مســـــؤوليـــــــــــة المحـــامـــــــــي
يقول المفكر "Camus"
"أن ممارسة مهنة المحاماة يجب أن تؤدي إلى الشرف ولا إلى الثروة" .
وهذه المقولة تبرز بوضوح نبل المحاماة وسمو رسالتها ورفعتها فهذه الكلمة مشتقة لغة من فعل حمي والحمي هو الذي لا يحتمل الضيم كما أن عبارة الحميّا تعني شدة النفس وأخيرا فإن الحامي هو الفحل. أما كلمة "Avocat" بالفرنسية فهي مشتقة من العبارة اللاتينية – ADVOCATUS- وهي تعني الشخص الذي يقع الاستنجاد به للمساعدة والحماية (Celui que l’on appelait au secours).
وفعلا فالمحامي هو المدافع عن الحقوق بمختلف أنواعها المادية والأدبية وكذلك عن الحريات الفردية وعن اليتامى والأرامل والمتهمين وهو الذي يرفع الدعاوي ويرد عليها وفي كلمة واحدة أنه يجسم حق الدفاع – في مفهومه الشامل -. على أن الصورة العالقة في الذاكرة الشعبية عن المحامي هو المدافع عن المتهمين في القضايا الجنائية بالخصوص إذ عادة ما تقترن المحاماة بهذا الصنف من القضايا، فالمحامي الناجح في نظر عامة الناس هو ذلك الرجل الخطيب المصقع الذليق – ذرب اللسان الذي يزعزع بمرافعاته قاعات الجلسات .
ولا جدال أن هذه الصورة ناتجة عما تحاط به القضايا الجنائية من إشهار وما تستقطبه من فضول وانتباه.
غير أن هذه لصورة عن المحاماة خاطئة أو بالأحرى منقوصة فلم يبق المحامي ذلك الخطيب فتيق اللسان بل أصبح اليوم رجل علم القانوني.
فقد تطورت وتغيرت وعظمت مهمة المحامي في عصرنا الحاضر بحكم تشعب القضايا وتنوعها نتيجة لكثرة المعاملات التجارية والاقتصادية وتعقد الإجراءات أمام المحاكم فأضحى المحامي مطالبا بالإلمام بمختلف العلوم القانونية والتجارية والجبائية وحتى الاقتصادية والقانون الدولي خاصة بعد ظهور العولمة وانتشار المبادلات والصفقات الدولية.
كما أن مهمة المحامي لم تبق محصورة في الميدان القضائي فهو بالإضافة إلى عمله القضائي داخل رحاب المحاكم أصبح يقوم بمهام أخرى منها الاستشارات القانونية والمفاوضات وتحرير العقود بمختلف أصنافها.
إن لتنوع ولتطور مهمة المحامي انعكاسات هامة على علاقته بحريفه بحكم الرابطة القانونية القائمة بينهما وهي علاقة تتميز بخاصيتين أساسيتين أولهما أنها علاقة ثقة وثانيهما أنها مبنية على العنصر الشخصي فالحريف الذي استنجد بالمحامي ليدافع عن مصالحه وحقوقه وحتى عن كرامته وحريته له ثقة كاملة فيه فهو سيصبح مستودع سره وحافظ حججه ووثائقه بل أنه سيكون وكيل أمره وما دام الأمر كذلك فإن المحامي الذي أنيطت بعهدته رسالة الدفاع عن حريفه وهي رسالة أخلاقية لكن لها في نفس الوقت طابق قانوني باعتبارها وكالة تتضمن حقوقا لفائدة المحامي من أهمها حقه في الأتعاب وتحمله أيضا واجبات هامة التي على المحامي القيام بها وعدم الإخلال بها وإلا فإنه يصبح مسؤولا عن ذلك الإخلال الأمر الذي يطرح مسؤولية المحامي موضوع هذه الدورة وهو موضوع دقيق أنه يثير عدة مسائل منها ما هو أخلاقي تنظمه أخلاقيات المهنة ومنها ما هو قانوني باعتبار أن المحامي يتحمل تبعات إخلاله بالتزاماته عندما تثبت مسؤولياته المدنية والجزائية أو التأديبية كما أنه في صورة توفر شروط قيام المسؤولية تطرح مسألة آثارها وسنحاول في هذا التقرير التمهيدي الإشارة بصفة مجملة إلى مختلف هذه المسائل التي سيتناولها فيما بعد الزملاء بالتفصيل باعتبار أنه جرت العادة أن التقرير التمهيدي يتضمن كل شيء ولا يتعمق في أي شيء.
أولهمــــا : ميدان مسؤولية المحامي
وثانيهما : آثــــــــــار المسؤوليــــــــــــة.
ميـــــدان مســؤوليـــــة المحــامـــــي :
لعله يحسن قبل الحديث عن مسؤولية المحامي في معناها القانوني والتي توجب التعويض مدنيا إذا كان الخطأ مدنيا والمؤاخذة الجزائية إذا كان الخطأ جزائيا التمييز بين التصرفات المنافية لأخلاقيات المهنة وبين الإخلالات بالالتزامات التي ترتب المسؤولية المدنية أو الجزائية.
فقد عرف الفقهاء الأخلاقيات بالخصوص على السلوك الشخصي للمحامي الذي يجب أن يتميز بالسيرة الحسنة والالتزام بمبادئ الشرف والنزاهة والاستقامة والوفاء والمحافظة على كرامة المهنة ويتعلق الأمر هنا بأخلاقيات ذاتية مرتبطة بالسلوك الشخصي.
وتوجد أخلاقيات تنظم طريق التعامل بين المحامي وحرفائه وزملائه والقضاء والغير وحتى إزاء الخصوم. لا يودي الخلال بقواعد الأخلاقيات إلى المسؤولية المدنية أو الجزائية في كل الحالات إذ قد يرتب مجرد تنبه تأديبي إلا أنه في بعض الحالات ينتج عن المخالفة الأخلاقية مسؤولية المحامي مدنيا أو جزائيا ويتجه النظر في هذين العنصرين :
* العنصر الأول : المسؤولية المدنية
إن دراسة هذا العنصر يقتضي النظر في طبيعة هذه المسؤولية وطبيعة الالتزامات المحمولة على كاهل المحامي وأخيرا الخطأ الذي يرتب المسؤولية المدنية.
أ) طبيعة مسؤولية المحامي :
لعل من أبرز المسائل القانونية المطروحة تحديد طبيعة مسؤولية المحامي هل هي تعاقدية أو تقصيرية.
يرى جل الفقهاء أنها مسؤولية تعاقدية نظرا لوجود عقد بين المحامي وحريفه وهو عقد توكيل خصام mandat ad litem ويخضع هذا العقد للقواعد العامة المتعلقة بالوكالة في القانون المدني.
ويرى اتجاه آخر أن مسؤولية المحامي هي مسؤولية تقصيرية أو شبه تقصيرية يرون أن العقد الذي يربط الحريف بالمحامي يكتسي صبغة النظام العام لأن الالتزامات الناشئة عنه والمحمولة على كاهل المحامي ليست ناجمة فقط عن اتفاق الإرادتين بل عن القوانين والتراتيب وأن هذا العقد ليس كتابيا وأن خطأ المحامي يتمثل في الإخلال بالتزاماته المهنية الناشئة عن واجب مصدره قانوني وترتيبي وليس بنود تعاقدية.
إلا أنه طهر اتجاه ثالث يرى أن مسؤولية المحامي تكون تعاقدية في صورة النيابة وذلك بمقتضى أحكام الوكالة أما إذا كانت مهمته مجرد المساعدة فإنه لا يسأل إلا إذا ارتكب خطأ وألحق ضررا.
والرأي عندما أن مسؤولية المحامي هي مسؤولية تعاقدية بالأساس إزاء موكله إذ أنه ولئن نظم القانون هذه العلاقة فإن ذلك لا يمحي الصبغة التعاقدية للعلاقة الرابطة بين الطرفين إذ أن مصدرها هو الاتفاق.
إلا أن مسؤولية المحامي تصبح تقصيرية إزاء الغير.
فالمحامي بوصفه وكيل خصام مسؤول إزاء موكله عن كل إخلال بالواجبات المحمولة عليه بمقتضى الوكالة طبق القواعد القانونية المنظمة للوكالة.
ومعلوم أن توكيل الخصام المسند للمحامي يتميز بعدة خصائص منها أنه لا يشترط لتكوينه كتب فالمحامي لا يحتاج إلى توكيل كتابي ليمثل حريفه.
كما أن هذه الوكالة هي أشمل من التوكيل العام العادي باعتبار أن المحامي يكلف بالقيام بجميع إجراءات رفع الدعوى وتسيير الخصومة بدون تحديد ولا تكون الوكالة محصورة في إجراء معين.
والمفروض أن الإجراءات التي يقوم بها المحامي في نطاق الخصومة تلزم موكله على أن بعض التصرفات الصادرة عنه تثير عدة مشاكل قانونية يتعلق بمدى تقيد الموكل بها مثل تقديم عروض أو قبولها أو صدور إقرار أو إبرام صلح وقد أقرت بعض التقنيات مثل المشرع التونسية أنه توجد بعض الأعمال التي لا تكون صحيحة وملزمة للموكل إلا بتفويض خاص وصريح منه مثل توجيه اليمين الحاسمة والإقرار القضائي وقبول حكم أو الإسقاط فيه والصلح والتحكيم والإبراء من دين.
كما توجد بعض الأعمال الأخرى الهامة التي لا يمكن للمحامي القيام بها بدون موافقة حريفه مثل الطعن بالزور والتجريح في الحكام وطلب إحالة قضية من أجل شبهة جائزة أو مؤاخذة الحكام وكذلك العقلة العقارية وأن مثل هذه الأعمال تكون باطلة إذا لم تتم بموجب تفويض صريح من الموكل فضلا على قيام مسؤولية المحامي.
ب) طبيعة الالتزام المحمول على كاهل المحامي :
من أهمل المسائل القانونية التي تطرحها مسؤولية المحامي تحديد طبيعة الالتزام المحمول على كاهله فهل هو التزام بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية.
إن الجواب على هذا السؤال ليس مطلقا إذ يتوقف على طبيعة الأعمال التي يقوم بها المحامي ومعلوم أن عمل المحامي قد يكون قضائيا أو غير قضائي.
فبالنسبة للأعمال التي تتم في نطاق التوكيل على الخصام والتي تتجلى في النيابة فإنه يجب التمييز بين نوعين من الأعمال، أولهما الإجراءات التي يقوم بها المحامي في حق موكله مثل تحرير عريضة الدعوى ورفعها والقيام بالإجراءات القانونية أمام المحاكم والطعن في الأحكام فعندما يرتكب المحامي خطأ في هذه الإجراءات فإن الالتزام المحمول عليه هو التزام بتحقيق نتيجة مثل بطلان عريضة الجدوى بسبب خلوها من إحدى التنصيصات الوجودية أو رفع طعن بالاستئناف بعد انقضاء الأجل القانوني أو عدم تقديم بعض المؤيدات الضرورية لقبول الدعوى أو الطعن.
أما بالنسبة لبقية الأعمال التي يقوم بها المحامي في نطاق الوكالة على الخصام سواء كان حريفه طالبا أو مطلوبا فإن التزامه هو التزام ببذل عناية فالمحامي لا يضمن لموكله في كل الحالات ربح القضية فالحكم برفض الدعوى لا يرتب في كل الحالات مسؤولية المحامي إذا كان هذا الرفض ليس ناتجا عن أسباب شكلية.
كما أن مسؤولية المحامي عندما يقوم بعمل يندرج في نطاق المساعدة لدى القضاء فإنها لا تتضمن التزاما بتحقيق نتيجة فهو لا يسأل إذا قام بمرافعة منقوصة أو غير مقنعة أو لم يتفطن لبعض الدفوعات القانونية التي تكون لصالح موكله.
أما الأعمال غير القضائية التي يقوم بها المحامي مثل الاستشارات وتحرير العقود فإنها يمكن أيضا أن ترتب مسؤولية المحامي وإن الالتزام المحمول عليه قد يكون بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية.
يكون الالتزام بتحقيق نتيجة فيما يتعلق بصحة العقود التي يحررها المحامي من الناحية الشكلية فهو يضمن صحتها من هذه الزاوية.
أما في خصوص عمليات الاستشارة فإن الالتزام المحمول على كاهل المحامي هو التزام ببذل عناية لأنه مطالب أساسا بموجب النصح.
ويكون المحامي مسؤولا إذا ارتكب خطأ قانونيا فادحا كأن يعتمد في الاستشارة على نص قانوني ملغى أو على تأويل غير صحيح للقانون.
ج) الأخطاء التي يمكن أن ترتب مسؤولية المحامي :
يصعب تحديد قائمة في الأخطاء التي يمكن أن ترتب مسؤولية المحامي إلا أنه يمكن القول أن كل إخلال بالالتزامات والواجبات المحمولة على كاهل المحامي يرتب مسؤوليته المدنية سواء كان ذلك في نطاق النيابة أو المساعدة أو الاستشارة أو تحرير العقود.
وقد نصت جميع القوانين المنظمة لمهنة المحاماة على الواجبات المحمولة على المحامين والفروض أن أي إخلال بها يرتب المسؤولية إذا نتج عنها ضرر للحريف أو للغير وقد نصت تلك القانونين على مسؤولية المحامي إذا ارتكب خطأ صناعيا مثل المادة 35 من القانون التونسي المنظم لمهنة المحاماة المؤرخ في 07/09/1989 وفي هذه الصورة تكون المسؤولية مدنية.
على أنه في بعض الحالات يكون المحامي مسؤولا تأديبيا رغم عدم إلحاق أي ضرر بحريفه أو بالغير عندما يتصرف تصرفا منافيا لشرف المهنة والنزاهة واللياقة وعدم احترام أخلاقيات المهنة بصفة عامة حتى ولو لم ينتج عن ذلك خطأ مدني أو جزائي ولعل ما يميز المسؤولية التأديبية عن المسؤولية المدنية والمسؤولية الجزائية وهذا ما سيوضحه الزملاء فيما بعد.
* العنصر الثاني : المسؤولية الجزائية للمحامي
إن المقصود بالمسؤولية الجزائية للمحامي هي الناتجة عن جرائم قد يرتكبها المحامي أثناء مباشرته لوظيفته ولا يهمنا الجرائم التي قد يرتكبها خارج مهنته إنها تخضع للقانون العام.
وتقتضي دراسة هذه المسؤولية النظر في أمرين أساسيين : أولهما طبيعة وأركان هذه المسؤولية وثانيهما الحصانة التي يتمتع بها المحامي والتي تحول دون مؤاخذته.
أ) أركان المسؤولية :
المفروض أن المسؤولية تقوم في صورة ارتكاب خطأ جزائي مكون لجريمة سواء كانت مخالفة أو جنحة أو جناية.
ومبدئيا يكون الخطأ عمديا ولكنه قد يكون ناتجا عن إهمال.
وهناك صنف من الجرائم يمكن أن يرتكبه المحامي عند ممارسته لعمله نذكر على سبيل المثال جرائم خيانة المؤتمن والتحيل (النصب) وإفشاء السر المهني.
- فيما يتعلق بجريمة خيانة المؤتمن :
من المعلوم أن الحريف عندما يكلف محاميا للدفاع عنه مدنيا أو جزائيا قد يسلمه جملة من الوثائق الهامة حتى يدلي بها للقضاء والمفروض أنه عندما تنتهي مهمة المحامي يلتزم هذا الأخير بإرجاع الوثائق إلى صاحبها وقد نص الفصل 43 من قانون المحاماة التونسي على هذا الواجب وتضمن بالخصوص أنه لا حق للمحامي في جبس الرسوم والوثائق إلا بإذن على عريضة من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة إذا رأى في ذلك ضمانا لحقوقه كما أن نفس المادة أوجبت على المحامي أن يسلم الأموال التي قبضها والراجعة لمنوبه إلى صاحبها في أجل محدد وإلا يقوم بإيداعها بالخزينة العامة.
فعندما يستولي المحامي على الأموال أو يتلف الوثائق التي تسلمها فإنه يرتكب جريمة خيانة المؤتمن.
- فيما يتعلق بجريمة التحيل :
قد يرتكب المحامي هذه الجريمة بالخصوص عند تحرير بعض العقود وخاصة القوانين الأساسية للشركات إذا كانت وهمية أو إذا تأسست في نطاق عمليات نصب وكان هو على علم بذلك. وفي هذه صورة يمكن أن يصبح متهما بهذه الجريمة وقد صدر في هذا المعنى قرار عن محكمة التعقيب الفرنسية في قرارها المؤرخ في 30/09/1991.
كما أن المحامي قد يصبح مرتكبا لجريمة المشاركة في التحيل إذا عمد إلى تحرير عقد بيع نفس العقار مرتين وهو على علم بالبيع الأول.
- فيما يتعلق بجريمة إفشاء السر المهني :
من المعلوم أنه عندما يتم ترسيم محام يؤدي القسم ويلتزم بالمحافظة على سر المهنة (الفصل 5 من قانون المحاماة التونسي) كما أن القانون الجنائي يعاقب كل شخص يفشي السر المهني باعتبار ذلك يمثل جريمة (الفصل 254 من المجلة الجنائية التونسية) كما أن القانون يمنع على المحامين أن يكشفوا عن معلومات تحصلوا عليها بمناسبة قيامهم بمهامهم وليس لهم أن يدلوا بشهاداتهم في شأنها (الفصل 100 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية).
كما أن الفصل 31 من قانون المحاماة التونسي حجر على المحامي الإدلاء بشهادة في نزاع أنيب أو استشير فيه.
كما أن الفصل 39 من نفس القانون حجر على المحامي إفشاء أي سر من أسرار منوبه التي أفضى له بها أو التي اطلع عليها بمناسبة مباشرته لوظيفته.
ويؤخذ مما تقدم أنه ليس للمحامي إفشاء السر المهني مهما كانت الظروف.
ولا جدال أن السر المهني يحمي المصالح الخاصة وهو يهم أيضا النظام العام.
وإن السر المهني يعطي للمحامين الحق في الصمت حتى إزاء السلطة القضائية أو الإدارية.
وبذلك فإنه لا يجوز للمحامي الكشف عن السر المهني.
على أن هذا الواجب يثير إشكالات إذا كان واجب الدفاع يقتضي الكشف عن السر المهني هذا من جهة ومن جهة ثانية هل يتعارض واجب السر المهني مع واجب آخر يتمثل في وجوب إعلام السلطة بارتكاب جرائم إذ أن القانون الجنائي يوجب إعلام السلطة بكل جريمة (يراجع الأمر المؤرخ في 09/07/1942 والمتعلق بالمشاركة السلبية وقد نص فصله الثاني على معاقبة الشخص الذي يكون على علم من قصد يخشى منه ارتكاب جريمة ولا يعلم بها السلطة العمومية وإلا فإنه يمكن اعتباره شريكا في الجريمة).
فهل يتغلب واجب كتمان السر المهني على واجب إعلام السلطة العمومية بالجرائم خاصة وأن الالتزام بالمحافظة على السر المهني هو التزام مطلق حتى أن بعض الدول اعتبرته قاعدة دستورية مثل القانون الألماني.
وقد أثير أخيرا هذا الإشكال بالنسبة للمحامين الذين قد يتعاملون مع المافيا والأشخاص الذين يتعاطون ترويج المخدرات وقد يسعون إلى بعث مشاريع بالأموال المتأتية من المخدرات عن طريق تبييظها فهل يمكن معاقبة هؤلاء المحامين من أجل المشاركة في ذلك وهل يجب عليهم إعلام السلط العمومية بهذه الأعمال.
لقد اتخذت المجموعة الأوروبية يوم 29 سبتمبر الماضي قرارا هاما بعد جدل كبير واحترازات متعددة لمقاومة عمليات تطهير الأموال يقضي بجبر المحامين على إفشاء السر المهني عندما يباشرون عملهم بصفتهم مستشارين قانونيين وقد تضمن هذا القرار أن أعضاء المهن القانونية الحرة مثل المحامين والعدول ومراقبي الحسابات ملزمين بإعلام السلطة بكل الشبوهات عندما يساعدون حرفائهم على القيام بمشاريع مثل بيع عقارات أو مؤسسات تجارية أو التصرف في أموال سندات أو حسابات بنكية.
على أن المحامين لا يخضعون لهذا الإجراء في صورة قيامهم بعمل النيابة أو الدفاع في نطاق إجراءات قضائية.
وبذلك فإنه وقع التمييز بين الأعمال القضائية التي يكون فيها السر المهني مطلقا والأعمال القانونية التي يكون فيها السر المهني نسبيا (يراجع صحيفة لوموند الفرنسية الصادرة في 02/10/2000 صحيفة 3).
ب) الحصانة :
من المبادئ القانونية الواقع إقرارها في جميع التقنيات تقريبا أن المحامي لا يؤاخذ من أجل الثلب أو الشتم أو القذف أو النميمة إذا قام بذلك أثناء المرافقات أمام المحاكم أو في الملحوظات التي يقدمها إلا إذا ثبت سوء نية طبق الفصل 46 من قانون المحاماة وقد تضمنت جل القوانين العربية وغيرها هذه القاعدة ولا شك أن أساسها هو احترام حقوق الدفاع وتمكين المحامي من القيام بواجبه بدون قيود وهو شكل من أشكال الحصانة.
آثــــــــار مســؤوليـــــة المحــامـــــي :
عندما تتوفر أركان المسؤولية فإنه يمكن القيام على المحامي مدنيا بالتعويض كما يؤاخذ جزائيا في صورة ارتكاب جريمة ويتجه النظر في هذين الصورتين.
أ) الآثار المترتبة عن المسؤولية المدنية :
عندما يرتكب المحامي خطأ مهنيا أو صناعيا فإنه يكون مسؤولا إزاء منوبه أو حتى إزاء الغير ويشترك حصول الضرر. وتثير ممارسة الدعوى المدنية بعض المسائل يمكن حصرها في أمرين :
1. كيفية تقدير الضرر :
قد تثأر هذه المسألة عندما يسأل المحامي لأنه لم يرفع الدعوى مثلا في الأجل القانوني وهنا لا بد للمحكمة من أن تنظر في ما فات الحريف من فرصة كسب القضية لو تم رفعها.
وهنا على المحكمة أن تنظر في الحظوظ التي قد تكون للحريف لو رفع دعواه.
أما إذا حكم في القضية ضد الحريف بسبب تهاون من المحامي فإن تقدير مدى قيام مسؤوليته قد يكون أسهل على أنه في كل الحالات لا يمكن أن يتعارض هذا التقدير مع قرينة اتصال القضاء.
2. أجل القيام بالدعوى المدنية :
لم تضبط جل قوانين المحاماة هذه المسألة ومبدئيا يجب الرجوع إلى القواعد العامة المتعلقة بالتقادم المسقط وذلك بالتمييز بين الدعوى المدنية المبينة على خطأ مدني وبين الدعوى المدنية المبنية على جنحة أو جناية ومبدئيا يقع العمل بالقواعد العامة المعمول بها في هذه المادة رغم أن بعض القوانين مثل القانون الفرنسي ضبط أجلا محددا لسقوط الدعوى بمرور الزمن وهو عشر سنوات بداية من انتهاء عقد الوكالة.
3. أجل شركة التأمين محل المحامي :
إذا كان المحامي مؤمنا فالمفروض أن شركة التأمين هي التي تحل محله في التعويض طبق قانون التأمين وفي حدود عقد التأمين مع الملاحظة أن القانون المؤرخ في 20/07/1998 والمتعلق بالشركات المهنية للمحامين أوجب على هذه الشركات أن تبرم عقد تأمين.
كما أنه إذا كان المحامي منخرطا في شركة مهنية للمحامين نتساءل هل أنه مسؤول شخصيا أم أن المسؤولية تتحملها الشركة.
لقد أجاب المشرع على هذا السؤال بالفصل 24 من قانون 20/07/1998 وقد اعتبر كل شريك مسؤولا إذا تسبب في مضرة الغير أثناء مباشرته لأعماله المهنية إلا أنه جعل الشركة المهنية التي يباشر فيها المعني بالتعويض عمله ضامنة له وملزمة بأداء المبالغ المستحقة إذ ثبت عدم قدرته على الوفاء جزئيا أو كليا ولها حق الرجوع عليه بالدرك.
ب) الآثار المترتبة عن المسؤولية الجزائية :
يؤاخذ المحامي جزائيا مبدئيا طبق القانون العام إذا ارتكب جريمة خارج مهنته.
أما إذا ارتكب جريمة أمام المحكمة فإنه يحرر محضر في الموضوع يحال على وكيل الجمهورية الذي يتولى إنهاء الموضوع إلى الوكيل العام ليقرر في شأنه ما يراه بعد إعلام رئيس الفرع الجهوي المختص.
وإذا كانت الجريمة المقترفة ضد هيئة المحكمة فإنه يمكن محاكمته حالا من طرف هيئة أخرى بعد استدعاء ممثل الفرع الجهوي للمحامين.
ونظم الفصل 45 من قانون المحاماة الإجراءات المتبعة في الأبحاث ضد المحامي المرتكب لجناية أو جنحة أثناء القيام بأعمال مهنته فهو يحال على قاضي التحقيق من طرف الوكيل العام ويتولى قاضي التحقيق استنطاقه بنفسه أو بواسطة أحد زملائه.
وهناك إجراءات خاصة بتفتيش مكتب المحامي إذ لا يتم ذلك إلا بحضور القاضي المختص ولا يجري التفتيش إلا بعد إعلام رئيس الفرع الجهوي للمحامين أو أحد أعضاء مجلس الفرع وتمكينه من الحضور.
وأما في صورة التلبس فإن مأمور الضابطة العدلية يقوم بكل الإجراءات ما عدا استنطاق المحامي إذ يبقى ذلك من اختصاص القاضي مع إعلام رئيس الفرع الجهوي المختص الذي له أن يحضر الاستنطاق.
ولا شك أن هذه الإجراءات ترمي إلى حماية المحامي من كل تعسف.
ولعل من بين المشاكل القانونية معرفة مدى إمكانية إقرار المسؤولية الجزائية لشركات المحامين إذا كانت مورطة في جريمة ما مثل التحيل وهذه المسألة تتجاوز في الحقيقة هذه الحالة بالذات لتشمل إشكالية المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية.
ويمكن الاقتصار على تتبع المحامي المنخرط في الشركة والذي ارتكب الخطأ الجزائي دون حاجة إلى مؤاخذة الشركة كذات معنوية.