الاضراب كحق دستوري

مقدمة :

إن تاريخ علاقات الشغل كان دائما مغلفا بعدة نزاعات ،سواء صغير ام كبيرة والتي غالبا ماكان يعبر عنها بشكل إضرابات ،تنتهي إلى تنظيم العمل لمدة من الزمن .

والحركة الاحتجاجية [1] التي يمارسها العمال في شكل إضراب ،إرتبطت بالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعاشة [2] . والتي تسعى إلى الوصول بها إلى مستوى أفضل .

وإن كان الاضراب ظاهرة اجتماعية تجسد وسيلة من وسائل احتجاج فئة من المجتمع [3] ، فإنه يصعب ضبط هذه الظاهرة ووضع معيار لتوقع حدوثها أو معرفة مداها ،الشيء الذي جعل المشرع المغربي يتأخر عن إصدار قانون تنظيمي لها منذ التنصيص عليها بأول دستور للمملكة إلى صدور مدونة الشغل الجديدة ،والذي إستقاه من القانون الفرنسي خاصة ( الدستور المؤرخ في 27 أكتوبر 1946) هذا الأخير اعتبر أول مرة الاضراب كحق فعطل بهذا الاعتراف أية مطالبة مدنية عن الاضرار التي يمكن أن تحدث نتيجة الإضراب .

وإن كان حق الاضراب يستمد شرعيته من القانون الاسمى (الدستور ) فإن ممارسته تصطدم بمخالفة إرادة طرفي العلاقة الشغلية ،وذلك بوقف التبعية بصفة مفاجئة مما تؤدي إلى نتائج سيئة (إنتكاس المؤسسة ،تدني القوة الشرائية لليد العاملة ،تفشي البطالة إغلاق المؤسسة ) وكل هذا له تأثير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الشيء الذي أدى إلى المنادات بحل الخلافات الجماعية عن طريق الحوار والتحكيم .

والواقع ان الحكومات المغربية التي توالت على سدة الحكم مافتئت تحاول الإنتقاص من هذه الحرية وإعتبارها حرية فردية تمارس في شكل جماعي ،وليست حرية جماعية تمارس ضمن الحريات العامة مما أدى إلى مسائلة العديد من اعضاء النقابات بنصوص جنائية خاصة الفصل 288 من القانون الجنائي [4]

إلا أن موضوع ممارسة حق الاضراب يفرض البحث قبل كل شيء في اساس مشروعية هذه الممارسة ومدى تطابقها مع باقي القوانين المنظمة للخلافات الجماعية ،تم التطرق لممارسة هذا الحق مع الاشارة إلى أن الاجتهاد القضائي المغربي كان تدخله لتحليل هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة بمناسبة الفصل في النزاعات الفردية ،أو حل الاشكالات الإحتلال للمؤسسات من طرف العمل التي تم تفويتها في إطار مساطر صعوبات المقاولة أو تطبيق المقتضيات الزجري الفصل 288 من القانون الجنائي ،وهذا هو الجديد الذي أتت به مدونة الشغل الجديدة في إطار بسط مراقبة القضاء على الخلافات الجماعية التي ستغني العمل القضائي الذي عليه ان يكون في مستوى المسؤولية لخلق التوازن ) المواد 575و576 ومابعده)

وهكذا تتبين خطة البحث التي ليست إلا تحليل لواقع كما يتضح من عنوان الموضوع حل الخلافات الجماعية من خلال ممارسة حق الاضراب ،وسأتطرق لذلك من خلال محورين :

المحور الأول : مشروعية حق الاضراب
المحور الثاني : ممارسة الاضراب


أولا : مشروعية حق الاضراب

مقدمة :

أولى المشرع المغربي للحريات العامة إهتماما كبيرا إبان الحصول على الاستقلال ،وذلك بإعتبار أن الطبقة العمالية كانت حركتها الاحتجاجية لها طابع سياسي أولا وقبل كل شيء وهو الحصول على الاستقلال ،وهكذا تم تنظيم النقابات المهنية بظهير 16يوليوز 1957 الذي نسخته المادة 398 من مدونة الشغل الجديدة ،ويبقى سريانه على نقابات الموظفين وكذا كافة الهيئات التي لايطبق عليها هذا القانون ( المادة 586 من مدونة الشغل الجديدة ) ومرسوم 5فبراير المتعلق بممارسة الحق النقابي من طرف الموظفين [5] إلا انه إستثنى في فصله الخامس ماسماه ( كل توقف عن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عنه علاوة على الضمانات التأديبية ويعم هذا جميع الموظفين ) مع ان العمل النقابي والاضراب هما وجهان لحق واحد ،وهناك ارتباط قوي بين الحقين على الاقل في المستوى الواقع .

وهكذا اعترف أول دستور للمملكة المغربية بكون ( حق الاضراب مضمون وسيبين قانون تنظيمي الشروط والاجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق ) فالمشروعية تستمد من القانون الأسمى الذي هو تعبير عن إرادة الأمة ،والذي تتعهد فيه الدولة بالالتزام بمواثيق المنظمات الدولية وعلى تشبتها بحقوق الانسان كماهي متعارف عليها عالميا .

والسؤال المطروح بإلحاح هو هل تكريس حق الاضراب على ارض الواقع يؤكد احترام السلطات العامة لمبدأ المشروعية أي الملائمة والموافقة للقانون ؟[6]

الواقع ان الخناق الذي عرفته الفترة السابقة كان يجعل من التطرق لموضوع الاضراب على المستوى النظري من المسائل المحرمة ، وعلى الرغم من هذا الحظر فإن الاضرابات العمالية والطلابية التي عرفها المغرب سنة 1965،والتي كانت سببا في إعلان حالة الاستثناء ،والاضربات لسنة 1981 وما صاحبها من محاكمات وضياع للإقتصاد الوطني كل ذلك جعل المسؤوليين يتدخلون للإعتراف بالاضراب كحق دستوري [7].

لكن كيف يمكن ان نوازي بين ضمان حق الاضراب من طرف الحاكمين وبين عدم عرقلة حرية العمل بالنسبة للمحكومين ؟

لاشك أن تداخل هذين الحقين وعدم ايجاد حد فاصل بينهما يخلق لدى القضاء ورجال القانون خللا في المعادلة الحقوقية [8] اي إشكالية إحترام النص القانوني من جهة ،وتحقيق العادلة من جهة اخرى وهكذا ذهب المجلس الاعلى في قراره المنشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 52 ص201 (( إذا كان حق الاضراب حقا مشروعا بمقتضى القانون فإن الغاية منه هي الدفاع عن الحقوق المشروعة للعمال المضربين …)).

فأمام غياب قانون تنظيمي يحدد مدى ممارسة حق الاضراب فهل هناك حماية فعالة لمشروعية حق الاضراب بالاستناد على النص الدستوري دون ضرورة وجود تشريع ينظم ممارسة هذا

الحق ؟

وهل لعب القضاء المغربي دوره في تعريف الاضراب المشروع وتميزه على الاضراب الغير المشروع ؟

ثم ماهو التصور العملي للأطراف المقابلة ( السلطة ،ارباب العمل ، العمال غير المضربين )

لممارسة حق الاضراب كأمر واقع ؟

ثم مامدى دستورية بعض القوانين التي تقييد مباشرة او غير مباشرة لحرية ممارسة الاضراب ؟

فإذا كانت نظرة رب العمل وهو يدافع عن حق الملكية الذي يخول له ممارسة سلطته على العمال أن يتمسك ويدافع عن المشروعية في الحالتين ،فغنه بالمقابل تستغل النقابات مشروعية حق ممارسة الإضراب لتحقيق مطالب الشغيلة ،وهذا التضارب بين الموقفين في فهم وممارسة هذه المشروعية قد يؤدي إلى التضحية بأحد الجانبين لصالح الاخر ،وهنا هل نقول كما كتبه الدكتور عبد الكريم غالي (( فحماية حق دستوري في دولة الحق والقانون أولى من تجريم فعل يرمي في الأصل إلى الدفاع عنه )).

فالمشروعية :

هي الخاصية التي تحدد الفعل أو التصرف الموافق للقانون ،وتحدد أيضا مجموعة القوانين المطبقة في بلد معين في وقت معين ،لدى ينبغي تحليل مشروعية تصرف ما بالقانون في مفهومه الواسع ، فليس الأفراد وحدهم المعنيون بهذا التحليل بل يمتد مبدأ المشروعية إلى جميع سلط الدولة سواء السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو القضائية والتي يجب عليها الخضوع لمبدا سيادة القانون .

والسلطة التشريعية : تتقيد في عملها بمبدأ المشروعية الذي يفرض إحترام الدستور والمبادئ العامة للقانون منها إحترام مبادئ الإعلان القانوني للحرية والمساواة الملازمين لمبدأ المشروعية ، والإلتزام بالمبدا الدستوري القاضي بعدم رجعية القوانين وعدم المساس بالحقوق المكتسبة ومن هذا كان مبدأ المشروعية هو اساس عدم المس بالحقوق المكتسبة إضافة إلى إلتزام السلطة التشريعية بتحري الدقة والوضوح في صياغة النصوص ،وأن عموم وغموض النصوص يؤدي إلى التعسف في التأويل واللامساواة عند التطبيق .
أما السلطة التنفيذية : فإحترامها لمبدا المشروعية يقتضي منها أن تكون جميع أعمالها وقراراتها خاضعة للدستور والقانون ،وفي حالة عدم الاحترام أصبحت إمكانية الطعن في مشروعيتها متاحة أمام المحاكم الادارية المحدثة ، إلا أن كل ذلك يبقى رهين بإيمان السلطة التنفيذية بمبدأ فصل السلط .
أما القضاء : فهو الذي ينزع من الدولة جزء من سيادتها ويجعلها خاضعة له وبالاحرى باقي السلط لكن إقرار مبدا المشروعية ،وغل يد القضاء على بسط مراقبته يفرغ المبدا من محتواه فكيف يمكن إقرار حق الاضراب الذي هو بالاساس خلاف جماعي ولايخضع لمراقبة القضاء إلا من حيث تطبيق الجزاء الفصل 288من القانون الجنائي وتبقى السلطة التنفيذية مهيمنة على التدخل في النزاع في جميع مراحله ،بل إن المراقبة القضائية التي أقرتها مدونة الشغل في المواد 575و576بقيت جد محدودة إذ ان مبدأ المشروعية يقتضي كذلك أن تكون اعمال القضاة خاضعة للمراقبة وذلك بممارسة طرق الطعن المقررة قانوناوخضوع القضاة للمسائلة المدنية والجنائية .
وهكذا فإن مبدأ المشروعية هو ان لاتضع الدولة نفسها فوق القواعد القانونية التي تفرضها على مواطنيها وتكون بذلك “دولة تحكمية ” ” وليست” دولة قانون” وهذا الامر جعل عدة باحثين يتخوفون على غياب مبدأ المشروعية أمام ما يسمى من قانون الطوارئ وحالات الإستثناء التي غالبا ما تأخذ طابعا سياسيا أو إقتصاديا مثل ” الوضعية الخطيرة ،ووضعية الأزمة ، ووضعية الاستعجال ، بحيث يسمح للإدارة بالتحرر من إحترام القانون وبالمقابل سجل الفقه إلى كون المحكومين يتخدون موقف اللامبلات من مبدأ المشروعية ويعزفون على اللجوء إلى الطعن في القرارات الادارية بسبب الشطط في استعمال السلطة .

وقبل التطرق إلى المحور الثاني المتعلق بشروط ممارسة الاضراب لابد من التطرق بعجالة لتعريف هذا الحق المرتبط بالمشروعية .

حق الاضراب

إذا كان يسهل التعرف على الاضراب عند إندلاعه ،فإنه يصعب تعريفه هذا ماقاله Guy Caire وهو بصدد إبراز صفة التعقيد التي تميز حق الاضراب [9] ، ليس كظاهرة قانونية فحسب بل كظاهرة إجتماعية تهتم بسيكولوجية الجماعات وكظاهرة اقتصادية ،ولعل أن أهم عنصر يبرز تعقيد هذه الظاهرة هو مظهر القوة الذي تتجادبه أطراف ذات مصالح متناقضة ( الدولة ،وارباب العمل ،العمال ) الشيء الذي جعل البعض يشبه “بالحرب” التي تنتهي بالحوار والسلم مما جعل البعض يطرح السؤال حول امكانية اخضاع هذه الظاهرة الى القانون مادام ان اغلب التشريعات سكتت عن تنظيم ممارسته.

لذا نجد فريقا من الفقه ركز إهتماماته على اعتبار هذا الحق ” مقدسا غير قابل للتجاوز والخرق” كما قال Gilbert Orsni إذ انه يحقق للعمال الإمتيازات الإجتماعية الجديدة في مواجهة الدولة وأرباب العمل لذا فغن بعض الفقه في فرنسا اصبح يسير بإتجاه اعتبار حق الاضراب من الحريات العامة بل ” الحرية الأم ” بتعبير الأستاذة Helene Siny.

وهكذا يمكن القول بان الاضراب له اهميته بالنسبة :

أولا : للعمال

فهو مؤشر على مدى وعي الطبقة الشغيلة وإبرازها لقوة عملها كوسيلة فعالة في العملية الانتجاية وذات قيمة رفيعة إلى جانب دوره في تربية العمال على التضامن إذ يقبل بالتضحية باجرته لقاء مساندة عمال مؤسسة أخرى في الاضراب التضامني .

ثانيا :النقابات

للإضراب أثر قوي على الحركة النقابية التي تجعله أهم نشاطاتها إذ قد يجعل لها صيتا قويا في الاوساط العمالية ، وكذا لدى ارباب العمل والدولة التي تحسب لها أهمية بالغة عند ماتريد تعديل التشريع العمالي أو تريد المس بأحد الحقوق المكتسبة للشغيلة ،وبالعكس فالنقابات المضادة للإضراب ،فهي لاتقوم بالدور المنوط بها فتضعف ( وهنا نخرج ما يعرف ” بإقتصاد الإضراب ” أي توقف الإضراب خلال ظرفية اقتصادية وسياسية خاصة )[10].

ثالثا : تشريع العمل

ان للاضراب أثر ايجابي على تطوير وتنظيم علاقة الشغل إذ بفضله عرفت الطبقة الشغيلة كيف تحصل على بعض المكتسبات ،كما انه وسيلة لضغط على ارباب العمل لرفع الاجور ،وكذا على ابرام الاتفاقيات الجماعية التي تتضمن امتيازات جديدة للعمال ، وإن كانت النقابات المهنية في دول العالم الثالث اصبحت في وضع المدافع فقط على الحفاظ عن المكتسبات السابقة من الضياع .

وتطرح مسألة عدم تنظيم ممارسة حق الاضراب تفسيرات متضاربة في الفقه بين المؤيد للتنظيم وبين المعارض لذلك ،وان كان الدستور يحمي مشروعية الاضراب ،فإنه في الواقع يعرف هذا الحق تصدعا من جراء محاولة إفراغه من محتواه إما علة مستوى التشريع بمنعه على بعض الفئات او بفرض اللجوء إلى مساطر الصلح والتحكيم للحد من ممارسة الاضراب وهذا هو موضوع المحور الثاني حول شروط ممارسة الاضراب .تــابــع 2/1

[1] الاحتجاج او الاعتراض هو إحدى صور الاختلاف ، والذي عرفه الدكتورطه جابر العلواني في كتابه أدب الاختلاف في الاسلام ((…الاختلاف والمخالفة أن ينهج شخص طريقا مغايرا للآخر في حاله او قوله ،والخلاف أعم من ” الضد” لأن كل ضدين مختلفين وليس كل مختلفين ضدين ،ولما كان الاختلافبين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع ،استعير ذلك للمنازعة والمجادلة ،قال تعالى في ذكره الحكيم ((..فأختلف الاحزاب بينهم ..)) سورة مريم الآية 37 ((ولايزولون مختلفين.. )) سورة هود الآية 118((..إنكم لفي قول مختلف …)) سورة الذاريات الآية 8 ((…إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون …))سورة يونس الآية 39 وعلى هذا يمكن القول أن الخلاف والاختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول أو الراي أو الحالة أو الهيأة أو الموقف .

[2] إن التطور الاقتصادي والاجتماعي المهم الذي عرفته بريطانيا دفع الحكومة إلى تعديل الفصول 146إلى 414 من القانون الجنائي بالقانون المؤرخ في 25ماي 1846إد عدل مبدأ منع التجمعات ، بجنحة جديدة وهي المس بحرية العمل بوسائل الضغط كالتأثير أو العنف ،فبدأت المطالبة بإصدار قوانين تنظم حق التحالف لليد العاملة ،مع ان هذا التعديل لم يستطع الحد من الاحتجاجات الجماعية ولو بشكل غير منظم في إطار جمعيات .

ففي فرنسا تجاوزت الجمهورية الثالثة هذا الاتجاه القديم ( المسائلة الجنائية ) وإعترفت بالحريات العامة ( حق التحالف ) ، إلا أنها أبقت على إمكانية المسائلة المدنية ( التعويض في حالة تعرض المؤسسة لأضرار ) وفي هذه الفترة بدأ الإضراب يبرز كوسيلة التحالف الجماعي يتفق على إثره العمال بالتوقف عن العمل (ترجمة عن مجلة ) Que sais-je(Histoire du Droit).

[3] جاء في مؤلف الاستاذ الدكتور محمود ابوزيد ( علم الاجتماع القانوني الاسس والاتجاهات ) – دار غريب للطباعة – (( فالظاهرة التي يحكمها القانون وهي في جوهرها الارادة الانسانية مما لايمكن السيطرة عليها وإخضاعها بطريقة حاسمة ،ولعل أكبر شاهد على ذلك أن احكام القانون لاتحترم دائما ،وبلغ ذلك حدا دفع إلى القول بأن القانون يلزم ولكنه لايحترم ،وذلك لأن إرادة الانسان تعني بحسب طبيعتها القدرة على الإختيار أي القدرة على القبول او الرفض .



[4] تقدمت الحكومة في فبراير 2004 بمشروع جديد لفرض مزيد من القيود على حق الإضراب ، وقد ظل التهديد بتقنين الاضراب يشتد ويفتر ،طيلة العقود الثلاثة الأخيرة ،حسب مدى إستعمال العمال لهذا السلاح ففي خريف 1981 أي على إثر أول إضراب عام بعد فترة جمود طويلة صرح الوزير المعطي بوعبيد في مقابلة (بمجلة جون افريك) أن الحكومة أعدت مشروع قانون تنظيمي للإضراب سيعرض على البرلمان ،وكانت تلك اول مرة يعبر فيها عن العزم على تفعيل الفقرة الثانية من الفصل 14 من الدستور التي تنص على إصدار قانون تنظيمي يبين شروط واجراءات ممارسة حق الاضراب كما كان ثمة مشروع لتقنين الإضراب سنة 1983 (حسب إيكونوميست 12فبراير 1999) ولما هز إضراب شغيلة السكك الحديدية الوحدوي سنة 1995حكومة الفيلالي ، فسارعت هذه الى وضع مشروع قانون للإضراب ،وفي فاتح مايو الثاني بعد تشكيل حكومة اليوسفي أعلن خالد عليوة ،وزير الشغل أنذاك أن لديه مشروعا متكاملا وجديدا لتقنين الاضراب سيعلن قريبا وبادرت نقابة ارباب العمل ،المدافعة فعلا عن مصالح أعضائها وطبقتها إلى اقتراح مشروع قانون لتنظيم الاضراب ،وفي اكتوبر 2001 وضعت الحكومة مشروعا كان أول صيغة معروضة على العموم عبر الصحافة (نشرته العلم ) ويتناول الاضراب بالقطاعين الخاص والعام ،والآن بات صدور هذا القانون وشيكا بعد إلحاح الملك عليه في خطاب العرش في يوليوز 2004 حيث دعا إلى ((إيجاد عقد اجتماعي جديد …..)) عن جريدة المناضل ـ عدد 1 الجمعة 1اكتوبر 2004 تم تدارس بتاريخ 27/04/2007 بمقر الوزارة الأولى مع الوزير الأول إدريس جطو والنقابات الأربعة الممثلة للشغيلة بحضور وزير الشغل .

[5] كان القضاء الاداري المغربي جريئا إذ حاول هدم ما تستند عليه السلطات الحكومية في تبريرها ممارسة الاضراب ،بجعل القرارات السابقة عن الدستور الذي ضمن ممارسة هذا الحق في غياب النص التنظيمي بالرجوع إلى الفصل الخامس من المرسوم لسنة 1958 والتي تقول فيه الحكومة بان المجلس الاعلى في سنة 1961 إعترف بشرعيته في القرار المعروف بقضية محمد الحيحي ضد وزير التربية الوطنية عندما اعتبر اجراءا تطبيقيا لأحكام ظهير 16يوليوز 1957 حول النقابات مؤكدا عدم وجود تناقض بين هذا المرسوم والظهير المتعلق بالوظيفة العمومية ) والقرار الجريئ الذي اتخذته المحكمة الادارية في مكناس والتي اعتبرت ان الجزاءات التأديبية التي تعرض لها المضربون موسومة بتجاوز السلطة وذلك في قضية محمد شيبان ضد وزير التربية الوطنية حكم عدد 63-2001-3 الصادر بتاريخ 12/07/2001 عن المحكمة الادارية بمكناس وقد وضع القضاء الاداري بعض الشروط لممارسة هذا الحق وحتى يعتبر مشروعا :

إخبار السلطات المعنية بالاضراب المراد القيام به وتوقيته
أن يستهدف الاضراب تحقيق مكاسب مهنية أو الدفاع عنها
أن يتم على توجيه من نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشكيلا قانونيا
أن يكون محدد في الزمان
يعني أن الاضراب المفاجئ والاضراب السياسي والاضراب المفتوح في الزمان والاضراب غير المعلن عنه من طرف نقابة قانونية وذات تمثيلية حقيقية كلها تعتبر أنواع غير مشروعة .



[6] وجاء في اطروحة الاستاذ محمد الشرقاني لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص تحت عنوان (( مدى مشروعية الاضراب العمالي )) جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط السنة الجامعية 1990- 1991 الصفحة 2و 3 ((… يلاحظ أن مبدأ المشروعية بمعنى الملائمة والموافقة للقانون إذا كان قد إحتل مكانه في الفكر الانساني منذ ان بدات المجتمعات في التنظيم ليأخذ بإهتمام الفلاسفة والقانونيين إبتداء من القرن 18 فغن جادبيته كموضوع للبحث والتحليل لم تبرز في نظرنا بشكل واضح ولم تستقطب الاهتمام الخاص للباحثين القانونيين بالمغرب إلا بعد الصرخة التي اطلقها في سنة 1976Jean Deprez في مقاله الشهير حول معرفة الظاهرة القانونية في الواقع المغربي )).

[7] مثال (اضرابات عمال المناجم ببريطانيا سنة 1987 حيث هددت رئيسة الحكومة (تاتشر) بإستعمال سلطاتها الاستثنائية ،واضراب نونبر 1987 في فرنسا حين قام العاملون في الملاحة الجوية بالتوقف عن العمل للمطالبة بأن يتم الطيران بثلاثة عاملين عوض إثنين فقط ،والذي صرحت محكمة Bobigny بعدم مشروعية وهو الاضراب الذي إضطر معه الرئيس F.Mitterand للتصريح بأن تنظيم ممارسة حق الإضراب يجب أن ترافق وتواكب المبدا الدستوري لحق الاضراب وألا تناقضه ،ونفس الاضراب شنه الربابنة المغاربة سنة 2003 الذي دام مدة طويلة تكبدت معه الخطوط الملكية خسائر مالية جسيمة وانشات لجنة تحقيق برلمانية للبحث في القضية .



[8] ذهب روسكو في تعريفه للقانون أنه (( علم الهندسة الاجتماعية الذي يتحقق من خلاله تنظيم العلاقات الانسانية في المجتمع المنظم سياسيا ،او انه كما يعبر عنه أحياما أخرى ” الضبط الاجتماعي ” عن طريق الاستخدام المطرد لقوة المجتمع المنظم سياسيا )) علم الاجتماعي القانوني الاسس والاتجاهات لمؤلفه الدكتور محمود ابوزيد دار غريب للطباعة .

[9] ذكره الاستاذ محمد شرقاني في المرجع السابق .

[10] وأورد مثال عن الازمة النقابية التي حصلت في بداية الاستقلال عند تدشين التعددية النقابية في عهد حكومة عبد الله ابراهيم سنة 1960.

المواضيع المتشابهه: