قواعد وإجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة
جزء من رساله ماجستير لمحمد نصر الرواشده
لقد مرت القوانين الأردنية التي تحكم أسس المرافعات والمحاكمات بمجموعة من التعديلات عبر الفترات السابقة . وقد راعى المشرّع في هذه التعديلات الظروف المختلفة التي مر بها الوطن، سواء من ناحية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو جغرافية، ففي السابق كان التنظيم البسيط لإجراءات التقاضي يفي بالغرض المطلوب ويحقق النتيجة المرجوة من خلال الوصول إلى قرار الحكم، بسبب العدد القليل من القضايا الذي يتناسب مع عدد السكان. ولكن مع التزايد السريع لأعداد القضايا الناتج عن تزايد عدد السكان وما تبعه من توسع الرقعة الجغرافية للمناطق المأهولة أصبح لا بد من البحث عن وسائل بديلة تهدف إلى اختصار أمد المنازعات وتحقيق النتائج المطلوبة بأبسط السبل وأسرعها، فكان البحث عن وسائل تهدف إلى حصر البيّنات القانونيّة المقدمة بالدّعوى، والتي تشكل أكبر المُعضلات في عملية التقاضي وتُشكل أيضاً السبب الرئيس في إستنزاف وقت المحاكمة، وهو ما يسمى بحصر البينة الذي يعتبر أحد أهم أسس إدارة الدعوى المدنية.
ومن خلال هذا المبحث سوف نتولى دراسة إجراءات وقواعد إدارة الدّعوى المدنيّة في ظل التشريع الأردني بشيء من التفصيل في مطلبين وعلى النحو التالي:
المطلب الأول: مبدأ حصر البيّنة في القانون الأردني.
المطلب الثاني: إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة.
المطلب الأول
مبدأ حصر البيّنة في القانون الأردني
يوجد في الأردن مجموعة من التشريعات التي تحكم إجراءات التقاضي، بحيث يشكل قانون أصول المحاكمات المدنيّة الشريعة العامة التي تحكم إجراءات التقاضي مع لزوم مراعاة القوانين الخاصة التي تحكم المعاملات القضائية سواءً من حيث طبيعة المنازعات كأصول المحاكمات الشرعية التي تضع القواعد الخاصة للمحاكمة أمام المحاكم الشرعية، وكذلك الحال بالنسبة للقضايا الجمركية والضريبية والجزائية التي تكون محكومة في قوانين خاصة تنظمها. كما تراعى بعض القوانين التي جاءت لتحكم وتضع قواعد خاصة لبعض الدعاوى حسب الأشخاص المعنيين في الخصومة كما هو الحال في العسكريين مثلاً.
وبالرّغم من ايراد قواعد خاصة تحكم العلاقة أثناء سير الدّعوى، إلا أن هذه التشريعات حتى في ظل القضاء النظامي تعددت ويجب مراعاتها جميعاً، وهي تشمل في واقعنا الأردني قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952 ، والذي تم تعديله بالقانون المُعدِّل رقم 25 لسنة 1988 ، والذي تم تعديله أيضاً بموجب القانون المُعدِّل رقم 13 لسنة 2001 ، وقانون استقلال القضاء رقم 49 لسنة 1972 ، المُلغى بموجب القانون رقم 15 لسنة 2001 ، وقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 ، المُلغى بموجب القانون رقم 17 لسنة 2001 ، وقانون البيّنات رقم 30 لسنة 1952 ، المُعدَّل بموجب القانون المؤقت رقم 37 لسنة 2001 ، وقانون نقابة المحامين النظاميين رقم 11 لسنة 1972 وتعديلاته، ونظام رسوم المحاكم رقم 43 لسنة 2005 ، وتهدف جميع هذه التشريعات إلى وضع آلية تقاضي متكاملة تحكم هذه الدعاوى من جميع نواحيها ويجب مراعاتها في آن واحد كلما انطبقت على الدّعوى المنظورة .
ومبدأ حصر البيّنة مبدأ قانوني عملي يوجب على أطراف النزاع لزوم تحديد ما سيتولون طرحه وتقديمه من بيّنات أثناء سير الدّعوى، الأمر الذي يضمن اطِّلاع أطراف الخصومة على جميع البيّنات التي ستُقدم أثناء الدّعوى لغايات تمكين الخصوم من إعداد دفاعهم بمواجهة الطرف الآخر، وتمكين المحكمة من دراسة البيّنات التي ستُقدم لتحديد قبولها من عدمه، وبالنتيجة تمكين المحكمة من السيطرة على الدّعوى والفصل فيها.
ولعل أقدم التشريعات الأردنية السارية المفعول التي عالجت حصر البيّنات كان قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952، حيث بيّن المشرّع في نص المادة 14 من القانون المذكور أنه: " في جميع الدعاوى ما عدا العطل والضرر ومرور الزمن والوظيفة والصلاحية يورد الطرفان الواحد بعد الآخر جميع مدّعياتهما ومدافعاتهما وإعتراضاتهما دفعة واحدة وعلى القاضي أن يُعطي قراراً واحداً في جميع ذلك دون حاجة إلى إصدار قرارات في كل منها إلا ما كان إعطاء القرار بأساس الدّعوى يتوقف على إعطاء قرار فيه كالاستعانة بالخبراء أو اجراء الكشف فيصدُر القرار فيه على حدة".
ومن خلال هذا النص نجد أن المشرّع اعتمد الاختصاص النوعي كأساس في حصر البيّنات، فأوجب على الخصوم تقديم جميع بيّناتهم دفعة واحدة في جميع الدعاوى الصلحية باستثناء دعاوى العطل والضرر والدفوع بمرور الزمن والدفوع بالاختصاص الوظيفي والصلاحية، أما باقي القضايا الصلحية من غير المذكورة، فلا بد من حصر البيّنات بها وجوباً، وإذا لم يقم الخصوم بحصر بيّناتهم في الجلسة الأولى أو عند جلسات البيّنات والدفوع فإنه يتوجب على المحكمة أن تنبه الخصوم بلزوم حصر بيّناتهم تحت طائلة حرمانهم من تقديمها، ويترتب على تقديم الخصوم حصراً لبيّناتهم من خلال قائمة البيّنات حرمانهم من تقديم أية بيّنة جديدة إلا بإذن المحكمة.
ويتم حصر البيّنات من خلال تقديم قائمة بالبيّنات التي سيقوم بإستخدامها طوال فترة الخصومة، وهذا ما أشارت إليه تفصيلاً المادة 57 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة والتي نصّت على أنه:
"1. على المدّعي أن يقدم إلى قلم المحكمة لائحة دعواه من أصل وصور بعدد المدّعى عليهم ومرفقاً بها ما يلي:
أ- حافظة المستندات المؤيدة لدعواه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة.
ب- قائمة بيّناته الخطية الموجودة تحت يد الغير.
ج - قائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في إثباتها بالبيّنة الشخصيّة لكل شاهد على حده.
2. يجب على المدّعى عليه أو وكيله أن يوقع على كل ورقة من الأوراق الموجودة ضمن حافظة مستنداته وأن يقترن توقيعه بإقراره أن الورقة مُطابقة للأصل إذا كانت صورة".
وقد حدد نص المادة 57 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة مبدأ حصر البيّنة بالنسبة للمدّعي، إذ ألزمه بتقديم قائمة تفصيلية بالبيّنات التي يعتمد عليها في دعواه، سواء بيّنات خطية أو شهادات شهود يرغب بالاستماع إليها، كما أوجبت عليه أن يُحدد في قائمة الشهود عناوينهم الكاملة، والوقائع التي يُريد أن يُثبتها من خلالهم، بحيث تتحدد مناقشتهم بحدود هذه الوقائع التي يشترط أن تكون مُنتجة في الدّعوى وعلى صله بموضوعها . كذلك يتوجب على المدّعي أن يتقدم بقائمة المستندات التي يرغب بإحضارها والموجودة لدى الفريق الثاني في الدّعوى أو لدى الغير، على أن يلتزم في دوره في البيّنه بأن يتقدم للمحكمة بطلب مستقل لإحضارها حسب أحكام قانون أصول المحاكمات وقانون البيّنات .
ومن باب تحقيق العدالة والمساواة بين أطراف الدّعوى في إتاحة الفرصة لكل منهما بتقديم البيّنات التي يرغب فيها ، فقد أُلزم المدّعى عليه في قانون أصول المحاكمات المدنية بحصر بيّناته أيضاً، فقد نصّت الفقرة الأولى من المادة 59 من قانون أصول المحاكمات المدنيّةعلى ما يلي:
"1- على المدّعى عليه أن يُقدم إلى قلم المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ تبلغه لائحة الدّعوى جواباً كتّابياً على هذه اللائحة من أصل وصور بعدد المدّعين مُرفقاً به ما يلي:
أ-حافظة بالمستندات المؤيدة لجوابه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة.
ب- قائمة ببيّناته الخطية الموجودة تحت يد الغير.
ج- قائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في اثباتها بالبيّنة الشخصيّة لكل شاهد على حدة".
وبناءً على هذا النص يتوجب على المدّعى عليه أن يُقدم إلى قلم المحكمة المختصة جوابه على لائحة الدّعوى مُرفقاً بها حافظة مستنداته التي تتضمن البيّنات الخطية وأسماء الشهود، وبنفس التفصيل الوارد في حالة المدّعي وذلك خلال ثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالي لتاريخ تبلُغه لائحة الدّعوى ، تحت طائلة حرمانه من تقديم جوابه وبيّناته والسماح له فقط بتقديم مذكرة اعتراضية على بيّنات المدّعي وتوجيه اليمين الحاسمة للمدّعي . ومن باب إعطاء المدّعي فرصة لتقديم دفوعه على بيّنات المدّعى عليه وتقديم بيّنات جديدة لدحض بيّنات المدّعى عليه التي قُدمت بعد بيّناته، سمح له القانون بموجب المادة 59/6 أن يتقدم برد كتّابي على اللائحة الجوابية المقدمة من المدّعى عليه مع مذكرة اعتراضية على بيّنات المدّعى عليه، كما سمح له بتقديم أية بيّنات جديدة غير تلك التي قدمها سابقاً عند إقامته للدعوى، ويرى الباحث أن ذلك لا يعتبر خروجاً على مبدأ حصر البيّنه، وذلك لأن المدّعي هنا إنما يتقدم ببيّنات لدحض بيّنات المدّعى عليه التي قُدمت بعد بيّناته، كما أن تحليل الفقرة السادسة من المادة 59 المذكورة يُفيد بأن المدّعي أصبح بمكان المدّعى عليه، لأن المدّعى عليه عندما يتقدم بجوابه على الدّعوى ودفوعه على بيّنات المدّعي ويتقدم ببيّناته التي تُثبت دفوعه على الدّعوى إنما يصبح بمكانة المدّعي في هذه الدفوع والادعاءات فهو يدعي شيئاً جديداً في الدّعوى، وبالتالي فإن السماح للمدّعي بتقديم بيّنات جديدة لدحض ادعاءات المدّعى عليه الواردة في لائحته الجوابية وبيّناته المرفقة بها لا يُعتبر خروجاً على مبدأ حصر البيّنات لأنه يتقدم ببيّنات جديدة للرد على بيّنات جديدة وادعاءات جديدة بالنسبة له علِم بها بعد تقديمه لبيّناته أول مرة . وهنا قد يثور التساؤل حول السبب في عدم السماح للمدّعى عليه بالرد على بيّنات المدّعي الداحضة؟. ويرى الباحث أن السبب يكمن في مسألة تبادل الأدوار المشار إليها أعلاه، حيث يكون المدّعي هو أول من يقدم دعواه وبيّناته فيها، فيحق للمدّعى عليه أن يتقدم بجوابه على الدّعوى وبيّناته التي تدعم جوابه، وهنا نكون قد حققنا المرحلة الأولى من العدالة والمساواة بين الطرفين عندما سمحنا للمدّعى عليه أن يدفع دعوى المدّعي وبيّناته بجواب وبيّنات جديدة، وبمجرد تقديمه لجوابه وبيّناته الجديدة يُصبح المدّعى عليه في دور المدّعي ضد المدّعي الأصلي في الدّعوى، لأن جوابه يتضمن ادعاءات يدافع بها عن نفسه ويدعمها ببيّناته المقدمة من قبله، لذلك تقتضي العدالة أن نسمح للمدّعي الأصلي بتقديم رد على جواب المدّعى عليه (الذي أصبح بمثابة المدّعي في حدود جوابه) وبيّنات لدحض بيّنات المدّعى عليه، هذا كله من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن المدّعى عليه ومنذ لحظة تبلغه لائحة الدّعوى والبيّنات المرفقه معها يملك الوقت الكافي لتجهيز جوابه ودفوعه على الدّعوى بما فيها البيّنات التي تدعم إدعاءه. ومن ناحية ثالثة، فإن السماح للمدّعى عليه بتقديم بيّنات لدحض بيّنات المدّعي الداحضة ينطوي على هدر وقت المحكمة والخصوم، ولو سمحنا لكل طرف أن يقدم بيّنات لدحض البيّنات التي يقدمها الطرف الآخر دون ترتيب الأدوار ودون تحديد أجل لذلك، لأدى هذا الأمر إلى امتداد المحاكمة إلى أجل غير مسمى، وكنا أمام حالة يستحيل معها فصل الدّعوى، سيما وأن لمبدأ حصر البيّنة دوراً فاعلاً في منع الأطراف من التسويف والمماطلة، من خلال ترتيب الأدوار ومعرفة كمية البيّنات التي سوف تُقدم في الدّعوى.
وهذا التنظيم التشريعي لم يكن وليد الساعة بل مر في تطور كبير جاء نتيجة دراسات ونتيجة طبيعية للتطور العلمي والفكري والقانوني بشكل دفع المشرّع إلى البحث عن حلول منطقية وسليمة إلى الحد من أسباب المماطلة وتأخير الفصل بالدعاوى، الأمر الذي دفع المشرّع في بادئ الأمر إلى ايراد نص المادة 14 من قانون محاكم الصلح، ولنجاح التجربة الواردة في قانون محاكم الصلح بحصر البيّنات والحد من أمد المحاكمات بدأ البحث عن حلول ناجعة في قانون أصول المحاكمات المدنيّة فتم إدارج المادة 59 في هذا القانون التي إستوجبت حصر البيّنات بحق المدّعي والمدّعى عليه بشكل حقق أثراً كبيراً وناجحاً في الحد من أمد المحاكمات.
ولكن بعد أن شهد الأردن تطوراً كبيراً وغير مسبوق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بدأ العمل من جديد عن البحث عن آليات جديدة غير تقليدية للتقاضي بهدف الحد من عدد الخصومات المعروضة على المحاكم، ولذلك تم البحث عن هذه الوسائل لدى الدول المتقدمة وأصحاب التجربة فتمت الإفادة من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية بإستحداث إدارة الدّعوى المدنيّة، والتي تشكل برنامج جديد يهدف إلى الحد من عدد المخاصمات التي تُحال إلى المحكمة وتبقى قائمة حتى يتم صدور قرار فاصل بالموضوع بعد مدة طويلة من التقاضي، وإن كانت هذه الآلية بصورتها التي تم نقلها من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية لا تنسجم بشكل كامل مع الواقع الأردني بعكس الوساطة كما سنرى لاحقاً.
المطلب الثاني
إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة
لم يختلف الأمر كثيراً من حيث إجراءات تسجيل الدّعوى المدنيّة عما كان عليه الأمر في السابق، حيث يتقدم المدّعي بلائحة الدّعوى بايداعها إلى قلم المحكمة المختصة عملاً بأحكام المادة 56 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة ، بحيث تتضمن اسم المحكمة المقدمة لها الدّعوى، وكذلك اسم المدّعي والمدّعى عليه وعنوانهما وصفتهما وكذلك موضوع الدّعوى وقيمتها وأسبابها وتاريخ تسجيلها ومرفقاً بها البيّنات التي تثبت صحة دعواه على أن تكون جميع الأوراق موقعة من المدّعي أو وكيله في الدّعوى .
وبناءً على أحكام المادة 58 من القانون يتم تسجيل الدّعوى في سجل الأساس وإعطائها الرقم القضائي الذي يُسجل على ملف الدّعوى. وهذا الرقم يُعطى بشكل متسلسل حسب إسبقية تاريخ ولحظة الورود إلى القلم ، وبعدها يتم تسليم لائحة الدّعوى إلى المحضرين ليصار إلى تبليغها إلى المدّعى عليه ، وفق إجراءات التبليغ التي حدّدها المشرّع بموجب قانون أصول المحاكمات المدنيّة .
ومن الواجب ذكره في هذا المقام أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة 58 المشار إليها تتعلق بالدعاوى التي تخضع لإدارة الدّعوى المدنيّة، أما الدعاوى غير الخاضعة لسيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة فيضاف لها إجراء آخر غير التسجيل والترقيم والحفظ والتبليغ وهو تحديد موعد للجلسة الأولى فور تسجيل الدّعوى وقبل تبليغ أوراقها للمدّعى عليه، بحيث يصار إلى تبليغ المدّعى عليه كامل الأوراق وموعد الجلسة الأولى، وهذا ما نصّت عليه المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة التي نصّت على أنه:
"1) في الدعاوى المستعجلة يعين القاضي جلسة المحاكمة فور قيد لائحتها بدون حاجة لتبادل اللوائح.
2) تعتبر الدّعوى غير تابعة لتبادل اللوائح بقرار يصدره رئيس المحكمة أو من ينتدبه إذا استدعت طبيعة هذه الدّعوى أو موضوعها أو إذا اقتصر طلب المدّعي فيها على إستيفاء دين أو مبلغ متفق عليه من المال مستحق على المدّعى عليه وناشئ عما يلي:
أ- عقد صريح أو ضمني ( كالبوليصة والكمبيالة أو الشيك مثلاً)، أو
ب- سند تعهد أو عقد مكتوب يقضي بدفع مبلغ من المال متفق عليه، أو
ج- كفالة إذا كان الادعاء على الأصيل يتعلق فقط بدين أو مبلغ من المال متفق عليه.
3) وتعيِّن المحكمة جلسة لهذه الدّعوى خلال عشرة أيام من تاريخ قيدها في قلم المحكمة".
أي أن الدعاوى التي تعتبر مستعجلة بقرار يُصدره رئيس محكمة البداية أو من ينتدبه، إما بسبب طبيعتها أو موضوعها أو لأنها تقتصر على المطالبة بقيمة ورقة تجارية أو بقيمة تعهد صريح بدفع مبلغ من المال أو مطالبة الكفيل مع الأصيل (المكفول) بقيمة مبلغ متفق عليه من المال، فهذه الدعاوى جميعها تأخد طابع الاستعجال ولا تخضع لنظام تبادل اللوائح المنصوص عليه في المادة 59 من القانون، وبالتالي لا تخضع لنظام إدارة الدّعوى المدنيّة المنصوص على أحكامه في المادة 59 مكرر من قانون الأصول، لأن المشرّع أراد إختصار الوقت من خلال تحديد موعد أول جلسة لنظر الدّعوى مباشرة عند قيدها في السجل، على أن يكون هذا الموعد خلال عشرة أيام تلي تاريخ القيد في السجل، مع مراعاة مدد تأجيل الجلسات لهذا النوع من الدعاوى والمنصوص عليها في المادة 61/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية بصيغته المعدلة بالقانون رقم 16 لسنة 2006 التي حظرت على المحكمة تأجيل الدعاوى المستعجلة لمدة تزيد على إثنتين وسبعين ساعة، مما يعني أن المدة التي يتوجب على المدعى عليه تقديم جوابه وبيناته على الدعوى خلالها هي المدة التي تحددها له المحكمة في قرار تأجيل الدعوى إلى الجلسة التالية، وبسبب إختلاف توجهات محاكم الدرجتين الأولى والثانية في تطبيق المواد 59 و60 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وبمناسبة عرض الموضوع على محكمة التمييز الأردنية جاء تدخل هذه المحكمة في قرارها الصادر عن هيئتها العامة بتاريخ 19/2/2006 في الدعوى رقم 1494/2005، وقد جاء في هذا القرار: ".... أما الدعاوى المستعجلة المنصوص عليها في المادة 60 المذكورة فلم يرد بشأنها نص صريح كالنص الوارد في المادة 59 من حيث وجوب تقديم اللائحة الجوابية خلال المدد المنصوص عليها فيها، وإذا كان هدف المشرع بما أورده من ضوابط ومواعيد في المادة 59 سرعة البت في الدعاوى العادية التي غالباً ما تكون أكثر تعقيداً من الدعاوى المستعجلة فإنه لا يصح القول بأن المشرع لم يحدد مدة لتقديم اللائحة الجوابية وحافظة البيّنات في الدعاوى المستعجلة، وأن للمدعى عليه أن يقدمها في الوقت الذي يشاء ولو بعد المدة المحددة في المادة 59 من قانون أصول المحاكمات إذ أن المشرع قد ألزم المحكمة في المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنية بتعيين الجلسة في الدعاوى المستعجلة فور قيدها وخلال العشرة أيام اللاحقة لتاريخ قيدها في قلم المحكمة، وأن المادة 77 من القانون ذاته قد حظرت على المحكمة تأجيل الدعوى لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً إلا في حالة الضرورة التي يجب إثبات أسبابها في محضر المحاكمة وبما أنه من الثابت في محضر المحاكمة أمام محكمة الدرجة الأولى أن وكيل الطاعن (المدعى عليه الأول) حضر الجلسة الأولى للمحكمة وإستمهل للرد على لائحة الدعوى وأمهلته المحكمة خمسة عشر يوماً إلا أنه لم يقدمها خلال المدة التي حددتها المحكمة وإستمهل مرة ثانية فقد فوت الفرصة القانونية التي حددها القانون ولا يقبل منه الإستمهال مرة ثانية" .
وبالرغم من أن هذا القرار قد أزال بعضاً من اللُّبس حول المُدد الواجب تطبيقها على الدعاوى غير الخاضعة لتبادل اللوائح، وميز بين الدعاوى التي تخضع فيها المدد للمادة 59 وتلك التي تخرج عنها ولكن يجب أن لا تزيد عن تلك المدد الواردة في المادة 77 من ذات القانون، إلا أن قرار محكمة التمييز المذكور لم يحدد بشكل صريح المدة التي يجب على المدعى عليه تقديم لائحته الجوابية خلالها ،
ولكن وفي قرار لاحق تداركت محكمة التمييز جزءاً من مسألة تحديد موعد تقديم اللائحة الجوابية عندما ذهبت إلى أن هذا الموعد يجب أن لا يزيد عن موعد الجلسة التالية المحددة في المادة 61 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وقد ورد في هذا القرار: "2. إذا كانت الدعاوى المستعجلة ليست تابعة لتبادل اللوائح وفقا لأحكام المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنية، واذا كان المشرع لم ينص صراحة على الميعاد الذي يتعين فيه على المدعى عليه تقديم جوابه على لائحة الدعوى المستعجلة فإنه يتوجب أن يكون تقديم الجواب وقائمة البينات خلال المدة المنصوص عليها في المادة 61 من ذات القانون المتعلقة بمواعيد الحضور في تلك الدعاوى. مما ينبني عليه أن طلب المدعى عليه بتاريخ 23/6/2004 وبعدما يزيد على ثمانية أشهر من حضوره جلسة المحاكمة الأولى المنعقدة في 9/10/2003 بالسماح له بتقديم جوابه الكتابي وقائمة بيناته، جاء بعد فوات المدة القانونية المنصوص عليها بالمادة 61 سالفة الذكر وعليه فإن رفض محكمة الموضوع لطلبه هذا يتفق واحكام القانون "تمييز رقم 1494/2005 هيئة عامة تاريخ 19/2/2006" .
إلا أن هذا القرار أيضاً صدر قبل سريان تعديل قانون الأصول أي قبل إضافة الفقرة 3 إلى المادة 61 من القانون، ويعتقد الباحث أن ما قصدته محكمة التمييز في عبارتها "خلال المدة المنصوص عليها في المادة 61 من ذات القانون المتعلقة بمواعيد الحضور في تلك الدعاوى" هي تلك المدة الواردة في الفقرة 2 من المادة 61 من القانون والتي نصت على أن: "ميعاد الحضور في الدعاوى المستعجلة أربع وعشرون ساعة الا اذا اقتضت الضرورة انقاص هذا الميعاد الى ساعة بشرط أن يحصل التبليغ للخصم نفسه"، وليس تلك المدة الواردة في الفقرة 3، لأن الفقرة 3 أضيفت بموجب القانون رقم 16 لسنة 2006 الذي أصبح سارياً إعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية الواقع في 16/3/2006، أي بعد صدور هذا القرار، لذا يرى الباحث أنه وبالرغم من أن محكمة التمييز وفي قراريها السابقين قد أكدت أن على المدعى عليه أن يجيب على لائحة الدعوى في مدة تقل عن المدة المحددة في المادة 59 من القانون، كما أنها منعت المدعى عليه من المماطلة والتسويف في تقديم جوابه على الدعاوى المستعجلة بحجة عدم خضوعها لتبادل اللوائح، إلا أنها وفي قراريها لم تحدد مدةً واضحةً تجبر المدعى عليه خلالها بتقديم جوابه على الدعوى، ففي قرارها الأول حددت المدة بما لا يتجاوز المدة المحددة في المادة 77 من القانون، وفي قرارها الثاني حددت المدة بتلك الواردة في الفقرة الثانية من المادة 61، مع العلم بأن المدة الواردة في المادة 77 تتعلق بمواعيد الجلسات في الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح، والمدة الواردة في المادة 61/2 تتعلق بمواعيد الحضور في الدعاوى المستعجله، لذلك عند تفضيل أحد القرارين السابقين لمحكمة التمييز الأردنية يُرجح الباحث القرار اللاحق الصادر عن الهيئة الخماسية بتاريخ 7/3/2006 على القرار الأول الصادر عن الهيئة العامة بتاريخ 19/2/2006 من ناحية لزوم تطبيق المدة الواردة في المادة 61 وليس المدة الواردة في المادة 77 من القانون على الدعاوى المستعجلة، هذا كله في الفترة السابقة على سريان القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات رقم 16 لسنة 2006، ولكن في الوقت الحالي يرى الباحث تطبيق المدة الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 61 من القانون.
وبالرغم من أن التعديل المشار إليه الذي أضاف الفقرة الثالثة على المادة 61 من القانون إلا أن محكمة التمييز وبهيئتها العامة ذهبت مرة أخرى إلى ما ذهبت إليه سابقاً من حيث تطبيق المادة 77 من القانون على الدعاوى المستعجلة، وذلك عندما قررت أنه: "1. تعتبر هذه الدعوى وبموجب أحكام المادة 60 من الأصول المدنية ليست خاضعة لتبادل اللوائح خاصة وان الفقرة الثانية من نفس المادة حددت الالية القانونية في اعتبار الدعوى خاضعة أو غير خاضعة لتبادل اللوائح وحتى تعتبر دعوى غير خاضعة لتبادل اللوائح بموجب هذه الفقرة وجاءت الفقرة الثالثة وحددت المدة التي يجب أن تعين المحكمة فيها جلسة مثل هذه الدعوى. وحيث أن هذه الدعوى متعلقة بالمطالبة بكمبيالات عددها 51 كمبيالة فإنها وبموجب أحكام المادة 60/2/ب تكون من ضمن الدعاوى غير خاضعة لتبادل اللوائح. 2. إذا كان هدف المشرع بما أورده في المادة 59 من الأصول المدنية من ضوابط ومواعيد هو سرعة البت في الدعاوى العادية والتي يصح القول فيها بأن المشرع لم يحدد مدة لتقديم اللائحة الجوابية إلا أن المشرع قد الزم المحكمة في المادة 60 من نفس القانون بتعيين جلسة في الدعاوى المستعجلة فور قيدها وخلال العشرة أيام التالية لتاريخ قيدها في قلم المحكمة وكذلك فقد حظرت المادة 77 من الأصول المدنية على المحكمة تأجيل الدعوى لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً إلا في حالة الضرورة التي يجب اثبات اسبابها في محضر المحاكمة فإن الدعاوى المستعجلة لا يجوز أن تتجاوز المدة الممنوحة للمدعى عليه لتقديم جوابه على هذه الفترة الواردة في المادة (77) وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة التمييز (انظر قرار الهيئة العامة رقم (1494/2005 تاريخ 19/2/2006) . وحيث أن الثابـت من ملف الدعوى أن وكيل المدعى عليهما قد حضـر جلسـة 7/7/2003 إلا انه لم يقدم لائحته الجوابية إلا في 3/12/2003 بعد الاستمهال عدة مرات فانه يكون والحالة هذه قد فوت الفرصة القانونية التي حددها القانون لتقديم البينة ولذلك فإن ما أثاره المميزان من جدل حول احقيتهم بتقديم البينة غير وارد ومخالف للأصول مما يجعل من أسباب التمييز بالنتيجة غير واردة على القرار المطعون ومستوجبة الرد وبالتالي فإن إصرار محكمة الاستئناف على القرار المنقوض واقع في محله وموافق للأصول والقانون" .
ومن التدقيق في هذا القرار يجد الباحث أن محكمة التمييز لم تتدارك ما سكتت عنه القرارات السابقه له من حيث الخلط بين هدف المشرع من تحديد مواعيد الجلسات في الدعاوى المستعجلة في المادة 61 ومواعيدها في الدعاوى غير المستعجلة الخاضعة لتبادل اللوائح والواردة في المادة 77 من ذات القانون، كما أن هذا القرار قد أشار إلى أن المدة التي يمكن للمدعى عليه أن يتقدم خلالها بجوابه وبيناته على الدعوى المستعجلة هي تلك المدة الوادة في المادة 77 وليس المدة الواردة في المادة 61 من القانون، بالرغم من أن القرار قد أشار إلى غايات المشرع في التمييز بين الدعاوى المستعجلة وغير المستعجلة سواء في إختصار المدد أو الإجراءات.
لذلك وللتخلص من حالة التناقض والإختلاف في الإجتهادات القضائية يرى الباحث أن من الأفضل تعديل نصوص المواد 61 و77 من قانون أصول المحاكمات المدنية بحيث يُصار إلى حصر هذه المدد والنص صراحة على تطبيق المدد الواردة في المادة 61 من القانون على الدعاوى الخاضعة للمادة 60 (الدعاوى المستعجلة)، والمدد الواردة في المادة 77 على الدعاوى الخاضعة للمادة 59 (الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح)، هذا بالنسبة لمواعيد تأجيل الجلسات، أما بالنسبة لموعد رد المدعى عليه على لائحة الدعوى فيجب تحديده بالنسبة للدعاوى المستعجلة بحيث لا يتجاوز المدة المحددة لتأجيل هذا النوع من الدعاوى. لأن الباحث يرى أن المشرّع أراد في المادة 60 من القانون تجاوز الزمن بالخروج عن الإجراءات التقليدية في الدعاوى المستعجلة من حيث المدة الممنوحة للمدّعى عليه للرد على لائحة الدّعوى، وما يرافقها من مدد تفصل بين تحديد مواعيد رد المدّعي على اللائحة الجوابية وتحديد موعد أول جلسة، وذلك بسبب أن طبيعة هذه الدعاوى واضحة وأقل تعقيداً من الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح وهي لا تقبل المناقشة في أغلب الأحوال، سيما وأن قيمة الدين المطالب به فيها واضح ومُثبت بموجب سندات خطية محددة بنص القانون، وبالتالي فإن مجال المدّعى عليه في المنازعة بصحة هذه السندات يكون محصوراً في حالات محددة، وهذا واضح من صريح النص " تعتبر بعض الدعاوى غير تابعة لتبادل اللوائح"، أي أن هذه الدعاوى لا تخضع لإجراءات تبادل اللوائح ومددها المنصوص عليها في المادة 59 من القانون، سيما وأن النص تضمن تحديد مدة عشرة أيام تلي تاريخ التسجيل موعداً لأول جلسة أمام محكمة الموضوع، ولكن قصوراً تشريعياً شاب النص تمثل في عدم التحديد صراحةً لموعد تقديم الجواب في هذه الدعاوى، وكذلك عدم ايراد جزاء شبيه بذلك الوارد في الفقره 4 من المادة 59 من القانون ، مما أدى إلى تعطيل تطبيقه في كثير من الأحيان، والتحايل عليه من قبل الخصوم في أحيان أخرى، وكان ذلك في ظل غياب الإجتهاد القضائي الدقيق كما رأينا من دراسة قرارات محكمة التمييز السابقة، ومن ذلك كله يخلص الباحث إلى أن المادة 60 تهدف إلى تقصير المدة في الدعاوى المستعجله إلى أقل من المدد الواردة في المادتين 59 و77 وسنده في ذلك ما يلي:
1. أن المشرّع أعطى لهذه الدعاوى صفة الاستعجال مما يدعو للقول بأن القصد من صفة الاستعجال هو فصل هذه الدعاوى في وقت أقل من الوقت الذي يلزم للفصل بها فيما لو كانت غير مستعجله، أو تابعة لتبادل اللوائح.
2. أنه لو كان قصد المشرّع جعل مدة تبادل اللوائح في هذه الدعاوى ثلاثين يوماً لنص بشكل صريح على إخضاعها للمدة المحددة في المادة 59 من القانون، أو كان من الأجدر به عدم النص على إعطائها صفة الإستنعجال أو عدم تخصيص نص خاص لهذا النوع من الدعاوى، وبالتالي فإن إخراجها عن نظام تبادل اللوائح يشير إلى قصد المشرّع بتقصير هذه المدة وليس بإطالتها أو عدم تحديدها بسقف.
3. أن التوجه الحديث في قانون أصول المحاكمات يسير بإتجاه تقصير المدة اللازمة لفصل الدّعوى من خلال التخلص من بعض الإجراءات غير الضرورية لبعض الدعاوى، وهذا الحال يتضح من قصد المشرع في الدعاوى العادية الخاضعة لتبادل اللوائح، فكيف يمكننا تفسير قصد المشرع في حالة الدعاوى المستعجلة، حيث أن موضوع هذه الدعاوى بسيط لدرجة أن تجهيز لائحة جوابية وبيّنات من المدّعى عليه لا يحتاج إلى ثلاثين يوماً تالية ليوم تبلغه لائحة الدّعوى.
4. كما أن قانون الأصول المعدِّل رقم 16 لسنة 2006 حدد مدة اثنتين وسبعين ساعة كحد أعلى في تأجيل جلسات الدعاوى المستعجلة، وهنا لو افترضنا أن المدّعى عليه طلب مهلة للإجابة على لائحة الدّعوى في أول جلسة وقررت المحكمة تأجيلها لمدة إثنتين وسبعين ساعة حسب النص المذكور، وفي الجلسة القادمة لم يتقدم المدّعى عليه بالجواب بهدف الاستفادة من مدة الثلاثين يوماً الممنوحة له في المادة 59 أو مدة الخمسة عشر يوماً الممنوحة له في المادة 77، فإن تطبيق نص المادة 61/3 أصبح بدون طائل لأن القاضي مجبر على تطبيقه في تحديد مواعيد الجلسات مما يعني حضور عشر جلسات في الحالة الأولى وخمسة جلسات في الحالة الثانية قبل أن يجيب المدّعى عليه على الدّعوى، وهنا يرى الباحث أن التطبيق للنصوص ذات العلاقة لا يعني الوصول إلى حالة تحديد جلسات بدون أية إجراءات لأن في ذلك تضييع لوقت جميع الأطراف بلا داع، كما أنه يؤدي إلى تفريغ النصوص القانونيّة من مضمونها، سِيّما وأن المشرّع لا يقول لغواً، كما أن الفقره الأولى من المادة 77 من قانون أصول المحاكمات تمنع التأجيل لنفس الغاية أكثر من مرة ولكن المادة 59 تعطي المدّعى عليه الحق باستخدام المدة الممنوحة له دون قيد أو شرط ، مما يؤدي إلى تعارض واضح بين أحكام مواد القانون، وكان المشرّع قادراً على التخلص من هذا التعارض من خلال تحديد مدد واضحة في المادة 60 لضبط إجراءات هذه الدعاوى، سِيّما وأنه أفرد لها نصاً خاصاً بها.
5. لأنه لو مُنح المدّعى عليه مدة ثلاثين يوماً للرد على لائحة الدّعوى، أو مدة خمسة عشر يوماً على حد ما ذهبت إليه محكمة التمييز في قراراتها السابقة فإن تحديد موعد أول جلسة بعد عشرة أيام من تسجيل الدّعوى هو تزيُّد لا مبرر له في القانون، سيّما وأن هذه الجلسة ستؤجل لجلسة أخرى للإجابة على لائحة الدّعوى لأن المدّعى عليه سوف يسعى للاستفادة من المدة المنصوص عليها في المادة 59 أو تلك المحددة في المادة 77.
6. أنه بالمقارنة بين المدد التي تحتاجها دعويين الأولى غير مستعجلة تخضع للمادة 59 والثانية مستعجلة تخضع للمادة 60 من القانون، فإن الفارق في المدد هو فقط في المدة التي تخضع فيها الدّعوى غير المستعجلة لسيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة ، أما باقي المدد فإنها متشابهة، مما يدعو للتساؤل: أين العجلة في الأمر؟، ولماذا تم وصف هذه الدعاوى بالمستعجلة ما دامت تخضع لكامل المدد الخاصة بتبادل اللوائح؟.
لذلك كله يرى الباحث أن التطبيق السليم للمادة 60 يقضي بإنقاص المدة المحددة في المادة 59 لتقديم اللائحة الجوابية، وذلك بالرّغم من عدم وجود نص صريح يقضي بذلك. ولكن التطبيق المشار إليه يتماشى مع التوجه الحديث لقانون الأصول الجديد وكذلك أصول الإجراءات والمرافعات في القوانين المقارنة، كما أن التطبيق على هذا الوجه لا يخالف صريح النص بل يسير معه جنباً إلى جنب، كما يقتضي التطبيق السليم إنقاص مدد تأجيل الجلسات من خمسة عشر يوماً إلى اثنتين وسبعين ساعة سنداً لنص المادة 61 من القانون. وذلك لأن تطبيق أحكام المادة 59 المتعلقة بالمدد يجرد الدعاوى المستعجلة من صفة الاستعجال، وبالتالي فإن إخضاعها لإدارة الدّعوى –في حال كانت الإدارة قادرة على ضبط الوقت- هو الحل الأفضّل وبالتالي نكون بغنى عن نص المادة 60 من القانون. أو بإيراد نص صريح في المادة 61 يقضي بتطبيق المدة الواردة في هذه المادة على الدعاوى غير الخاضعة لتبادل اللوائح، ونص آخر في المادة 77 بتطبيق المدة الواردة فيها على الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح.
وبما أن المادة 59 من قانون أصول المحاكمات حددت محكمة البداية مقراً لإدارة الدّعوى المدنيّة، مما يعني أن الدعاوى الخاضعة لإدارة الدّعوى المدنيّة هي تلك الدعاوى التي تدخل ضمن اختصاص محكمة البداية فقط. وبما أن القانون نفسه حدد أن من أهم واجبات إدارة الدّعوى الإشراف على عملية تبادل اللوائح وتنظيمها، فإن الدعاوى البدائية الحقوقية غير الخاضعة لنظام تبادل اللوائح تخرج عن سيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة، كما أن الدعاوى التي تدخل ضمن اختصاص محاكم الصلح أو أي محكمة أخرى مهما كان نوعها تخرج أيضاً عن سيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة .
وبعد استعراض التطور التاريخي للمراحل التي مرت بها إدارة الدّعوى، ومعرفة الدعاوى التي تخضع لسلطة إدارة الدّعوى، نرى من اللازم بيان آلية تطبيق نظام إدارة الدّعوى المدنيّة في الأردن في ظل قانون أصول المحاكمات المدنيّة الأردني رقم 24 لسنة 1988 وتعديلاته، كذلك في ظل القوانين ذات العلاقة بموضوع إجراءات التقاضي.
فقد نصّت الفقره الثانية من المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة على أنه: "يتولى قاضي إدارة الدّعوى المهام والصلاحيات التالية"، وبالرّغم من أن نص المادة المذكورة قد خلط بين المهام والصلاحيات، إلا أن الباحث آثر أن يفصل بينهما في فرعين بناءً على التفريق بين معنى المصطلحين حيث أن المهام تعني الواجبات التي يُلزم شخص ما بالقيام بها أثناء تأديته لعمله في مجال معين، بحيث يؤدي إهماله لهذه الواجبات كلها أو بعضها إلى فوات المنفعة من عمله أو فشل المهمة الموكولة له وأحياناً بطلانها، فمثلاً لا يستطيع قاضي إدارة الدّعوى أن يهمل مسألة عقد الاجتماع الأولي لأطراف النزاع، وإذا فعل ذلك إنهارت عملية إدارة الدّعوى برمتها وأصبحت عديمة الجدوى باعتبار أن النموذج الأردني في إدارة الدّعوى إعتبر اجتماع إدارة الدّعوى بمثابة العمود الفقري في عملية إدارة الدّعوى، كما لا يستطيع أن يؤجل إجراء التباليغ إلى محكمة الموضوع لتقوم بها، لأن فكرة إدارة الدّعوى تقوم على التخلص أو المساعدة في التخلص من بعض الإجراءات التي تسبب إطالة أمد النزاع ومنها مرحلة التباليغ، كما أن إنجاز التباليغ عنصر أساسي في موضوع حصر البيّنة، كما لا يستطيع قاضي إدارة الدّعوى رفضّ التصديق على المصالحة بين أطراف النزاع، لأن المادة 78 من القانون لم تُخيِّر القاضي بذلك بل أجبرته على الانصياع لطلب أطراف الدّعوى بالتصديق على أي اتفاق بينهم وإثباته في محاضر الدّعوى.
أما صلاحية القاضي في فرض الغرامات المنصوص عليها في المادتين 14 و72 من القانون فهي رخصة منحها القانون للقاضي ليستعملها ضد من يحاول تعطيل إجراءات التقاضي من موظفي المحكمة وأطراف النزاع، وقد ورد في نص المادتين المشار إليهما ما يفيد معنى التخيير، فقد ورد في المادة 14 عبارة "يجوز لها"، كما ورد في المادة 72 عبارة "تحكم المحكمة.... ولكن للمحكمة...."، وبما أنها رخصة فللقاضي حق استعمالها أو عدم استعمالها حسب واقع الحال، والهدف من منحها هو المساعدة في تنظيم عمل إدارة الدّعوى، والمساهمة في تحقيق أهدافها، وبرأي الباحث هذا هو الفارق الجوهري بين المهام والصلاحيات، فقاضي إدارة الدّعوى مُجبر على القيام بالمهام، بينما هو مُخيّر بإستعمال صلاحياته التي نصّت عليها المادة 59 مكرر من القانون. لذلك سوف يتناول الباحث تقسيم المهام والصلاحيات إلى الفرعين التاليين:
الفرع الأول: واجبات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة.
الفرع الثاني: صلاحيات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة.
>>> يتبع
المواضيع المتشابهه:
المفضلات