التذرع بالقوة القاهرة لا يعفي من المسؤولية عن اضرار الفيضانات، #ثورة_في_اعادة_فهم_القانون



التذرع بالقوة القاهرة لا يعفي من المسؤولية عن اضرار الفيضانات

بعد الخسائر الفادحة بالارواح والممتلكات جراء الفيضانات الاخيرة بدأ يكثر الحديث عن الجهة المسؤولة عن تعويض هذه الخسائر، وبالمقابل بدأنا نستشعر تنصل الجهات المعنية من المسؤولية سواء كانت هذه المسؤولية سياسية أو مسؤولية التعويض عن الخسائر، وابرز حجج المتنصلين هي نظرية القوة القاهرة‬، وهي قرينة اذا ما ثبتت "قد" تكون معفية من المسؤولية فمن ابسط تطبيقات هذه النظريه الفيضانات والبراكين والزلازل..

ومع ذلك، دعونا نفكر خارج الصندوق ولنطرح السؤال الكبير:

هل السيول الاخيرة تعتبر من قبيل القوة القاهرة المعفية من المسؤولية ام لا، وان كانت كذلك فهل هنالك مداخل اخرى لطلب التعويض ؟

‫#‏أولا‬: هل السيول الاخيرة تعتبر من قبيل القوة القاهرة ؟

حتى نعرف الاجابة فلا بد ان نعي ان القوة القاهرة أو الافة السماوية او الحادث الفجائي لهم ذات الاثر القانوني من حيث الاعفاء من الضمان وذلك سندا لنص المادة 261 من القانون المدني، حيث نصت المادة على انه:

"اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشا عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون او الاتفاق بغير ذلك"

وعليه اذا ما اثبتت الجهات المسؤولة (كالحكومة، وامانة عمان، والبلديات) ان السيول الاخير تعتبر من قبيل القوة القاهرة فمن الممكن الحديث عندها عن الاعفاء من المسؤولية، مع اننا سنكتشف في هذا المقال ان تلك الجهات ضامنة للضرر حتى وان ثبت ظرف القوة القاهرة ، والجدير بالذكر ان هذه الجهات هي المسؤولة قانونا عن الدفع امام القضاء بظرف القوة القاهرة وهي الملزمة باثبات دفعها، فان عجزت عن ذلك كانت ضامنة لضرر بكل الاحوال.

وعودا على ذي بدء، هل حقا تنطبق شروط القوة القاهرة على الامطار الجارفة التي هطلت على الاردن في 5/11/2015 ؟

وللاجابة على هذا السؤال لا بد من تبيان شروط القوة القاهرة، وبايجاز يكفينا في هذا المقام ما ذهبت اليه محكمة التمييز في قرارها رقم 1990/245 تاريخ 26/8/1990 والذي جاء فيه:

"القوة القاهرة هي الحادث الذي لا يمكن توقعه ويستحيل دفعه ، وان عدم امكان توقع الحادث واستحالة دفعه هما الشرطان الواجب توافرهما في القوة القاهرة"

وعند تطبيق هذين الشرطين على واقع الحال نجد أن حالة القوة القاهرة غير متوفرة لا من قريب ولا من بعيد ، حيث ان تلك الامطار كانت متوقعة وعليه فهي ليست حدثا فجائيا كما انه كان بالامكان تفادي أو التقليل من اثارها ، وفيما يلي تفصيل ذلك:

#1 - الامطار كانت متوقعة:
ونقصد بـ "متوقعة" أي انه يمكن التنبؤ بها كما انها تعتبر ضمن الحدود الطبيعة، وهذا واقعٌ يمكن اثباته وفقا لما يلي:

أ- التنبؤ بالامطار:
ان الامطار التي هطلت وادت الى سيول جارفة تم التحذير منها قبل 48 ساعة على الاقل، وقد اطلع المهتمين على نشرات متخصصة تحذر من تشكل السيول والفيضانات وقد طالعنا موقع طقس العرب المتخصص بالتنبؤات الجوية بالحالة المتوقعة وذلك منذ تاريخ 3/11/2015 اي قبل الكارثة بيومين، وقد جاء التحذير واضح من حيث ‫‏توقع‬ حدوث زخات رعدية غزيرة كما تم التحذير من تشكل السيول، اضافة لذلك فقد تم التحذير من تعرض الاردن لفيضانات من خلال تقرير بثته قناة الجزيرة بتاريخ 31/10/2015 اي قبل الحدث بخمس ايام ! اضافة لكل ذلك فقد حذر تقرير هذا العام الصادر عن برنامج التنمية التابع للامم المتحدة من اثر التغير المناخ العالمي على الدول العربية وذكر التقرير ان الدول العربية بما فيها الاردن من اكثر دول العالم تاثر بالتغير المناخي، وبناءً على ذلك لا يمكن التذرع بان الامطار الاخير كانت قوة قاهرة لا يمكن التنبؤ بها، أو حدثا فجائيا لا يمكن تداركه، فقد كان امام الجهات المسؤولة اكثر من 48 ساعة لتدارك الموقف ناهيك عن التقارير الاممية التي لم تؤخذ على محمل الجد والصادرة منذ بداية العام !

وقد سبق للقصاء الاداري ‫‏المغربي‬ في أكثر من حالة أن اقر مسؤولية الدولة عن الاضرار التي تسببها الفيضانات، وعللت المحكمة قرارها بأن الأمطار الغزيرة والاستثنائية المسببة للفيضان لا تشكل قوة قاهرة، وإنما قرينة على ترتب المسؤولية، لأن وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سبباً أجنبياً للإعفاء من المسؤولية .

اما في الاردن فقد اعتبرت المحاكم الاردنية ان امانة عمان هي المسؤولة عن التعويض في مثل هذه الحالات وذلك اذا ما نشأت هذه الظروف ضمن حدود الامانة ونذكر على سبيل الاستدلال قرار محكمة التمييز رقم 1187 لسنة 2012 والذي جاء فيه:

"تعتبر أمانة عمان الكبرى مسؤولة عن تعويض من يلحقه الضرر نتيجة عدم صيانة المناهل الخاصة بتصريف مياه الأمطار سنداً لأحكام المسؤولية التقصيرية وللمواد (40) من قانون البلديات والمواد (2) و (3) من نظام الشوارع والطرق"


ب- الامطار ضمن الحدود الطبيعية:

ويكفينا في هذا البند تصريح مدير عام دائرة الأرصاد الجوية السيد محمد سماوي، التي ادلى بها يوم السبت الموافق 7/11/2015 حيث قال: "إن الامطار الغزيرة التي شهدتها مناطق متفرقة من المملكة أمس الأول، لا تعتبر غريبة عن مناخ الاردن"

وهذا تصريح من اصحاب الاختصاص يدحض مزاعم الاحتجاج بالقوة القاهرة، اضافة الى انه ووفقا لدراسات التغير المناخي فإن تعرض الاردن لمثل الاحوال الجوية التي سادت مؤخرا قد يتكرر وهذا امر لمسه الاردنيون على مدى السنوات القليلة السابقة وقد يلاحظونه بشكل متكرر خلال السنوات القادمة او ربما خلال الموسم الحالي، وهذا يعني ان هذا الوضع الذي تتعامل معه الاجهزة المعنية على انه استثناء قد يغدو وضعا دائما ومتكررا لا بل وطبيعيا للبلاد، فهل ستكرر الحجج ذاتها وهل سنتذرع مرة اخرى بذريعة القوة القاهرة ، خصوصا اذا ما اصبح هذا الوضع دائما ومتكررا !

ثانياً : الجهات المعنية مسؤولة عن التعويض حتى وان ثبت ظرف القوة القاهرة:



سبق ان اشرنا الى انه لو افترضنا جدلا بثبوت القوة القاهرة فان ذلك لا يعفي الجهات المسؤولة من التعويض وذلك لسببين بسيطين:

1- لا مجال لاعمال ظرف القوة القاهرة في مورد النص
2- القوة القاهرة لا تعفي من واجب التحذير واتخاذ الاجراءات الوقائية

وفيما يلي بيان هذين السببين:

1- لا مجال لاعمال ظرف القوة القاهرة في مورد النص

سبق ان ذكرنا ان القانون المدني الاردني اعفى من المسؤولية في حالات القوة القاهرة واستثنى القانون الحالات التي يرد بشانها نص قانوني، وبالاطلاع على قانون البلديات نجد أنه قد نص على وجوب اتخاذ الاحتياطات لمنع أضرار الفيضانات وذلك سندا لنص المادة 5/أ/17 من قانون البلديات رقم 41 لعام 2015 والتي جاء فيها:

"أ- مع مراعاة أحكام التشريعات النافذة، تناط بالمجلس ضمن حدود منطقة البلدية الوظائف والسلطات والصلاحيات التالية:-
..
17- اتخاذ ‏الاحتياطات‬ لمنع أضرار ‫‏الفيضانات‬ والسيول والثلوج والمساهمة في إغاثة منكوبي الحرائق والفياضانات والزلازل والكوارث الأخرى وجمع التبرعات لهم وتوزيعها عليهم، والمساهمة في انشاء الملاجئ العامة وتحديد أماكنها واتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على أرواح المواطنين بالتنسيق مع الجهات المختصة.

وعليه، نجد ان قانون البلديات قد اوجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع اضرار الفيضانات، وهذا نص واضح وصريح يرتب المسؤولية في حال تقصير الجهات المعنية عن إعمال ما جاء فيه، وهنا لا يمكن الحديث عن القوة القاهرة كظرف معفٍ من المسؤولية بل بموجب النص اعلاه اصبحت القوة القاهرة سببا لترتب المسؤولية في حال لم تتخذ الاجراءات اللازمة لمنع حدوثها.

وأمميا جاء في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة ( رقم 150-57 الفقرة 5 ) المتعلق بتحديد المسؤوليات الاساسية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية ( أن الدول قبل كل شيء تقع عليها مسؤولية الاعتناء ï؛‘ﻀï؛¤ï؛ژﻳï؛ژ اï»ںﻜﻮارث اï»ںﻄï؛’ﻴﻌﻴï؛” وغيرها ﻣﻦ اï»ںﻄﻮارئ اï»ںï؛کﻲ ï؛—ï»کï»ٹ ﻓﻲ إï»—ï»*ﻴﻤﻬï؛ژ ) . وهذا القرار يعتبر سارياً في الاردن ويقوم مقام القانون بل ويسمو عليه سندا لمبدأ سمو المعاهدات على القوانين الداخلية.

2- مسؤولية الاجهزة المعنية بالتحذير واتخاذ الاجراءات الوقائية:

بناءً على ما تقدم، وحيث انه قد افضينا الى اعتبار ان هذه الامطار كانت متوقعة وكان بالامكان التنبؤ بها فقد كان لزاما على الاجهزة المعنية اتخاذ الاجراءات اللازمة لاحتواء الموقف، ومن غير المقبول التذرع بضعف التجهيزات او قدم البنية التحتية، فكما تطالب تلك الاجهزة المواطن بان يؤدي الضرائب والرسوم بغض النظر عن ظروفه فعليها ان تتوقع ان تقدم خدمة موازية ولائقة وتنهض بحجم المسؤولية بغض النظر عن تلك الحجج الواهية.

وبالتناوب‬ وعلى الفرض الساقط من اعتبار الامطار الاخيرة من قبيل القوة القاهرة ، فإن هذا لا يعفي الاجهزة المعنية من واجب التحذير والتنظيم واتخاذ الاجراءات الوقائية التي كان بالامكان ان تسهم من الحد من اثار هذه الظروف حتى وان كانت قاهرة، واضعف الايمان كان على الاجهزة المعنية تحذير المواطنين من مغبة هذه الظروف لأنها ظروف متوقعة كما كان عليها اصدار لائحة بالارشادات عبر وسائل الاعلام وتشغيل اجهزة الانذار التي تم تركيبها مؤخرا لاصدار التعليمات والارشادات للمواطنين ناهيك عن وجوب اتخاذ تدابير عاجلة بالمناطق المنخفضة والمنحدرة، وهذا ما غاب نهائيا حتى وقت وقوع الحدث.. وعليه فاذا اعتبرنا ان ما حدث كان من قبيل القوة القاهرة فان ذلك لا يعفي الاجهزة المعنية من المسؤولية عن التعويض لامتناعها عن اداء واجبها من التحذير والارشاد واتخاذ الاجراءات الوقائية ومن ذلك الاخلاء ..

الجدير بالذكر ان مسؤولية التحذير تم اعمالها في العديد من القضايا عالميا ومن ذلك القضية الشهيرة التي رفعتها المواطنة الامريكية ستيلا ليبيك ضد مطاعم ماكدونالد لعدم التنويه لان المشروب الذي طلبته ساخن، هذا القضية التي كسبتها ستيلا دفعت جميع المطاعم والمقاهي لطباعة علامة تحذير من سخونة المشروبات على منتوجاتها.

وبناءً على ما تقدم اضحى من الثابت وجود تقصير من جانب الجهات المسؤولة من ثلاث نواحي:
أولاً: انتفاء ظرف القوة القاهرة لآن الحدث كان متوقعا .
ثانياً: ثبوت إهمال الاجهزة المعنية وتقصيرها وعدم أخد الحيطة.
ثالثا: لا مجال لاعمال نظرية القوة القاهرة حتى وان ثبتت لوجود نص يوجب التعامل مع هذه الظروف.

‫



المواضيع المتشابهه: