الاضراب في المرافق العامة
اعداد الباحثين :

مروة أبو العلا

علا عبد القادر اسماعيل

تمهيد

من المستقر عليه فى فرنسا أن حق الإضراب من الحقوق الدستورية المكفولة لكل فئات العمال بغض النظر عن طبيعة الجهة التى يعملون بها ، حيث أعترف الدستور الفرنسى الصادر سنة 1946 صراحة بحق العمال فى اللجوء إلى الأضراب بنصه فى مقدمته على أن حق الإضراب يمارس فى إطار القوانين التى تنظمه وصدر نفس النص فى دستور الجمهورية الخمسة لسنة 1958 ونظراً لأن المشرع الفرنسى الدستورى او العادى لم يضع تعريف للإضراب فقد ساهم القضاء الفرنسى فى وضع تعريف له وفى هذا الصدد يذهب مجلس الدولة الفرنسى إلى أن الإضراب هو ( التوقف الجماعى المتفق عليه لكل أو بعض العاملين فى المرفق العام أو مرفق أخر وذلك من أجل تأييد مطالب مهنية ) وما جانبها فإن محكمة النقض الفرنسية قد عرفت الإضراب فى العديد من أحكامها ولعل أهما أن الإضراب ( هو توقف مدبر عن العمل بغرض تأييد مطالب مهنية محددة سلفاً رفض صالح العمل تحقيقها ) .

أما فى مصر فيلاحظ ندرة التعريفات القضائية للإضراب ويرجع ذلك لحداثة تنظيمه تشريعياً وكذلك ندرة المنازعات به والتى تعرض على القضاء وفيما يتعلق بموقف القضاء المصرى فقد تعرضت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ للحق فى الإضراب وذلك بمناسبة نظرها لقضية إضراب عمال السكة الحديد عام 1986 حيث قامت قوات الأمن بفض الإضراب بالقوة وألقت القبض على عدد كبير من العمال السائقين وتم إحالة 37 منهم إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بتهمة الإضراب والتعطيل العمدى لسير قطارات السكك الحديدية وإستعمال القوة والعنف مع السلطات والإضرار بالمال العام ………. إلخ نظرت المحكمة الدعوى وأصدرت حكمها ببراءة جميع العمال من كافة التهم المنسوبه إليهم وأسست المحكمة حكمها على عدد من المبادئ الهامة لعل أهمها هو التأكيد على أن مشروعية الإحتجاج والإضراب مستمدة من حيث الواقع من الشعور بالمعناه والتفرقة وانعدام المسواة وهى أسباب لو توفرت لدفعت العمال دفعاً إلى الإحتجاج وكان ذلك واضحاً عندما قالت فى حكمها ( والمحكمة وقد استقر فى وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال – وقد كانت مثال للإلتزام والتضحية – إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة والمعاناه وأنه من اللازم رفع تلك المعاناه عن كاهل فئات الشعب حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء ) .



ومن الناحية القانونية سطرت المحكمة يقيناً بأن حق الإضراب عن العمل هو من الحقوق المشروعة وفى المقابل فإن المصادرة لذلك الحق هو الفعل الغير مشروع فإن الحق فى الإضراب يستند إلى الإتفاقية الدولية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية التى تنص فى مادتها الثامنة بأن ( تتعهد الدول الأطراف فى الإتفاقية الحالية بأن تكفل الحق فى الإضراب على أن يمارس طبقاً للقوانين القطر المختص ) وأنتهت المحكمة بوضوح لا لبس فيه أن تلك الإتفاقية هى أجدر بالتطبيق وأن بالتصديق عليها صارت بمثابة تشريع داخلى وبالتالى فإن المشرع هنا قد أباح تلقائياً ممارسة هذا الحق عقد النشر فى الجريدة الرسمية وقد عرفت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ فى هذا الحكم الحق فى الإضراب بأنه ( الإمتناع الجماعى المتفق عليه بين مجموعة من العاملين عن العمل لفترة مؤقته لممارسة الضغط للإستجابة لمطالبهم ) غير أنه يؤخذ على هذا التعريف أنه لم يحدد طبيعة المطالب التى يتم اللجوء للإضراب من أجل تحقيقها فذكر المطالب بهذا الشكل العام يوحى بمشروعية الإضراب السياسى أو إضراب التضامن وفضلا عن ذلك فإن هذا التعريف يجعل من الإتفاق السابق على الإضراب أحد عناصره .

مقدمة

يمكننا تعريف الحق فى الإضراب بأنه ( حق يخول للعاملين فى القطاعين العام والخاص الإمتناع عن العمل الملزم إمتناعاً إرادياً ومدبراً لتحقيق مطالبهم المهنية الممكنة فى إطار القانون ) ويتمييز هذا التعريف بأنه يبرر طبيعة الإضراب بأنه حق مشروع طالما مارسه العاملون فى هذا القانون – سواء من حيث الشروط الموضوعية أو الإجرائية اللازمة لمشروعية الإضراب – كما يؤكد على الطابع السلمى للإضراب وعدم إرتكاب العمال الخطأ الجسيم الذى يبرر الفصل حيث يؤكد التعريف على ضرورة الإلتزام بالإطار القانونى للإضراب ويبين هذا التعريف أيضاًُ أن المطالب التى تبرر اللجوء للإضراب يجب أن تكون مهنية وممكنة ومشروعة بحيث تستطيع الإدارة وصاحب العمل الوفاء بها بما يمنع وقوع الإضراب أو يؤدى لنهايته حال بدءه فعلاً وهكذا يتضح أن الحق فى الإضراب مكفول لعمال المرافق العامة والقطاع الخاص فى إطار القانون الذى يمكن حظره أو تقييده بالنسبة لبعض العاملين بما يضمن عدم الإخلال بالأمن القومى أو النظام العام وبضرورة سير المرافق العامة بإنتظام وإطراد .

وعلى ذلك يعتبر الإضراب العائق الاول لمبدء إستمرار سير المرافق العامة لذلك يكون الإضراب هو أول ما يجب بحثه فى هذا المقام
خطة البحث

الفصل الأول : تعريف الإضراب وفكرة عامة عنه

المبحث الأول : متى ينشأ الإضراب

المبحث الثانى : ملاحظات عن الإضراب

المبحث الثالث : الإضراب فى الدول الرأسمالية والإشتراكية

الفصل الثانى : الإضراب فى فرنسا

المبحث الأول : الإضراب قبل عام 1946

المبحث الثانى : الإضراب فى دستور 1946 والإضراب فى الدستور الحالى

الفصل الثالث : الإضراب فى مصر

المبحث الأول : الإضراب فى قانون العقوبات الصادر 1937

المطلب الأول : عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر



المطلب الثانى : عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الإلتزام

المبحث الثانى : الإضراب فى قانون رقم 24 لسنة 1951

المطلب الأول : عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الريجى

المطلب الثانى : عمال المرافق العامة التى تدار بطريق غير مباشر

المبحث الثالث : الإعتداء على حرية الغير فى العمل

نص المادة 375 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 24 لسنة 1951 شرح مفصل

المبحث الرابع : مبدء دوام سير المرافق العامة

المطلب الأول : تحريم الإضراب عن العاملين بالمرافق العامة

المطلب الثانى : مبدء قابلية المرافق العامة للتعديل أو التغيير



المبحث الخامس : تقرير المنظمة المصرية حول الاضرابات والاعتصامات عام 2009

الخاتمة

قائمة المراجع

الفهرس

الفصل الأول

تعريف الإضراب وفكرة عامة عنه

المبحث الأول : متى ينشأ الإضراب

الإضراب LA greve عبارة عن إمتناع موظفى وعمال المرافق العامة عن تأدية أعمالهم مع تمسكهم فى الوقت ذاته بأهداف الوظيفة العامة ومزاياها فهو بمثابة إتفاق بين عدة أشخاص عن وقف العمل المنوط بهم لسبب من الأسباب كتحقيق مصلحة خاصة للمضربين أو رفع ضرر يرونه واقعاً عليهم أو للإحتجاج على أمر من الأمور .

ولكن هذا لا يعنى أن الإضراب لا ينشأ إلا إذا كان هناك إتفاق جماعى بين المضربين على ترك العمل فهناك حالات يتحقق فيها الإضراب ولو لم يحدث إلا من موظف واحد بشرط أن يترتب على هذا الإضراب الفردى آثار خطيرة والإضراب سواء كان جمعياً أو فردياً فهو يفترض إمتناع الموظفين والعمال دون رضاء الجهات التابعيين لها عن تنفيذ إلتزامتهم الناشئ عن نص القانون أوعقد العمل .



لذلك لا يعتبر إضراباً رفضهم العمل ساعات إضافية ليسوا ملتزمين بها لأن هؤلاء الأشخاص ليس لديهم إرادة وقف العمل أو نية تعطيلة طالما قاموا بتنفيذ إلتزامتهم المقررة عليهم بنص القانون أو بمقتضى العقد .

المبحث الثانى : ملاحظات عن الإضراب

ويلاحظ أن الإضراب قد يكون مبعثه فى بعض الأحيان إعتبارات سياسية لا مطالب مهنية تتمثل فى منع الدولة من السير فى إتجاه معين أوالضغط على السلطات العامة بغية حملها على إتخاذ وجهة سياسية معينة أو الإحتجاج على عمل معين قامت به الحكومة أو أجرته دولة أجنبية والإضراب بهذا الشكل يعتبر من أهم الأمور التى تعرقل سير المرافق العامة بإنتظام وإطراد لذا يتعين مقاومته والتضييق من نطاقة ما أمكن .

وإذا حدث الإمتناع عن العمل فإن الإضراب – سوءا كان جماعياً أو فرديا ً – يتحقق بغض النظر عن المدة التى يستغرقها سواء بلغت أمداً طويلاً أو لم تلبس إلا عشية وضحاها حبث أنه لا يلزم لتحقيق هذا الإضراب أن يكون الإمتناع عن العمل لمدة طويلة بل قد يقع لمدة قصيرة

المبحث الثالث : الإضراب فى الدول الرأسمالية والإشتراكية



والإضراب فى الدول الرأسمالية يعتبر حقاً مشروعاً إلا فى بعض الحالات الإستثنائية والفترات العصيبة كأوقات الحروب أو بالنسبة لموظفى الدولة وقد نص دستور الجمهورية الرابعة فى فرنسا الصادر فى 27 أكتوبر سنة 1946 على هذا الحق فى مقدمته بأعتباره من المبادئ الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع .

والسبب الذى من أجله أباحت الدول الرأسمالية الإضراب يرجع إلى أنه السلاح الفعال الذى يمكن للعمال شهره فى مواجهة أرباب الأعمال بغية تحقيق المطالب فهو أداء كفاح للحصول على مزيد من الحقوق حيث يمكن أن يفتح توازناً بين القوة الرأسمالية والطبقة العاملة ويحول بهم وقوع هذه الأخيرة لقمة سائغة فى أيد أصحاب الأعمال ولو أن الميول الحديثة ترمى إلى القضاء على هذه الوسيلة المضرة بأمن الدولة والمعوقة بسير مرافقها العامة
بإستمرار وإنتظام .

أما الدول الإشتراكية ومنها جمهورية مصر العربية فهى بخلاف ذلك حيث تحرم الإضراب داخل حدودها إلا فى نطاق محدود ولإغراض معينة فمادامت الرأسمالية لا وجود لها وأصبحت الدولة صاحبة العمل الوحيد فلا محل إذا للكفاح والنضال والصراع بين قوة وأخرى لذلك فإن كل توقف عن العمل لا يعتبر إضراباً فحسب بل ثورة على الدولة وتمرداً على أمنها وتعطيلاً لمرافقها العامة عن سيرها المستمر المنظم .



وإذا جاء الإلتجاء إلى الإضراب فى المشروعات الخاصة فإنه لا يجوز إطلاقاً فى المرافق العامة سواء كانت تدار بالطريق المباشر ( الريجى ) أو بطريق غير مباشر لأن كل شخص يشترك فى سير هذه المرافق يجب عليها أن يضع الصالح العام فوق أى إعتبار أخر وفى الإشتراك فى الإضراب تفضيل لصالح المضربين عن الصالح العام وحسن سير المرافق العامة.

لذلك وللإعتبارات المتقدمة لا يقبل من العاملون فى المرافق العامة الإدعاء بأن لهم الحق فى الإضراب أسوة بالعمال فى المشروعات الخاصة وهذا ما قضى به مجلس الدولة الفرنسى فى حكمه الصادر بتاريخ 7 أغسطس سنة 1909 فى قضية WINKELL المشهورة بصدد إضراب موظفى البريد حيث قال ومن حيث أن الموظف بقبوله بالوظيفة التى اسندت إليه قد أخضع نفسه لكل الإلتزامات المترتبة على ضرورة سير المرافق العامة وتنازله عن كل ما من شأنه أن يتعارض مع الإستمرار الأساسى للحياة الوطنية .

الفصل الثانى

الإضراب فى فرنسا

المبحث الأول : الإضراب قبل عام 1946

لم يتضمن التشريع الجنائى الفرنسى نصاً يعتبر الإضراب جريمة جنائية الأمر الذى يوجى بأن الإضراب يعتبر عملاً مشروعاً وحقاً للموظفين بأعتباره مظهراً هاماً من مظاهر حرية التعبير عن الرأى طالما لم يصدر نص لتحريمه ولكن بالرغم من ذلك فإن مجلس الدولة الفرنسى قدر خطورة الإضراب على سير المرافق العامة بإنتظام وإطراد وقضى بأن الإضراب يعتبر عملاً مشروعاً وهو بذلك يعتبر مكوناً لخطأ تأديبى جسيم يستوجب توقيع عقوبات تأديبية على مقترفيه ولقد أحسن مجلس الدولة الفرنسى صنعاً لتحريمه الإضراب وإعتباره عملاً غير مشروع لأنه يعتبر العائق الأول لسير المرافق العامة التى إنشئت خصيصاً لكى تسدى كلمات أساسية للجمهور الذى يهمه أن تؤدى هذه الخدمات بصفة مستمرة ومنتظمة .

وتنطبق هذه الأحكام على عمال وموظفى المرافق العامة التى تدار بالطريق الإدارى المباشر ( الريجى ) كما تنطبق على عمال المرافق العامة التى تدار بطريق غير مباشر على السواء لهذا فلا يمكن لعامل من عمال المرافق العامة أن يدعى بأن له حقاً فى الإضراب لإن الإضراب بإعتباره العقبة الأولى بسير المرافق العامة يجب أن يحرم لا على موظفى المرافق العامة فحسب بل على جميع طوائف العمال المضربيين طالما كانوا يعملون فى خدمة هذه المرافق أياً كان نوعها ومهما كان الأسلوب الذى تدار به .



وكانت أحكام مجلس الدولة الفرنسى كلها قبل عام 1946 مستقرة على أن الإضراب يعتبر عملاً غير مشروع من الناحية الإدارية يجيز توقيعه العقوبات التأديبية على المضربيين دون إتباع الضمانات التأديبية التى يكفلها لهم نظام التأديب .

فقضى المجلس المذكور فى حكمه الصادر بتاريخ 7 أغسطس سنة 1909 فى قضية WINKELN بما يأتى ” ومن حيث أن الإضراب يعتبر عملاً غير مشروعاً على رغم من أنه لا عقاب عليه طبقاًَ لقانون العقوبات الفرنسى ومن حيث أن الموظف بقبوله للوظيفة التى أسندت إليه قد خضع لكل الإلتزامات المشتقة من ضرورة سير المرافق العامة وتنازله عن كل ما شأنه أن يتعارض مع الإستمرار الأساسى للحياة الوطنية ومن حيث أن موظفى المرفق العام بإضرابهم لم يرتكب خطأ شخيصاً فحسب وإنما قد وضعوا أنفسهم لهذا العمل الجماعى خارج نطاق القانون واللوائح التى تضمن لهم مباشرة حقوقهم …………. “

وحكم مجلس الدولة الفرنسى كذلك بإن الجزاء التأديبى الذى يطبق على الموظفين المضربين يمكن أن يصل إلى العزل من الوظيفة دون إتباع الضمانات التأديبية المقررة لهؤلاء الموظفين فى قوانين ولوائح التوظيف كضرورة إطلاعهم على ملف خدمتهم قبل المحاكمة التأديبية فهذا الضمان الوارد فى المادة 65 من قانون 22 إبريل سنة 1905 لا يعمل به فى حالة إقتراف الموظفين جرائم الإضراب وبرر مجلس الدولة الفرنسى هذا الإجراء – حرمان الموظف المضرب من الضمانات التأديبية – بأنه مهما كان نص المادة 65 من قانون 22 إبريل سنة 1905 شاملاً فإن المشرع الفرنسى لم يكن يقصد تطبيقه فى حالة الإضراب .

ويقرر ( ريفرو ) بإن شرعية فصل الموظفين المضربين دون إتاحة الفرصة لإطلاعهم على ملف خدمتهم تستند إلى فكرتين متميزتين .

الإولى : أن الموظف المضرب يكون قد ساهم فى تعطيل سير العمل وهذا يعد خروجاً على القوانين واللوائح التى تكفل له الضمانات التأديبية والتى منها إطلاعه مقدماً على ملف خدمته قبل محاكمته تأديبية طبقاً لنص المادة 65 من قانون 22 إبريل 1905 .



الثانية : أن الإدارة على أثر هذا الإضراب تكون مهددة بتعطيل سير مرافقها العامة لذلك يجب عليها إتخاذ الإجراءات التى تكفل سير مرافقها العامة دون إنقطاع ومنها سرعة فصل المضربيين دون أن تمنحهم فرصة الإطلاع على ملف خدمتهم قبل المحاكمة .

ولم يقتصر مجلس الدولة الفرنسى على حرمان الموظف المضرب من الضمانات التأديبية وإنما قضى كذلك بإن مبدء إستمرار سير المرافق العامة يخول للإدارة أن تتخذ فى حالة الإضراب أو التهديد به كافة الإجراءات الكفيلة بإستمرار سير المرافق العامة دون أن يقال أن هناك إنحرافاً للسلطة من جانبه ومن أمثلة هذه الإجراءات ما لجأت إليه الحكومة الفرنسية سنة 1910 من تجنيد العمال المضربين فى محل عملهم كوسيلة للقضاء على الإضراب الناجم بين عمال السكك الحديدية ومن يخالف هذه الإجراءات يقدم إلى المحاكمة التأديبية أتهم العمال الحكومة بأنها تجاوزت سلطتها وأن إتخاذها إجراءات تجنيدهم فيه إنحراف للسلطه من جانبه .

ولما رفع الأمر إلى مجلس الدولة – بغية إلغاء قرار وزير الحربية – رفض الطعن بالإلغاء مؤكداً شرعية قرار وزاير الحربية الخاص بتنجيد العمال المضريبين وقضى بأن للحكومة الحق بل عليها واجب التدخل فى إتخاذ كافة الطرق الشرعية التى بيدها للقضاء على الإضراب لإن مرفق السكك الحديدية ليس مرفقاً عاماً فحسب بل هو أيضاُُ مرفق حربى وسيراً بإنتظام وإستمراريتهم لأقصى حد من الدفاع الوطنى وبالتالى يكون صحيحاً قرار وزير الحربية الخاص بتجنيد العمال المضربين فى محل عملهم وإلا حوكموا عسكرياً .

وبتاريخ 28 نوفمبر 1938 أصدرت الحكومة الفرنسية مرسوماً جندت بمقتضاه جميع موظفى وعمال المرافق العامة الذين أضربوا عن العمل سواء فى المرافق العامة التى تدار بطريق مباشر أو تلك التى تدار بطريق غير مباشر وبذلك إستطاعة الحكومة الفرنسية فى حالة الإضراب أو التهديد به أن تتخذ الإجراءات الفعالة لضمان سير المرافق العامة بإنتظام وإطراد وذلك عن طريق تجنيد المضربين فى محل عملهم أو تسخيرهم أو تكليفهم للعمل فى خدمة هذه المرافق .

وقد أعترف الفقه والقضاء بشرعية هذه الإجراءات لإن الهدف منها هو حماية الأمن والنظام وضمان سير المرافق العامة بإستمرار وإنتظام .

المبحث الثانى : الإضراب فى دستور عام 1946 والإضراب فى الدستور الحالى

لم ينص دستور الجمهورية الرابعة الفرنسى الصادر بتاريخ 27 أكتوبر 1946 والذى أقره الشعب الفرنسى فى إستفتاء 13 أكتوبر من العام المذكور على الحقوق والحريات العامة إلا فى دباجته بخلاف مشروع الدستور الفرنسى الذى رفضه الشعب الفرنسى وهو المسمى دستور إبريل سنة 1946 فقد وضع النصوص الخاصة للحقوق والحريات العامة فى صلب الدستور ذاته وجاء فى مقدمة دستور 27 أكتوبر سنة 1946 نص صريح يقضى بأن ( حق الإضراب يباشر فى نطاق القوانين التى تنظمه ) وقد أثار هذا النص عاصفة من الشك وموجة من الغموض ولم ينتهى الفقه والقضاء بشأنه إلى رأى موحد حتى الآن ويجدر بنا قبل التعرض لهذا الخلاف أن نتكلم عن القيمة القانونية لمقدمة الدستور سنة 1946 فذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الأحكام التى جاءت بها هذه المقدمة لا تعتبر قواعد قانونية ملزمة للمشرع بحيث يترتب على مخالفتها إعمال نصوص المواد 91 وما بعدها الخاصة برقابة دستورية القوانين وإنما تعتبر هذه الأحكام بمثابة مبادئ عامة ذات قيمة سياسية أو فلسفية محضة أكثر منها قواعد قانونية ملزمة وهذا ما قرره ( مارسل بريلو ) حيث قال ” إن المبادئ الواردة فى مقدمة دستور 27 أكتوبر سنة 1946 ليس لها فى مواجهة المشرع إلا قيمة أدبية أى أن المشرع فى مقدورة أن يضع التشريعات التى تخالف ما قررته هذه المقدمه من أحكام ” ويترتب على الأخذ بهذا الرأى أن المشرع يستطيع أن يضع تشريعات أو يسن قوانين عادية تخالف المبادئ الواردة فى المقدمة دون أن يحتج على هذه التشريعات بعدم دستوريتها ومخالفتها لأحكام المقدمة .

وذهب البعض الأخر من الفقهاء على عكس ما ذهب إليه الفريق الأول حيث قرروا بأن مقدمة الدستور لها قيمة قانونية وأن هذه القيمة تعتبر أعلى مرتبة من النصوص الدستورية ذاتها لأنها بمثابة تعبير عن الإرادة العليا للأمة فهى تحتوى على القواعد الأساسية الكامنة فى الضمير الإنسانى تلك القواعد التى يتعين أحترامها والنزول على حكمها دون الحاجة لأن يوصى عليها فى مقدمة دستورية أو إعلان للحقوق وبذلك تكون المقدمة وفقاً لهذا الرأى ملزمة للهيئة التأسيسة التى تضع الدستور والمشرع العادى من باب أولى .

على أن هناك فريقاً من الفقهاء يجعل هذه المقدمة مساوية على الأقل للنصوص الدستورية إستناداً إلى أن المقدمة ما هى إلا تعبير عن إرادة الهيئة التأسيسية مثلها فى ذلك مثل النصوص الدستورية ذاتها فهى تعتبر جزء لا يتجزء من الدستور وتعادل القوة والقيمة التى تتمتع بها النصوص الدستورية وبالتالى تتمتع نصوصها بما تتمتع به نصوص الدساتير من حصانة فى مواجهة المجالس النيابية ويقرر أنصار هذا الرأى بأنه ما دامت هذه المقدمه جزء لا يتجزء من الدستور فهى لذلك تفرض على المشرع إلتزامات معينة سواء بعمل أو بالإمتناع عن عمل ويجب على المشرع من ناحية أخرى أن يصدع لمثل هذه الإلتزامات ويكيف تشريعاته التى يسنها على أساس وجودها .

بيد أن هذه الإلتزامات حتى فى نظر هذا الفريق من الفقهاء ينقصها الجزاء القانونى الملزم والمنصوص عليه فى المواد 91 وما بعدها والخاصة برقابة دستورية القوانين المقرره أصلاً لمخالفة المواد المدرجة فى أبواب الدستور العشرة الأولى فهى لا تشمل بالطبع النصوص المقدمة لذلك إذا أصدر المشرع العادى قانوناَ مخالفاً لهدم المبادئ الوارد ذكرها فى المقدمة فإن مثل هذا التشريع يظل نافذاً وسارى المفعول حيث لا توجد وسيلة فى طعن فى دستوريته لأن المقدمة لا تتمتع بضمانات الرقابة على دستورية القوانين المنصوص عليها فى المواد 91 إلى 93 من الدستور المذكور ولكن يقرر هؤلاء الفقهاء بأن عدم فرض الدستور جزاء قانونياً ملزماً لمخالفة النصوص الواردة فى المقدمة كما فعل فى المواد الواردة فى أبواب الدستور العشرة الأولى لا يقلل من القيمة القانونية الحقيقة لنصوص هذه المقدمة حيث أنه من المقرر أن لكل عضو من أعضاء البرلمان ولرئيس المجلس بصفة خاصة أن يتمسك بعدم دستورية أى قانون يطلب من البرلمان الموافقة عليه لمخالفته لنصوص الواردة فى مقدمة الدستور ولم يتخذ مجلس الدولة الفرنسى موقفاً موحداً فى شأن تحديد القيمة القانونية لهذه المقدمة .

ففى حكمه الصادر بتاريخ 7 يوليو سنة 1950 نظر إليها على أنها بمثابة مبادئ قانونية عامة ليست لها قوة إلزامية وبالتالى يجوز للمشرع مخالفتها بوضع تشريعات تناقض ما تقرره من أحكام ولم يقتصر مجلس الدولة على هذا الحد بل ذهب إلى التسليم للحكومة بحق التدخل فى الحالات التى لم ينص فيها المشرع على تنظيم الإضراب وفرض بعض القيود على ممارسة الإضراب تكفل تحقيق الصالح العام رغم إعتراف المقدمة بحق الإفراد فى الإضراب ولكن فى موقف مجلس الدولة الفرنسى تجاه هذه المشكلة قد خضع لسنة التطور فبدء يستند إلى النصوص المنخرطة فى تلك المقدمة بإعتبارها قواعد قانونية ملزمة يتعين على الإدارة إحترامها ويترتب على ذلك بطلان القرارت الإدارية المخالفة لها .

وبالرغم من إختلاف وجهات النظر بين الفقه والقضاء حول القيمة القانونية لهذه المقدمة إلا أنهم أتفقوا على أن نصوصها تكون ملزمة للجهات الإدارية المختلفة فإذا أصدرت الجهات المذكورة قرارت مخالفة لنصوص المقدمة فإنه يجوز الطعن فيها أمام مجلس الدولة الفرنسى ويستطيع هذا الأخير أن بحكم بإلغاء كل قرار إدارى صدر بمخالفة للنصوص الواردة فى المقدمة

ولكن يشترط لكى يستطيع مجلس الدولة الفرنسى أن يحكم بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة لنصوص المقدمة أن يكون النص وارد فيها والذى خولف من الإدارة محدد تحديداً واضحاً من حيث الصيغة والمعنى حيث يمكن القول بوقوع المخالفة أما إذا كان النص المدرج فى المقدمه غامضاً أو غير محدد بحيث لا يجرم بوقوع المخالفة فإن مجلس الدولة لا يستطيع إلغاء القرار الإدارى بحجة مخالفة لنصوص المقدمة فمثلا النص الذى قرر بأن ( الأمة تكفل للأسرة المقومات اللازمة لتطورها يعتبر نصاً عاماً غير محدد المعنى لذلك لا يستطيع مجلس الدولة الإستناد إليه فى إلغاء القرار الإدارى الصادر بالمخالفة له بخلاف النص الذى يقرر المساواه فى الحقوق بين الرجل والمرأة فأنه يعتبر نصاً واضحاً ومحدداً المعنى فإذا أصدرت الإدارة قرارت مخالفة له فإنها تكون معرضة للإلغاء ونحن نرى أن لديباجة الدستور الفرنسى الصادر بتاريخ 27 أكتوبر سنة 1946 قيمة قانونية مساوية لقيمة الدستور بأنها جاءت مماثلة للدستور سواء فى الوضع أو فى الإستفتاء الشعبى فهى تعتبر جزء لا يتجزء من الدستور ومتممه لأحكامة وليست وثيقة منفصلة كما كان الشأن بالنسبة لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسى الصادر فى 26 أغسطس سنة 1989 .

لذلك فإن نصوص هذه المقدمة تمتع بما تتمتع به نصوص الدساتير من حصانة وجمود فى مواجهة المجالس النيابية وتفرض على المشرع بالتالى إلتزامات بعمل أو بالإمتناع عنه ويجب على هذا الأخير أن يصدع لهذه الإلتزامات ويكيف قوانيه على أساس وجودها وإذا ما خالف المشرع نصوص المقدمه اعتبرت القوانين التى سنها غير دستورية وتخالف الرأى القائل بأن المقدمة ليس لها فى مواجهة المشرع إلا قيمة أدبية أو فلسفية لأننا لو سلمنا بذلك لكان معنى هذا أنه يجوز للمشرع أن يلغى أو يعدل فى الحقوق والحريات الواردة بهذه المقدمه وهذ لم يدر إطلاقاً بخلد المشرع الدستورى فالمشرع العادى لا يستطيع إلغاء أو تعديل الحقوق والحريات الواردة فى المقدمة وأنما يقتصر دوره فقط على تنظيم ممارستها والهدف من هذا التنظيم هو حمايتها لا تقييدها بالمعنى الذى يقصد من لفظ التقييد .

ومن ناحية أخرى فإن عدم فرض المشرع الدستورى الجزاء القانونى الملزم لمخالفة نصوص المقدمة لا يهدر قيمة الوقت الذى نقول به حيث أنه يجوز لكل عضو من أعضاء البرلمان وبصفة خاصة لرئيس المجلس أن يتمسك بعدم دستورية أى قانون يعرض على البرلمان بمخالفته لنصوص المقدمة وقد أثار النص الوارد فى هذه المقدمة على حق الإضراب خلافاً كبيراً بين الفقة والقضاء هل ينفذ الإضراب مباشرة إستناداً إلى النص المذكور دون حاجة إلى التشريعات المنظمة له أم تتوقف ممارسته على صدور القوانين التى تنظمه .

ذهب ( فالين ) إلى أن النص على حق الإضراب فى مقدمة دستور سنة 1946 جاء فى صيغة واضحة ومحددة تحديداً كافياً بحيث يسمح بتطبيقه مباشرة دون الحاجة إلى إنتظار التشريعات المشار إليها فى هذا النص ويؤيده فى ذلك بعض الفقهاء وأحكام القضاء ويترتب على الأخذ بهذا الرأي أن الإضراب يعتبر حقاً معترفاً به دستورياً لموظفى وعمال المرافق العامة بإعتباره مظهراً هاماً من مظاهر حرية التعبير عن الرأى التى كفلها لهم الدستور المذكور حتى إذا لم يصدر المشرع قانوناً بتنظيمه فالحقوق والحريات المعترف بها فى الدستور لا يجوز تعليق ممارستها على تدخل الإرادة الشارعه فالمشرع لا يستطيع طبقاً لأنصار هذا الرأى أن يقيد حق الإضراب المعترف به صراحة فى المقدمة .

وذهب البعض الأخر من الفقهاء وبعض أحكام المحاكم إلى ضرورة تدخل المشرع لتنظيم ممارسة حق الإضراب ورسم حدوده وبيان معالمة وبذلك يكون التشريع طبقاً لهذا الرأى هو القيد الضرورى على حرية الأفراد فى مباشرة حقهم فى الإضراب وهو فى ذات الوقت الذى يكفل هذا الحق وحرية الأفراد فى مباشرته وهذا ما قرره الفقيه ( أسمان ) حيث قال ” أنه طالما لم يتدخل المشرع فى تنظيم الحريات العامة فإن الحق الذى كفله الدستور للفرد لا يمكن إستعماله ويظل مجرد وعد لا يخول للإنسان حقاً قانونياً محدداً ” ويستند أنصار هذا الرأى حتى إذا فرض أن لديباجة الدستور الفرنسى الصادر فى 27 أكتوبر سنة 1946 قيمة قانونية وأن النص الدستورى على حق الإضراب ملزم فإن هذا لا يكفى لإمكان ممارسة حق الإضراب أن يعترف به فى هذه المقدمه دون تحديد كيفية إستعماله وبيان حدوده بواسطة الإرادة الشارعه لأن حق الإضراب الوارد فى المقدمه من النصوص التى يتوقف تنفيذها على صدور التشريعات المنظمة والمشار إليها في وبذلك يكون حق الأفراد فى القيام بالإضراب طبقاً لهذا الرأى وهيناً بوضع القوانين التى يصدرها المشرع لتنظيمه والأبقى الإعتراف الدستورى بهذا الحق نظرياً ومجرد من الآثار القانونية .

ويلاحظ أن الغالبية العظمة من فقهاء القانون العام فى فرنسا يؤيدون هذا الرأى وهو أن نصوص مقدمة دستور 27 أكتوبر لا تحول دون تقييد حق الإضراب بالنسبة لأى طائفة من الطوائف بمقتضى تشريعات خاصة لأن النص فى هذه المقدمة على حق الموظفين فى تكوين النقابات لا يستتبع حتماً أن يكون لهم الحق فى الإضراب فإذا نص الدستور فى مقدمته صراحة على حق الموظفين والعمال فى تكوين النقابات وأغفل النص على حقهم فى الإضراب فمعنى ذلك أن المشرع الدستورى أراد أن يذهب إلى مخالفة الوضع السابق فيما يختص بحق تكوين النقابات فى الوقت الذى أراد فيه أن يقرر الوضع السابق على دستور بتحريم الإضراب على موظفى وعمال المرافق العامة ومما يؤيد ذلك أن المناقشات الدستورية التى سبقت صدور دستور 27 أكتوبر سنة 1946 متفقه إلى حداً كبير مع هذا الرأى حيث أن أحد أعضاء الجمعية التأسيسية قدم إقتراحاً بتعديل النص الوارد فى المقدمه والخاص بحق الإضراب ونص الإقتراح على أن ” حق الإضراب يكون معترفاً به لجميع ولكن يستثنى من ذلك الموظفون بالشروط المحددة فى القانون”

ولكن المقرر العام لهذه الجمعية رفض الأخذ بهذا الإقتراح – الذى يستثنى الموظفين من الإضراب – على أساس أن المقصود هو إعلان المبادئ العامة وأنه يمكن ضمان سير المرافق العامة بمقتضى القانون وعرض على الجمعية التأسيسية أيضاًُ عند مناقشة النص الخاص بحق الإضراب بإقتراح أخر يهدف إلى تعديل النص المذكور بحيث يشمل كل العمال بما فيهم عمال التجارة والزراعة بصفة خاصة ونص الإقتراح على أن حق الإضراب فى نطاق القوانين التى نظمه يكون معترفاً به لجميع المواطنين . ولم يأخذ على هذا الإقتراح وذلك بناء على ما بينه المقرر العام من أن النص الأصلى لا يهدف إلى إقامة التفرقه بين العمال فما يختص بحق الإضراب وهذا لا يدعم مجالاًُ للشك فى أن المشرع الدستورى لم يكن يهدف إلى إباحة إضراب موظفى وعمال المرافق العامة بدون قيد أو شرط وإنما تركه مهمة تنظيمية إلى المشرع العادى ويؤيد ذلك أيضاً أنه قد صدر فى فرنسا عدت قوانين بتحريم الإضراب على بعض طوائف الموظفين رغم الاعتراف الدستورىبهذا الحق .

ونحن نرى ضرورة تدخل المشرع لتنظيم ممارسة حق الإضراب لأنه لا يكفى لإمكان ممارسة الحق فى الإضراب أن ينص عليه فى المقدمة دون بيان كيفية إستعماله بواسطة الإرادة الشارعة لأن حق الإضراب بإعتباره مظهراً هاماً من مظاهر حرية التعبير عن الرأى له حد يصبح خارجه اعتداء لاحقاً لأنه حرية مع الإطلاق فى فهمها أو الإضراب فى تطبيقها وإستعمال الحقوق والحريات الفردية يتخذ أشكالاً مختلفة ويترتب على ممارستها آثار خطيرة فى شتى الميادين بما يوجب تدخل المشرع لتنظيمها قبل ممارستها وإلا أدى عدم تنظيمها إلى أزالتها من الناحية القانونية ولا يتبقى بعد ذلك إلا ( نشاط إنسانى ) لا يعتبر حرية حقيقة وإنما يصبح مجرد فعل أو تسامح مادى ليست له صفة قانونية فالمادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن فى فرنسا الصادر بتاريخ 26 اغسطس 1789 تنص على أن الحرية الفردية لا يجوز أن تصل إلى حد الإعتداء على حرية الغير لأن لكل أنسان حقوق يجب أن يقف عندها حقوق غيره من أفراد المجتمع والمشرع هو الكفيل بتنظيم الحقوق والحريات .

ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضىالله عنه فى أحدى كتبه ( أيها انسان لا تكونوا مثل قوم كانوا فى سفينة فأقبل أحدهم على موضعه يخرقة فنظر إليه أصحابه فمنعه فقال هو موضعى ولى أن أحكم فيه فإن أخذوا على يده سلم وسلموا وإن تركوه هلك وهلكوا معه ) نخلص من ذلك بإنه لا يوجد تعارض بين حق الإضراب وضرورة تنظيمه بمعرفة المشرع تنظيماً يصون الفرد ويحمى المجتمع فى الوقت ذاته لأن تنظيم الحقوق والحريات الفردية هو السبيل الوحيد إلى ممارستها بإعتباره أصلا قانونيا يرد على الحقوق والحريات التى لا تعرف الإباحة المطلقة أضف إلى ذلك أن إضراب موظفى وعمال المرافق العامة يتعارض مع المبادئ الأساسية المقررة فى القانون الإدارى وهو لذلك يعتبر اعتداء خطيراً على المرافق العامة وسيرها بإنتظام وأطراد مما يوجب تتدخل المشرع قبل الاقدام عليه .

ولم يصدر أى قانون لتنظيم الإضراب فى المرافق العامة لذلك فقد اتخذ ملجس الدولة الفرنسى خطوات إيجابية لكى يملئ الفراغ الذى تركه المشرع فقضى فى حكمه الصادر بتاريخ 7 يوليو سنة 1950 بأن الاعتراف الدستورى بحق الاضراب ليس من شأنه أن يستبعد القيود التى يجب أن تحد من هذا الحق أسوة بغيره من الحقوق وأنه بالنسبة للحالة الراهنة للتشريع يجب على الحكومة وهى المسئولة عن المرافق العامة وحسن سيرها أن تفرض بنفسها وتحت رقابة القضاء القيود التى تراها ضرورية لحكم هذا الموضوع ويجب عليها كذلك أن تحدد هذه القيود وتبين مداها حتى لا يساء استعمال هذا الحق أو يستعمل استعمالاً قد يكون من شأنه الاصطدام بمقتضيات النظام العام .

ويهدف مجلس الدولة الفرنسى من حكمه المذكور إلى القول بأن حق الاضراب وأن كان معترفاً به فى مقدمة دستور 1946 إلا أنه يخضع لبعض القيود وذلك لمساسه بسير المرافق العامة وهذه القيود يجب أن تفرض بمعرفة المشرع كما اشار بذلك نص المقدمة فإذا ما سكت المشرع عن مواجهة هذه الحالة فالحكومة وهى المسئولة عن حسن سير المرافقه العامة يجب أن تفرض القيود اللازمة على ممارسة هذا الحق ويبدو من ذلك أن مجلس الدولة الفرنسى أخذ فى اعتباره تفضيل مقتضيات النظام العام بحسن سير المرافق العامة على نصوص مقدمة الدستور المذكور ونتيجة لذلك وكما يتبين من حيثيات حكم مجلس الدولة المشار إليه فإن الإضراب فى فرنسا وإن لم يكن محرما بالشكل المطلق كما كان الوضع قبل دستور سنة 1946 إلا أن التحريم ما زال قائماً ولكن على وجه اقل صراحة من قبل .

وهذا الذى قضى به مجلس الدولة الفرنسى فى حكمه الصادر بتاريخ 7 يوليو 1950 محل النظر فى تقديرنا لان الأضراب ابتداء من صدور دستور سنة 1946 أصبح حق معترف به للموظفين والعمال بأعتباره مظهراً هاماً من مظاهر حرية التعبير عن الرأى ومهمة تنظيم هذا الحق متروكة للمشرع الأمين على هذه الحقوق والكفيل بضمانها لا الإدارة التى غالباً ما تسيئ إستعمال سلطاتها أو تنحرف بها عن جادة الصواب وبذلك يكون فى حكم مجلس الدولة المذكور إنكار صريح للقيمة القانونية لمقدمة دستور 27 أكتوبر سنة 1946 كما أن نص هذه المقدمه واضح الدلاله فى أنه أرادت أن تترك مهمة تنظيم حق الاضراب للإرادة الشارعة دون غيرها وذلك بما تسنه من قوانين لهذا الغرض لأن المشرع هو الذى يكون فى مقدوره التوفيق بين ضمانات هذا الحق وتنظيمه وحماية المجتمع فى الوقت ذاته .

وبتاريخ 8 فبراير سنة 1952 أصدر مجلس الدولة الفرنسى حكماً هاماً تضمن مبدء مغاير لأحكامه الصادرة قبل دستور أكتوبر 1946 حيث قضى بأن الموظف الذى يلجأ إلى الإضراب لا يفقد حقه فى الضمانات التأديبية حتى إذا كان اضرابه غير مشروع وبذلك أصبحت جرائم الإضراب شأنها شأن غيرها من الجرائم التأديبية التى لا يترتب عليها حرمان الموظف المضرب من الضمانات التأديبية التى تكفلها القوانين واللوائح فى هذا الشأن .

حكم الإضراب فى الدستور الحالى

رأينا أنه ابتداء من دستور سنة 1946 أصبح لعمال وموظفى المرافق العامة الحق فى الإضراب وهذا الحق ليس مطلقاً وإنما يباشر فى نطاق القوانين التى تنظمه ولا يمكن القول بإلغاء حق الإضراب على أثر صدور دستور الجمهورية الخمسة الفرنسى بتاريخ 4 أكتوبر سنة 1958 والمسمى بدستور ” ديجول ” لأن هذا الدستور وأن لم ينص صراحة على حق الإضراب إلا أن هذا الحق يكون مكفولاً لموظفى وعمال المرافق العامة طبقاً لنص المادة 34 من ذات الدستور بأعتباره من مظاهر حرية التعبير عن الرأى التى منحها دستور ” ديجول ” للموظفين .

وحق الإضراب فى ظل دستور سنة 1958 يجب أيضاً أن يكون رهناً موضع للقوانين التى تصدر بتنظيمه حيث أن المشرع هو الذى يستطيع التوفيق بين ضمانات هذا الحق وحماية المجتمع فى الوقت ذاته وتطبيقاً لذلك أصدر المشرع الفرنسى بتاريخ 31 يوليو سنة 1963 قانوناً منظماً لحق الإضراب فى المرافق العامة مبيناً حدوده وشروط ممارسته حيث قضى بحق موظفى وعمال المرافق العامة فى الاضراب ولكن يشترط أولاً إلتجائهم إلى إجراءات معينة نص عليها فأشترط هذا القانون فى الإضراب أن يكون مسبوقاً بإحاطة السلطات المختصة علماً بذلك والهدف من ذلك منع الإضرابات الموفاجأة لما لعنصر المفاجأة من أثر هدام فى سير المرافق العامة وحتى لا تأخذ السلطات المختصة على غفلة من أمرها ولا بد أن يصل الإخطار إلى علم السلطات المختصة قبل البدء فى الإضراب بوقت كافى حتى لا يتعطل سير المرافق العامة وتكون لدى الإدارة فسحه من الوقت فقد تعمل على تحقيق المطالب للمضربين دون حاجة إلى إندلاع الإضراب واشترط القانون المذكور فى الإخطار أن يحتوى على الأسباب التى من شأنها اضطر المضربون إلى التوقف عن العمل لأنه لكى يكون الإضراب مشروعاً فى مفهوم هذا القانون يجب أن يستند إلى أسباب تبرره وبالتالى يجب تحريم الإضرابات التى لا تبررها أسباب معقولة واستوجب القانون سالف الذكر فى الإضراب أن يكون محدد الزمان والمكان وساعة البدء فيه حتى يكون السلطات المختصة على علم بالإضراب فتؤمن نفسها ضد خطأ المضربين أو الحد من شرورهم .

فإذا أقدم موظفى وعمال المرافق العامة على الإضراب بعد مراعاة الإجراءات التى قررها قانون 31 يوليو سنة 1963 المشار إليه صار إضرابهم مشروعاً بإعتباره من مظاهر حرية التعبير عن الرأى أما إذا قاموا بالإضراب دون مراعاة الإجراءات السابقة أصبح إضرابهم عملاً غير مشروع ويتعرض مقترفوه لتوقيع العقوبات التأدييبية

الفصل الثالث

الإضراب فى مصر

كان الإضراب فى مصر غير معاقب عليه جنائياً حتى عام 1923 وكان يكتفى فى هذه الفترة بالعقوبات التأديبية التى كانت تصل فى أغلب الأحيان إلى عقوبة العزل من الوظيفة وعلى أثر أنتشار الحركات العمالية لجأ العمال والموظفون إلى تكوين إتحادات ونقابات تحمى حقوقهم وتدافع عن مصالحهم فتفاقم وأزداد خطرهم وفى هذه الحالة شعر المشرع المصرى بالخطر الذى ينتاب سير المرافق العامة من جراء اضرابهم فراى أن العقوبات التأديبية وحدها ليست كافية لمقاومة الإضراب وأنه لا بد من وضع عقوبات جنائية رادعة تكفل الإستمرار للمرافق العامة تؤمنها ضد خطر الإضراب .

لذلك أصدر المشرع القانون رقم 37 لسنة 1923 محتوياً على عدة نصوص تقضى بمعاقبة الموظفين والمستخدمين الذين يلجئون إلى الإضراب فى ظروف وبشروط معينة إضيفت إلى قانون العقوبات القديم الصادر سنة 1904 وعندما إلغيت قانون العقوبات القديم وحل محله القانون الصادر سنة 1937 ضمنه المشرع ايضاً نصوصاً تقضى بالعقاب على الإضراب فوضع لذلك النصوص الثلاثةالموجودة فى المواد 124 ، 374 ، 375 وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية وما تركته من آثار سيئة كأرتفاع الأسعار وإنخفاض مستوى المعيشة أشتد حركات الإضراب وإزدادت حتى أنتشرت بين طوائف الموظفين بشكل ينذر بالخطر ففى شهر سبتمبر سنة 1937 أضرب عمال المطبعة الأميرية فترتب على ذلك تأخير المطبوعات الحكومية وفى شهر ديسمبر سنة 1938 أعلن الإتحاد العام لعمال مصلحة التليفونات الإضراب إبتداءاً من الشهر المذكور إذا لم تجب مطالبهم فى تعديل مرتباتهم أسوة بزملائهم عمال التليغراف الذين التحقوا معهم بالخدمة فى تاريخ واحد وكثرت الإضرابات حتى امتدت إلى صفوف رجال الأمن أنفسهم فقاموا بعض رجال الشرطة بإضرابات مطالبين بتحسين أحوالهم الأمر الذى نتج عنه إضرابات عنيفة فى مرفق الأمن ذاته .

لذلك فقد رأت الحكومة أن التشريع الجنائي القائم لا يسعفها فى استئصال شأفة المضربيين لقصوره عن معاقبة بعض حالات الإضراب فأسرعت إلى إستعمال حقها المقرر فىالمادة 41 من دستور سنة 1923 بإصدار المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946 وفى 5 فبراير صدر القانون رقم 24 لسنة 1951 الذى حل محل المرسوم بقانون السابق عليه ويتميز القانون الأخير باشتمالة على أحكام جديدة فى جرائم إضراب الموظفين فنص على جرائم جديدة لم تكن موجودة فى التشريعات السابقة وفرض عقوبات اشد من تلك التى كانت مقرره من قبل

ولم ينشأ القانون رقم 24 لسنة 1951 بمواد مستقلة ومنقطعة الصلة عن قانون العقوبات وأنما استبدل بالنصوص القديمة والتى سبق أن عدلت بالمرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946 نصوصاً أخرى فالمواد 124 ، 374 ، 375 من قانون العقوبات والخاصة بالإضراب أصبحت المواد 124 ، 124 أ ، 124 ب ، 124 ج ، 374 ، 374 مكرر ، 375 وفى يناير 1952 صدر الأمر العسكرى رقم 10 لسنة 1952 وقضى بإحالة بعض الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام إلى المحاكم العسكرية وكانت من بين هذه الجرائم جرائم الإضراب والتوقف عن العمل .

بيد أن الأمر المذكور لم يتناول المادة 374 من قانون العقوبات لذلك صدر بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1952 الأمر العسكرى رقم 54 والذى بمقتضاه أضيفت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 374 إلى عداد الجرائم التى يجوز للنيابة العامة إحالتها إلى المحاكم العسكرية وبتاريخ 9 أكتوبر سنة 1958 صدر أمر رئيس الجمهورية رقم 40 بتشكيل محاكم أمن الدولة والذى بمقتضاه استعيض عن المحاكم العسكرية بمحاكم أمن الدولة وصدر بتاريخ 9 أكتوبر سنة 1958 أمر رئيس الجمهورية رقم 41 المعدل بالأمر رقم 49 لسنة 1958 بإحالة بعض الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام إلى محاكم أمن الدولة وكان من بين هذه الجرائم المنصوص عليها فى المواد 124 ، 124 أ ، 124 ب ، 124 ج ، 374 مكرر ، 375 من قانون العقوبات وبذلك أصبحت جرائم الإضراب ينعقد الإختصاص بها لمحاكم أمن الدولة عدا الجريمة المنصوص عليها فى المادة 374 من قانون العقوبات

المبحث الأول

الإضراب فى قانون العقوبات

الصادر سنة 1937

ميز هذا القانون فيما يختص بالإضراب بين عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر ” الريجى ” وعمال المرافق العامة التى تدار بطريق الالتزام

المطلب الأول عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر

وهؤلاء يعاقبون على الإضراب فى حالتين :-

الحالة الأولى :

نصت الفقرة الأولى من المادة 124 من قانون سنة 1937 المقابلة للفقرة الأولى من المادة 108 مكرر من القانون رقم 37 لسنة 1923 على أنه ” إذا اتفق ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين وتركوا عملهم بدون مسوغى شرعى يعاقبون بالحبس مدة لا تتجواز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد عن 100 جنيه ” ويستفاد من هذه الفقرة أن جريمة الإضراب لا تتكون إلا إذا حصل إتفاق بين ثلاثة من الموظفين أو المستخدمين على الإضراب أى أنه لا بد وأن يكون هناك تشاور وإقرار للرأى على ترك العمل لذلك فلا يعتبر إضراباً فى مفهوم الفقرة المذكورة ذلك الذى يحدث من ثلاثة أشخاص تواردت خواطرهم علىترك العمل مصادفة إذا لم يكن حصل إتفاق سابق على ترك العمل فيما بينهم .

وجاء فى حكم محكمة تلا الجزئية الأهلية تعليقا على هذه الفقرة ما يأتى :

” يستفاد من عبارة النص العربى للفقرة الأولى من المادة 108 مكررة ع ” المقابلة للفقرة الأولى من المادة 124 ع ” ” إذا اتفق ” أنه يجب أن يكون حصل تشاور وتقرير ترك العمل قبل إعلان هذا الترك إذ بغير التشاور السابق لا يمكن أن يقال أنه هناك اتفاقاً بل هناك توافقاً بين الخواطر . وفيما يختص بالركن الثالث من أركان الفقرة الأولى من المادة 124 ع وهو ترك العمل يجب أن يبين المقصود بالترك وطبيعتة فمعنى الترك هنا هو الإضراب الشامل عن كل أعمال الوظيفة المنوطة بالموظف أو المستخدم العمومى أى هجر الخدمة العامة قطعياً لذلك لا يعتبر تركاً للعمل فى مدلول هذه الفقرة إمتناع الموظف أو المستخدم العام عن تأدية عمل واحد من أعمال وظيفته دون الإمتناع عن أداء بقية الأعمال لذلك يجب التمييز هنا بين الحالتين

الحالة الأولى : ترك الموظف أو المستخدم عمله دون وظيفته

الحالة الثانية : ترك الموظف أو المستخدم عمله ووظيفته معاً

ففيما يختص بالحالة الأولى لا شك أن الموظف أو المستخدم الذى يترك عمله وهو باقى فى وظيفته مستمتعاً بأهدافها ومزاياها يكون واقعاً تحت طائلة العقاب طبقاً للمادة 24 / 1ع أما عن الحالة الثانية وهى أن يترك الموظف أو المستخدم العمل والوظيفة معاً فإنه لا يكون محلا لتطبيق عقوبة المادة 24 / 1ع لأنه يكون فى هذه الحالة راغباً عن الوظيفة والعمل معاً وهو بذلك يستعمل حقاً مقرراً له ولكن بشروط خاصة كما سيجئ بعد وتشرط المادة 124 كذلك فى فقرتها الأولى أن يكون ترك العمل قد حدث بدون مسوغ شرعى والمسوغ الشرعى التى تقصدة هذه المادة على ما نعتقده هو عباره عن الحق الذى يجيز للقانون أو تبرره الظروف فتحول هذه المبررات وتلك الظروف دون قيام المسئولية الجنائية عند ممارسة هذا العقد ولو كان فى خروج عن القانون .

ويعد من المسوغات الشرعية اتقاء الفتنة والعمل على اطفائها كذلك قد يكون مسوغاً شرعياً قيام حالة من أحوال أسباب الأباحة تخرج كإستعمال السلطة طبقاً للمادة 63 من قانون العقوبات وذلك لأن أسباب الإباحة تخرج الفعل من نطاق نص التجرين فيعتبر بعد ذلك مشروعاً وينتفى بذلك الركن الشرعى ومن الطبيعى إذا فقدت الجريمة أحد أركانها إستحال قيام المسئولية الجنائية واستحال بالتالى توقيع العقاب ويعتبر ايضا من قبيل المصوغ الشرعى قيام حالة من أحوال موانع العقاب كالمادة 48 ع التى تعفى من كان طرفاً فى إتفاق جنائى من المسئولية الجنائية إذا بادر بإخبار الحكومة بوجود الإتفاق والأشخاص الذين اشتركوا فيه قبل وقوع الجريمة وسند مشروعية الفعل هنا أن المشرع قدر أن المصلحة التى تحققها المسائلة الجنائية من توقيع العقاب تقل بكثير من حيث المنفعة العامة وسير المرافق العامة عن المصلحة التى تتحقق إذا لم يوقع العقاب وبناء عليه إذا أضرب الموظفون أو المستخدمون وكان اضرابهم متكئاً على مسوغ شرعى يبرره أصبح إضرابهم مشروعاً وانتفت الحكمة من توقيع العقاب أما إذا لم يكن هذا الإضراب مستند على مسوغ شرعى فإنه يقع تحت طائلة العقاب طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 124 ع

والقصد الجنائى فى حكم الفقرة الأولى من المادة المذكورة هو عبارة عن تعمد ترك العمل بناء على اتفاق سابق أى أن هذا القصد يتوافر من مجرد ترك العمل بنية تركه بغض النظر عن البحث فى دوافع ومبررات هذا الترك مهما كانت حيث أن هذه الفقرة تقيم المسئولية الجنائية على مجرد ترك العمل حرصاً على سير المرافق العامة باستمرار مهما كانت بواعثة أى حتى ولو كانت هذه البواعث شريفة

الحالة الثانية :

نصت الفقرة الثانية من المادة 124 من قانون سنة 1937 على أنه ( وتطبق هذه العقوبات على كل موظف أو مستخدم عام أمتنع عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفته إذا كان إمتناعاً يجعل أو من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم فى خطر وكذلك إذا نشأت عنه فتنة أو كان من شأنه أن تنشأ عنه الفتنة أو إذا أضر بمصلحة عامة ) وهنا يعاقب المشرع على ترك العمل حتى إذا لم يحدث إلا من موظف أو مستخدم واحد فقط ولكن يشترط أن يكون ترك العمل قد أحدث فتنة أو عرض صحة الناس أو أمنهم للخطر أو كان من شأنه أن يحدث شيئاً من هذا القبيل وكذلك إذا كان هذا الإمتناع قد أضر بمصلحة عامة أى أن مجرد إمتناع الموظف لا يؤدى بذاته إلى الوقوع تحت طائلة العقاب إنما لا بد وأن يترتب على هذا الإمتناع أضرار جسيمة حددها النص .

وهذه الحالة تختلف عن التى وردت فى الفقرة الأولى من ذات المادة فبينما تشترط الفقرة الأولى للعقاب على الإضراب أن يكون ترك العمل قد حدث من ثلاثة موظفين أو مستخدمين على الأقل بناء على أتفاق سابق إذ بالثانية تعاقب على الإضراب الذى يحدث من موظف واحد بشرط أن يترتب على إضرابه آثار جسيمة وردت على سبيل الحصر كذلك فأن الإضراب الذى تقصدة الفقرة الأولى هو الإضراب التام أى هجر الوظيفة العامة قطعياً أما الذى يقصد من الفقرة الثانية فهو الإمتناع عمداً عن أداء جزء من أعمال الوظيفة العامة المكلف بها الموظف من الإمتناع عن أداء بقية الأعمال .

والفتنة المقصودة بالفقرة الثانية من هذه المادة هى عبارة عن تعمد الموظف إذاعة خبر ملفق أو شائعة كاذبة بين الأفراد مما يثير سخطهم وتذمرهم فيقدمون على القيام بأعمال تعرض الجمهور للخطر وتتنافى مع حسن سير المرافق العامة بإنتظام وإستمرار وقد عرفت محكمة تلى الجزئية الفتنة فى حكمها الصادر بتاريخ 3 يناير 1926 فقالت ( هى إحتكاك مصالح الإفراد والجماعات إحتكاكاً يؤدى إلى الثورة أو ما يشابهها ) ويشترط هذه الفقرة الثانية من المادة 124 ع أيضاُ أن يكون الإمتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة قد أضر بمصلحة عامة والمستفاد من هذه الفقرة أن يكون إمتناع الموظف أو المستخدم العام قد أضر فعلا بالمصلحة العامة فإذا كان الضرر محتمل الوقوع فقط للإمتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة فإن الفقرة الثانية من هذه المادة لا تنطبق لأن فى إيراد كلمة أضر ما يشعر بالضرورة بأن المشرع قصد بها الضرر الفعلى أى الضرر الذى وقع بالفعل دون الضرر المحتمل لإن هذا الأخير قد يتحقق وقد لا يتحقق وهذا غير مقصود بهذه الفقرة

نصت الفقرة الأخيرة من المادة 124 من قانون العقوبات الصادر سنة 1937 على ما يأتى :

( وفيما يتعلق بتطبيق هذه المادة يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع الإجراء الذين يشتغلون بأية صفة كانت فى خدمة الحكومة أو فى خدمة سلطة من سلطات الأقاليم أو السلطات البلدية أو المحلية أو القروية ) فالنص فى هذه الحالة عام يشمل جميع الاشخاص الذين يتشغلون فى خدمة المرافق العامة أياً كانوا سواء موظفين أو مستخدمين أو اجراء وأياً كانت مركزهم داخلين فى الهيئة أو خارجها على وظائف دائمه أم وظائف مؤقته طالما كانت هذه المرافق تدار بالطريق الإدارى المباشر ( الريجى )

وسواء كانت هذه المرافق تديرها الدولة مباشرة أو تعهد بإدارتها إلى الوحدات الإدارية الأخرى كالمحافظات والمدن والقرى وسواء كانت هذه المرافق ذات صبغة إدارية بحتة أو ذات صبغة إقتصادية وسواء كانت فى خدمة السلطات المركزية فى العاصمة أو خدمة السلطات اللامركزية فى المحافظات والمدن والقرى وهذا يدل على مدى حرص المشرع على حسن سير المرافق العامة بإنتظام وإستمرار حيث وسع فى سياسة العقاب ومدلولها حتى أصبحت شاملة لجميع الأشخاص العاملين فى المرافق العامة التى تدار بالطريق الإدارى المباشر

ويلاحظ أن المشرع قد نص فى الفقرة ج من المادة 124 من قانون سنة 1937 على المرافق الإقليمية ولم يتحدث عن النوع الآخر من أنواع اللامركزية وهو المرافق العامة المصلحية أى المؤسسات العامة كالجامعات فى حين أنه لا يعقل أن يكون المشرع قصد إستبعاد موظفى هذه المرافق من حكم النص وأباح الإضراب بالنسبة لهم ويبدو ان المادة المذكورة قد أغفلت سهواً النص على موظفى وعمال المرافق العامة المصلحية وذلك لأن الإضراب الذى يقوم به موظفوا وعمال المرافق العامة معاقب عليه سواء فى المرافق العامة الإقليمية أو المصلحية طالما كانت هذه وتلك تدار بطريق مباشر

المطلب الثانى

عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الالتزام

نصت المادة 374 ع من قانون سنة 1937 ( المقابلة للمادة 327 مقرر من القانون رقم 37 لسنة 1923 ) على ما يأتى :-

( محظور على المستخدمين والأجراء التابعين لمصلحة خاصة حاصلة على الامتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة كالسكك الحديدية والترامو أى والتنوير وتوريد المياه وما شابه ذلك أن يتوقفوا عن العمل كلهم معاً أو جماعات منهم بكيفية يتعطل معها سير العمل فى تلك المصلحة بدون أن يخطروا المدير أو المحافظ بذلك قبل الوقت الذى ينون فيه التوقف عن العمل ب 15 يوما على الأقل ويقدم هذا الاخطار بالكتابة يوكون موقعاً عليه بإمضاء أو ختم المستخدمين والأجراء الذين ينون التوقف عن العمل يتيبن فيه أسباب هذا التوقف ويعطى لذوى الشأن وصل يذكر فيه تاريخ إستلام الاخطار وساعته والتوقف عن العمل بدون مراعاة الأحكام الواردة فى الفقرة السابقة والميعاد المنصوص عليه فيها جريمة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد عن 50 جنيهاً ) فهذه المادة تناولت المستخدمين والأجراء التابعين لشركة الإمتياز أى الأشخاص الذين يعملون فى خدمة المرافق العامة التى تدار بطريق الإمتياز وهى لا تعاقب على الإضراب ذاته الذى يقترفه هؤلاء المستخدمين والأجراء وأنما تعاقب فقط على عدم مراعاة إجراءات الإخطار السابق عليه أى أن الإضراب مباح فى هذا النطاق بشرط ألا يكون فجائياً فلابد من أخطار المدير أوالمحافظ قبل الوقت الذي يردون فيه التوقف عن العمل 15 يوم على الأقل حتى لا يتعطل سير المرافق العامة

وأشترطت هذه المادة فى الأخطار السابق على الاضراب أن يكون مثبتاً بالكتابة لذلك لا يصلح بديلاً الإخطار الشفوى هنا ولا بد أن يكون هذا الاخطار موقعاً بإمضاء أو ختم المستخدمين والإجراء الذين يردون التوقف عن العمل وتبين فيها الأسباب التى من أجلها أضطر المستخدمون والأجراء إلى التوقف عن العمل واشترطت المادة إعاطاء ذو ىالشأن وصل يذكر فيه تاريخ وساعة إستلام الإخطار فإذا روعيت هذه الإجراءات قبل إقدام المستخدمين والأجراء على ترك عملهم غدا إضرابهم مشروعاً وغير معاقب عليه بإعتبار أن المضربين يستعملون حقاً قرره لهم المشرع بشروط معينة نص عليها والقصد من هذه الشروط منع المفاجأة بالإضراب حتى يمكن التوفيق بين المصالح المتضاربة أو على ا لأقل إتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سير المرافق العامة مؤقتاً إلى أن يزول الشقاق وينحسم الخلاف .

ولقد أخذت بهذه الأحكام وقررتها محكمة الإسكندرية الإبتدائية فى حكمها الصادر بتاريخ 24 فبراير سنة 1940 حيث قالت ( وحيث أن حق العمال فى التوقف عن العمل فرادى أو جماعات حق مقرر سلم لهم به المشرع وأقتصر على تقييده بقيدين أولهما هو الوارد فى الفقرة الأولى من المادة 374 ع وقد وضع لضمان سير الأعمال ذات المنفعة العامة وثانيهما وهو الوارد فى المادة 375 ع ويرمى إلى منع الإعتداء على حريات الغير فى العمل وما دام الأمر كذلك فلا جناح على العمال إذا أجتمعوا وتشاورا واتفقوا على ان مصلحتهم تقضى عليهم بالإمتناع عن العمل وقرروا ذلك وعمدوا إلى إذاعة هذا القرار – وهو الأمر المنسوب إلى السبعة الأول من المتهمين – وهتفوا بيه وهو الأمر المنسوب إلى باقى المتهمين لأن منعهم من ذلك بمؤاخذتهم عليه جنائياًَ يؤدى إلى حرمانهم من استعمال حقهم فى الإمتناع عن العمل كما يترتب عليه معاقبتهم عن الشروع فى جنحة بغير نص وعقوبة أشد من العقوبة المقررة للجريمة التامة .

إنما إذا توقف المستخدمون أو الأجراء عن عملهم بدون مراعاة الأحكام الواردة فى المادة 374 عقوبات وكذا الميعاد المنصوص عليه فى هذه المادة فإن توقفهم فى هذه الحالة عن عملهم يعتبر جريمة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد عن 50 جنيه وهذا ما أخذت به محكمة النقد المصرية فى حكمها الصادر بتاريخ 20 يناير 1932 بشأن تطبيق الأحكام السابقة على عمال مقاول حصل على إمتياز حمل ونقل وشحن البضائع وتفريغها فى محطة القبارى حيث طبقت عليه المادة 327 ع مقرر المقابلة للمادة 374 من قانون سنة 1937 على أثر توقفهم عن القيام بعملية نقل البضائع وشحن العربات وتفريغها فى محطة القبارى التابعة لمصلحة السكة الحديد دون أن يقوموا بإتخاذ الإجراءات التى نصت عليها المادة المذكورة فى المواعيد التى حددتها .

نصت الفقرة الأخيرة من المادة 374 من قانون 1937 على ما يأتى ( وكل من يحرض المستخدمين والأجراء المشار إليهم على التوقف عن العمل بدون مراعاة الأحكام الواردة فى هذه المادة أو الميعاد المنصو عليه فيها يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد عن 100 جنيه ) ويستفاد من صياغة هذه الفقرة أنها تعاقب كل شخص قام بتحريض المستخدمين والأجراء المشار إليهم فى الفقرة الأولى من المادة 374 ع على التوقف عن العمل وذلك فى حالة عدم مراعاة الأحكام الواردة فى هذه المادة أو ميعاد الأخطار السابق على الاضراب وتكون العقوبة فى هذه الحالة الحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد عن 100 جنيه ويتضح لنا أن الفقرة الأخيرة من المادة 374 من قانون 1937 قررت عقوبة أشد من العقوبة الواردة فى الفقرة السابقة عليها لمعاقبة الذين يحرضون المستخدمين أو الأجراء فى المرافق العامة التى تدار بطريق الإلتزام على مخالفة أحكام القانون فمسؤلية المحرضين أقصى من مسئولية المستخدمين والاجراء المضربين كما أن التحريض يعاقب عليها فى هذه الحالة حتى إذا لم يؤدى إلى نتيجة ما إنما يكفى وجهاً للعقاب مجرد حدوث التحريض .

المبحث الثانى

الإضراب فى القانون رقم 24 لسنة 1951

ميز هذا القانون بين عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر وعمال المرافق العامة التى تدار بطريق غير مباشر وذلك على الوجه التالى

المطلب الأول

عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الريجي

نصت المادة 124 من القانون رقم 24 لسنة 1951 على ما يأتى ( إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو فى صورة الاستقالة أو أمتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه لتحقيق غرض مشترك عوقب كلا منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على100 جنيه ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كانت الترك أو الإمتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم فى خطر أو كان من شأنه ان يحدث اضراباً أو فتنة بين الناس أو إذا اضر بمصلحة عامة )

1- مستفاد من هذه المادة أنها شددت العقاب على الاضراب الذى يقع من ثلاثة أشخاص فأكثر بحيث أصبحت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة مع استبعاد الغرامة كعقوبة اختيارية وجعلها حتمياً أقصاها 100 جنيه بعد أن كانت العقوبة طبقاً للنصوص القديمة الحبس الذى لا تتجاوز مدته ستة أشهر أو الغرامة التى لا تزيد عن 100 جنيه مع ترك الحد الأدنى للحبس خاضعاً للقواعد العامة لذلك كان يجوز للقاضى أن ينزل بالحبس إلى 24 ساعة وكذلك قررت هذه المادة زيادة العقوبة إلى الضعف إذا كان ترك العمل من شأنه أن يجعل حياة أو أمن أو صحة الجمهور فى خطر أو إذا كان من شأنه أن يحدث إضراباً أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة .

2- أضافت هذه المادة أن حكم الاضراب حالة الموظف الذى يترك عمله ولو فى صورة استقالة حتى لا يلجأ الذين تسول لهم أنفسهم الشريرة الاضرار بسير المرافق العامة الى التخلى عن عملهم بدعوى الأستقالة وهذا الحكم مخالف لما كان مستقر عليه القضاء المصرى فى ذلك الوقت فقد أبى إجراء حكم الإمتناع عن العمل حالة الاستقالة حيث كان يكيف علاقة الموظف بالدولة على أنها علاقة تعاقدية وبالتالى يكون للموظف الحق فى فسخ العقد غير محدود المدة متى شاء وفى أى وقت أراد أى أن الموظف له الحق فى الإمتناع عن العمل بتقديم إستقالته وينقطع عنه لمجرد تقديمها دون أن يحاكم على ذلك ولكن المشرع هنا مجارياً فى ذلك الفقه والقضاء الحديث نظراً إلى علاقة الموظف بالدولة على انها علاقة قانونية أو تنظيمية مردها إلى القانون واللوائح لا النصوص التعاقدية ولذلك يكون المشرع جعل تجريم فعل الامتناع عن العمل رهناً بإرادة الجهة الإدارية التابع لها الموظف فإذا قبلت استقالته فليس هناك جريمة وأن أرجأت الفصل فيها بسبب أو لأخر اعتبر هذا الامتناع جريمة معاقب عليها لأن فى امتناعه هذا عن العمل خروجاً على واجبات وظيفته ومخالفة منه بمبدء سير المرافق العامة بإستمرار وانتظام

3- المادة 124 القديمة كانت تشترط للعقاب على الاضراب الذى يقع من ثلاثة موظفين أو مستخدمين أو أكثر أن يكون مسبوقاً بإتفاق بينهم على الاضراب ولكن نص المادة 124 الجديدة المقابلة لهذه المادة القديمة لا تشترط الاتفاق والتشاور السابق إنما جاءت خلواً من إيراد مثل هذا الشرط لذلك يكتفى للعقاب على الاضراب طبقاً للنص الحديث أن يكون الهدف من قيامه تحقيق غرض مشترك وعلى هذا فالموظف الذى يضرب عن عمله من أكثر البلاد ولنفس الغرض من أجله أضرب زملائه الأخرون فى أدنى البلاد فإنه يقع ولا شك تحت طائلة العقاب بالرغم من عدم وجود إتفاق سابق بينه وبين زملائه على الاضراب

4- كانت المادة 124 من قانون العقوبات الصادر سنة 1937 يشترط العقاب على الاضراب أن يكون قد وقع بدون مسوغ شرعى يبرره ولكن النص الجديد المقابل جاء حالياً من إشتراط هذا القيد الأمر الذى يؤكد أن الإضراب أصبح معاقباً عليه فى جميع الأحوال سواء استند إلى مسوغ شرعى أم لم يستند إليه وقد بررت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 24 لسنة 1951 حذف المسوغ الشرعى فقالت ( أن الإضراب فى الحالات المعاقب عليها يكون بذاته فعلاً غير مشروع لا يبرره مسوغ بالنظر إلى خطورة نتائجه وأضراره بسير الأداه الحكومية وشلها على أداء واجبتها )

5- نصت الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 124 من القانون رقم 24 لسنة 1951 على ما يأتى ( كل موظف أومستخدم عمومى ترك عمله أو أمتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الاخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز ال 50 جنيه ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كانت ترك أ والامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم فى خطر أو كان من شأنه أن يحدث إضراباً أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة )

كانت المادة 124 ع القديمة لا تعاقب على ترك الموظف أو المستخدم أو الاجير لعمله إلا إذا ترتب عليه أو كان من شأنه أن يترتب عليه تعريض حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم للخطر أو إذا نشأت عنه فتنة أو كان من شأنه أن تنشأ عنه فتنه أو إذا أضر بمصلحة عامة بيد
أن النصوص الجديدة تعاقب الموظف أو المستخدم أو الأجير الذى يترك عمله أو يمتنع عنه إذا أنحصر هذا الترك أو الامتناع عن العمل بغية عرقلة سير العمل أو الاخلال بإنتظامه وتكون العقوبة أيضاً فى هذه الحالة هى الحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو غرامة 50 جنيه ويزداد الحد الأقصى للعقوبة طبقاً للفقرة الرابعة من هذه المادة إلى الضعب إذا كان ترك الموظف أو المستخدم او الأجير أو إمتناعه عن العمل من شأنه حدوث اضطرابات أو قيام فتنة بين الجمهور أو إذا نشأ عنه إضرار بالمصلحة العامة .

6- نصت المادة 124 ع أ فى فقرتها الأولى على ما يأتى :-

( يعاقب بعض العقوبات المقررة بالمادة 124 كلا من اشترك بطريق التحريض فى ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها ) فهذه الفقرة تعاقب المحرضين على الاضراب وتقرر عقوبات خاصة لهم أشد وأقسى مما تقضى به القواعد العامة بالنسبة للإشتراك بالتحريض أى أن هذه الفقرة جاءت بحكم مخالف للقواعد العامة المقررة فى القانون الجنائى بالنسبة لعقاب الشركاء حيث أن هذا القانون يجعل عقوبة الشريك هى نفس عقوبة الفاعل الأصلى الذى وقع منه الفعل فتنص المادة 41 من قانون العقوبات المصرى على أنه ( من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها إلا ما استثنى قانوناًُ بنص خاص ) فهذا النص يلزم القاضى بأن يطبق على الشريك النص الخاص بالجريمة التى ساهم فيها المقرر تطبيقه على الفاعل وأن يوقع عليه العقوبة بعينها التى قررها هذا النص أى أنه طبقاً لهذه القواعد العامة لابد وأن تكون هناك مساوة بين الفاعل الأصلى الذى ظهر على مسرح الجريمة والشريك المساهم معه فيها فى الخضوع لنص 1 وفى استحقاق العقاب المقرر فيه بيد أن المادة 124 ع أ خالفة ذلك وخرجت على القاعدة المتقدمة وقررت عقوبة خاصة للشريك المحرض هى ضعف عقوبة الفاعل الأصلى وذلك لأن المشرع رأى فى هذه الحالة أن الشريك يكون له من مركزه الخاص ما يجعله أشد خطراً على سير المرافق العامة فى استمرار من الموظف أو المستخدم العام المضرب عن العمل

7- نصت الفقرة الثانية من المادة 124 ع أ على ما يأتى : ( ويعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة الأولى من المادة المذكورة كلا من حرض أو شجع موظفاً أو مستخدماً عمومياً أو موظفين أو مستخدمين عموميين بأى طريقة كانت على ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة إذا لما يترتب على تحريضة أو تشجيعه أية نتيجة ) جاءت هذه الفقرة ايضا بحكم جديد يخالف القواعد العامة المقررة فى قانون العقوبات بالنسبة لعقوبة الشريك فالقواعد العامة لا تعاقب الشريك إلا إذا وقع الفعل الأصلى المكون للجريمة والتحريض بأعتباره وسيلة من وسائل الاشتراك لا يعاقب عليه إلا إذا أدى إلى وقوع الجريمة فالقانون عليه لذاته وإنما بالنسبة لتأثيره المفضى إلى وقوع الجريمة ولكن النص الجديد الوارد ذكره فى الفقرة الثانية من المادة المذكورة خالف ذلك وجعل من فعل التحريض على الاضراب جريمة مستقلة يعاقب عليها بذاتها لا بالنسبة لتأثيرها المؤدى إلى وقوع الجريمة والحكمة فى ذلك كما قالت المذكرة الاضاحية للقانون رقم 24 لسنة 1951 ( أن خطورة جرائم الاضراب تتطلب إحتياطات خاصة للوقاية منها والعمل على مكافحة جميع الوسائل التى تؤدى إلى وقوعها )

8- نصت المادة 124 ع أ فى فقرتها الثالثة والرابعة على ما يأتى ( ويعاقب بنفس العقوبة كلا من حبذ جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين من هذه المادة أو الفقرة الأولى من المادة 124 ويعد على وجه الخصوص من وسائل التحبيذ إذاعة أخبار صحيحة أو كاذبة عن هذه الجرائم بأحدى الطرق المنصوص عليها فى المادة 171

وفضلا عنه العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين فهذه المادة لم تكتفى بالعقاب المقرر للمضربين والمحرضين بل أفردت حكماً جديداً يقضى بمعاقبة كل شخص قام من ناحيته بتحبيذ أية جريمة من الجرائم التى نصت عليها أو إذاعة أخبار عن هذه الجرائم سواء كانت هذه الأخبار صحيحة أو كاذبة لأن التحبيذ أو إذاعة الأخبار عن حوادث الأضراب يعتبر من صور التحريض على ارتكاب هذه الجرائم ولم تشترط هذه النصوص طريقة معينة من طرق النشر فيكفى للعقاب هنا أية طريقة من طرق النشر المنصوص عليها فى المادة 171 من قانون العقوبات ولم تكتفى هذه المادة بالعقوبة الجنائية فى هذا المجال وإنما أفردت أيضاً عقوبات تأديبية وهى العزل من الوظيفة وذلك إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين

9- نصت المادة 124 ع ب على أنه ( يعاقب بالعقوبات المبينة فى الفقرة الثانية من المادة 124 كل من اعتدى أو شرع فى الاعتداء على حق الموظفين أو المستخدمين العموميين فى العمل بإستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد غير المشروع على الوجه المبين فى المادة 375 ) أو ردت هذه المادة ايضاً حكماً جديداً بمقتضاه يعاقب كل شخص اعتدى أو شرع فقط فى الاعتداء على حق الموظفين أو المستخدمين العموميين فى عملهم سواء كان ذلك بإستعمال القوة أو الإرهاب أو التهديد أو القيام بتدابير غير مشروعة كالأستمرار فى تتبع الموظفين أو المستخدمين العموميين فى ذهابهم وإيابهم أو الوقوف منهم مواقف تهديديه سواء بالقرب من منازلهم أو بالقرب من المكان القاطنين فيه أو الذين يعملون فيه وقصد المشرع من إيراد المادة 124 ع ب التى تعاقب الاشخاص الذين يعتدون أو يشرعون فى الأعتداء على حق الموظفين أو المستخدمين العموميين فى العمل بإستعمال أحدى الطرق المنصوص عليها فى هذه المادة هو الحيلولة دون من تسول لهم أنفسهم الشريرة القيام بالإضراب وبين من لا يريدون المشاركة فيه بغية ضمان سير المرافق العامة بإنتظام وإطراد

10- نصت المادة 124 ج على ما يأتى ( فيما يتعلق بتطبيق المواد الثلاثة السابقة يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع الأجراء الذين يشتغلون بأية صفة كانت فى خدمة الحكومة أو فى خدمة سلطة من السلطات الإقليمية أو البلدية أو القروية والأشخاص الذين يندبون بتأدية عمل معين من أعمال الحكومة أو السلطات المذكورة ) سوت المادة المذكورة بالموظفين والمستخدمين العموميين فى ما يختص بالأضراب اشخاص ليسوا بموظفين أو مستخدمين عموميين والدليل على ذلك أن القانون القديم لم يفرد نصاً لعقابهم حينما كانوا يقترفوا جرائم الإضراب وما دام أن هؤلاء الأشخاص الذين ذكرتهم المادة 124 ج ليسوا فى الأصل موظفين أو مستخدمين عموميين وحيث أن إتجاه المشرع فى القانون الجديد هو تحريم جرائم الاضراب فكان يجب منطقياً وضع هؤلاء الاشخاص فى مركز خاص أقل شدة من المقرر للموظفين أو المستخدمين العموميين ولا سيما أنهم لا يتمتعون بضمانات وامتيازات الموظفين أو المستخدمين العموميين ولقد بالغ المشرع هنا فى العقاب إذ نراه قد وسع من نطاقه حتى جعله شاملاً للأشخاص الذين يندبون مجرد إنتداب لخدمة الحكومة أو خدمة السلطات الإقليمية أو البلدية أو القروية .

المطلب الثانى

عمال المرافق العامة التى تدار بطريق غير مباشر

نصت المادة 374 من القانون رقم 24 لسنة 1951 المعدل لقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 على أنه ( يحظر على المستخدمين والأجراء الذين يقومون بخدمة عامة أو بخدمة فى المرافق العامة أو بعمل يسد حاجة عامة ولو لم يكن موضوعاً لها نظام خاص أن يتركوا عملهم أو يمتنعوا عنه عمداً وتجرى فى شأن ذلك جميع الأحكام المبينه فى المادتين 124 ، 1124 أ وتطبق العقوبات المنصوص عليها فيهما على هؤلاء المستخدمين والأجراء والمحرضين والمشجعين والمحبذين والمذيعيين على حسب الأحوال ) ونلاحظ على المادة المذكورة ما يأتى :

1- كانت المادة 374 من قانون العقوبات الصادر سنة 1937 تقتصر على المستخدمين والأجراء الذين يعملون فى خدمة المرافق العامة التى تدار بطريق الامتياز وكانت هذه المادة لا تعاقب على الاضراب الذى يقع من هؤلاء الأشخاص وإنما كانت تعاقب فقط على عدم مراعاة إجراءات ومواعيد الإخطار السابق على هذا الإضراب فالإضراب فى ذاته كان مباحاً لهم إذا تقدمه إخطار سابق فى مواعيد معينة ولكن المادة 374 من القانون رقم 24 لسنة 1951 سوت بين عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر وبين غيرهم من عمال المرافق العامة المختلفة فى تحريم الاضراب ذاته حتى إذا كان قد سبقه أخطار وبذلك أصبح الإضراب محظوراً على جميع العاملين فى المرافق العامة المختلفة مهما أختلفت طرق إدارتها أى أن المشرع عندما نص فى المادة 374 ع جديدة على تحريم الإضراب على عمال المرافق العامة التى تدار بغير الطريق الإدارى المباشر لم يقتصر على طريقة الالتزام كما كان الوضع فى المادة 374 ع القديمة وإنما استعمل فى النص الجديد صيغة عامة تشمل جميع وسائل إدار المرافق العامة سواء كانت تدار عن طريق الريجي أو عن طريق الامتياز أو غيرهما من الطرق

2- أن النص الجديد يحرم الاضراب على المستخدمين والاجراء الذين يقيمون بعمل يسد حاجة عامة وهم الاشخاص الذين يعملون فى المشروعات الخاصة ذات النفع العام أى أن المشرع لم يعد يقتصرهنا على تحريم الاضراب الذى يقع من عمال المرافق العامة فحسب وإنما مد التحريم على الإضراب حتى يجعله يشمل عمال المشروعات الخاصة التى تؤدى خدمات عامة للجمهور ولكننا نرى بأن المشرع لا يمكن ان يكون قد اراد بهذه الصيغة تحريم الاضراب على عمال المشروعات الحرة والمساوة بينهم وبين عمال المرافق العامة وإنما الذى يقصده هو الإشارة إلى عمال المرافق التى تدار بغير الطريق الإدارى المباشر وبصفة خاصة طريقة الإمتياز وقد استندنا فى تأييد هذا الرأى إلى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 24 لسنة 1951 الخاص بتعديل المواد 124 124 أ 124 ب 124 ج 374 ، 374 مقرر 375 من قانون العقوبات فقد جاء فى هذه المذكرة تعليقاً على المادة 374 ( كانت المادة 374 من قانون العقوبات الصادر سنة 1937 تنص على ما يأتى :

محظور على المستخدمين والأجراء التابعيين لمصلحة خاصة حاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة كالسكك الحديدية والترامواى والتنوير وتوريد المياه وما شابه ذلك أن يتوقفوا عن العمل كلهم معاً أو جماعات بكيفية يتعطل معها سير العمل فى تلك المصلحة بدون أن يخطروا المدير أو المحافظ بذلك قبل الوقت الذى ينوون فيه التوقف عن العمل بخمسة عشر يوماً على الأقل ويقدم هذا الاخطار بالكتابة ويكون موقعاً عليه بإمضاء أو ختم المستخدمين والأجراء الذين ينوون التوقف عن العمل وتبين فيه أسباب هذا التوقف ويعطى لذوى الشأن وصل يذكر فيه تاريخ استلام الاخطار وساعته .

والتوقف عن العمل بدون مراعاة الأحكام الواردة فى الفقرة السابقة والميعاد المنصوص عليه فيها يعد جريمة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد عن 50 جنيه وقد عدل هذا النص بمقتضى المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946 وذلك بتطبيق الأحكام المبينة بالمادتين 124 ، 124 أ والعقوبات المنصوص عليها فيهما على المستخدمين والأجراء المشار إليهم والمحرضين والمشجعين والمحبذين والمذيعيين على حسب الأحوال وبعبارة أخرى سوى بين هؤلاء فى جرائم الاضراب وبين الموظفين لأن المرافق العامة التى يقوم عليها هؤلاء المستخدمين والاجراء تتصل بحياة الناس وتمس حاجاتهم الضرورية مثلها فى ذلك الأعمال التى تؤديها الحكومة عن طريق موظفيها فالتسوية بين هذين النوعيين من المرافق العامة فى العمل على استمرارها أمر واجب

وقد كانت المادة لا تتناول بالعقاب الحالة التى يحصل فيها إبلاغ المدير أو المحافظ التوقف عن العمل قبل حصوله فرؤي حذف هذا القيد تسوية بين أعمال المرافق العامة وبين أعمال الحكومة التى لم يرد فى شأنها مثل هذا القيد كما ان مجرد وقف العمل فى هذه المرافق ضار بالجمهور ضرراً عاجلاً محققاً وقد استندنا على هذه المذكرة فى تبرير وتأييد الرأى الذى يقول به وهو أن المشرع فى المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 1951 إنما أراد تحريم الاضراب على عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الامتياز فقط اسوة بعمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر ولا شأن لهذا القانون بعمال المشروعات الخاصة وقد خالف الدكتور مصطفى أبو زيد هذا الرأى مستنداً فى ذلك إلى ذات المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 24 لسنة 1951 ويرى سيادته فيها خير دليل على تأييد الرأى الذى يقول به وهو أن المادة 374 ع الجديدة لا تقتصر على الإضراب الذى يقع من عمال المرافق العامة فحسب بل تتجاوز هذا النطاق إلى عمال المشروعات الخاصة ويرى أن المذكرة الإيضاحية لم تفعل أكثر من أنها قالت أن النص الجديد قد ساوى بين عمال المرافق العامة جميعاً فى تحريم الاضراب ولم يجعل تحريم الاضراب قاصرا على عمال المرافق العامة دون غيرها وقالت أن القانون أراد التسوية بين أعمال الحكومة وأعمال المرافق العامة ولكنها لا تنص على أن القانون قصد الأضراب فقط على هاتين الحالتين الريجى والامتياز لا تصريحاً ولا تلميحاً .

واستند الدكتور مصطفى ابو زيد إلى صراحة النصوص فهى قاطعة فى تحريم الاضراب على المستخدمين والاجراء الذين يقومون بخدمة عامة أو بخدمة فى المرافق العامة أو بعمل يسد حاجة عامة الأمر الذى يدل على أن الاضراب اصبح محرماً على العاملين فى المشروعات الخاصة ذات النفع العام ونحن نرى أنه لا مجال للإجتهاد أمام صراحة النصوص فالنصوص صريحة وقاطعة الدلالة فى إنطباقها ليس فقط على عمال المرافق العامة ولكن أيضا على عمال المشروعات الخاصة ذات النفع العام

فالمادة 374 ع من القانون رقم 24 لسنة 1951 أصبحت فى وضعها الجديد غير مقتصره على عمال المرافق العامة فحسب لأن هذه المرافق لها نظام خاص يحكمها فتسير على هديه وإنما تمتد فتشمل مشروعات أخرى خلاف المرافق العامة وهى المشروعات التى تسدى خدمات عامة للجمهور مثل المدارس الحرة والجمعيات الخيرية والمستشفيات الخاصة والملاجئ ويشمل النص الجديد هذه المشروعات على ما نعتقد حتى إذا لم تتوافر لها مقومات وأركان المرافق العامة وذلك لأن هذه المشروعات ليس لديها نظام خاص بها ولأن النص صريح فى ترجيح كفة الرأى الذى نقوم به فنص المادة 374 ( او بعمل يسد حاجة عامة ولو لم يكن موضوعاً لها نظام خاص ) يشعر ولأول وهله بأن تحريم الإضراب لم يعد كمان كان الوضع فى النصوص القديمة قاصراُ على عمال المرافق العامة وإنما يتجاوز نطاقه هذا المجال ويمتد إلى عمال المشروعات الخاصة ذات النفع العام

نصت المادة 374 ع مقرر من القانون رقم 24 لسنة 1951 على أنه ( يحظر على المتعاهدين وعلى كل من يدير مرفقاً أو عمل من الأعمال العامة المشار إليها فى المادة السابقة أن يوقفوا العمل بكيفية يتعطل معها أداء الخدمة العامة وإنتظامها وتطبق عليهم وعلى المحرضين وعلى المشجعين والمحبذين والمذيعيين العقوبات المنصوص عليها فى المادتين 124 ، 124 أ على حسب الأحوال ) ونظراً إلى أهمية المرافق العامة وضرورة سيرها بانتظام واستمرار فان النصوص الجديدة لك تكتفى بالعقاب المقرر للموظفين والمسخدمين العموميين والاجراء بل أفردت نصاً خاصاً بعقاب المتعاهدين وايضا كل شخص يدير مرفقاً من المرافق العامة أو المشروعات الخاصة ذات النفع العام طبقاً للرأى الذى انتهيناً إليه إذا أوقفوا العمل بطريقة يتعطل معها أداء الخدمة العامة وانتظامها لأن المصلحة العامة تضار بذلك كما لو كان الوقف حاصلا من المستخدمين والاجراء الذين يعملون فى هذه المرافق

وجاء بالمذكرة الايضاحية تعليقاً على نص المادة 374 ع مقرر ما يأتى :

( هذا النص مستحدث بالمرسوم بالقانون سالف الذكر وهو يرمى إلى حماية المرافق العامة ممن يتولون إدارتها إذا ما بدى لهم تعطيلها أو وقفها على نحو يمتنع أداء الخدمة العامة وانتظامها لأن المصلحة العامة تضار فى هذه الحالة كما لو كان تعطيل العمل حاصلا من المستخدمين والاجراء الذين يعملون فى هذه المرافق ) ولقد ساوت الفقرة الثانية من المادة 374 ع مكرر فى العقوبة بين مديرى المرافق العامة وبين المحرضين والمشجعين لهم والمحبذين والمذيعيين واخضعتهم جميعاً للعقوبات الوارد ذكرها فى المادتين 124 و 124 أ على حسب الأحوال

المبحث الثالث

الاعتداء على حرية الغير فى العمل

نصت المادة 375 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 24 لسنة 1951 على ما يأتى

يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد عن 100 جنيه كل من استعمل القوة أو العنف أو الارهاب او التهديد أو التدابير غير المشروعة فى الاعتداء أو الشروع فى الاعتداء على حق من الحقوق الآتية :-

أولاً : حق الغير فى العمل

ثانياً : حق الغير فى أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام اى شخص

ثالثاً : حق الغير فى أن يشترك فى جمعية من الجمعيات

ويطبق حكم هذه المادة ولو استعملت القوة أو العنف أو الأرهاب أو التدابير غير المشروعة مع زوج الشخص المقصود أو مع أولاده وتعد من التدابير غير المشروعة الأفعال الآتية على الأخص .

أولاً : تتبع الشخص المقصود بطريقة مستمرة فى غدوة ورواحة أو الوقوف موقف التهديد بالقرب من منزله أو بالقرب من أى مكان أخر يقطنه أو يشتغل فيه

ثانياً : منعه من مزاولة عمله بإخفاء ادواته أو ملابسه أو أى شخص أخر مما يستعمله أو بأى طريقة أخرى ويعاقب بنفس العقوبة السالف ذكرها كل من يحرض الغير بأية طريقة على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذه المادة فكثيراً ما يحدث أن يعتدى بعض العمال المضربين على أحد زملائهم بغية أرغامهم على الاشتراك معهم فى اقتراف جرائم الاضراب ولا شك أن وسائل الاعتداء أو الاكراه كثيرة ومتعددة الصور وقد يتوافر فى هذه الوسائل أركان أحدى الجرائم كالسب أو الضرب وفى هذه الحالة يعاقب المعتدى طبقاً للقواعد العامة فى قانون العقوبات ويحكم عليه بالعقوبة المقررة بنوع الجريمة التى اقترفها كباقى الافراد

ومع ذلك قرر المشرع الجنائى الاهتمام بجرائم الاعتداء على حرية الغير فى العمل وفرد عقوبات خاصة لها وذلك لأن العقوبات المقررة لبعض وسائل الاعتداء تعتبر بسيطة وغير رادعة فى حالات حرية العمل كما أن هناك وسائل أخرى للأعتداء على حرية العمل وتستخدم عادة فى الاضراب ومع ذلك لم يعاقب عليها قانون العقوبات لذلك فقد وضع المشرع الجنائى نظاماً خاصة لجرائم الاعتداء على حرية الغير فى العمل ويتلخص هذا النظام فى فرد عقوبة جنائية وهى عبارة عن الحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد عن 100 جنيه ضد كل شخص استعمل القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو تدابير غير مشروعة فى الاعتداء أو فى الشروع فى الاعتداء على حق من الحقوق الأتية

أولاًُ : حق الغير فى العمل

ويلاحظ أن المقصود بهذه العبارة هو حماية العامل من كل اعتداء يقع عليه ويكون القصد منه أكراهه على الأضراب أو ارغامة على الاستقالة او الاستخدام ولم ينص المشرع على حق الغير فى الامتناع عن العمل مما يدع مجالاً واسعاً للتفسير واختلاف الرأى ونحن نرى أن المادة 375 ع تشمل أيضاُ حالة الاعتداء الواقع على العامل لإرغامة على العمل أسوة بحق الغير فى العمل المنصوص عليها .

ثانياً : حق الغير فى أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام أى شخص أى ضرورة حماية صحب العمل وعدم ارغامة على قبول أو فصل أحد العمال فلا بد وأن يكون صاحب العمل متمتعاً حرية التشغيل الكاملة فى محله أو مصنعه

ثالثاً : حق الغير فى أن يشترك فى جمعية من الجمعيات وهذا اللفظ شامل للطرفين العامل وصاحب العمل فيجب حمايتهم وعدم اكراههم على الانضمام أو عدم الاشتراك فى جمعية من الجمعيات .

ولا يشترط فى الاعتداء أن يكون منصباً على الشخص المقصود مباشرة بل أوضحت المادة 375 ع بأنه يكفى وجهاً بالعقاب أن يكون الاعتداء واقعاً على زوج الشخص المقصود وأولادة فالاعتداء الواقع على هذا الصنف من الاقارب لا يقل فاعلية عن الاعتداء الواقع على الشخص المقصود ولفظ زوج فى هذه المادة شامل للرجل والمرأة لذلك فإن قصد المشرع من إيراد كلمة زوج الشخص المقصود يمشل زوجات العمال وأصحاب الأعمال كما يشمل أيضاً أزواج العاملات وأصحاب الأعمال كذلك فإن غرض المشرع من إيراد كلمة أولادة يشمل البنين والبنات لذا فإن قصده من أولاد الشخص المقصود هو ابناء وبنات العمال وأصحاب الأعمال أيضاً وقد ضربة لنا المادة 375 ع مثليين على التدابير غير المشروعة دون أن تضع تعريفاً لها بل أكتفت بأن ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر وهما :

أولاً : تتبع الشخص المقصود بطريقة مستمرة فى غدوة ورواحة أو الوقوف موقف التهددي بالقرب من منزلهم أو أى مكان أخر يقطنه أو يشتغل فيه

ثانياً : منعه من مزاولة عمله بإخفاء أدواته أو ملابسه أو أى شئ أخر مما يستعمله أو بأىطريقة أخرى ونخلص من ذلك أن لجريمة الاعتداء على حرية الغير فى العمل ثلاثة أركان هى

1- الاعتداء

2- عدم المساس بأحد الحقوق الثلاثة سالفة الذكر

3- القصد الجنائى

المبحث الرابع

مبدأ دوام سير المرافق العامة

تؤدى المرافق العامة خدمات اساسية للأفراد يبنون عليها نظام حياتهم على أساس توفير المرافق لهذه الخدمات الضرورية التى لا يمكن الاستغناء عنها ومن ثم يؤدى توقف سير المرفق العام أو عدم سيره سيراً منتظماً إلى توقفه عن تقديم تلك الخدمات الضرورية أو قصورة فى إشباع حاجات الأفراد وبالتالى تقع الأضرار ويختل نظام المجتمع فمثلا أذا توقف مرفق الأمن عن أداء خدماته فى حفظ النظام ووقاية المجتمع وتوقف مرفق المياه أو الكهرباء أو المواصلات عن تقديم الخدمات إلى المنتفعين لأدى ذلك إلى الإضرار بالاقتصاد القومى ووقوع الكوارث والفوضى الاجتماعية ولذا فقد أجمع الفقهاء على أن أهم القواعد الحاكمة فى سير المرفق العام انتظامها واستمرارها فى سيرها بلا توقف او انقطاع وأنها لا تحتاج إلى النص عليها فى الدستور أو تشريع أو لائحة وإذا ورد النص على هذا المبدأ فى دستور التشريع أو لائحة فإن هذه النصوص لا تعتبر منشئة بمبدأ جديد وإنما مجرد تأكيد لمبدأ ثابت وقائم فهذا المبدأ يضع على عاتق الإدارة واجبات كثيرة حتى تضمن استمرار اداء الخدمة للمنتفعين وقد أقر القضاء هذا المبدأ وطبقه فى العديد من أحكامه دون أن يحتاج إلى نص تشريعى يقرره وتتمثل أهم نتائج الالتزام بمبدأ دوام سير المرافق العامة فى تحريم الاضراب على العاملين بالمرافق العامة وتنظيم استقالتهم والاعتراف بنظرية الموظف الفعلى ونظرية الظروف الطارئة فى مجال العقود الإدارية التى تبرمها المرافق العامة مع الافراد .

المطلب الأول

تحريم الإضراب على العاملين بالمرافق العامة

يعد الإضراب إجراءاً خطيراً يشل حركة المرافق العامة أخطر ما يهدد سير المرافق بإنتظام وإطراد وقصد به اتفاق بعض عمال عن الامتناع عن العمل مدة من الزمن دون أن تنصرف نيتهم إلى التخلى عن وظائفهم نهائياً وذلك بقصد إظهار استيائهم من أمر من الأمور أو الوصول إلى تحقيق بعض المطالب لا سيما المتعلقة برفع الأجور أو إلغاء قرار معين وهو يتم غالباً بطريقة جماعية يديرها وتنظمها نقابات العمال فهو يفترض وجود اتفاق بين عدة اشخاص على الامتناع عن تأدية أعمالهم المنوظة بهم ولذا فهو إجراء خطير يعطل سير المرافق العامة ويهدد المجتمع كله وقد ظل الاضراب فى فرنسا عملا غير مشروح حتى سنة 1946 بصدور دستور الجمهورية الرابعة فقد جرى قضاء مجلس الدولة الفرنسى قبل سنة 1946 على اعتبار الاضراب خطأ شخصياً وخروج عن القوانين واللوائح ويستوى فى ذلك أن يكون المضرب عاملاً فى مرفق إدارى أو مرفق تجارى وصناعى أو مرفق يدار بأسلوب الريجى أو بأسلوب الالتزام ولذلك فقد أقر مجلس الدولة الفرنسى الجزاءات التى توقعها الادارة على الموظف المضرب وكان ذلك لأول مرة فى حكمه الصادر 27 أغسطس عام 1909 فى قضية Winkll الشهيرة ثم جاء دستور أكتوبر سنة 1946 ونص فى دباجيته على أن حق الأضراب يباشر فى حدود القوانين التى تنظمه وأحال دستور الجمهورية الخامسة 1958 إلى إعلان حقوق الانسان الصادر فى سنة 1789 ومقدمة دستور سنة 1946 الذى تنص على أن ( يعلن الشعب الفرنسى بصفة رسمية تمسكه بحقوق الانسان ومبادئ السيادة الوطنية بالصورة التى حددت بها فى إعلان حقوق الانسان لعام 1789 والتى أكدتها وأكملتها مقدمة دستور سنة 1946 وصدر استناداً لمقدمة دستور عام 1958 قانون 31 يوليو عام 1663 المنظم لحق الاضراب والذى حظر الاضراب الشامل وألزم النقابات التى ترغب فى القيام فى غير هذه الحالة بمجموعة من الضوابط هى :

أ- ابلاغ السلطات العامة قبل القيام بالاضراب بخمسة أيام على الأقل حتى تستطيع استخدام التدابير اللازمة نحو

ب- احتواء الاخطار بالاضراب على اسباب الالتجاء إليه

جـ- تحديد مكان وزمن الاضراب وساعة البدء فيه حتى تكون السلطات المختصة على علم بالاضراب فتؤمن نفسهاضد خطر المضربيين أو الحد من شرورهم ورتب المشرع جزاءات تأديبية على المخالفين لقواعده وأحكامه وصدر أيضاً قانون 13 يوليو عام 1983 بشأن حقوق وواجبات الموظفين وأكد على أن ( يمارس الموظفون حق الاضراب فى اطار القوانين التى تنظمه )

وهذا عن تحريم الاضراب فى فرنسا أما فى مصر فلم يحرم المشرع المصرى الاضراب جنائياً حتى عام 1923 مكتفياً باعتباره جريمة تأديبية تستتبع توقيع العقوبات التأديبية لضمان انتظام سير المرافق العامة فقد حرم الاضراب بإصداره القانون رقم 37 لسنة 1923 الذى حرم الاضراب فى المرافق التى تدار بالطريق المباشر أى طريق الريجى ولكنه لم يحرم الاضراب فى المرافق التى تدار بالطريق غير المباشر كالتزام المرافق العامة وانما اكتفى بتنظيمه فقط وعلى اثر الاضرابات التى وقعت من موظفى مصلحة التليفونات والمدرسين والمهندسين بعد الحرب العالمية الثانية لجأ المشرع إلى تشديد عقوبة الاضراب وذلك بموجب المرسوم بالقانون رقم 116 لسنة 1946 الذى عدل بالقانون رقم 24 لسنة 1951 وهذان التشريعان عدلا قانون العقوبات بتحريم الاضراب على العاملين فى الحكومة والمشروعات العامة ويستفاد من النصوص تحريم الاضراب فى المشروعات الخاصة

ولم يتعرض دستور 1971 لموضوع الأضراب غير أنه وفى عام 1977 وعقب أحداث 18 و19 يناير من نفس العام اصدر رئيس الجمهورية قرارا بقانون استناداً إلى نص المادة 74 من الدستور بتاريخ 3/2/1977 ونص فى مادته السابعة على أن ( يعاقب كل العاملين الذين يضربون عن عملهم عمداً متفقين فى ذلك أو مبتغيين تحقيق غرض مشترك بالاشغال الشاقة المؤبدة وذلك إذا كان من شأن هذا الاضراب تهديد الاقتصاد القومى )

وفى عام 1981 انضمت مصر إلى الاتفاقية الدولية لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المبرمة عام 1966 والتى نصت فى مادتها الثانية على الاعتراف بحق الاضراب وممارسته طبقاً لقوانين كل قطر ومنح كل دولة الحق فى فرض القيود القانونية على ممارسة هذا الحق بواسطة سلطاتها المختلفة وهذه الاتفاقية لا تسرى بذاتها مقررة حق اصدار كل دولة تشريعاً ينظم حق الاضراب ونرى أنه ينبغى أن يتضمن هذا التنظيم التأكيد على ممارسة هذا الحق ولا ينال من الصالح العام وهذا الاتجاه بدأت بوادره فى مصر بمشروع قانون العمل الجديد والذى وضع بابا كاملاً للأضراب والاغلاق ونصت المادة 193 منه على أن ( الإضراب إجراء سلمى وحق للعمال تمارسه منظماتهم النقابية للدفاع عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية ) فهذا هو أول نص يعطى للعمال الحق فى الاضراب من خلال منظمتهم النقابية وليته يضم باقى طوائف الشعب من خلال النص عليه فى قوانين العاملين المدنيين والقوانين الأخرى التى تنظم شئون العاملين بالدولة لأن الأضراب يؤدى الى التوفيق بين اعتبارات المصلحة العامة ومصالح الافراد الذين من حقهم التعبير عن مطالبهم التى قد تكون أحياناً حقوق مشروعة لهم وبذلك نكون قد سايرنا الدول الأخرى والتزمنا بالمنظومة الدولية فى اقرارها
لهذا الحق .

المطلب الثانى

مبدأ قابلية المرافق العامة التعديل والتغيير

يقصد بمبدأ قابلية المرافق العامة للتعديل والتغيير منح الإدارة حق تعديل القواعد القانونية واللائحية التى تنظم سير العمل بالمرفق العام وتعديل أنماط خدماته حتى تكون متجاوبة بإستمرار مع تطورات المصلحة العامة تطورات العصر وبما يمكنها من القيام بخدامتها للمنتفعين بأقل تكلفة وأفضل الأساليب فالقائمون على المرفق العام لهم حق تعديل النظام القانونى للمرفق سواء فيما يتعلق بنظام المرفق وطريقة تسييره أو بالخدمة التى يؤديها أو بنظام العاملين بالمرفق ولا يستطيع العاملون بالمرفق العام المطالبة ببقاء تنظيم المرفق ووسائل تسييره دون تغيير استناداً إلى حقوق مكتسبه لهم تحول دون التعديل أو التغيير وقاعدة التعديل والتغيير لا تقتصر على المرافق التى تدار بطريق الريجى كالمرافق التى تدار بأسلوب الالتزام بل أنها تمتد لتشمل جميع أنواع المرافق العامة أياً كانت وسيلة إدارتها ولما كان التعديل والتغيير يكون وفقا للمصلحه العامه فان المصلحه العامه تتغير من عصر الى عصر ومن بلد الى بلد ومن نظام الى نظام تماشيا مع التغيرات السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه وطالما انها تتغير فيجوز تعديل القوانين واللوائح المنظمة للمرافق العامة حتى تكون ملائمة لما يحدث من تطورات لمقتضيات المصلحة العامة .

وهذا المبدأ وأن لم يضعه المشرع فى نص صريح إلا أنه يعد من المبادئ الأساسية الحاكمة لسير المرافق العامة فقد استخلصه القضاء الادارى وأقره الفقه وبين حدوده وحدد معالمه فقد استقرت احكام القضاء فى مصر وفى فرنسا على أن من حق جهة الادارة وضع القواعد التنظيمية فى سير المرافق الذى تقوم على شئونه وأن لها فى أى وقت تعديل هذه القواعد والغائها وفقاً لما تراه الأحسن لضمان حسن سير المرافق وقرارها فى ذلك مطلق تستقل به دون معقب عليها ما دام قد خلى من أساءة استعمال السلطة كما أن للجهة الإدارية سلطة وضع الأنظمة التى تراها ملائمة لسير المرافق والخدمات العامة التى تتولاها سيراً منتظماً ومنتجاً وكذلك لها تعديل هذه الأنظمة بما تراه متفق مع الصالح العام دون أن يكون لأحد من الناس الادعاء يقيام حق مكتسب فى استمرار نظام معين ويعتبر القضاء المنتفعين بخدمات المرافق العامة فى مراكز تنظيمية عامة بالنسبة لسير المرافق العامة وأساليب تقديمها للخدمات العامة التى أنشأت من أجلها ولا يجوز للمنتفعين الادعاء بحقوق مكتسبة فى بقاء تنظيم المرفق العام دون تعديل وأنما يخضعون للتنظيمات والتغيرات الجديدة التى تجريها الإدارة فى أسلوب سير وكيفية أداء المرافق للخدمات ومن ذلك حقها فى أن تلغى بعض خطوط المواصلات العامة كالسكك الحديدية أو تغيير مسارها وطريقة عملها دون أن يكون للمنتفعين من خدمات المرفق الاحتجاج عليها بحقوق مكتسبة فى استمرار خدمات المرفق كما كانت وخلاصة القول أن هذا المبدأ من المبادئ الأساسية فى سير المرافق العامة ولا يجوز لجهة الإدارة أن تتنازل عنه مقدما أو تحد من حريتها فى السير على مقتضاه والعمل بأحكامه فهو مبدأ عام تمليه اعتبارات المصلحة العامة وتفرضة ضرورة المواءمة المستمرة بين تنظيمات المرفق وبين الظروف المتغيرة .

المبحث الخامس

تقرير المنظمة المصرية حول الإضرابات والاعتصامات خلال عام 2009

أولاً الإضرابات :-

رصدت المنظمة منذ يناير حتى يوليو لعام 2009 (14) حالة إضراب عن العمل شملت محتلف الفئات ما بين صيادلة ومحامين وعمال مصانع وسائقين وموظفى دوائر حكومية وتدور معظم هذه الاضرابات حول تحسين الأجور وغلاء الأسعار وعدم صرف رواتب أو بدلات ومن الملاحظ فى أغلب الأضرابات التى تمت عدم وجود حالات اعتقال أو إعتداءات من جانب قوات الأمن وعلى الجانب الآخر عدم وجود أهتمام بمطالب المضربين من قبل الإدارة فى بعض الحالات وفيما يلى بيان الحالات :-

إضراب عمال شركة النيل لحلج الأقطان بمحافظات مصر
إضراب الصيادلة
إضراب الموظفون والإداريون بوزارة التربية والتعليم
إضراب سائقى الأجرة فى المنيا .
إضراب موظفى بريد كفر الشيخ .
إضراب عمال طنطا للكتان
إضراب صيادلة الاسكندرية
إضراب موظفى أوقاف المنيا .
إضراب عمال غزل شبين .
إضراب عمال ورش السكك الحديدية ببنى سويف
إضراب عمال بترو تريد .
إضراب عمال ميجا تيكس للغزل والنسيخ
إضراب عمال شركة جنوب الوادى للبترول بأسوان
إضراب سائقى ميكروباص موقف عبود .
إضراب سائقى قطارات السكك الحديدية .
إضراب سائقى ومالكى المقطورات
إضراب محاموا الإسماعلية
إضراب المحامين بسبب زيادة الرسوم القضائية .
إضراب 50 عامل عن الطعام من شركة هيبي فارم للأدوية
إضراب سائقى سرفيس المنوات بمحافظة 6 أكتوبر
إضراب عمال السويس للأسمدة .
أزمة خبراء وزارة العدل
إضراب موظفى الجامعة العمالية .
إضراب 4 آلاف عامل بشركة أندوراما للغزل .
إضراب 150 سائق لسيارات مياة الشرب فى البحر الأحمر
ثانياً الإعتصامات :-

وقد رصدت المنظمة 44 حالة اعتصام وتدور الغالبية منها حول الإعتصام بسبب إغلاق مصانع وعدم دفع بدلات وحوافز وعمليات نقل تعسفى وإقالة عن العمل وبيانها كالتالى :0

أزمة جريدة البديل
إعتصام أولياء أمور طالبات مدرسة كفر المنصورة .
إعتصام عمال شركة النوبارية للهندسة الزراعية .
إعتصام عمال شركة مصر للغزل والنسيج .
إعتصام مزارعى قرية بياض العرب ببنى سويف
اعتصام مدرسى رياض الأطفال بمحافظة 6 أكتوبر .
اعتصام صحفيوا الوفد .
اعتصام عمال اسمنت حلوان
اعتصام عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى .
اعتصام عمال تلى مصر .
اعتصام 50 أسرة من قرية فردان بالأسماعلية .
اعتصام أهالى قرية التلين بالشرقية .
اعتصام 3 آلاف فلاح من الغربية .
اعتصام 200 عامل من شركة تلى مصر فرع الاسماعلية
اعتصام أهالى قرية بدراوى وكفر بهوت بالدقهلية .
اعتصام أهالى قرية كفر بهوت بالدقهلية .
اعتصام 1500 مواطن أمام مجمع المحاكم بالدقهلية .
أعتصام أولياء أمور تلاميذ مدرسة رمسيس للغات .
اعتصام سكان أحد العقارات أمام حى باب الشعرية .
اعتصام 200 موظف فى إدارة طوخ التعليمية .
اعتصام أهالى كفر الشيخ احتجاجاً على تجريف أراضيهم الزراعية .
اعتصام 150 مزارع بأسيوط احتجاجا على انتزاع اراضيهم الزراعية .
اعتصام 30 عامل بشركة أيبو الخاصة بقطارات النوم .
اعتصام 13 من مزارعى قرية المعتمدية احتجاجاً على شق الطريق الداخلى .
اعتصام عمال مصنع استندر لصناعة الأحذية .
اعتصام 3 آلاف طالب بكلية الحقوق ببنى سويف .
اعتصام شباب 6 أبريل المحامى العام بكفر الشيخ
اعتصام موظفى الجامعة العمالية .
اعتصام عمال وموظفى السرك.
اعتصام عمال الحفر للبترول .
اعتصام 100 موظف من شركة عمر افندى
اعتصام عمال شركات الادوية بالاسكندرية .
اعتصام عمال مستشفى العحجوزة
اعتصام 350 عامل بمصنع غزل الفيوم .
اعتصام 600 عامل بشركة أقطان المنيا
اعتصام طلاب معهد الطاقة بأسوان
اعتصام 30 مدرس بأسيوط
اعتصام عمال بناء المراكب النيلية
اعتصام عمال حلج اقطان المنيا
اعتصام 1200 عامل بميناء العين السخنة بالسويس
اعتصام العمال المؤقتين بهندسة المنصورة .
اعتصام مزارعى كفر الشيخ
اعتصام 500 عامل بشركة التليفونات فى المعصرة
اعتصام عمال المصرية لتجارة الأدوية .
الخاتمة

اعترفت عديد من الدول للعمال بالحق فى ممارسة الاضراب غير أن المشرع فى هذه الدول اكتفى بوضع النصوص التى تبين كيفية ممارسته تاركاً تعريفه وأن التوقف الجماعى عن العمل حتى يعد أضراباً يلزم أن تتوافر فيه نوعين من العناصر النوع الأول : العناصر المادية والتى تتمثل فى التوقف عن العمل توقفاً كاملاً بصورة جماعية . النوع الثانى : العناصر المعنوية التى تتمثل فى نية الأضراب وتدبير الأضراب وأن يكون الباعث من التوقف الجامعى تحقيق مطالب مهنية للعمال ويجد أساسة فى إقامة نوع من التوازن الاقتصادى والاجتماعى بين طرفى علاقة العمل ويتخذ الأضراب صوراً عديدة سواء من حيث مكان ممارسته أو زمانه أو من حيث نوع المطالب التى يسعى العمال الى تحقيقها من التوقف عن العمل ومن أهم هذه الصور الإضراب التقليدى وإضراب التضامن والإضراب السياسى .

اعترفت التشريعات المقارنة للعمال بالحق فى ممارسة الاضراب ففى فرنسا أصبح الإضراب حقاً دستورياً لجميع العاملين فى الدولة بصدور دستور 1946 الذى اباح للعمال ممارسة الاضراب من خلال القانون الذى ينظمة ثم تدخل المشرع وأصدر القانون الذى ينظم الاضراب الذى يمارسه فى المرافق العامة تاركاً للعمال فى المنشأت الخاصة ممارسة حق الإضراب بدون أى قيود تشريعية غير أن المشرع الفرنسى حظر الإضراب على فئات معينة من الموظفين العموميين لأهمية الوظائف التى يتولونها غير أن المشرع المصرى حظر الإضراب على العاملين فى الحكومة وهيئاتها بموجب أحكام قانون العقوبات وأباحه للعمال الخاضعين لعلاقات العمل الخاصة وذلك بموجب أحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وبصدور الدستور المصرى سنة 2012 أضحى الأضراب حقاً دستورياً لجميع العاملين فى الدولة وذلك فى إطار القانون الذى ينظمه ومن أجل الحد من لجوء طرفى علاقة العمل إلى الوسائل القهرية مثل الاضراب والاغلاق اشترطت بعض النظم القانونية المقارنة اللجواء إلى أحدى الوسائل السلمية مثل المفاوضة الجماعية والتوفيق والوساطة والتحكيم قبل إعلان الاضراب .

وبالرغم من أن المشرع المصرى قصر حق ممارسة الاضراب على العمال الذين تحكمهم علاقات العمل الخاصة بموجب أحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 إلا أنه تم رصد العديد من الإضرابات فى كافة القطاعات المختلفة سواء فى القطاع الحكومى أو القطاع العام أو القطاع الخاص للدفاع عن مصالحهم المهنية وتنوعت الأهداف التى يسعى العمال إلى تحقيقها من وراء إعلان الإضرابات الى مطالب مهنية وكان على رأسها المطالبة بتحسين الأجور بالإضافة إلى تحقيق بعض المطالب السياسية خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير فى مصر ويؤدى الإضراب فى نظم القانونية المقارنة إلى وقف علاقة العمل ومن ثم يتعين استقطاع جزء من أجل العامل المضرب يتناسب مع مدة الاضراب ولكن المشرع المصرى تبنى نهجاً أخر وقضى بأحتساب مدة الاضراب أجازة للعامل بدون أدجر غير أنه متى ارتكب العامل المضرب خطأ جسيماً فإن ذلك يبرر لصاحب العمل أنهاء علاقة العمل بدون اخطار أو تعويض والحرمان من مكافأة مدة الخدمة واعتبر المشرع فى مصر عدم مراعاة الاجراءات والضوابط التى تنظم الاضراب من قبيل الخطأ الجسيم .

قائمة المراجع

دوام سيـــر المرافـــــق العامـــة دراسة مقارنة

دكتور محمد عبد الحميد أبو زيد دار وصلان للطباعة والنشر

صـــــ 15 ومـــــــــا بعدهــــــــا





مبدأ المساوة أمام المرافق العامة بالتطبيق على توزيع الخدمات الصحية فى مصر

دكتور محمد المتولى دار النهضة العربية للطباعة والنشر

صــــــ112 وما بعدها







الاضراب فى القانون المصرى دراسة مقارنة

رسالة لنيل درجة الدكتوراة فى الحقوق جامعة بنى سويف كلية الحقوق

مقدمه من الباحث / أحمد محمد عبد الرسول محمد

الخلاصة – النتائج – التوصيات







المواقع : www.startimes.com

تاريخ الدخول على الموقع : 10/4/2015





الفرس

التمهيد 1

المقدمة 3

خطة البحث 4

الفصل الأول : تعريف الإضراب وفكرة عامة عنه 5

المبحث الأول : متى ينشأ الإضراب 5

المبحث الثانى : ملاحظات عن الإضراب 5

المبحث الثالث : الإضراب فى الدول الرأسمالية والإشتراكية 6

الفصل الثانى : الإضراب فى فرنسا 7

المبحث الأول : الإضراب قبل عام 1946 7

المبحث الثانى : الإضراب فى دستور 1946 والإضراب فى الدستور الحالى 10

الفصل الثالث : الإضراب فى مصر 18

المبحث الأول : الإضراب فى قانون العقوبات الصادر 1937 20

المطلب الأول : عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر 20

المطلب الثانى : عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الإلتزام 24

المبحث الثانى : الإضراب فى قانون رقم 24 لسنة 1951 27

المطلب الأول : عمال المرافق العامة التى تدار بطريق الريجى 27

المطلب الثانى : عمال المرافق العامة التى تدار بطريق غير مباشر 32

المبحث الثالث : الإعتداء على حرية الغير فى العمل نص المادة 375 عقوبات
المعدلة بالقانون رقم 24 لسنة 1951 شرح مفصل 36

المبحث الرابع : مبدء دوام سير المرافق العامة 39

المطلب الأول : تحريم الإضراب عن العاملين بالمرافق العامة 39

المطلب الثانى : مبدء قابلية المرافق العامة للتعديل أو التغيير 42

المبحث الخامس : تقرير المنظمة المصرية حول الاضرابات والاعتصامات عام 2009 44

الخاتمة 47

قائمة المراجع 49

الفهرس 50

المواضيع المتشابهه: