إن اللجوء إلى القضاء هو الخيار للكثيرين في حال فشل الأطراف في حل أي إشكالية تنشأ بينهم وديا ومن ضمن الإشكاليات التي تحال إلى القضاء القضايا المتعلقة بالعقارات المؤجرة ولكن كلنا يسمع أن هناك دعوى فسخ عقد إيجار ودعوى إخلاء مأجور أو دعوى منع معارضة ولابد أن الكثير يود أن يعرف ما هو الفرق بين دعوى الإخلاء ودعوى الفسخ ومتى نكون أمام دعوى إخلاء للعقار ومتى نكون أمام دعوى فسخ للعقد وما هي الأحكام المستحدثة حسب القانون الجديد وما الآثار المترتبة على دعوى الإخلاء والآثار المترتبة على دعوى الفسخ وغيرها من الأسئلة التي قد تخطر لدى الكثير لذلك حاولنا من خلال مقالتنا هذه تبسيط الفكرة للقراء كي يتمكنوا من التمييز بين الدعويين .


يتساءل كثير من الناس ما هو الفرق بين دعوى فسخ عقد الايجار وبين دعوى إخلاء المأجور أو منع المعارضة ، وما حكم كل منها ؟

ابتداء يجب الإشارة إلى أن توجه المحاكم قبل تعديل القانون عام 2000 أو للعقود التي أبرمت قبل عام 2000 أن الدعوى في السنة العقدية الأولى هي دعوى فسخ وبعد السنة الأولى هي إخلاء مأجور ومرد ذلك إن حكم العقد بعد السنة الأولى يستمد استمراره أو تجديده من حكم القانون ( أي الاستمرار القانوني ) وبالتالي نشأ التفريق بين الدعويين ، وقد ورد في قانون المالكين والمستأجرين ( وهو قانون خاص ) أحكام متعلقة بحالات الإخلاء ولم يرد نص أو من ضمن هذه الحالات حالات يترتب عليها فسخ العقد لذلك كان الفسخ يحكمه القانون المدني .

والحديث عن دعاوى الاخلاء والفسخ يتوجب التفريق فيما بين عقود الايجار المبرمة قبل 31 ـ 8 ـ 2000 والعقود المبرمة بعد هذا التاريخ .

اولا : عقود الايجار المبرمة قبل 31 ـ 8 ـ 2000:

ان الدعوى التي تقام بموجب هذه العقود هي دعوى اخلاء بغض النظر عن سبب الاخلاء الذي أقيمت الدعوى بموجبه والموضحة في نص المادة ( 5 ) من قانون المالكين والمستأجرين وبالتالي فان دعوى الإخلاء تقام بموجب قانون المالكين والمستاجرين وهو قانون خاص وان حكمه فيما يختص بدعوى التخلية هو الواجب التطبيق . حيث ان المستاجر كان مستمر في اشغال الماجور بعد انتهاء مدة الايجار المحددة في العقد فان احكام العقد وطبقا لاحكام المادة الخامسة من قانون المالكين والمستاجرين تكون سارية بين الطرفين بقوة الاستمرار القانوني لعقد الايجار ، ويكون العقد بمثل هذه الحالة مشمولا باحكام قانون المالكين والمستأجرين ، ودرج الاجتهاد القضائي على رد الدعوى ، اذا اقيمت على انها دعوى فسخ وليس دعوى اخلاء ، كونها لا تخضع لاحكام القانون المدني وانما تخضع لاحكام قانون المالكين والمستأجرين باعتباره قانون خاص في حال الاستمرار بعقد الايجار .

ثانيا : عقود الايجار المبرمة بعد 31 ـ 8 ـ

2000 ان الدعوى التي تقام بموجب هذه العقود هي دعوى فسخ وليست دعوى اخلاء على اعتبار ان التعديل الذي طرأ على قانون المالكين والمستأجرين في الفقرة (ب ) من المادة ( 5 ) من القانون الأصلي عام 2000 حيث أصبحت عقود الإيجار التي تم ابرامها بعد نفاذ القانون بتاريخ 31 ـ 8 ـ 2000 وما بعد تحكمها شروط العقد المتفق عليه سواء أكان العقار مخصص للسكن او لغيره وينقضي عقد الايجار بانتهاء المدة المتفق عليها والتي اصبح يحكمها القانون المدني وقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين ، ويتوجب ان تكون الدعوى دعوى فسخ وليس دعوى اخلاء على اعتبار ان الاخلاء يعتبر أثر من آثار فسخ العقد سندا لحكم نص المادة ( 246 ) من القانون المدني والتي نصت على :

(( في العقود الملزمة للجانبين اذا لم يوف احد العاقدين بما وجب عليه بالعقد جاز للعاقد الآخر بعد اعذاره المدين ان يطالب بتنفيذ العقد او فسخه )) وحيث ان حكم الفسخ هو اعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد استنادا لنص المادة ( 248 ) من القانون المدني والتي جاء فيها ( إذا انفسخ العقد أو فسخ أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا استحال ذلك يحكم بالتعويض ) .

ان ما يترتب على حكم الفسخ هو اعادة الحال الى ما كانت عليه قبل الفسخ ، واذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض سواء كان الفسخ بحكم القاضي او بحكم الاتفاق او بحكم القانون ، واذا حكم بالفسخ ينحل العقد لا من وقت النطق بالحكم فحسب بل من وقت نشوء العقد ، فالفسخ له اثر رجعي ويعتبر العقد المفسوخ كأن لم يكن ، ويسقط أثره حتى في الماضي مع ملاحظة أن الفسخ بحكم الاتفاق او بحكم القانون هو مقرر وليس منشيْ أي يقرر ان العقد مفسوخ ويقتصر الحكم على تقرير ان العقد مفسوخ ولا ينشىء ذلك الفسخ بينما الفسخ بحكم القاضي هو منشئ للفسخ لا مقرر له .

والإشكالية السابقة كانت عند تطبيق حكم هذه المواد ان المحكمة كانت لا تستطيع الحكم بالاجور اثناء الدعوى او لنهاية مدة العقد اذا قررت فسخه مع إن الفقه يعطي حكما للعقود الزمنية والتي لها اثار مستمرة ، وحسب ما جاء في كتاب الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه ( الوسيط في شرح القانون المدني ) صفحة 806 حيث يشرح احكام الفسخ في العقود الزمنية كعقود الايجار حيث يؤكد انه لا يكون لها اثر رجعي لان طبيعة العقود الزمنية تستعصي على اعادة الحال الى ما كان عليه قبل التعاقد فيما بين المتعاقدين ، ذلك لان العقد الزمني يقصد الزمن فيه لذاته ، فالزمن معقود عليه وما انقضى منه لا يمكن الرجوع فيه ويترتب على ذلك ان المدة التي انقضت من عقد الايجار قبل فسخه تبقى محتفظة بآثارها ويعتبر العقد مفسوخا من وقت الحكم النهائي بفسخه لا قبل ذلك وتكون الاجرة المستحقة عن المدة السابقة على الفسخ لها صفة الاجرة لا التعويض فيبقى لها ضمان امتياز المؤجر .

يمكن تلخيص الفرق بين الدعاوى التي تم الاشارة اليها سابقا فيما يتعلق بالمأجور بأن دعوى الاخلاء تكون استنادا للمادة ( 5 ) فقرة ( ج ) من قانون المالكين والمستاجرين في العقود المستندة الى حكم الاستمرار القانوني وان دعاوى الفسخ هي الدعاوى المستندة الى حكم الرابطة التعاقدية وفق احكام القانون المدني واثناء قيام هذه العلاقة وان دعوى منع المعارضة تكون بعد انتهاء الفترة التعاقدية للمطالبة بتقرير انتهاء تلك العلاقة التعاقدية والمطالبة باستلام الماجور .

وترسيخا لهذه المبادىء والاثار المترتبة على تلك الدعاوى فقد هذب ونظم المشرع احكام التعويض باستحداثه نص الفقرة ( ب) من المادة 13 ونظم احكام المطالبة بالتعويض حسب تلك الأحكام المستحدثة وقد ارتأينا معالجة هذا الأحكام نظراً لأهميتها من الناحية العملية و القانونية .

فقد نصت المادة 13 ـ ب من القانون رقم 17 لسنة 2009 على مايلي:

( (ب) - دون الاخلال باحكام المادة (21) من هذا القانون ، اذا امتنع المستأجر عن تخلية المأجور او تسليمه عند انتهاء مدة الاجارة ، يجوز للمالك مطالبة المستأجر بدفع تعويض يتم احتسابه اما على اساس اجر المثل او بدل الاجارة المحدد بالعقد وفقا لما يختاره المالك وذلك عن كامل المدة التي تستغرقها رؤية دعوى منع المعارضة في منفعة العقار المأجور او اي دعوى اخرى لاسترداد المأجور امام محكمة الدرجة الاولى . )

يمكن تلخيص هذه الفقرة بما يلي :

1 - أنه يمكن اللجوء اليها والمطالبة بالتعويض حتى لو تم الاخلاء عن طريق الآلية التي استحدثت حسب أحكام المادة 21 أي الإخلاء عن طريق تقديم طلب الى قاضي الأمور المستعجلة ولكن المطالبة بالتعويض يكون عن طريق إقامة دعوى موضوعية .

2 - إن سبب المطالبة بالتعويض هو امتناع المستأجر عن تخلية المأجور او تسليمه عند إنتهاء مدة الإجارة .

3 - أن مطالبة المالك بالتعويض تكون مع المطالبة بمنع المعارضة أو دعوى التسليم أو الإخلاء .

4 - أن التعويض متروك خيار تقديره للمالك حيث أن المالك هو الذي يحدد التعويض الذي يرغبه وهو أما على أساس أجر المثل أو على أساس بدل الإجارة المحدد في العقد .

5 - أن مقدار التعويض يحسب عن كامل المدة التي تستغرقها دعوى منع المعارضة أو الفسخ او الإخلاء او طلب استرداد المأجور أمام المحكمة .

هذه الأحكام واضحة ونثير أمور اخرى للنقاش مع التأكيد على أهمية الأحكام المستحدثة وعدالتها لاطراف العلاقة التعاقدية ونتمنى ان تتم بطريقة او باخرى معالجة الجوانب والامور المثارة هنا ان كان هناك مؤيد لوجهة النظر هذه :

أ ) ان المادة قد قررت قاعدة خلافاً للقاعدة الواردة في القانون المدني المتعلقة بالفسخ وهي ان يتم إعادة الحال الى ما كانت عليه والتعويض ان كان له مقتضى ( المادة 248 من القانون المدني ) وقررت ان التعويض جائز في كافة الاحوال بموجب المادة 13 فقرة ب من قانون المالكين والمستأجرين ( وليس اذا كان له مقتضى ) حسب القانون المدني .


ب) إن نص التعويض اذا طلب المالك حسب بدل الاجارة المحددة بالعقد تثير استفساراً قانونياً متعلق بالمقدار المتفق عليه هل يسري عليه حكم الشرط الجزائي الذي قد تعيد المحكمة النظر بمقداره اذا وجدت انه مبالغا فيه ؟ وهل يستطيع المالك العدول اثناء نظر الدعوى عن احد خياراته ويطالب بالثاني او يورده على سبيل التناوب ؟ وهل يستطيع المطالبة فيه بعد 1 ـ 12 ـ 2009 عن الدعاوى المقامة قبل نفاذه ولم ينته النظر فيها بعد.

ج) ان نص المادة حدد الفترة التي تتم المطالبة بها بالتعويض وهي طوال فترة مدة رؤية الدعوى ولكن جاءت المادة بقولها امام محكمة الدرجة الأولى فهل هذا الحكم محدد امام محكمة الدرجة الاولى ام لا والنص يمكن ان يفسر انه الاجور فقط اثناء فترة محكمة الدرجة الاولى وبالتالي ليس امام محكمة الاستئناف او التمييز ان كان القرار قابلاً للتمييز حسب قيمة الدعوى ، وقد يفهم من عبارة امام محكمة الدرجة الأولى ان المطالبة يجب ان تتم اثناء محكمة الدرجة الأولى وبالتالي لايستطيع تقديم الطلب اثناء نظر هذه الدعوى أمام المحكمة الأستئناف وهذا امر طبيعي وموافق للقواعد الاجرائية في القانون.

د) ان كلمة اثناء مدة رؤية الدعوى يعني طبعاً ان المدة المحسوبة لغايات تبليغ القرار أو الفترة حتى إخلاء العقار ليست من ضمن الفترات التي يجوز للمالك احتساب المطالبة بالتعويض فيها لأن النص لم يستخدم كلمة ولحين اكتساب الحكم الدرجة القطعية وموضوعها دعوى مستقلة اخرى .

في نهاية الحديث عن المادة ( 13 ) والاحكام المستحدثة بموجب القانون الجديد تم الغاء الفقرة ( ب ) من المادة ( 13 ) من القانون الاصلي والاستعاضة عنها بفقرتين ( ب) و( ج ) تحدثنا عن التعويض الذي تم النص عليه في الفقرة ( ب ) اما الفقرة ( ج ) والتي تناولت التعديل لما ورد النص عليه في الفقرة ( ب ) قبل التعديل حيث كانت تنص ( على الرغم مما ورد في قانون اخر تعتبر المحكمة التي تنظر دعوى الاخلاء صاحبة الاختصاص بالحكم بالاجرة المستحقة مع الحكم النهائي في دعوى الاخلاء مهما بلغت قيمة الاجور المستحقة ) ويتضح من النص ان المحكمة التي تنظر دعوى الاخلاء صاحبة اختصاص لتحكم فقط بالاجور المستحقة مهما بلغت قيمتها ، اما في التعديل الذي تم فأصبحت المحكمة صاحبة اختصاص للحكم بالاجرة المستحقة والتعويض الذي تحكم به المحكمة بناء على طلب المؤجر بالاضافة الى أي مطالبات اخرى متعلقة بالمأجور مهما بلغت قيمتها وذلك مع الحكم الصادر في الدعوى وهذا ما نصت عليه الفقرة ( ج ) بعد التعديل وهذا حكم مستحدث وجديد .


(جريدة الدستور/نافذة الدستور القانونية)


المواضيع المتشابهه: