع الخاص.
وبالتالى فإن واقع العلاقات المالية الآن بين الموازنة والتأمينات يتمثل بصورة أساسية في الآتى:
- تمويل الموازنة باحتياطى أموال التأمينات من خلال وساطة بنك الاستثمار القومى.
- استثمار جزء من أموال التأمينات في إقراض الموازنة من خلال الصكوك والسندات الحكومية وسندات الخزانة.
إلى جانب معاملات أخرى مترتبة على ذلك ، ويظهر ذلك كله في الجدول التالى:

جدول ملخص للعلاقات المالية بين التأمينات والموازنة العامة للدولة (مليار جنيه)
نوع العلاقة المالية واتجاهاتها صندوق التأمين
على العاملين في
الحكومة والقطاع الحكومى
صندوق التأمين
للعاملين بقطاع
الأعمال العام والخاص
الجملة ملاحظــــــــــــــــــــــــــــات
من الموازنة العامة للتأمينات:
- حصة صاحب العمل في التأمين للعاملين في القطاع الحكومى تدفع للتأمينات من الموازنة 4.4 - 4.4 تدفع سنوياً تقارير
الصناديق 2000/2001
- الإعانات (لتمويل الزيادة المنصرفة لأصحاب المعاشات عن المستحق لهم قانوناً نتيجة قرارات حكومية بزيادة المعاشات 2.6 4.7 7.3 تدفع سنوياً تقارير
الصناديق 2000/2001
- الفوائد المستحقة للتأمينات عن استثمارات الصناديق في سندات حكومية وأذون خزانة 1.05 0.76 1.8 تحسب سنوياً تقارير
الصناديق 2000/2001
من التأمينات للموازنة
- أموال تأمينات مودعة في بنك الاستثمار القومى اقترضت الحكومة منها 83.8 70.9 154.7
146
في نهاية 2001/2002
النشرة الشهرية للبنك المركزى سبتمبر 2002
- استثمارات الصناديق لدى الحكومة في صكوك وسندات حكومية وأذون خزانة 1.8 2.2 3 تقارير الصناديق 2000/2001
- مستحقات متأخرة على الحكومة من حصة صاحب العمل والإعانات والفوائد 12.8 13.8 26.6 في نهاية عام 2000/2001
تقارير الصناديق

وهكذا يتضح ما يلى:
1- أن التدفقات المالية من الموازنة للتأمينات بمبلغ 13.4 مليار جنيه.
2- أن الموازنة تستفيد من أموال التأمينات بمبلغ 149 مليار جنيه في صورة قروض.
3- أنه توجد متأجرات على الموازنة لصالح التأمينات بمبلغ 26.6 مليار جنيه.

ويظهر أن هذا الوضع المالى الذى يميل لصالح أموال التأمينات على حساب الموازنة العامة هو الذى دفع الحكومة لطرح مقترحاتها حول تطوير العلاقة بينهما وهو ما سنتناوله في المبحث التالى.

















المبحث الثاني
التطوير المقترح لتنظيم العلاقة بين التأمينات الاجتماعية
والموازنة العامة للدولة

قبل حلول منتصف هذا العام بدأ الحديث عن شكل جديد للعلاقة بين التأمينات الاجتماعية والموازنة العامة للدولة بدأ بمقترح من لجنة الخطة الموازنة بمجلس الشعب بضم أموال التأمينات إلى الحكومة وما يترتب عليه من نقل تبعية صناديق التأمينات الاجتماعية لوزارة المالية ثم تلاه مقترح آخر بنقل تبعية بنك الاستثمار القومى - الوسيط بين الأوعية الادخارية ومنها أموال التأمينات والموازنة العامة - من وزارة التخطيط إلى وزارة المالية وأخيرًا بإدماج حسابات التأمينات ضمن الموازنة تحت مسمى «العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة» وهو ما تم ذلك فعلا كما يظهر في التقارير الشهرية، ورغم أن الحكومة لم تفصح عن مبرراتها لهذا التغيير والتبديل واكتفت بالنص في بعض التقارير بأن ذلك تم بناء على توصية من المنظمات الدولية دون ذكر هذه المنظمات، لكن الواضح أن هذه التغييرات تمت نتيجة لما تتعرض له المالية العامة من اختلالات عديدة أبرزها العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة وتزايد الدين العام الحكومى، لذا فإننا في هذا المبحث سوف نبدأ أولا ببيان هذه الاختلالات ثم نوضح جوهر التطورات المقترحة في جوانب العلاقة الثلاث بين التأمينات والموازنة وهى الجوانب التنظيمية والمحاسبية والمالية وتقديم كل منها في ضوء النصوص القانونية والأسس العلمية، وذلك على الوجه التالي:

أولا: الاختلالات في المالية العامة وتتمثل أساساً فيما يلى:
أ‌- العجز في الموازنة العامة:
وهو المتمثل في زيادة النفقات العامة عن الموارد العامة، فلقد شهدت الموازنة العامة في مصر عجزا مستمرا خلال السنوات السابقة وتزايد إلى حد كبير هذا العام، فبينما كان العجز الكلي عام 96/97 مبلغ 6.3 مليار جنيه تزايد ليصبح 7.1 مليار جنيه في موازنة عام 97/98، ثم مبلغ 8 مليار جنيه عام 98/99 ، ومبلغ 10 مليار عام 99/2000، ومبلغ 14.7 مليار جنيه عام 2000/2001، ومبلغ 20.7 مليار جنيه عام 2001/2002 ثم يصبح في موازنة هذا العام 2002/2003 مبلغ 30.1 مليار جنيه – والخطورة تظهر ليس فقط في تزايد العجز وإنما لأول مرة في مصر يحدث عجز في الموازنة الجارية بلغ في موازنة السنة السابقة 3 مليار جنيه وفي السنة الحالية 10 مليار جنيه.
ب‌-الدين العام:
إن الدين العام يتكون من ثلاث عناصر هى الدين العام الحكومى، والديون على الهيئات العامة الاقتصادية، ومديونية بنك الاستثمار القومى، وكل منهما داخلي وخارجي، وطبقا لهذا التصور الذي ورد في تقرير البنك المركزي الدوري والنشرة الشهرية له فإن الدين العام على إطلاقه في يونية 2002 بلغ 446.1 مليار جنيه موزعة كالتالي:

دين حكومى محلى 221.2 مليار جنيه
دين محلى على الهيئات الاقتصادية العامة 41.3 مليار جنيه
مديونية بنك الاستثمار القومى 65.7 مليار جنيه
دين عام خارجى بنسبة 91.3% من إجمالي الديون الخارجية على مصر البالغ 28.7 مليار دولار وبسعر صرف 4.5 جنيه للدولار 117.9 مليار جنيه
الإجمالي 446.1 مليار جنيه

وهو بذلك يفوق الناتج المحلى الإجمالي سواء بتكلفة عوامل الإنتاج حيث يبلغ 363.1 مليار جنيه أو بسعر السوق حيث يبلغ 387.5 مليار جنيه.
الأمر الذي يظهر أننا أمام مشكلة لتعدى حجم الدين العام نسبة الأمان المتعارف عليها عاليه، فعلى سبيل المثال فإن نسبة الأمان للدين الحكومى المحلى منسوبا إلى الناتج المحلى تعادل 60%، ونسبة الدين العام الحكومى المحلى البالغة الآن 221.2 مليار جنيه تعادل 70% من الناتج المحلى الإجمالي بتكلفة عوامل الإنتاج.
ولذا جاءت المقترحات والإجراءات لعلاج هذه الاختلالات، فهل هذه المقترحات لتطوير العلاقة بين التأمينات والموازنة ستعالج ذلك أم لا ؟
هذا ما سنتعرف عليه في الفقرات التالية:

ثانيا: المقترحات بخصوص تطوير العلاقات التنظيمية بين التأمينات والموازنة:
ولقد قامت هذه المقترحات على الآتي:
أ‌- نقل تبعية بنك الاستثمار القومى من وزارة التخطيط إلى وزارة المالية وذلك لأن بنك الاستثمار هو الذي تصب فيه المدخرات من أموال التأمينات وشهادات الاستثمار وتوفير البريد ليعيد إقراضها للحكومة لتمويل عجز الموازنة وللهيئات العامة الاقتصادية، وهنا يتطلب الأمر الإشارة إلى أن بنك الاستثمار القومى لم يتمكن وبعد مرور حوالى عشرين عاما على إنشائه من أداء دوره المحدد في قانون إنشائه والتي من أهمها العمل على جذب المزيد من المدخرات المحلية والأجنبية فمازالت موارد البنك هى التي كان يقوم بتجميعها صندوق استثمار الودائع والتأمينات الذي حل محله والتي تحول إليه إلزاميا بموجب القوانين، كما أنه في مجال التوظيفات اقتصر في الجزء الأكبر منه على تمويل العجز في الموازنة العامة، وبنظرة على موارد وتوظيفات البنك يتضح ذلك كما يظهر في الجدول التالي (في نهاية 2001/2002 النشرة الاقتصادية للبنك المركزى):
البيان المبلغ
بالمليار جنيه
الوزن
النسبى %
الموارد:
صندوق التأمين للعاملين في الحكومة 84 36.4
ودائع صندوق التأمين للعاملين في قطاع الأعمال (عام وخاص) 71 30.7
إجمالى أموال التأمينات 155 67.1
حصيلة شهادات استثمار البنك الأهلى 56 24.2
ودائع صندوق توفير البريد 17 7.4
حصيلة سندات التنمية الدولارية 1.3 0.6
موارد أخرى 1.7 0.7
إجمالى الموارد 231 100%
التوظيفات:
إقراض للحكومة 113.8 49.3
إقراض للهيئات العامة الاقتصادية 47 20.3
إقراض للقطاع العام والخاص 67.4 29.2
صافى أرصدة البنك في البنوك الأخرى 2.8 1.2
إجمالى التوظيفات 231 100%

وهنا نتساءل:
إذا كان إنشاء بنك الاستثمار القومى كما جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون إنشائه وسبق ذكره تفصيلاً في هذا البحث هو تفادى تحول مؤسسة تمويل الاستثمار إلى مجرد إدارة من إدارات وزارة المالية كما حدث لصندوق استثمار الودائع والتأمينات، فهل نقل تبعية البنك إلى وزارة المالية سوف يؤدى إلى أن يصبح البنك مجرد إدارة من إدارات وزارة المالية وبذلك يفقد دوره الذى لم يقم به؟ إن الأولى هو بحث كيفية تفعيل البنك في أداء دوره في جذب المدخرات وتمويل الاستثمارات القومية وليس مجرد نقل تبعيته التى لا تزيد عن كونها أسلوباً لإظهار موارد البنك ضمن قائمة العمليات المالية الموحدة المقترحة حتى يظهر العجز دفترياً أقل مما هو عليه كما سنوضحه فيما بعد.
ولا أدرى هل عرض الأمر على السلطة التشريعية لتعديل قانون إنشاء البنك الذى ينص صراحة في مادته الأولى على ما يلى: «ينشأ بنك يسمى بنك الاستثمار القومى تكون لـه الشخصية الاعتبارية ويتبع وزير التخطيط». وما ورد في المادة 12 بتشكيل مجلس إدارة البنك التى تنص على أن «وزير التخطيط هو رئيس مجلس إدارة البنك؟!!».
ويبدو أن بنك الاستثمار أصبح غير مرغوب في وجوده من الأصل، فبعد أن تخلت عنه وزارة التخطيط لوزارة المالية، نجد أن وزيرة التأمينات تصرح كما نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 30/9/2002م أنها ترى ضرورة إعادة النظر في قانون بنك الاستثمار القومى بما يسمح لصندوقى التأمينات الاجتماعية باستثمار أموالهما في مجالات متنوعة – بدل الإيداع في البنك – وكذلك في القانون الذى يمول الاحتياطيات لبنك الاستثمار، وفي نفس القوت نجد أن الدكتور محمود محيى الدين رئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى حينها وفي نفس العدد يقول: «إنه لابد من التحول من النظام الحالى إلى نظام الموازنة السنوية بما يوجد علاقة مباشرة بين الخزانة العامة وصناديق التأمين والمعاشات دون وساطة بنك الاستثمار القومى».
ومن جانب آخر إذا كان غرض بنك الاستثمار القومى كما ورد في قانون إنشائه تمويل كافة مشروعات الخطة وأن الذى يشرف على الخطة هو وزارة التخطيط وأن نصيب الحكومة في استثمارات الخطة ومشروعاتها تناقض بحيث أصبح القطاع الخاص اليوم يقوم بالجزء الأكبر منها، فلماذا تنقل تبعية بنك الاستثمار إلى وزارة المالية، وإذا كان البنك المركزى كما هو معروف يطلق عليه بنك الحكومة فلماذا يظل هو بعيداً عن تبعية وزارة المالية بينما بنك الاستثمار القومى الذى تمثل معاملات مع الحكومة تمويل الاستثمارات الحكومية فقط يصبح تابعاً لوزارة المالية؟ كل هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات لن توجد.
ب- الإجراء التنظيمى الثانى في التطوير المقترح هو نقل تبعية أجهزة التأمينات الاجتماعية (صناديق التأمينات) من وزارة التأمينات إلى وزارة المالية، وبالتالى تتحد الموازنة مع التأمينات وتحدث مقاصة بين دين التأمينات على الموازنة فيقل الدين العام المحلى الحكومى، وهذا الإجراء لم يتم بعد وإن كان محل مناقشات مستمرة تحاول فيها وزيرة التأمينات كما نشر على لسانها في الأهرام في 30/9/2002م بأنه لا يمكن فصل التأمينات عن الشئون الاجتماعية. وهذا حق لأن التأمينات الاجتماعية أحدى أدوات نظم الحماية الاجتماعية في المجتمع والتى يتكاتف معها أنظمة أخرى تضطلع وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية بأكثرها، ومن وجه آخر فإن مال التأمينات كما سبق ذكره هو أمانة في يد الحكومة تديره بالوكالة عن أصحاب المعاشات ولا يجوز قانوناً أو شرعاً أو عرفاً امتلاك الحكومة لـه وإدخاله في ذمتها حتى لو التزمت به بالدفع عند الاستحقاق.

ثالثاً: المقترحات بخصوص تطوير العلاقات المحاسبية:
كما سبق القول فإن الموازنة العامة للدولة لا تشمل أجهزة التأمين طبقاً لنص قانون الموازنة ولا تطبق عليها المحاسبة الحكومية طبقاً لنص قانون المحاسبة الحكومية، ومع ذلك رأينا ومنذ عام 2002م تظهر التقارير الحكومية المالية (مثل النشرة الشهرية للبنك المركزى والتقرير السنوى للبنك عن عام 2000/2001 والمجلة الاقتصادية للبنك المركزى والنشرة الاقتصادية الشهرية لوزارة التجارة الخارجية) بشكل جديد ومخالف لما كان ينشر عن الموازنة العامة للدولة أو الحساب الختامى للدولة، حيث نشرت قائمة بمسمى «العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة» قسمتها إلى ثلاث خانات: الأولى سمتها بيانات قطاع الموازنة وفي الخانة الثانية: ضمت إليها معاملات بنك الاستثمار القومى وهيئة السلع التموينية ، ثم جمعت كل ذلك في الخانة الثالثة مع إضافة التأمينات الاجتماعية إليها، وبذلك أصبحت النتيجة النهائية بيان موحد يظهر العمليات المالية لكل من الحكومة وهيئة السلع التموينية وبنك الاستثمار القومى وصناديق التأمينات الاجتماعية، والشكل التالى يظهر ذلك:


العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة
(قطاع الموازنة العامة، وبنك الاستثمار القومى وهيئة السلع التموينية، وصناديق التأمين الاجتماعى)



بالمليون جنيه
1999/2000 فعلى 2000/2001 فعلى 2001/2002 (فعلى مبدئى)(*)
الموازنة العامة الموازنة العامة. بنك الاستثمار القومى. هيئة السلع التموينية الموازنة العامة. بنك الاستثمار القومى. هيئة السلع التموينية. صناديق المعاشات الموازنة العامة الموازنة العامة. بنك الاستثمار القومى. هيئة السلع التموينية الموازنة العامة. بنك الاستثمار القومى. هيئة السلع التموينية. صناديق المعاشات الموازنة العامة الموازنة العامة. بنك الاستثمار القومى. هيئة السلع التموينية الموازنة العامة. بنك الاستثمار القومى. هيئة السلع التموينية. صناديق المعاشات
1- إجمالى الموارد والمنح 75399 85293 97672 76139 86615 101051 78968 90862 104042
(أ) إجمالى الموارد 73626 83520 95899 74568 85044 99480 75255 87149 100329
الإيرادات الجارية 72504 82398 94777 72776 83252 97688 74060 85954 99134
الإيراداتا لضريبية 49621 49621 49621 51358 51358 51358 51726 51726 51726
الضرائب على الدخل 20104 20104 20104 21235 21235 21235 21625 21625 21625
الضرائب على السلع والخدمات 20085 20085 20085 20793 20793 20793 20580 20580 20580
حصيلة الجمارك 9295 9295 9295 9184 9184 9184 9323 9323 9323
إيرادات أخرى 137 137 137 146 146 146 198 198 198
الإيرادات غير الضريبية 22883 32777 45156 21418 31894 46330 22334 34228 47408
الإيرادات الرأسمالية 1122 1122 1122 1792 1792 1792 1195 1195 1195
(ب) المنح 1773 1773 1773 1571 1571 1571 3713 3713 3713
إجمالى المصروفات وصافى الإقراض 88600 105545 101834 96121 111529 109069 101153 118544 113626
(أ) إجمالى المصروفات 86464 96609 92950 95942 107420 105086 100739 112012 106467
المصروفات الجارية 69758 79903 46244 80843 92321 89987 85472 96745 91200
الأجور والمرتبات 22180 22180 22421 25217 25217 25482 28238 28238 28500
الدفاع 8516 8516 8516 9731 9731 9731 10218 10218 10218
إجمالى الفوائد 18597 28805 16303 20907 32483 18833 22903 34761 20352
على الديون المحلية 16800 27008 14506 19074 30650 17000 20570 32428 18019
على الديون الخارجية 1797 1797 1797 1833 1833 1833 2333 2333 2333
مصروفات أخرى 20465 20402 29004 24988 24890 35941 24113 23528 32130
المصروفات الرأسمالية 16706 16706 16706 15099 15099 15099 15267 15267 15267
(ب) صافى الإقراض(**) 2136 8936 8884 179 4109 3983 414 6532 7159
العجز الكلى (أو الفائض الكلى) -13201 -20252 -4162 -19982 -24914 -8018 -22185 -27682 -9584

المصدر: وزارة المالية.


وبالنظر في هذا الشكل نجد ما يلي:
1ـ أن العجز الكلي في قطاع الموازنة 22.2 مليار جنيه تحول في الخانة الموحدة إلى 9.6 مليار جنيه.
2ـ أن التحويلات الرأسمالية التي تظهر اقتراض الحكومة وما سدد منها خلال العام ظهر مجملاً تحت بند الاقراض ناقصاً السداد.
3ـ أن قانون الموازنة نص على أن الموازنة العامة لا تشمل موازنات الهيئات العامة الاقتصادية، وصناديق التأمينات وهيئة السلع التموينية من الهيئات الاقتصادية العامة كما أن قانون بنك الاستثمار القومي ينص على أن للبنك موازنته الخاصة به ولا تدرج ضمن الموازنة العامة للدولة؟ فكيف تتم معاً وهذا ما أكدت عليه وأقرته اللجنة المشتركة بمجلس الشعب في تقريرها عن قانون بنك الاستثمار حيث جاء: «فصل موازنة القطاع العام وصناديق التأمين والتأمينات عن موازنة الدولة» ولا يحتج بأنه أخردت خانة في قائمة العمليات المالية الموحدة لقطاع الموازنة، لأن القائمة المذكورة وحدة واحدة والعبرة فيها بالخانة الأخيرة، ثم لماذا صناديق التأمينات وهيئة السلع التموينية من بين 63 هيئة اقتصادية عامة؟ لأن الأولي تمول عجز الموازنة ، والثانية يخصص لها الدعم للسلع التموينية؟ وبالتالي لن تظهر المعاملات المتبادلة بينهما وبين الموازنة كما جاء في الايضاحات حول القائمة ما نصه: « وتجدر الإشارة إلى أن البيانات الواردة لا تتضمن أي معاملات مالية فيما بين الحكومة وبين بنك الاستثمار وصناديق التأمينات».
4ـ جاء في الايضاحات حول القائمة المقترحة أن هذا العرض يعد أكثر شمولاً لمعاملات القطاع الحكومي ككل، ومن المعروف علماً وقانوناً أن القطاع الحكومي يختلف عن القطاع الاقتصادي عاماً أو خاصاً طبقاً للمتعارف عليه في المحاسبة القومية، وبالتالي ليس من المناسب إدماج عمليات تخص الهيئات الاقتصادية العامة وهي من القطاع الاقتصادي إلى الموازنة وتسمية الجميع القطاع الحكومي، ومن جانب آخر فإن القوانين كلها تنص على تحديد القطاع الحكومي بما لا يدخل فيه أي من الهيئات الاقتصادية بأى شكل، ثم ورد في عنوان القائمة « العمليات المالية الموحدة للحكومة العامة » فهل وصف الحكومة هنا بالعامة يعنى أنه توجد حكومة خاصة؟ إن تحديد المفاهيم بدقة أمر واجب.
نكتفي بهذا القدر من الملاحظات والتساؤلات التي تحتاج إلى إجابة معينة إذ أن الأمر في نظرنا لا يعدو أكثر من تلاعب في البيانات لإظهار العجز في الموازنة بأقل مما هو عليه وهي خطوة تمهيدية لنقل أموال التأمينات للخزانة العامة وإسقاط ديون التأمينات على الحكومة، كما ظهر صراحة وما سنوضحه في الفقرة التالية.

رابعاً: المقترحات بخصوص تطوير العلاقات المالية بين التأمينات والموازنة العامة:
لقد ظهرت هذه المقترحات من لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب بأن تؤول أموال التأمينات إلى الخزانة العامة ثم تبناه الحزب الوطني حسبما نشر على لسان الدكتور/ محمود محيي الدين عضو الأمانة العامة للحزب، ومؤدي هذا الاقتراح أن الحاصل الآن هو أن صناديق التأمينات تحصل اشتراكات التأمين من العاملين وتدفع المعاشات المستحقة لهم والفرق في صورة فائض يتراكم سنوياً تحت مسمي « المال الاحتياطي للتأمين » والذي يتم استثماره وتحقيق عائد يساهم في دفع المعاشات ، إذ تظهر البيانات أن الاشتراكات المحصلة تقصر عن مواجهة دفع المعاشات مما يتم استكماله من الإعانة الحكومية لمواجهة الزيادة في المعاشات التي تتقرر بقوانين أو قرارات حكومية، وكذا من عائد استثمار أموال احتياطيات التأمين والتي تزيد عن الاشتراكات ذاتها، فعلي سبيل المثال بينما بلغت الاشتراكات في صندوق التأمين على العاملين في الحكومة 7.3 مليار جنيه عن عام 2000/2001 بلغ عائد الاستثمارات 7.6 مليار جنيه، وفي صندوق التأمين على العاملين بالقطاع العام والخاص بلغت الاشتراكات عن نفس السنة 5.6 مليار جنيه وعائد الاستثمارات 6.7 مليار جنيه ليبلغ مجموع الصندوقين 12.9 مليار جنيه اشتراكات، 14.3 مليار جنيه عائد الاستثمار، والجزء الأكبر من هذا العائد ناتج عن إقراض الصناديق للحكومة واستثماراتها لدي الحكومة كما سبق توضيحه، ويقتضي المقترح المطروح هو أيلولة أموال التأمينات إلى الخزانة العامة على أن تقوم وزارة المالية سنوياً بدفع المعاشات المستحقة وإظهار ذلك في الموازنة العامة للدولة ضمن الاستخدامات أو النفقات العامة وهو ما يعرف بنظام الدفع عند الاستحقاق أو نظام الموازنة السنوية بدلاً من الأسلوب أو النظام التراكمي المتبع حالياً ومضمون نظام الموازنة السنوية أن تضمن الموازنة العامة حقوق أصحاب المعاشات الحالة والمستقبلية مقابل أن تؤول إليها احتياطيات صناديق التأمينات الاجتماعية، وبالتالي تلغي وساطة بنك الاستثمار القومي بينهما، وبالطبع ذلك يمهد لنقل تبعية صناديق التأمينات الاجتماعية إلى وزارة المالية بل وإلغاء دورهما كجهات استثمار إلى مجرد إدارات تحصيل من وزارة المالية مثل مصلحة الضرائب تتولى اشتراكات التأمين وتسليمها للخزانة العامة، وهذا المقترح وراءه رغبة الحكومة أولاً: في تخفيض عبء الدين العام عنهما، فالدين الحكومي المحلي يبلغ كما سبق القول 221.2 مليار جنيه منه حوالي 146 مليار جنيه من أموال التأمينات وباتحاد ذمة الخزانة والتأمينات سوف يلغي المستحق على الخزانة للتأمينات ليصبح الدين العام حوالي 107.4 مليار جنيه، ومن وجه آخر فإن الحكومة تدفع فوائد على هذا الدين للخزانة وسوف تتوقف هذه الفوائد عن تطبيق هذا الاقتراح، كما لن تدفع وزارة المالية الإعانات لمواجهة الزيادة في المعاشات التي تقررها الحكومة سنوياً، والمشكلات التي يمكن أن تنجم عن تطبيق هذا المقترح عديدة منها أن الاشتراكات التأمينية لا تكفي حالياً لدفع المعاشات لولا عائد الاستثمار ممثلاً بالدرجة الأولى الفوائد التي تحصلها على إقراض المال الاحتياطي لوزارة المالية، ومن جانب آخر فإن أموال التأمينات حقيقة ليست ملكاً عاماً أو ملكاً للحكومة بل هي مدخرات للمواطنين وحق لهم، وهذا المقترح سوف يجعل اشتراكات التأمينات بمثابة ضريبة إضافية على العاملين، وقد يحدث في مستقبل الأيام عدم قدرة الدولة على دفع المعاشات.
وهذا المقترح ما زال محل مناقشات واختلاف، فبينما تقدمت لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب بهذا المقترح وأيده الحزب الوطني فإن رئيس مجلس الوزراء شكل لجنة برئاسته وعضوية وزارتي التأمينات والمالية ومشاركة الخبراء والاستشاريين حسبما نشر في جريدة الأهرام في 14/8/2002 لدراسة تطبيق أحد اقتراحين :
الاقتراح الأول:
إدارة أموال التأمينات عن طريق النظام التراكمي المعمول به حالياً والذي يعتمد على توفير احتياطيات نقدية لخدمة وتطوير النظام التأميني وضمان استمرارية صرف المعاشات واستقرارها، والاقتراح الثاني يري تغيير النظام الحالي إلى نظام الموازنة السنوية والدفع عند الاستحقاق ولقد طالبت اللجنة العليا لتخطيط واللجنة الفنية للاستثمار في اجتماعهما كما نشر بجريدة الأهرام في أول أكتوبر 2002 بضرورة الفصل العام بين الذمة المالية لصندوقى التأمين وبنك الاستثمار والخزانة العامة وتحقيق الاستقلالية الكاملة لصناديق التأمين الاجتماعي عن موازنة الدولة طبقاً لنتائج الدراسات التي قدمتها المنظمات الدولية(*) باعتبار أن هذه الأموال خاصة ومملوكة لأصحاب الاشتراكات الفعلية، ولما كان الهدف من هذه المقترحات إصلاح الإختلالات الهيكلية في المالية العامة متمثلة في تزايد عجز الموازنة والدين العام وذلك حسبما ورد على لسان الدكتور/ محمود محيي الدين – فـي جريـدة الأهـرام فـي 30/9/2002 ، فإننا وجدنا إتجاهاً آخر نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 3/8/2002 بأن الحكومة بدأت في اتخاذ إجراءات جديدة لإعادة هيكلة وتخفيض الدين العام عن طريق تمليك نسبة من أسهم الشركات العامة للتأمينات الاجتماعية مقابل إسقاط ديونها المستحقة على الحكومة والتي تبلغ قيمتها 146 مليار جنيه، وفي ترتيب آخر نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 17/8/2002 أن الحكومة انتهت من إعداد برنامج شامل للإصلاح المالي عن طريق إعادة هيكلة الدين العام ويستهدف تحويل صافي حقوق الملكية الخزانة العامة في 30 هيئة اقتصادية عامة وثلاث شركات اقتصادية والبالغة 146 مليار جنيه إلى بنك الاستثمار القومي مقابل تخفيض مديونية الخزانة العامة للبنك مقابل هذا المبلغ، وهكذا يظهر أن المشكلة الأساسية هي كيفية تخليص الحكومة من ديونها المستحقة لأموال التأمينات وضمان أن تؤول اشتراكات التأمينات الاجتماعية المحصلة من العاملين للخزانة العامة لسد عجز الموازنة وبذلك تعددت المقترحات .
وهنا نتساءل : هل هذه المقترحات فعلاً سوف تؤدي إلى إصلاح الاختلالات المالية الحالية؟
أعتقد أن الأصل في الاقتراح الخاص بنقل ملكية أمول التأمينات للخزانة العامة فيه خطورة على مستقبل المعاشات ونظام التأمين الاجتماعي كما سبق ذكره، أما المقترح الخاص بالتحول من النظام التراكمي إلى نظام الموازنة السنوية سوف يحول أقساط التأمينات إلى ضرائب على العاملين، ويجعل دفع المعاشات مرهون بتوفير موارد للموازنة والتى يظهر واقع الحال أن هذه الموارد غير كافية للإنفاق العام حالياً بدليل العجز المستمر والمتزايد في الموازنة، وأن المقترح الخاص بتملك صناديق التأمين بعض شركات القطاع العام مقابل ديونها، فمن المعروف أن الكثير من هذه الشركات تحقق خسائر وتعاني من اختلال هياكلها التمويلية وبالتالي سوف تضيع أموال التأمينات في وسط هذه الخسائر.
وفي النهاية هذه هى العلاقة بين التأمينات الاجتماعية والموازنة العامة للدولة قدمنا في البحث ملخصاً لها في تطورها وواقعها، ثم حاولنا تقديم رؤية علمية محايدة حول المقترحات المطروحة لتطوير هذه العلاقة، ولا ندعى لرؤيتنا أنها الكلمة النهاية أو الحقه بل هى قابلة للنقاش في المؤتمر للوصول إلى ما فيه صالح الوطن والمواطنين.

والله الموفق


(*) من الجدير بالذكر أن صناديق التأمينات الاجتماعية باعتبارها من وحدات التأمين في المجتمع وبالتالى ينطبق عليها الاستثناء الوارد في نطاق تطبيق النظام المحاسبى الموحد وتصبح غير ملزمة بتطبيقه، ويلزم أن تسير على النظام المحاسبى لوحدات التأمين، ولكنها طبقت النظام المحاسبى الموحد مما أوجد قصوراً في العرض والإفصاح عن عملياتها وهو ما يظهر في قوائمها المالية، ومقدم للمؤتمر بحثاً للأستاذ الدكتور/ أحمد تمام سالم يناقش ذلك تفصيلاً.

(*) بداية من نهاية يوليو 2002م تم تعديل البيانات المبدئية بالأعداد السابقة

(**) تعرض النشرة الشهرية بيانات القطاع المالى باستخدام ثلاث أسس مكملة بعضاً لبعض. فيتضمن الأساس الأول بيانات الموازنة العامة للقطاع الحكومى وتشمل المعاملات المالية والاقتصادية للحكومة المركزية والمحليات والهيئات الخدمية (مثـل الصحة والتعليم .. الخ)، بينما تضاف معاملات بنك الاستثمار القومى في التعريف الثانى. وأخيراً تضاف معاملات صناديق التأمين والمعاشات في التعريف الثالث والذى يعد الأكثر شمولاً لمعاملات القطاع الحكومى ككل. وتجد الإشارة إلى أن البيانات الواردة في كل من التعريف الثانى والثالث لا تتضمن أى معاملات مالية فيما بين الحكومة وبنك الاستثمار أو صناديق التأمينات والمعاشات.

(*) من المفارقات أن المؤيدين للتطورات المقترحة يستندون إلى أن ذلك بناء على توصيات المنظمات الدولية والمعارضين لها يستندون إلى نفس المبرر. فما هو وجه الصواب في ذلك، كما أنه من العجب أننا دائماً نسير وراء توصيات المنظمات الدولية ولدينا من الخبراء والعلماء الكثيرين، وثبت واقعاً أنه ليس كل ما يأتى من هذها لمنظمات الدولية صحيحاً وفيه الخير.

المواضيع المتشابهه: