الطبيعة القانونية الدولية لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير

المقدمـة
إن حق تقرير المصير ليس من أهم الحقوق الجماعية فحسب ، وانما أيضا لا يمكن الحديث عن حقوق المواطن أو الإنسان دون التمتع بهذا الحق ، الذي يشمل الحق في إقامه دوله مستقلة ذات سيادة كامله وفعليه على إقليمها ومواردها والحق في استخدام كافه الوسائل المشروعة لتحقيق ذلك .
وحق تقرير المصير – كما سنرى في هذه الدراسة – اصبح أحد أهم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي المعاصر ، ولا ينطوي على الجانب السياسي فقط بل يشمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . ومن هنا تنبع أهمية هذا الحق الذي أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 ، والعهدين الدوليين لعام 1966 ، كما جاء التأكيد على هذا الحق في العديد من قرارات الجمعية العامه للأمم المتحدة في مناسبات عديدة ، إلا أن وجهات نظر فقهاء القانون الدولي ومواقف الدول من مبدأ حق تقرير المصير ، قد تباينت على نحو يتضح معه انه ليس من السهل وضع تعريف جامع مانع لهذا المبدأ ، حيث يعرفه بعض الفقهاء بأنه " حق كل شعب في تحديد مستقبله السياسي ونظام الحكم الذي يوافقه ، وحق الشعب في السيادة على ثرواته وموارده الطبيعية ، وحقه في اختيار ألانظمه الاقتصادية والاجتماعية الملائمة " ، وقد عرفه لينين بقوله " إن حق الأمم في تقرير مصيرها يعني بوجه الحصر حق الأمم في الاستقلال بالمعنى السياسي في حرية الانفصال السياسي عن الأمه المتسلطة المضطهدة " (1) ، وعرفه محمد شوقي عبد العال بأنه " الإلغاء الفوري والكامل لسيطرة أي شعب على أي شعب آخر ، بما يعني حرية هذه الشعوب في تحديد مركزها السياسي والاقتصادي والثقافي بمعزل عن أي نفوذ أو ضغط مباشر أو غير مباشر اياً كان نوعه وعلى أي صوره وبأي ذريعة تعلل " (2) ، وغيرها من التعريفات ووجهات النظر المختلفة ، التي استطيع من خلالها أن أقول أن حق تقرير المصير يعني ، حق شعب ما في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله أو السيادة التي يتمنى إليها.
ولقد تطور مبدأ حق تقرير المصير عبر الممارسة الطويلة للمجتمع الدولي ، بحيث اصبح أحد أهم الحقوق التي قررتها مبادئ القانون الدولي ، فهو حق دولي وجماعي في آن واحد ، بمعنى انه مقرر للشعوب دون أن يتناول الأفراد ، وهو حق دولي عام من حيث انه مقرر لمصلحه جميع الشعوب ، دون أن يقتصر على فئة دون الأخرى من شعوب العالم ، فهو يشمل كافه الشعوب المستقلة وغير المستقلة وفقاً للمعنى السياسي القانوني لتعبير " الشعب " كما تحدد في ميثاق الأمم المتحدة .
وإذا كان حق تقرير المصير يقوم على أساس حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها ، أي التحرر من الاستعمار والسيطرة وتأسيس دوله مستقلة ذات كيان سياسي مستقل بناءاً على أن الشعوب متساوية في هذا الحق ، فمن الطبيعي أن يكون للشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره ، وفي إنشاء دولته المستقلة التي عاش فيها منذ آلاف السنين ، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية .
 هدف الدراسة وإشكاليتها :-
تهدف هذه الدراسة إلى بيان القواعد القانونية الخاصة بمبدأ تقرير المصير والتي اقرها القانون الدولي من خلال إقرار هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة وعن طريق القرارات الدولية الصادرة عنها ، بالإضافة إلى إقراره في المواثيق والوثائق الدولية الأخرى ، واستكشاف مدى انطباق هذه القواعد القانونية على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، فالسؤال المركزي لهذه الدراسة والذي يمثل إشكاليتها هو : ما هي المرجعية القانونية والدولية التي يمكن الاستناد اليها لإثبات حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ؟
وسأتناول الموضوع من ثلاث جوانب رئيسيه : أولاً – ظهور مبدأ تقرير المصير وتطوره التاريخي ، ثانياً – حق تقرير المصير في ضوء قواعد القانون الدولي ، ثالثاً – قانونيه حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، وستحتوي الدراسة على خاتمه تضم خلاصه الدراسة .

أولاً : ظهور مبدأ تقرير المصير وتطوره التاريخي :-
ارتبط مبدأ تقرير المصير تاريخياً ببعض الثورات الكبرى، ففي حرب الاستقلال الأمريكية لعام 1776 ، عندما رفضت البرجوازية الصاعدة وأصحاب المزارع دفع الضرائب ورغبتها في الاستقلال والتخلص من السيطرة البرجوازية الإنجليزية واستثمار العالم الجديد بحرية تامة ، وقامت بالثورة التي انتهت بقيام الولايات المتحدة ، وقد جاء في إعلان الاستقلال لسنه 1776 ما يشير إلى وجوب تحقيق مبدأ تقرير المصير السياسي حيث جاء فيه " أن المستعمرات المتحدة هي حرة ومستقلة وأنها قد حلت نفسها من أي ولاء للعرش البريطاني ، وان كل علاقة سياسية بينها وبين بريطانيا العظمى قد انقطعت " (3)
كما وارتبط المبدأ في الثورة الفرنسية سنة 1789 ، حيث كان الهدف من الثورة القضاء على استبداد الملوك وطغيانهم ، منادية بحقوق الإنسان والدفاع عن حريات الشعوب ، وقد ظهر ما يشير جزئياً أو كلياً إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها في كتابات المؤلفين والناشرين من رجال الثورة ، حيث قال كارنو باسم اللجنة الدبلوماسية " لان السيادة خاصة بجميع الشعوب ، ولا يمكن أن يكون هناك اتحاد ، ألا بموجب عقد صريح يتم بملء الحرية وليس لشعب حق إخضاع شعب أخر إلى قوانين عامة مشتركة دون رضى واضح من هذا الشعب ، ذلك لان كل شئ مهما كان صغيراً ، سيد شؤونه في بلده ومساوِ في الحق لأكبر الشعوب ، وليس لأحد أن يعتدي على استقلاله " (4) . وكان هناك العديد من النصوص التي أشارت إلى حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها ، كما وظهر مفهوم جديد لمبدأ تقرير المصير خلال الثورة التي حاربت من اجل التوصل إلى حكم ديمقراطي ، والتي اصبح اهتمامها في الديمقراطية وهمش المبدأ واقتصر على حق الشعوب الخاضعة للسيطرة الأجنبية في تقرير مصيرها وليس على الشعوب المستقلة في تقرير شكل الحكم لديها . ومما تجدر الإشارة إليه أن مفهوم مبدأ تقرير المصير في الثورة الأمريكية لم يكن مرتبطاً بمبدأ القوميات ، بينما ظهر في الثورة الفرنسية تحت شكل مبدأ القوميات .
وكان موقف ثوره أكتوبر الاشتراكية من المبدأ إنها تمسكت به منذ أيامها الأولى ،وظهر ذلك في إعلان حقوق شعوب روسيا الصادر عام 1917، الذي أكد فيه أن مهمة مفهوم مبدأ حق تقرير المصير تنحصر في احترام الخصائص القومية لدى كل شعب والمساواه التامة في الحقوق بين الأمم وأيضا تحقيق البروليتارية الذي يرتكز على تضامن كافه العمال في العالم .وقد لخص توز محمدوف المفهوم النهائي للمبدأ في الثورة الاشتراكية في قوله " إن حق الأمم والشعوب في تقرير المصير بالنسبة للماركسية ،هو في الحاصل الأخير إحدى وسائل تامين تقرير المصير للطبقة الشغليه ،انه بعبارة أخرى اشترط بالمصالح الطبقية للناس الكادحين".(5)
ولكن لم يظهر حق الشعوب في تقرير المصير بصوره مؤثرة عالمياً ألا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ،حيث اصبح المبدأ خلال الحرب عامل ذو أهميه استراتيجية كبيرة ،وكان الألمان هم أول من أدرك ذلك ،وانه إذا تم تطبيق المبدأ سيكون هناك انفجار يمتد إلى أقاليم الإمبراطورية البريطانية بعكس اقاليم الامبراطوريه الالمانيه وإمبراطوريات حلفائها ،وفي المقابل كان الحلفاء مترددين في الدعوة إليه خشيه على القوميات التي تتآلف منها الامبراطورية الروسية ألا أن هذه العقبة اختفت . وخلال الحرب العالمية الأولى انضمت الولايات المتحدة إلى الحلفاء ، وكان موقف الرئيس الأمريكي حينذاك ويلسون الذي كان من اشد المؤيدين لهذا الحق ، حيث كان له العديد من الخطب في هذا الشان وكان أهمها ما صدر عنه في خطابه التاريخي سنه 1918 الذي ضم مبادئه الأربعة عشر التي أشار في مبدئها الأخير بوجوب إنشاء جمعية أمم لوضع القواعد الكفيلة بضمان الاستقلال السياسي وسلامة أراضى جميع البلاد على السواء ، ألا أن مبدأ تقرير المصير لم يستقر ألا كمبدأ سياسي .
يظهر مما سبق أن الحلفاء اصبحوا من اكثر المدافعين عن حق تقرير المصير ، ولكن بعد انتهاء الحرب وانتصارهم وحان موعد إيفاءهم بالتزاماتهم ووعودهم للشعوب ، التي كانت خاضعة لإمبراطوريات دول المحور تنكروا في مفاوضات الصلح لوعودهم ، وتم تطبيق حق تقرير المصير على الشعوب الأوروبية التـي كانت خاضعة للدول المهزومة كالنسما ، واستثنت منه شعوب الشرق وأفريقيا التي وضعت تحت نظام الانتداب ، وكان سبب ذلك ‘إعطائهم معنى آخر لحق تقرير المصير بحيث يضمن لهم الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في هذه المستعمرات .
وفي عهد العصبة والذي كان يفترض أن يكون بمثابة الإطار الذي ينبغي أن تمارس خلاله العلاقات الدولية بعد الحرب ، لم يجد حق تقرير المصير مكانا فيه بل على العكس فقد انشأ ذلك العهد نظام الانتداب الذي فرض على بعض الشعوب رغم إرادتها والذي أدى تطبيقه إلى أسوأ النتائج ، ووجد أن ميثاق العصبة خلا من كل التعهدات ، ولم تتضمن أي من مواده ما يشير إلى المبدأ ، سوى بعض التلميحات في المادة 10 والتي تتحدث عن احترام سلامة أقاليم أعضاء العصبة وليس عن الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية ، وأيضا المادة 23 التي اقتصرت على التعهد باستخلاص المساواة في المعاملة بين جميع السكان الذين يقطنون الأراضي المستعمرة والنظر في صالح تطوير هذه الشعوب .
خلال الحرب العالمية الثانية ورد إعلان مشترك في 14 أب 1942 من طرف كل من الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرتشل ، وقد حددت فيه بعض القواعد العامة الأساسية للسياسة الوطنية لبلديهما والتي يمكن على أساسها بناء عالم افضل ، وقد أعلن على هذه الوثيقة اسم ميثاق الأطلسي ، وقد أشار الميثاق في مبدأيه الثاني والثالث على مبدأ تقرير المصير ( حق كل الشعوب في اختيار شكل الحكومة التي يريدون العيش في ظلها ) . وكان هناك غموض في نصوص الميثاق بحيث لم يبين إذا كان هذا الحق سيطبق على أوروبا فقط أو العالم بأسره ، وظهر لاحقا بناءاً على ما صرح به تشرتشل نفسه أن الميثاق الأطلسي لا يقصد به إلا الشعوب الأوروبية التي وقعت تحت نير النازية . ما أريد التوصل إليه أن مفهوم مبدأ تقرير المصير في هذه الأحداث التاريخية والفترات الزمنية التي ذكرتها ، لم يستقر كمبدأ قانوني ملزم يتمتع بالحماية ، وإنما ظل محصوراً ومرتبطاً بالممارسة داخل الدولة الواحدة ، بمعنى أن الحماية لهذا المبدأ كانت القانون الداخلي ودستور الدولة . (6)

ثانياً : حق تقرير المصير في ضوء قواعد القانون الدولي :
1- حق الشعوب في تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة :
مع قيام الأمم المتحدة عام 1945 اصبح مبدأ تقرير المصير مبداً قانونياً ملزماً ، ومن القواعد القانونية الآمره ، فبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وما لاقاه العالم من أهوال ، والتفكير في إنشاء منظمة الأمم المتحدة بهدف تنظيم حياة المجتمع الدولي وضمان سلامته وأمنه فيما بعد الحرب ، قد أضفى على المبدأ قدراً كبيراً من الشرعية ، والاجتماعات التمهيدية لمؤتمر دامبرتون اكس لم تشر لحق تقرير المصير ، ولكن ميثاق الأمم المتحدة الذي انتهى إلى صياغته في مؤتمر سان فرانسيسكو 1945 تضمن نصاً صريحاً لحق الشعوب في تقرير المصير ، وكان ذلك بفضل التعديلات التي اقترحها الوفد السوفيتي على المؤتمر ، وبذلك فقد نص الميثاق على حق تقرير المصير بشكل صريح في الفقره الثانية من المادة الأولى ( الفصل الأول :- المقاصد والمبادئ ) والتي جاء فيها أن أحد مقاصد الأمم المتحدة هو " إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام مبدأ تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير ….. " . والمادة الخامسة والخمسين ( الفصل التاسع :- التعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي ) والتي جاء فيها " رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروري لقيام علاقات سلمية ودية بين الأمم على أساس احترام مبدأ تسأوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير ….. " ، من الواضح أن المادتان تجعلان حق الشعوب في تقرير المصير الأساس الذي يجب أن تنهض عليه العلاقات الودية بين الدول ، كما وتؤسسان الرابطة بين العلاقات الودية والتعاون الدولي من جهة واحترام هذا الحق من جهة أخرى .
لم يكتف الميثاق بذكر المبدأ في المادتين السابقتين ، بل دعمته المادتان ( 2 ، 56 ) اللتان أكدتا على الالتزام والتعاون بين الدول لتحقيق المادتين 1 و 55 من الميثاق . وبالتالي فان الميثاق اعتبر مبدأ تقرير المصير من مبادئه الأساسية ، وانه شكل حلاً وسطاً بين مواقف الدول الاشتراكية ودول العالم الثالث وبين المواقف الغربية ، إضافة إلى نبذ الاستعمار في الميثاق الذي لعبت المنظمة أدوارا لإزالته .
إن الصراع حول تفسير مبدأ تقرير المصير قد بلغ ذروته بين القوى الاستعمارية والقوى المناهضة للاستعمار لا سيما في شأن منح الشعوب غير المستقلة استقلالها ، فقد جهد ممثلو الدول الاستعمارية للتهوين من شأن هذا المبدأ ، وأضعاف أهميته إلى حد أن ذهب بعضهم إلى إنكار وجودة ضمن مبادئ القانون الدولي ، وهذا أدى إلى أن تطلب الجمعية العامة من لجنة حقوق الإنسان في القرار (421 ) الصادر في 1950 وضع توصيات حول الآليات التي يمكن العمل بها لتحقيق حق الشعوب في تقرير مصيرها ، كما ونصت في قرارها رقم (545 ) الصادر في 1952 على ضرورة تضمين الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والأخرى الخاصة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مادة تكفل للشعوب حقها في تقرير المصير ، إضافة إلى قرارها رقم (637 ) الصادر في عام 1952 والذي اعتبرت بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها كشرط ضروري للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها ، وعلى أن يعمل كل عضو في الأمم المتحدة على الحفاظ واحترام حق تقرير المصير للدول الأخرى . (7)
ولعل من ابرز هذه القرارات قرار الجمعية العامة رقم 1514 (د – 15 ) الصادر في ديسمبر 1960 والمعنون ( إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ) وهو الذي يعد أحد أهم إسهامات الأمم المتحدة الابلغ أثرا في تطوير المفهوم وفي إدانة الاستعمار بجميع أشكاله والتعجيل بتصفيته ، حيث جاء فيه أن الجمعية العامة …تعلن :- " لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي " (8) . وقد صوتت لهذا القرار 90 دولة وامتناع 9 دول عن التصويت وهذا يدل على انه يمثل رغبات ومعتقدات جميع أعضاء الأمم المتحدة وهذا يجعله حق قانوني ملزم ، وتتالت بعد ذلك القرارات التي استمرت التأكيد على هذا الحق وعلى ضرورة وجود تعاون وعلاقات ودية بين الدول وعلى حرية واستقلال الشعوب وشرعية نضالها بكل الوسائل المتاحة والمنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة وذلك في القرار (2625 ) الصادر في 24 تشرين ثاني 1970 المعنون (إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول )، والقرار ( 2787 ) في 6 كانون أول 1971 ، والقرار ( 2955 ) الصادر في 12 كانون أول 1972 ، والقرار ( 3070 ) الصادر في 3 تشرين ثاني 1973 .
2- حق الشعوب في تقرير المصير في المواثيق الدولية :-
تبلور المضمون التعاقدي القانوني لمبدأ تقرير المصير بصورة اكثر دقه مع اتخاذ هذا المبدأ في العهدين الدوليين حول حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 ، فقد جاء في المادة الأولى المشتركة لهذين العهدين ، في الفقرة الأولى والثالثة منها ( تملك جميع الشعوب حق تقرير مصيرها ، وتملك بمقتضى هذا الحق حرية تقرير مركزها السياسي وحرية تامين نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ) ، ( تقوم الدول الأطراف في العهدين ، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إداره الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية ، بتعزيز تحقيق حق تقرير المصير وباحترام هذا الحق وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ) .
وقد لاقى مبدأ تقرير المصير مكاناً في وثائق دوليه أخرى مثل :- إعلان مبادئ القانون الدولي لعام 1970 ، ووثيقة هلسنكي الخاتميه لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا لعام 1975، التي أخذت بعين الاعتبار خصائص تطور تقرير المصير للشعوب الأوروبية ، حيث يؤكد البند الثامن منها على مبدأ المساواة بين الشعوب وحقها في التصرف بمصيرها وليس مبدأ تقرير المصير للشعوب والأمم ، فالدول المشاركة في المؤتمر تعترف بحق الشعوب كافة في تقرير المصير ، انطلاقا من مبدأ المساواة وحق الشعوب في التصرف بمصيرها ، وبالتالي تملك كافة الشعوب دائما الحق في (ظروف الحرية التامة والكاملة) تقرير وضعها السياسي الخارجي والداخلي دون أي تدخل خارجي . (9)
3 _ الطبيعة القانونية لحق الشعوب في تقرير مصيرها:-
لقد كان حق تقرير المصير في عهد العصبة وما بين الحربين العالميتين مجرد مبدأ فقهي وسياسي ذا إلزام أدبي ومعنوي ، تم وضعه لإنهاء أوضاع استعمارية ولترتيب أوضاع إقليمية ناشئة عن ظروف دولية ، ولم يكن له أي محتوى قانوني سوى في المعاهدات الثنائية أو الجماعية التي نص عليه فيها ، حيث أكسب محتوى قانوني نتيجة الاتفاق ، كالمعاهدة التي وقعها الاتحاد السوفيتي عام 1921 مع كل من أفغانستان وإيران . ولكن بعد النص عليه صراحة كما أشرنا سابقا في ميثاق الأمم المتحدة وفي العديد من قرارات الأمم المتحدة والمواثيق والوثائق الدولية بدأت التساؤلات والمناقشات الفقهية الواسعة حول طبيعته القانونية ومدى إلزاميته وقد وقف الفقه الغربي موقفا مناقضاً لإضفاء صفة الحق والطبيعة القانونية الملزمة على تقرير المصير ، وأتجه الجانب الأخر من الفقه إلى اعتباره حقا قانونيا ملزما وفيما يلي سنستعرض الاتجاهان وحجج كل منهم، الاتجاه الرافض والذي يمثله الفقه الغربي الذي ينكر على مبدأ حق تقرير المصير الصفة القانونية وبالتالي الإلزامية له ويعتبره ليس إلا مبدأ سياسي أخلاقي نبيل فحسب ، ومن بين هؤلاء على سبيل المثال الكاتب "جيرين" الذي يرى أن هذا الحق لم تكن له أهمية على المسرح الدولي إلى بعد إعلان نقاط ولسون الأربعة عشر والتي لم يقصد بها الاستقلال وإنما تسوية ادعاءات الدول الاستعمارية بخصوص الأقاليم مع حقوق سكانها ، وان المبدأ مجرد إعلان يفتقر للقيمة القانونية ولا يجب أن يرقى ليصبح أحد مبادئ القانون الدولي . كما ويصف الأستاذ الفرنسي "سسبير" هذا المبدأ بأنه نظري وكاذب ، مؤكدا على انه ينطوي على بذور صراع ودمار للدولة وللأمة ، ويختصر نطاقه إلى حدود ضيقة للغاية ويتشدد في مراعاة مجموعة من الشروط التي يجب أن تتأكد منظمة الأمم المتحدة قبل كل شيء من تحقيقها .
ويقول بن عامر التونسي أن حجية الاتجاه الغربي اعتمدت على أن مواد الميثاق (1و55) كان يشوبها الغموض وعدم الدقة والتحديد بحيث لا يمكنها أن تضع نظام قانوني ولا إلتزامات قانونية ، وا يضا أن الجمعية العامة ليس من اختصاصها إصدار قرارات ملزمة وإنما إصدار توصيات غير ملزمة ، إضافة إلـى أن قرارات الجمعية لم تحظى بإجماع الدول الأعضاء عند التصويت ، ولكن التطورات التي أعقبت قيام الأمم المتحدة بدورها في تصفية الاستعمار ، وبروز دور دول المعسكر الاشتراكي والدول الآسيوية والأفريقية على صعيد المجتمع والتنظيم الدوليين ، أدى إلى تغير المواقف بحيث أضحى الفقه الدولي في معظمه أن لم يكن في مجموعة يقر بأن تقرير المصير هو حق قانوني ملزم وان سمة العمومية والجانب السياسي له لا تزيلان عنه محتواه القانوني ، بل أن بعض الفقه قد وصل إلى حد القول بأنه أهم مبدأ معترف به في القانون الدولي المعاصر .(10)
وكما سبق وأشرنا إلى أن ميثاق الامم المتحدة في المادة (1و55) قد نص على حق تقرير المصير ، وبما أن الميثاق معاهدة دولية شرعيه متعددة الأطراف ، يضفي على الأحكام الخاصة بحق تقرير المصير سمة القواعد التعاهدية أو والاتفاقية الدولية ومن ثم تكتسب هذه الأحكام إلزامية قانونية في مواجهة الدول .
تطرح الفقرة (ح) من المادة (33) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، والتي تنص على " أن وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي ، وهي تنطبق في هذا الشأن على مبادئ القانون العام التي أقرتها الأمم المتحدة "،مشكلة اعتبار مبدأ تقرير المصير في عداد المبادئ القانونية العامة أم لا ، وقد كان هناك أربع اتجاهات في الفقه الدولي حول هذا الموضوع:-
الاتجاه الأول :- الذي يعتبر أن المبادئ العامة المنصوص عليها في المادة 38 (ح) توجد في القانون الداخلي ، الأمر الذي لا يمكن معه القول بان مبدا تقرير المصير هو أحد المبادئ القانونيه العامة .
الاتجاه الثاني :- يعتقد أن المبادئ العامة للقانون المنصوص عليها في نفس المادة توجد في القانون الدولي العام ومن ثم يصبح في الإمكان القول أن المبدأ هو احد المبادئ القانونيه العامة .
الاتجاه الثالث :-يعتبر المبادئ المنصوص عليها في المادة 38 (ح) توجد في القانون الداخلي والدولي معاً ، وهذا يؤدي إلى اعتبار المبدأ احد المبادئ القانونيه العامة .
الاتجاه الرابع :- يعتبر المبادئ المنصوص عليها في المادة 38 (ح) لا توجد في القانون الداخلي ولا في القانون الدولي ، وبذلك فإن المبدأ لا يدخل في عداد المبادئ القانونية العامة .
يشير سعد الله الى أن المبادئ القانونية العامة الواردة في المادة 38 (ح) هي مبادئ عامة موجودة في القانون الدولي ، ويوعز ذلك إلى النص الذي يذكر صراحة أن وظيفة المحكمة الدولية ، هو الفصل في النزاعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي ، وان مبادئ الأنظمة القانونية الوطنية ليست ملزمة إلا داخل حدود نظامها ، أما مبادئ القانون الدولي فهي ملزمة لسائر الدول ، وأخيرا أن المبادئ العامة للقانون التي تقرها الأمم المتمدنة لا يمكن اعتبارها اليوم عالميه ، نظراً لانها وضعت في غياب الدول الغنية وكانت تكرس الهيمنة الاستعمارية ، وبالتالي فإن مبدأ حق تقرير المصير يعتبر في عداد المبادئ القانونية العامة ، خاصة وأن قرار الجمعية العامة رقم 2526 (د-25) اعترف صراحة بهذا المبدأ بأنه من مبادئ الميثاق وكمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي . (11)
ولا يقتصر الأمر على ذلك فهذا المبدأ يعد أيضا واحداً من القواعد الدولية ذات الطبيعة الآمره ، والقواعد الآمره كما عرفتها المادة 53 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات 1969 " هي كل قاعدة من قواعد القانون الدولي تقبلها الجماعة الدولية في مجموعها ، ويعترف بها باعتبارها قاعدة لا يجوز الإخلال بها أو الاتفاق على ما يخالفها ، ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقه من قواعد القانون الدولي العام لها ذات الصفة " (12). ومبدأ حق تقرير المصير يعتبر واحداً من تلك القواعد الآمرة من ميثاق الأمم المتحدة نفسه ، ويأخذ تلك الصفة كونه شرطاً ضرورياً أو مسبقاً لممارسة حقوق الإنسان وإعمالها الفعلي ، ولكونه يشكل احد المعطيات المباشرة للوجدان البشري وجزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي وقد تم التأكيد على ذلك في اكثـر من مؤتمـر واتفاقيـة

، نذكر منها اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 والتي أكدت على أن هذا المبدا من الأمثلة على القواعد الحتمية المطلقة في القانون الدولي العام ، وما أعلنه المعهد الأسباني البرتغالي الأمريكي للقانون الدولي في مؤتمر الحادي عشر الذي انعقد في مدريد عام 1977 الذي اعتبر المبدأ بانه يدخل ضمن القواعد الآمرة .
كما ويعتبر المبدأ احد قواعد القانون الدولي العرفية ، والعرف الدولي كما أشارت إليه الفقرة (ب) من المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، هو ( العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال ) . (13) وقد ساعد على ذلك تكريس قرارات الأمم المتحدة اللاحقة لهذا المبدأ والتي تبنتها كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن وأحكام محكمة العدل الدولية والتي أكدت في مجموعها على حق الشعوب في تقرير مصيرها .
من القرارات التي تبنتها الجمعية العامة والتي أكدت على المبدأ القرار 1514 (د_15) المؤرخ في 14 كانون أول 1960 / القرار 2131 (د_20) المؤرخ في 21 كانون أول 1965 / القرار 2160 (د-21 ) المؤرخ في 30 تشرين ثاني 1966 / القرار 2936 (د_27 ) المؤرخ في 29 تشرين ثاني 1972 / القرار 2627 (د_25) المؤرخ في 16 كانون أول 1972 / القرار 2037 (د_20 ) المؤرخ في 7 كانون أول 1965 / القرار 3141 المؤرخ في 14 كانون أول 1973 والقرار 32/55 المؤرخ في 19 كانون أول 1977 .
كما اعترف مجلس الأمن في القرارات 183 / 1963 و 218 / 1965 حيث أكدت تفسير الجمعية العامة للمبدأ في قرارها 1514 . كما وتم التأكيد على المبدأ في قرارات محكمة العدل الدولية بآرائها الاستشارية ، مثل فتواها المؤرخة في 21 حزيران 1971 فيما يتعلق بوجود جنوب إفريقيا في ناميبيا ، وأيضا الفتوى التي أصدرتها في عام 1975 حيث حللت المبدأ بالتفصيل وأشارت إليه بوصفه حقاً للشعوب . ومما سبق نستنتج أن مبدأ حق تقرير المصير لا يعد مجرد مقولة أخلاقية أو سياسية وإنما اصبح قانوناً دولياً ملزماً ، وذلك لاعتراف الأمم المتحدة بحجيته ولاعتباره ، احد مبادئ القانون الدولي العامة والقواعد الآمرة واخيراً لاعتباره احد القواعد العرفية بالتالي يجب العمل على تطبيقه ومساعدة الدول المحتلة والتي تطالب به للحصول عليه .
ويشهد على ذلك تطبيق العلاقات الدولية على إحقاق وإنجاز الحق في تقرير المصير والذي كان نتيجته نشوء اكثر من (150) دوله جديدة بعد الحرب العالمية الثانية ، وفي الظروف الراهنة لاقت فعلاً القاعدة التي تقضي بان مبدأ حق تقرير المصير كان قد تكون ويمارس حالياً بحجمه الكامل في ممارسه دول العالم ، اعترافاً عاماً شاملاً في نظريه القانون الدولي المعاصر ، واليوم حصلت عملياً كافه الشعوب الواقعة تحت السيطرة الأجنبية على حقها في تقرير المصير ونالت الاستقلال التام باستثناء الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يرزخ تحت الاحتلال الإسرائيلي ، على الرغم من أن حق تقرير المصير يشمل كافه الشعوب بما فيها الشعب الفلسطيني ، استناداً إلى أن مبدأ حق تقرير المصير هو مبدأ قانوني ملزم لجميع الاسره البشرية .

ثالثاً : قانونية حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير:-
مما أشرنا إليه سابقاً من مجموع قواعد القانون الدولي العام والاتفاقيات والمعاهدات والوثائق الدولية والعرف والقضاء الدوليين والفقه الدولي ومبادئ العدالة والأنصاف ، نجد أن حق تقرير المصير ينطبق على الحالة الفلسطينية ، لان الأصل الثابت في القانون الدولي أن لكل شعب الحق في تقرير مصيرة ، ولذلك ، فالقيود السياسية التي اثقلت هذا الحق لشعب من الشعوب – ومن ضمنها الشعب الفلسطيني – بفعل الاستعمار والاحتلال لا تلغي هذا الحق الأصيل للشعب مهما طال زمن احتجابه بفعل القوة .
1- تاريخ انتهاك حق الشعب الفلسطيني في حقه في تقرير المصير :-
أ – في أعمال العصبة :-
وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني في 6 تموز 1921 ، بناء على نظام الانتداب الذي أوجدته معاهدات الصلح لعام 1919 ونصت عليه المادة 22 من عهد عصبة الأمم ، وذلك حدث رغم ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 22 من عهد العصبة التي جاء في نصها " أن بعض الشعوب التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانيه قد وصلت إلى درجه من التقدم يمكن معها الاعتراف مؤقتاً بكيانها كأمم مستقلة خاضعة لقبول الإرشاد الإداري والمساعده من قبل الدولة المنتدبة ، إلى ذلك الوقت الذي تصبح فيه هذه الشعوب قادرة على النهوض وحدها ، ويجب أن يكون لرغبات هذه الشعوب المقام الأول في اختيار الدولة المنتدبة " وهو ما سمي بالانتداب من درجه (أ) ويشمل الولايات التي كانت خاضعة للامبراطوريه العثمانية ومن ضمنها فلسطين .(14) إلا أن صك الانتداب على فلسطين لم يراعي في مضمونه ما التزمت به في الفقرة الثالثة من المادة 22 ونفذ عكس ما نصت عليه المادة تماماً ، وتحول إلى مساعدة وتمكين الحركة الصهيونية من إنشاء وطن قومي لليهود ، حيث أعلن وزير الخارجية البريطاني ارثر جيمس بلفور في عام 1917 " أن حكومة جلالته ستبذل قصارى جهدها لتسهيل إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين " ، وسمحت بتهجير معتنقي الديانة اليهودية إلى فلسطين ، وارتكاب ابشع الجرائم لتفريغ الأرض من أصحابها كما ارتكبت جرائم لحث معتنقي الديانة اليهودية الهجرة إلى فلسطين ، منتهكة بذلك وثيقة بيترسبورغ لعام 1848 واتفاقية لاهاي عام 1907 ، كما وتجاهلت سلطة الانتداب أحكام المادتين 5 , 6 من صك الانتداب واللتان أكدتا على حماية حقوق الشعب العربي الفلسطيني في ملكية مصادر ثرواته وسلامة وحدة أراضي إقليمة الوطني ، كما أهدرت حقوقه في ثروته الوطنية عن طريق إساءة استعمال المادة 11 من صك الانتداب التي أكدت على حق الفلسطينيين في التصرف في مرافقهم وثرواتهم وسهلت سيطرة الحركة الصهيونية عليها .
ب – في أعمال الأمم المتحدة :-
جاء في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التالي " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي ، أو الاستغلال السياسي لأيه دولة أو على اي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة " ، كما وجاءت أعمال الجمعية لتكمل أعمال العصبة ، فجاء قرار التقسيم رقم 181 الصادر في تاريخ 29 تشرين ثاني 1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين مع منح الدولة اليهودية 56.47% من أجمالي مساحة فلسطين و 88. 42 % للشعب الفلسطيني ، ووضعت القدس 65 . % تحت نظام وصاية دولية ، (15) على الرغم من تناقضه مع ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 22 من العهد الذي تم الإشارة إليه سابقاً ، وكان الواجب عليها عند تخلي حكومة الانتداب عن الإقليم إما وضعه تحت الوصاية كنظام بديل أو إعلان إقليم فلسطين مستقلاً أسوة بما اتبع في الأقاليم الأخرى .
ورغم بطلان وعدم مشروعية قرار التقسيم إلا أن المجتمع الدولي أقر بمشروعية التوصية والزاميتها بحيث أصبحت أساس وسند قانوني لمشروعية قيام دولتين ، ولم يتم قبول إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة ضمن القرار 273 في 11 أيار 1949 إلا بعد أن تعهدت بتنفيذ قرار التقسيم 181 وقرار حق عودة اللاجئين 194 ، إلا أنها لم تراعي ذلك فمن جانب هي تجاوزت المساحة المخصصة لها بموجب قرار التقسيم حيث سيطرت عسكرياً على ما نسبته 74.4 % من أجمالي المساحة المخصصة للدولة العربية وضربت بعرض الحائط قرار الجمعية العامة 194 ، كما ولجأت إلى السيطرة على ما تبقى من أراضي فلسطين في أعقاب هجومها المسلح في الخامس من حزيران 1967 وأعلنت سيادتها على الأراضي كجزء من إقليمها ، وبهذا تكون قد خرقت عملياً وبالقوة ما سبق والتزمت به أمام الجمعية العامة . (16)
وهكذا تم تدمير كيان فلسطين السياسي بصورة فعلية ، حيث سيطرت على اكثر من 80 %من مجموع أراضيها ، وشردت اكثر من مليون فلسطيني اصبحوا لاجئين في مخيمات سوريا ولبنان والأردن إضافة إلى الضفة الغربية وغزة ، وعملت على ابتكار الوسائل التي تعمل الدول العربية من خلالها على إلغاء المخيمات وإعادة توطين اللاجئين وتذويب شخصيتهم وطمس قضيتهم ، إضافة إلى معاملتهم اللانسانية مع من تبقى من الشعب الفلسطيني في أراضي الضفة والقطاع لإرغامهم على ترك ترابهم والفرار خارج الوطن . ورغم جميع التجاوزات إلا أن الجمعية العامة بشكل خاص والأمم المتحدة بشكل عام تجاهلت مسئوليتها تجاه الشعب الفلسطيني سواء من جانب العمل على تجسيد قرار التقسيم أو قرار العودة ، إضافة إلى إسقاط الأمم المتحدة من جدولها الشعب الفلسطيني كشعب له الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ، وأصبحت تتعامل مع القضية كمجموعة من اللاجئين تطرح قضيتهم في إطار الجهود الإنسانية دون أي بعد سياسي ، وذلك حتى العاشر من كانون أول 1969 .
2- الأمم المتحدة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره :-
I- قضية الشعب الفلسطيني أمام الجمعية العامة :-
استمر الصراع بين الشعب العربي الفلسطيني من جهة والحركة الصهيونية ودول الاستعمار من جهة أخرى ، بحيث بدأت الحقائق تنكشف أمام المجتمع الدولي بعد أن تغيرت موازين القوى لصالح الشعوب المحبة للسلام ، حيث حدث تطور في موقف الأمم المتحدة حيال قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن ، وسنستعرض بعض من القرارات التي أكدت على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف: (17)
 قرار الجمعية العامة رقم (2535) الصادر في 10 كانون أول 1969 والذي اعترفت به صراحة في (الشعب الفلسطيني ) و ( حقوقه غير القابلة للتصرف … )
 قرار الجمعية العامة (2628) الذي أكدت فيه ضرورة انسحاب الصهاينة من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مع مراعاة حق اللاجئين في العودة ، والتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان .
 قرار الجمعية العامة رقم ( 2649 ) لسنه 1970 بإدانة إنكار حق تقرير المصير لشعب فلسطين .
 قرار الجمعية العامه رقم (2672 ) لسنه 1970 بالاعتراف لشعب فلسطين بحق تقرير المصير والطلب من إسرائيل اتخاذ خطوات فوريه لأعاده المشردين .
 قرار الجمعية العامة (2792 ) الصادر في كانون أول 1971 حيث عبرت فيه عن قلقها العميق من تجاهل الكيان الصهيوني لحق الفلسطينيين في تقرير المصير .
 قرار الجمعية رقم (2949 ) الصادر في كانون أول 1972 حيث أعلنت فيه مبدأ عدم حيازة الأرض بالقوة .
 قرار الجمعية رقم (2993 ) الصادر في كانون أول 1972 أكدت فيه عميق قلقها لعدم السماح للشعب الفلسطيني التمتع في حقوقه الغير قابلة للتصرف .
 قرار الجمعية رقم (3089 ) الصادر في كانون أول 1973 الذي أكدت فيه على ما سبق .
 قرار رقم (3236 ) الصادر في 22 تشرين ثاني 1974 حيث كان من أهم الوثائق التي أكدت الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ، خاصة ( الحق في تقرير المصير ، والحق في الاستقلال والسياده الوطنيين )
 قرار (3375 ) الصادر في 10 تشرين ثاني 1975 أكدت فيه على القرار السابق ، كما وصدر في نفس العام قرار (3376 ) الذي أعربت فيه الجمعية عن قلقها بسبب عدم التوصل إلى حل عادل لمشكلة الشعب الفلسطيني وممارسته لحقوقه الغير قابلة للتصرف ، وأيضاً صدر في نفس العام قرار (3379 ) حيث اعتبرت فيه الجمعية أن الصهيونية شكلاً بغيضاً من أشكال العنصرية والتمييز .
 قرار ( 23 / 28 ) الصادر في كانون أول 1978 حيث سمحت باشتراك منظمة التحرير الفلسطينية في أي اتفاقيات الهدف منها حل مشكلة الشعب الفلسطيني .
 قرار رقم 2 لسنه 1979 بتأكيد حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير وفي أقامه دوله كاملة السيادة في فلسطين ، وحث الدول على توفير الدعم للشعب الفلسطيني . (18)
 قرار (3210 ) الصادر في 24 تشرين أول 1974 حيث تم دعوة منظمة التحرير للاشتراك في أعمال دورة الجمعية العامة .
 قرار (3237 ) الصادر في 22 تشرين ثاني 1974 الذي منحت فيه الجمعية العامة منظمة التحرير الفلسطينية صفة المراقب الدائم .
 قرار الجمعية العامة رقم (43 / 176 و 177 ) الصادر في 10 ديسمبر 1988 والذي رحبت فيه الجمعية بنتائج الدورة الاستثنائية التاسعة عشره للمجلس الوطني الفلسطيني وأهمها إعلان دوله فلسطين ، وأكدت الجمعية على ضمان ترتيبات الأمن لجميع دول المنطقة ومن بينها فلسطين (19) .
 هذا بالإضافة إلى تأكيد لجنه حقوق الإنسان في اجتماعها الثامن والعشرين (19 فبراير 1987 ) على حق الشعب الفلسطيني غير المقابل للتصرف في تقرير المصير وبدون تدخل خارجي وأقامه دولته المستقلة. 20)
وجميع هذه القرارات والتي جاءت نتيجة العديد من القضايا كان من أهمها عدم المقدرة على حل النزاع العربي الإسرائيلي منذ عام 1936 ، حيث كان بالإمكان الوصول إلى حل وسط ، ومنذ انتهاء الانتداب اهاج النزاع أربعة من الحروب اضافه الى العديد من اعمال العنف ، وحالياً يشكل هذا النزاع واحداً من اخطر التهديدات للسلام العالمي ، إضافة إلى التدخل الأمريكي والروسي ونزاعهما من اجل السيطرة على الشرق الأوسط وحصول هذه الأطراف المتنازعة على الأسلحة المتطورة ، وزيادة التعنت الإسرائيلي في مقابل زيادة مطامح الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، وقضية اللاجئين التي طال عهدها وازدياد قوة إسرائيل وثقتها بنفسها ومعاهده الصلح المبرمة مع مصر في آذار 1979 وتأثيرها في تصديع تضامن الدول العربية ، كل هذه العوامل جعلت الوضع السياسي في الشرق الأوسط غير مستقر مما أدى بالأمم المتحدة الاهتمام بقضية الشعب العربي الفلسطيني .
II- قضية الشعب الفلسطيني أمام مجلس الأمن :-
اتخذ مجلس الأمن العديد من القرارات التي كانت تؤكد على حقوق الشعب العربي الفلسطيني الغير قابلة للتصرف ، ومن القرارات التي رفضت الالتزام بها إسرائيل رغم تأييد الجمعية العامة لها :-
1- قرار رقم ( 237 ) الصادر في 14 حزيران 1967 الذي دعا إسرائيل إلى تسهيل عودة الفارين من حرب حزيران 1967 .
2- قرار رقم ( 242 ) الصادر في 22 تشرين ثاني 1967 والذي دعا إسرائيل إلى التخلي عن الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 .
3- قرار رقم (338 ) الصادر بتاريخ 22 تشرين أول 1973 الذي دعا الأطراف المعنيه أن تبدأ بعد وقف إطلاق النار بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 / 1967 ، وان تبدأ بالمفاوضات تحت الرعاية الملائمة بهدف بناء سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط . (21)
 وأيضا كان هناك قرارات اتخذها مجلس الأمن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو في سبيل إبطالها ومنها :-
1- في 24 تموز 1973 خرج مشروع قرار يحمل في جوهره تكرار لقرارات سابقة ، وكان استخدام أمريكا لحق النقد الفيتو صفعه إلى غالبية أعضاء الأمم المتحدة الذي كانوا يروا في تنفيذ قرار 242 أساسا لإخراج منطقة الشرق الأوسط من الصراع .
2- حزيران 1976 خرج مشروع قرار يؤكد فيه على حقوق الشعب العربي الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير بما فيها حق العودة والحق في الاستقلال والسيادة القومية في فلسطين وفقا للميثاق .
3- 31 آذار 1980 مشروع لممارسة الشعب العربي الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف ، وكان تبرير الولايات المتحدة لاستخدام حق النقد الفيتو في جميع هذه القرارات إنها لم تكن متوازنة .
ج – تحول الأمم المتحدة من المستوى النظري إلى العملي :-
تحولت مساندة الجمعية العامة من المستوى النظري إلى المستوى العملي لمساعدة الشعب الفلسطيني على تجسيد حقه في تقرير المصير وكان ذلك في :-
أولاً – إنشاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في قرار الجمعية العامة رقم ( 3376 ) في تاريخ 10 تشرين ثاني 1975 ، حيث تم تحديد عدد الأعضاء وماهية مهام هذه اللجنة ، أهمها التوصية ببرنامج تنفيذي هدفه تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المعترف بها في الفقرتين 1,2 من قرار الجمعية العامة 3236 ، وبالفعل قدمت اللجنة تقريرا للامين العام في 1977 على أن يعرضه على مجلس الأمن الدولي وتضمن التقرير مرحلة العودة وإجراءاتها ومرحلة جلاء وانسحاب القوات الإسرائيلية من كافة الأراضي المحتلة وأجراءاتها . وبعض عرضه على مجلس الأمن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو وتم رفضه كمشروع قرار واستمرت في رفضها مما حال دون النظر فيه من قبل المجلس .
ثانياً :- إنشاء اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة في قرار الجمعية العامه رقم 2443 ( د – 23 ) المؤرخ في 19 كانون الأول 1968 ، ونظراً لتأخر اللجنة عن القيام بعملها بسبب وفاه رئيس الجمعيه العامة قبل أن يعيين اعضاء اللجنة الخاصة ، قامت لجنه حقوق الانسان في عام 1969 بإنشاء فريق عامل خاص من الخبراء ، قام بتقديم تقرير إلى لجنه حقوق الإنسان في عام 1970 بعد أن قام بعده زيارات في بلدان في الشرق الأوسط حيث رفضت إسرائيل التعاون مع الفريق الذي خلص إلى أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي الواقعة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي . (22)
ثالثاً :- دعوة الجمعية العامة في قرارها رقم 36 / 120 ج المؤرخ في 10 كانون أول 1981 إلى عقد مؤتمر دولي خاص بالقضية الفلسطينية تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة وبموعد أقصاه 1984 الذي كان من أهدافه زيادة الوعي والتأييد الدولي للقضية الفلسطينية ولتأييد وسائل ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير ، وبالفعل تم عقد المؤتمر في الفترة ما بين 29 /8 – 7 / 9 / 1983 بمشاركة أعضاء
يمثلون 137 دولة و 25 منظمة حكومية دولية وهيئات تابعة للأمم المتحدة وكافة المنظمات الغير حكومية ، وتمخض عنه إقرار المؤتمرين وبدون تصويت لإعلان جنيف ، إضافة لوضع برنامج عمل يتعلق بالوسائل الفاعلة لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير ، وتم تحديد الآليات لتنفيذ بنود الإعلان ولكي تكمل الجمعية العامة ما بدأته على صعيد تنفيذ الشعب الفلسطيني في حقه في تقرير المصير أصدرت في 13 ديسمبر 1983 قرارها رقم 38 / 58 ج القاضي بعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط منفذا للتوجيهات والمبادئ التي تضمنها اللجنة المعنية في ممارسة الفلسطيني في ممارسة حقوقه الغير قابلة للتصرف المقدم لمجلس الأمن الدولي عام 1976 ، والذي اعترضت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على عقده .
ومما سبق عرضه نلاحظ أن هناك العديد من القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة ومجلس الأمن وجميعها تدعو إلي ضرورة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير ، إلا أن الأمم المتحدة كانت تحوي فرعان ، الأول وهو الجمعية العامة الذي كان له الأثر الفعال والمباشر في الكشف عن حقنا في تقرير المصير ، وأيضا في محاولاتها تخطي الإطار النظري لهذا الحق خلال سعيها لتجسيده ميدانياً سواء بإنشاء اللجنتين أو عقد المؤتمر الدولي ، إلا أن الفرع الثاني وهو مجلس الأمن الذي كان له الأثر المباشر في تكريس منع وحرمان شعبنا من إمكانية الوصول للممارسة العملية لهذا الحق ، وأيضاً ساهم في حماية وتشجيع إسرائيل على الاستمرار في إنكارها ومنعها الشعب الفلسطيني حقهم ، إضافة إلى تشجيعها استخدام القوة والعنف لتكريس وضمان هذا الإنكار حتى ألان . بل على العكس فقد زاد اليهود تمسكاً بقضية أمنهم القومي واصبحوا اشد إصرارا على اعتراف الدول العربية المجاورة لهم بإسرائيل . وفي المقابل اصبح الفلسطينيون اشد إصراراً على انهم لن يرضوا بأقل من دولة فلسطينية .
د – قضية الشعب الفلسطيني أمام الدول العربية :-
مما لا شك فيه أن الموقف العربي اتجاه القضية الفلسطينية ، كان موقفاً داعماً للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره ، فقد أجمعت الدول العربية في اجتماع ألقمه العربية في الرباط 1974 على قرار ، أعلن المؤتمر بموجبة أنها : ( تؤكد حق الشعب العربي الفلسطيني في عودته إلى وطنه وحقه في تقرير المصير ، وفي إقامة سلطه وطنيه مستقلة بقياده منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، على أيه ارض فلسطينية محرره ، والبلاد العربية عازمة على دعم هذه السلطة فور إنشائها )، ثم عادت الدول العربية فتبنت مشروع الأمير فهد المعلن عام 1981 ، وقررت في مؤتمر ألقمه العربية في مدينه فاس / المغرب في عام 1982 ( تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسه حقوقة الوطنية الثابته بقياده منظمه التحرير الفلسطينيه ممثله الشرعي والوحيد وتعويض من لا يرغب في العودة … وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس)(23 )
3 - شرعية كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل تقرير مصيره :-
لقد أكد القانون الدولي بعدم جواز استخدام الدول للقوة ضد بعضها البعض ، ولكنه استثناءاً لهذا المبدأ يعترف للشعوب المستعمرة والمحتلة بالحق في المقاومة بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ، للحصول على استقلالها ، ومن ذلك تفسيراً للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة بخصوص حق الدفاع الشرعي الذي اعتبر سنداً أساسياً لتبرير استعمال القوة . (24)
ومن أهم القرارات التي فرضتها وأصدرتها الجهود الدولية المساندة والمؤكدة على حق الشعوب في استخدام القوة كوسيلة مشروعة لمقاومة ورفض وإنكار الدول المسيطرة على هذه الشعوب وحقها في الوصول لممارسة تقريرها للمصير ، القرارات التالية :-
1- قرار الجمعية العامة رقم 2621 (د-25 ) المؤرخ في 12 أكتوبر 1970 ، والذي ورد في مضمون بنده الثاني " وتؤكد من جديد حق الشعوب المستعمرة في الكفاح بكل الطرق الضرورية التي في متناولها ضد الدول الاستعمارية التي تقمع تطلعاتها " .
2- قرار رقم 2625 الصادر في 12 تشرين أول 1970 ، فقد أضاف لحق الشعوب في استخدام كافة الأعمال القصرية المستخدمة للحيلولة بينها وبين إمكانية الوصول لممارسة الحق في تقرير المصير ، وتقديم الدعم والمساندة لهذه الشعوب في نضالها ، وأشار القرار إلى ضرورة إنهاء كافة مظاهر السيطرة والاستعمار لإتاحة الفرصة للشعوب للتعبير الحر عن إرادتها ، وأيضا لان وجود المستعمر يتناقض ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وأحكام الميثاق .
3- قرار رقم 3103 الذي أكد على الطبيعة الدولية لكافة ما قد يثور من نزاعات بصدد هذا الحق ، إضافة إلى إدراج مضمونة استخدام القوة المضادة لحق الشعوب في تقرير مصيرها ضمن نطاق الخطر والتحريم المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من المادة الثانية.
4- قرار رقم 3314 الخاص تعريف العدوان أكد على حق ومشروعية كفاح الشعوب في المطالبة بحقها في تقرير المصير ، واستبعاد هذا الاستخدام من دائرة الأعمال العدوانية ومظاهر الاستخدام اللامشروع للقوة .
وأما القرارات التي أشارت فيها الجمعية العامة على حق الشعب الفلسطيني في الكفاح لاسترداد حقه في تقرير مصيره ، قرار رقم 2778 (د6 ) المؤرخ في 6 كانون أول 1971 ، والذي أجازت فيه الجمعية شرعية الكفاح من اجل تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاستعمار والهيمنة الأجنبية بمن فيهم الشعب الفلسطيني ، إضافة إلى قرار 3070 ( د – 28 ) المؤرخ في 30 تشرين ثاني 1973 الذي أدانت في مضمونه الحكومات التي لا تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها خاصة الشعوب الأفريقية والشعب الفلسطيني ، وأكد القرار على حق استخدام هذه الشعوب القوة وكافة الوسائل المتاحة لها ، من اجل التحرر من السيطرة الأجنبية ، وقرار 3236 (د-29 ) وهو من أهم الوثائق التي أكدت الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني التي سبق وأقرتها الجمعية العامة وعلى استعادتها بكل الوسائل ، وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية مد يد العون للشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد هذه الحقوق وفقاً للميثاق .
مما سبق نجد أن قرارات الأمم المتحدة سواء التي تعلقت بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة أو التي تعلقت في حق ومشروعية استخدام الفلسطينيين للقوة ، وغيرها من وسائل وأساليب من اجل التحرر لأرادته ولأرضه وليتمكن من ضمان الوصول للممارسة العملية المشروعة لهذا الحق ، وبذلك فإن الوسائل التي لجأ إليها الشعب الفلسطيني سواء الكفاح المسلح أو الانتفاضات أو المفاوضات أخيراً كوسيلة وأداة لمقاومة الاحتلال والهيمنة الإسرائيلية ولأزالته كمانع وحائل بين إرادة الشعب وحقه المشروع في الوصول إلى الممارسة الفعلية لحقه ، تندرج وبلا أدنى شك ضمن مضمون القرارات السالفة ومن ثم فهي تكتسي طابع المشروعية .

الخلاصـة
إن ما حاولت إثباته في هذه الدراسة يتمحور حول مدى انطباق القواعد القانونية الخاصة بمبدأ حق تقرير المصير ، والتي اقرها القانون الدولي من خلال ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية والمواثيق والوثائق الدولية الأخرى ، على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره .
حيث تناولت في الجزء الأول من هذه الدراسة ، ظهور مبدأ تقرير المصير وتطوره التاريخي ، حيث تبين لنا بان هذا المبدأ قد استقر كمبدأ سياسي وأخلاقي منذ أن نادى به الرئيس الأمريكي ولسون عام 1918 ، ضمن مبادئه الاربعه عشر ، وتحول هذا المبدأ إلى مبدأ قانوني يتمتع بقوة ملزمة مع قيام الأمم المتحدة عام 1945 ، واعتبر من القواعد القانونية الآمره التي لا يجوز مخالفتها ، وهو ما تناولته في الجزء الثاني من هذه الدراسة عند الحديث عن حق تقرير المصير في ضوء قواعد القانون الدولي ، حيث تأكد لنا بان تقرير المصير هو حق مطلق لجميع الشعوب على السواء ، المستقلة منها أو التي ما زالت خاضعة للاحتلال الأجنبي أو السيطرة الأجنبية ، وان هذا الحق يرتكز على قاعدة أساسية وهي أن السيادة تبقى للشعوب الخاضعة للاحتلال ولصاحب الحق الأصلي ، وحجب ممارسه السيادة هذه لا يعني إلغاء هذا الحق الذي تقره وتعترف به المواثيق والقرارات الدولية ، وان الاختلاف في الاجتهادات وفي أراء الفقهاء القانونية حول تحديد وتعريف مفهومه ، لا يمكن أن تلغيه أو تنزع عنه صفته الالزاميه والقانونية .
وقد تناولت في الجزء الثالث من هذه الدراسة ، قانونيه حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، حيث شاهدنا بأن الشعب الفلسطيني يتمتع بوصفه شعباً احتلت أرضه بالقوة المسلحة ، شانه في ذلك شان غيره من الشعوب التي خضعت للاحتلال الأجنبي ، بجميع الحقوق المقررة في القانون الدولي ، ويأتي في مقدمه هذه الحقوق ، الحق في الاعتراف له بالسيادة على أرضه ، والحق في تقرير المصير ، وما يتفرع عنه من حقوق أخرى كالحق في مقاومة سلطات الاحتلال والحق في المعاملة الإنسانية الواجبة .
ما أريد التوصل إليه هو أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لا يواجه أي مشكله قانونية فهو حق دولي للفلسطينيين لا جدال فيه ، فجميع المواثيق والوثائق والقرارات الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة ، وما استقر عليه العرف الدولي يؤكد هذا الحق للشعب الفلسطيني .
فالعقبة أمام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ليست قانونية ، وانما هي عقبه سياسية ، تتمثل بالسياسة الاستعمارية الأمريكية الداعمة لموقف الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية ولشعبها ، فهذه السياسة هي التي تمنع ممارسه الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره وأقامه دولته المستقلة على أرضه ، من خلال استخدام حق النقض الفيتو على أي مشروع قرار لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادله في مواجهه الاحتلال الاسرائيلي في مجلس الامن ، فهذا الأمر ادى بدولة اسرائيل الى التمادي في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره .
وبالتالي يجب أن يكون هناك أعاده نظر من قبل أعضاء المنظمة الدولية بخصوص حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، والعمل على إعادة تنظيمه وضبطه بصوره تكفل عدم تعسف الدول المالكة لحق النقد الفيتو ، واستغلالها على وجه مجحف ومخالف لأحكام وقواعد القانون الدولي ، فالشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي لا يزال يرزخ تحت الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية .


قائمه الهوامش :
1) عمر سعد الله : تقرير المصير السياسي للشعوب في القانون الدولي المعاصر ، 1986 ص70
2) محمد شوقي حافظ : الدولة الفلسطينية دراسة سياسية قانونيه في ضوء أحكام القانون الدولي 1992 ، ص83
3) عبد الغني عماد : المقاومة والإرهاب في الإطار الدولي لحق تقرير المصير ، مجلة المستقبل العربي ، 2002 ص25
4) عبد الغني عماد : نفس المصدر ، ص26
5) عبد الغني عماد : نفس المصدر ، ص27
6) احمد عمر : حق تقرير المصير الاقتصادي للشعب الفلسطيني ، مجلة صامد الاقتصادي ، 1989 ، ص136
7) احمد عمر : نفس المصدر السابق ، ص139
8) د. عبد الرحمن أبو النصر : اتفاقيه جنيف الرابعة لحماية المدنيين لعام 1946 وتطبيقها في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، 2000 ، ص376 .
9) د. ديب عكاوي : الآفاق القانونية الدولية لأعاده تكرار حق الشعوب والأمم في تقرير المصير ، مجلة الأسوار ، 1997 ، ص116 .
10) بن عامر تونسي : تقرير المصير وقضيه الصحراء الغريبة ، 1987 ، ص126
11) عمر سعد الله : مرجع سابق ، ص172 – 174
12) محمد شوقي حافظ : مرجع سابق ، ص91
13) علي أبو هيف : القانون الدولي العام ، 1992 ، ص967
14) محمد المجذوب : محاضرات في القانون الدولي العام ، 1978 ، ص61 .
15) مركز زايد للتنسيق والمتابعة : الدولة الفلسطينية في مواجهه الفكر الصهيوني ، 2001 ، ص15
16) احمد مبارك الخالدي : إعلان الدولة وبسط السيادة ، مجلة السياسة الفلسطينية ، 1999، ص62
17) مؤسسه الدراسات الفلسطينية : قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي – الإسرائيلي ، المجلد الأول ، 1993 ، ص (109 ، 110 ، 112 ، 116 ، 118 ، 120 ، 129 ، 141 ، 142 ، 155 ، 162 ) .
18) أحمد مبارك الخالدي : مرجع سابق ، ص62
19) مركز زايد للتنسيق والمتابعة: مرجع سابق ، ص19
20) أحمد عمر :- مصدر سابق ، ص140
21) مركز زايد للتنسيق والمتابعة : مرجع سابق ، ص17
22) عبد الكريم علوان خضير : الوسيط في القانون الدولي العام ، 1997 ، ص84
23) يوسف قراعين : حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير ، 1983 ، ص169 – 78
24) فيصل شطناوي : حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، 1998 ، 251 .


المواضيع المتشابهه: