المقاصة القانونية - المقاصة الجبرية *


نواجه في أعمالنا اليومية كمحامين، عدة تطبيقات للمقاصة بوصفها أداة لانقضاء الالتزام، وفي مقدمتها المقاصة القضائية التي عادة ما تثار في الدعاوى التي ننظرها كادعاء بالتقابل يخضع في ثبوته وثبوت الدفع به الى ما يقدم في الدعوى من بينات ودفوع تكون صلاحية وزنها لقاضي الموضوع.
ولعل صورة أخرى من صور المقاصة تحدث معنا دون اللجوء الى القضاء، وبصورة جبرية لا تتضمن تراضياً، تحت ما يسمى بالمقاصة القانونية (المقاصة الجبرية)؛ حيث أتاح المشرع للأفراد المتعاملين مع بعضهم البعض خصم ديونهم جبراً على دائنيهم ودون رضاهم حال تحقق شروط معينة بينتها المادة (345) من القانون المدني الأردني، والتي نصت: "يشترط في المقاصة الجبرية ان يكون كلا الطرفين دائنا ومدينا للآخر، وان يتماثل الدينان جنسا ووصفا واستحقاقا وقوة وضعفا، وان لا يضر إجراءها بحقوق الغير".

ويتضح من هذا النص ان شروط المقاصة القانونية (المقاصة الجبرية) هي:

  1. ان يكون الدينان بين نفس الشخصين.
  2. ان يتماثل الدينان في المحل.
  3. ان يكون الدينين غاليين من النزاع.
  4. ان يكون الدينين مستحقين الأداء.
  5. ان لا يضر إجراء المقاصة بحقوق الغير.


وإن بيان تلك الشروط وحَرفِية التزام أطراف المقاصة بها هي التي تشكل الفرق ما بين صحة المقاصة الجبرية (القانونية) من عدمها، وهي التي تشكل الفرق ما بين نجاعة إقامة دعوى لإبطال المقاصة والمطالبة بالتعويض من عدمه، وعليه فنبين فيما يلي وباختصار شروط المقاصة الجبرية:

الشرط الأول: ان يكون الدينين بين نفس الشخصين (تقابل الدينين):
ومعنى ذلك ان يكون هناك شخصان كل منهما دائنٌ ومدينٌ للآخر، في نفس الوقت وذات الصفة؛ أي يكون كل منهما دائناً ومدينا ً للآخر بصفته الشخصية.
وعلية فلا تقع المقاصة إذا كانت لا تمثل صفة شخصية؛ مثل الولي او الوصي أو الوكيل الذي يطالب بإيقاع المقاصة بين حق موكله ودينه.

الشرط الثاني: ان يكون الدينين من نوع واحد:
لا يجوز إجراء المقاصة إذا كان محل كل دين مختلف عن الآخر؛ حيث اشترط القانون تماثل الدينان في الجنس والوصف والاستحقاق والقوة والضعف.
وعلى ذلك فلا تجوز المقاصة بين دينين محل أحدهما قطن والآخر قمح ولا بين دينين محل أحدهما قمح هندي والآخر قمح استرالي، فالمثليات يجب ان تتحد ليس من نوعنا وإنما من درجة جودتها. كذلك لا تقع المقاصة بين دينين أحدهما يمثل التزاما مدنيا والآخر يمثل التزاما طبيعيا. مع ملاحظة ان الالتزامات بعمل او امتناع عن عمل لا تقع بينهما المقاصة حتى لو تماثلت. ([1])

الشرط الثالث: ان يكون الدينين خاليان من النزاع:
لا يجوز ان تتم المقاصة في حق متنازع فيه مع حق خالي من النزاع، والدين يكون خالياً من النزاع إذا كان مؤكداً في وجوده ومحدداً في مقداره وعلى ذلك لا تقع المقاصة إذا كان الدين معلقاً على شرط واقف لم يتحقق او كان الدين مستقبلا او احتماليا.
ويجب ان يكون الدين مؤكداً مقداره؛ أي معلوم المقدار وهو لا يكون كذلك إذا كان تعيينه يتوقف على تسوية حساب او على تقدير خبير او كان تقديره يتوقف على حكم قضائي لم يصدر بعد.

الشرط الرابع: ان يكون الدينان مستحقي الأداء:
يشترط لوقوع المقاصة ان يكون كل الدينين مستحقي الأداء وعلى ذلك تمنع المقاصة إذا كان أحد الدينين معلق على شرط واقف لم يتحقق بعد او مقترن باجل واقف لم يحل بعد.
ولا يحول دون وقوع المقاصة إذا كان أحد الدينين معلق على شرط فاسخ ولكن إذا تحقق الشرط اعتبرت المقاصة كان لم تكن وجاز لمن كان التزامه بسيطا ان يطالب به. ([2])

الشرط الخامس: ان لا يضر إجراء المقاصة بحقوق الغير:
ويكون ذلك في حالة الديون المحجوزة أو المرهونة؛ حيث يتعلق الدين حينها بحقوق للغير، مما يمنع المقاصة به منعاً للإضرار بالدائنين (الغير).

* الديون التي لا تقع فيها المقاصة:
ويجدر الإشارة أخيراً، الى أن استثناءً عاماً يرد على إمكانية اجراء المقاصة القانونية (الجبرية) حتى لو توافرت الشروط أعلاها جميعاً، وهذا ما أشارت إلية المادة (348) من القانون المدني الأردني في معرض الحديث عن بعض الديون، وهي:

  • أولا: إذا كان أحد الدينين شيئا مودعاً او معاراً وكان مطلوباً رده، والحكمة في ذلك آن مناط الوديعة او العارية هي الثقة التي للمودع او للمعير في شخص المودع لدية أو المستعير وهذه الثقة تستوجب رد الشيء المودع او المعار.
  • ثانيا: إذا كان أحد الدينين شيئا نزع دون حق من يد مالكة وكان مطلوب رده.
  • ثالثا: إذا كان أحد الدينين غير قابل للحجز، والعلة في هذا ان المقاصة لا تعتبر وفاء اختياريا بل وفاء قهريا ولذا تأخذ حكم الحجز، وعلى ذلك لا يجوز لمن كان مدينا بدين نفقة ان يتمسك في مواجهة دائنة بالمقاصة لان حق النفقة غير قابل للحجز.


متمنياً أن تكون العجالة المتقدمة قد سلطت بعض الضوء على هذا الموضوع الهام (المقاصة القانونية) وتطبيقاته العملية على أرض الواقع وما يمكننا الدفع حياله من أمور.



* ورقة نقاشية قدمت ضمن فعاليات حواريات شبكة قانوني الأردن سابقاً.
المحامي: عيسى العماوي، بتصرف عن بحث للمحامي: ربيع العمور




[1] - الدكتور عبد القادر الفار، أحكام الالتزام، مكتبة دار الثقافة، عمان 1999، صفحة (44).

[2] - الدكتور جلال علي العدوى، أحكام الالتزام، الدار الجامعية، الإسكندرية، بدون تاريخ، صفحة (102).

المواضيع المتشابهه: