الدفع بالوفاء كطريق بديل للدفع بالمقاصة
-النظرية والواقع التطبيقي في محاكم المملكة الأردنية الهاشمية-



تعترضنا في بعض الأحيان عدد من العقبات اثناء نظر الدعوى قد تشكل الفارق ما بين خسارتها أو كسبها بصورة أو بأخرى، ولعل تفويت تسجيل الادعاء المتقابل بسبب مضي المدة المحددة في قانون أصول المحاكمات المدنية أو بسبب ظهور بينات جديدة بعد مضي مدة الجواب (في الدعاوى الصلحية) أو عدم الرغبة بتسجيل الادعاء المتقابل منعاً لهدر أموال الموكل في أمر احتمالي وما الى ذلك من أسباب، يمثل في بعض الحالات فارقاً جوهرياً في الدعوى.

وما نحن بصدده اليوم هو محاولة اجتهادية للبحث في نوعين أساسيين من الدفوع في مثل الحالة المتقدمة؛ حيث أن الدفع الأكثر تداولاً فيما بين الزملاء هو الدفع بالمقاصة بأنواعها (للمزيد حول شروط اثارة هذا الدفع:
المقاصة القانونية - المقاصة الجبرية) وهو الأمر الذي يتطلب واياه بصورة عامة (وفي المقاصة القضائية فحسب برأي) تسجيل ادعاء متقابل مع مدة تقديم الجواب، وفقاً لأحكام المادة (116) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي تنص على ما يلي:
"للمدعى عليه ان يقابل أي ادعاء من ادعاءات المدعي مع لائحته الجوابية على لائحة الدعوى:
1- بطلب المقاصة القضائية وطلب الحكم له بتضمينات عن ضرر لحقه من الدعوى الأصلية أو من اجراء حصل فيها.
2- بأي طلب يترتب على اجابته الا يحكم للمدعي بطلباته كلها أو بعضها أو أن يحكم له بها مقيدة بقيد لمصلحة المدعي عليه.
3- بأي طلب يكون متصلا بالدعوى الأصلية بصلة لا تقبل التجزئة.
4- ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطا بالدعوى الأصلية".


ودون البحث في حيثيات الادعاء المتقابل أو شروط قبوله أو تقديمه، فإن دفعاً آخر أقل تداولاً يمكن المضي قدماً به في سبيل رفد أو حماية الدعوى، وهو ما يتمثل بالدفع بالوفاء؛ والذي يمكننا من رد دعوى المدعي –بصورة لا تتعارض مع ما هو وارد في المادة 116 من قانون أصول المحاكمات المدنية- ودون تكليف المدعى عليه (الموكل في هذه الحالة) بتحميل أي أعباء مالية ناتجة عن تسجيل الادعاء المتقابل وما ينشأ عنه.

ووفق الصورة المتقدمة، فإن الدفع بالوفاء ينقسم الى صورتين اثنتين هما: الدفع بالوفاء الكلي والدفع بالوفاء الجزئي، ويترتب على الدفع بهما عدة أمور هامة، أجملها بما يلي:

  1. ثبوت مصدر الالتزام المُطالب به في الدعوى؛ حيث أن خطورة اثارة الدفع بالوفاء، انما تتمثل بتسليم الجهة التي دفعت به (المدعى عليه عادة) بالالتزام المُطالب به، بالدفع بالوفاء إزاء سند الدين مثلا، يعني ثبوت هذا السند شكلاً وموضوعاً.
  2. نقل عبء الاثبات؛ حيث ان الدفع بالوفاء ينضوي على خطورة أخرى تتمثل في أن من يدفع به، انما هو في حقيقة الأمر يقوم بنقل عبء الاثبات برمته على كاهله.


وفي مقابل ما تقدم، فإن شروطاً عامة لازمة لصحة الدفع بكلا نوعي الوفاء (الكلي والجزئي) يتطلب وجودها، وأبينها بما يلي:

  1. التقيد بالشروط العامة في الاثبات، ومن ذلك على سبيل المثال: عدم مخالة قاعدة الـ(100) دينار في الاثبات وعدم اثبات عكس البينة الكتابية في الالتزامات التعاقدية إلا ببينة كتابية (رغم أن التطبيق العملي لدى المحاكم لا يواكب ذلك، ويجعل من اثبات أي بينة كتابية بغض النظر عن كونها بينة في التزام تعاقدي أم لا، غير جائزة الاثبات الا ببينة كتابية أخرى، خلافاً بذلك لصريح نص المادة (27) ومطلع المادة (28) من قانون البينات).
  2. عدم التناقض في الدفوع منعاً لتهاتر البينة؛ حيث لا يصح الدفع بالوفاء مع التناقض، ومن ذلك الدفع بعدم الاستحقاق والدفع بالوفاء في آن واحد.
  3. ألا يتعدى الدفع بالوفاء حدود الوفاء؛ حيث لا يجوز الدفع بالوفاء بمبلغ زائد عن قيمة الدعوى المطالب بها، وبحيث ينقل هذا الدفع من مجرد الوفاء الى طلب المبالغ المترصدة بعد الوفاء؛ وإلا انقلب الدفع حينها دفعاً بالمقاصة بما يوجب اعمال أحكام المادة (116) من قانون أصول المحاكمات المدنية عليها.



وأقتبس في هذا الشأن اجتهادين لمحكمة التمييز في مسألتين متداولتين في المحاكم، وكيفية تعليقها على هذه الحالات وخروجها بهذا الأمر:
مدى الزامية محكمة الموضوع بالنظر في دفع الوفاء؟ وما هي الآثار المترتبة على الدفع بالوفاء؟ - قرار محكمة التمييز الأردنية الموقرة (حقوق) رقم: (547/2014) بتاريخ: 7/4/2014
"وعن الاسباب ... بشأن بينات الدعوى واثبات الوفاء بمبلغ الشيك ...: فمن الواضح ان دفاع المميز في مواجهة المميز ضده على وجه الخصوص باعتباره اي المميز ضده هو المستفيد من الشيك قد تركز على انه اي المميز قد سدد مبلغ الشيك بالكامل وان بقاء الشيك لدى المميز ضده نتيجة ادعاء هذا الاخير انه قد فقد منه. بمعنى انه يقر بإصدار الشيك وبانشغال ذمته بمبلغ الشيك وانما يدعى الوفاء. وبطبيعة الحال عليه عبء اثباته وادعاء الوفاء هذا واثباته لا يعد مخالفا لما تضمنه الشيك ولا يجوز اثباته الا بالكتاب بل هو اقرار ضمني بما تضمنه الشيك وادعاء بواقعة اخرى هي واقعة الوفاء بمبلغ الشيك. وينبغي الوقوف عند ادعاء الوفاء هذا وبحث ما ورد بشأنه من بينات خطية وشخصية باعتباره ادعاء بوفاء التزام صرفي وبحث ما اذا كان هذا الوفاء بالتزام تجاري ام مدني وما اذا كان جائزا اثباته بالبينة الشخصية وقرائن الاحوال او بالبينات الخطية المقدمة في الدعوى وما يمكن الاستجابة لطلب الطرفين بتقديمه، وما اذا كانت البينات المقدمة في الدعوى كافية لإثبات هذا الدفع بالوفاء ام غير كافية لإثباته حتى يصار الى اعمال المادة 53/2 من قانون البينات التي استقر القضاء على ان المستفاد منها انها اوجبت في حال عجز احد طرفي الدعوى عن اثبات دعواه او دفعه ان تفهمه المحكمة ان من حقه تحليف خصمه اليمين الحاسمة (تمييز رقم 2566/2008 و 2133/2008 و 3554/2006 و 171/2006 و 864/2006). وحيث ان محكمة الاستئناف لم تفعل ذلك اذ رات بشأن مسالة اثبات الوفاء بقيمة السند (الشيك) انها غير جائزة لعدم جواز اثبات ما يخالف ما تضمنه دليل خطي الا بالكتابة (ص4 السطرين التاسع والثامن قبل الاخير) فحجبت نفسها عن بحث الدفع بالوفاء وما ورد وما قد يرد بشأنه من بينات ومدى كفايتها للإثبات من عدمه وعجز المميز عن اثبات هذا الدفع بالوفاء فيكون قرارها المطعون فيه واقعا في غير محله من هذه الناحية وحريا بالنقض".



هل يحتاج الدفع بالوفاء الى دعوى مستقلة؟ - قرار محكمة التمييز الأردنية الموقرة (حقوق) رقم: (1103/2013) بتاريخ: 30/6/2013
"فلما كان ذلك وكان البين من اوراق الدعوى ان المميز/المدعى عليه وفي جوابه على لائحة الدعوى قد سلم ضمنا بمديونيته للمدعي وقد دفع الدعوى بانه اوفى قيمتها للمدعي ولم ينكر توقيعه على الكمبيالات موضوع الدعوى المبرزة الامر الذي ينبني عليه ثبوت انشغال ذمته بالمبلغ المدعى به.
وحيث قائمة بيناته المبرزة لدى محكمة الاستئناف تضمنت بينته الشخصية لإثبات الوفاء بقيمة الكمبيالات وهي تزيد عن مئة دينار الامر الذي لا يجوز معه سماع البينة الشخصية لإثبات ذلك على ضوء اعتراض الجهة المستأنف عليها في مذكرتها المقدمة بذلك الخصوص ابتداء وذلك اعمالا لأحكام المادة 29 من قانون البينات. اضافة الى ان المستأنف لم يطلب سماع الشهود ولم يقدم اية مستندات او وصولات قبض من التي اشار اليها في قائمة بيناته.
وحيث ان المدعى عليه والحالة كذلك يكون عاجزا عن اثبات الدفع بالوفاء فيتعين إلزامه بالمبلغ المدعى به وهي ذات النتيجة التي وصلت اليها محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية في وزن البينات وتقدير الادلة وهو استخلاص سائغ ومقبول ومستمد مما هو ثابت بأوراق الدعوى ونؤيدها فيما ذهبت اليه بهذا الشأن فتكون اسباب التمييز غير واردة على القرار الطعين ونقرر ردها.


راجياً أن تكون العجالة المتقدمة حول الدفع بالوفاء كطريق بديل لادعاء المتقابل، ذات فائدة.
م. عيسى العماوي



المواضيع المتشابهه: