حماية البرمجيات (الملكية الفكرية)
مع الازدياد الكبير فى حجم الإنتاج العالمى من البرمجيات سنةً بعد الأخرى، صاحب ذلك ازدياد حجم الخسائر السنوية الناتجة عن عمليات القرصنة، وهو الأمر الذى دفع دول العالم - خلال السنوات القليلة الماضية – إلى البحث عن مجموعة من الحلول لتلك المشكلة. ولقد كان أهمها تبنى قوانين حماية الملكية الفكرية، والتى جاءت فى إطار التوجه العالمى لحماية الصناعات والمنتجات من خلال الاتفاقيات الدولية والإقليمية. وتوضح السطور القليلة القادمة تطور معدلات القرصنة العالمية وعلى مستوى مجموعة من الدول بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عنها
يشير الجدول السابق الاستقرار النسبي لمعدل القرصنة على مستوى العالم، حيث بلغ 35% عام 2006 مقابل 36 بعام 2003، لكن على جانب الخسائر الناجمة عن عمليات القرصنة، فقد ارتفع حجمها بنحو 37% ليبلغ 39.57 مليار دولار عام 2006 مقابل 28.80 مليار دولار فى عام 2003. ونفس الحال تقريباً على مستوى الدول، حيث تشير إحدى التقارير الدولية إلى أن المعدلات مستقرة على مستوى الدول خلال نفس الفترة، إلا أن هناك قليل من الدول من استطاعت أن تخفض من ذلك المعدل مثل اليابان ، ايرلندا، سويسرا.
وفيما يتعلق بمصر، فقد انخفض مُعدَّل القرصنة فيها ليصل إلى 63% خلال عام 2006 مقابل 69% عام 2003, وهو تحسن جيد إلى حد ما، وعلى الرغم من انخفاض المعدل إلا أن الخسائر الناجمة عن عمليات القرصنة بمصر ارتفع ليبلغ 88 مليون دولار عام 2006 مقابل 56 مليون دولار عام 2003، وهو ما يشير إلى وجود العديد من الخطوات التى يجب اتخاذها لحماية الملكية الفكرية.
1. 1 حماية الملكية الفكرية
كما اتضح من الجزء السابق من ارتفاع مُعدَّلات القرصنة وزيادة الخسائر السنوية الناتجة عنها، عملت الدول على حماية الإبداع الفكرى من خلال سن تشريعات دولية لذلك. وفى هذا الإطار اتجهت الدول نحو صياغة تشريعات لحماية المنتجات الفكرية والتى سميت فيما بعد بقوانين الملكية الفكرية. وبشكل عام - قبل التطرق إلى موضوع الملكية الفكرية- تجدر الإشارة إلى هناك العديد من القوانين التى تحمى المنتجات التى تتعلق بالتكنولوجيا، والتى يمكن إجمالها فى التالى:
•تشريعات الخصوصية أو قواعد حماية تجميع ومعالجة وتخزين وتبادل البيانات الشخصية.
•تشريعات جرائم الكمبيوتر، ومن ثم تطورها لتشمل جرائم الانترنت وشبكات الاتصال ضمن مفهوم اشمل (أمن المعلومات).
•تشريعات الملكية الفكرية في حقل حماية البرمجيات ومن ثمَّ تطورها لتشمل بقية المصنَّفات الرقمية.
•تشريعات الأصول الإجرائية الجزائية، وتشريعات الإثبات المتفقة مع عصر الكمبيوتر والمعلومات والتي هي في الحقيقة تطوير لقواعد الإجراءات والإثبات.
•تشريعات المحتوى الضار (الحماية من محتوى المعلوماتية على الانترنت).
•تشريعات معايير الأمن المعلوماتى وتطورها إلى تشريعات المواصفات القياسية لتبادل البيانات والتشفير.
•التشريعات المالية والمصرفية فيما يتصل بالمال الألكترونى وتقنيات الخدمات المصرفية والمالية.
•تشريعات الاستثمار والتجارة والضرائب والجمارك والاتصالات والأنظمة الحكومية المرتبطة بالمشروعات التقنية أو المتأثرة بتقنية المعلومات.
•تشريعات التجارة الالكترونية (التواقيع الالكترونية، والتعاقد الألكترونى، والتسوق الألكترونى).
•تشريعات (اتفاقيات ومعاهدات) الاختصاص والقانون المطبق على المنازعات القضائية فى بيئة الإنترنت (بشكل خاص منازعات الملكية الفكرية ومنازعات التجارة والأعمال والبنوك الألكترونية).
1. 1. 1 أنواع الملكية الفكرية:
انقسمت الملكية الفكرية إلى فئتين هما: الملكية الأدبية أو حقوق التأليف والملكية الصناعية.
الملكية الأدبية: هى الحقوق التى تحمى المواد المكتوبة كالكتب، والمواد الفنية الأدائية كالمسرحيات والموسيقى، والمواد السمعية البصرية كالأشرطة السينمائية والغنائية، والفنون التطبيقية كالرسم والنحت، والصور التوضيحية والخرائط، وتأتى ضمنها أيضاً حماية المصنفات الرقمية مثل البرمجيات الحاسوبية وقواعد البيانات.
الملكية الصناعية (براءة الاختراع): هى الحقوق التى تحمي المبتكرات الجديدة كالاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية أو شارات مميزة تستخدم إما فى تمييز المنشآت التجارية (الاسم التجاري) أو تمييز المنتجات التجارية (العلامات التجارية). كما تمنع براءة الاختراع ابتكار برنامج جديد له وظائف شبيهة بوظائف برنامج آخر.
1. 1. 2 الملكية الفكرية للمصنفات الرقمية:
تتمثَّل المصنفات الرقمية فى برمجيات الحاسوب (الكمبيوتر) وقواعد البيانات، والدوائر المتكاملة، أما فى بيئة الانترنت فتتمثل بأسماء نطاقات أو مواقع الانترنت، وبمحتوى المواقع من مواد النشر الألكترونى نصوصاً وصوراً ومواد سمعية ومرئية (الوسائط المتعددة)، وسوف يتم التركيز فى هذه الورقة على البرمجيات وقواعد البيانات.
•برمجيات الحاسوب:
تُعدّ البرمجيات الكيان الأساسى لنظام الحاسوب إذ دونها ليست هنالك فائدة للمكونات المادية من الأجهزة. و تنقسم من الناحية التقنية إلى برمجيات التشغيل التي تتيح عمل مكونات نظام الحاسوب معا و في تناسق و توفر بيئة عمل ملائمة للبرمجيات التطبيقية أو التطبيقات، و البرمجيات التطبيقية تمثل النوع الثاني من أنواع البرمجيات، وهي التي تقوم بمهام محددة على غرار معالجة النصوص أو الجداول الحسابية، لذلك حظيت البرمجيات باهتمام كبير من حيث حتمية الاعتراف بها بصفة مستقلة وتوفير الحماية القانونية لها.
وقد أثارت جدلاً واسعاً طيلة السبعينات بخصوص طبيعتها و موضع حمايتها من بين تشريعات الملكية الفكرية، وتباينت الآراء بين من يدعو لحمايتها بواسطة نظام براءات الاختراع لما تتسم به من استغلال صناعي و اتصالها المتين بمنتج مادي صناعي، وبين من دعا لحمايتها عبر الأسرار التجارية لما تنطوي عليه من سر تجاري في غالب الأحيان، وبين داع إلى حمايتها عن طريق الشروط العقدية في رخص الاستخدام أو اتفاقيات الاستغلال. وأسفرت سلسلة اجتماعات خبراء المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة اليونسكو عامي 1983 و 1985 عن توجه عام اعتبر البرمجيات من قبيل الأعمال الأدبية إذ هى أفكار وترتيب خوارزميات تستنبط ضمن شكل ابتكاري إبداعي، و سماتها و صفاتها تتقابل مع عناصر حماية الملكية الأدبية.
ثم جاءت اتفاقية "تريبس" و أيدتها "المنظمة العالمية للملكية الفكرية" بواسطة "اتفاقية جينيف" لسنة 1996، حيث أضيفت البرمجيات إلى المصنفات الأدبية، وأعطيت لصاحبها كافة الحقوق المالية و المعنوية إضافة إلى حقه في إجازة تأجيرها أو منعه. و تمتد حماية هذه الملكية مدة خمسين عاما ابتداء من تاريخ إنجاز البرمجية.
•قواعد البيانات:
البيانات أو المعلومات المخزنة فى نظم الحواسيب بصفة عامة ليست محل حماية لملكية فكرية, لكنها عندما تخضع لعملية معالجة تتيح حفظها وفق تصنيف معين وآلية استرجاع معينة، فإنها تتحول من مجرد بيانات إلى قاعدة بيانات، و يعتبر إنجازها بهذا الوصف جهداً ابتكارياً و إبداعياً يستوجب الحماية.
ويُستمد الابتكار من طبيعة البيانات نفسها أو من خلال طريقة ترتيبها أو إخراجها أو تجميعها أو استرجاعها، وبناء على ذلك، فلا نتحدث عن الابتكار إلا إذا عكست قاعدة البيانات سمات شخصية لواضعها.
1. 1. 3 الأهمية الاقتصادية لحماية برامج الحاسب الآلى:
من المسلَّم به أنه لن يكون بإمكان دولة من الدول أن تظل بمنأى عن استخدامات الحاسب الآلى ولا عن ثورة تقنية المعلومات التى تجتاح العالم، وتفرز هذه التقنية المتطورة تحدياً قوياً أمام كل المجتمع بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والأمنية. ولا شك أن استخدام الحاسبات الآلية يوفر قدرة هائلة على تطوير كافة قطاعات المجتمع نظراً لقدرتها الفائقة على تخزين واسترجاع المعلومات فضلاً عن مزاياها الأخرى والتى تبدت أكثر باعتبارها الوسيلة الأكثر شيوعاً فى الاتصال بشبكة الإنترنت.
وتتمثَّل الأهمية الاقتصادية لحماية برامج الحاسب الآلى فيما يأتى:
1.ظهور مصر بمظهر الدولة الحريصة على توفير الحماية للمستثمرين والمبدعين, ولاسيما حظر قرصنة المنتجات الأجنبية خصوصاً في مجال الحاسبات سيعمل على تدعيم صورتها الحضارية.
2.اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الاستثمارات الوطنية, ذلك بجانب خلق جيل من المبدعين للاستفادة من ذلك كله في ظل مناخ اقتصادي تسوده المنافسة الحرة.
3.حماية الاستثمارات المادية والبشرية المستخدمة فى إعداد البرامج. حيث أن إعداد برنامج الحاسب يحتاج عادة لفريق عمل يقوم به من خلال مؤسسة تتكلف فى الأبحاث والدراسات الخاصة بهذا البرنامج ما قد يصل إلى عدة ملايين من الدولارات للبرنامج الواحد. لذا فإن تطبيق الحماية القانونية لهذه الاستثمارات يؤدى إلى تهيئة الجو المناسب للابتكار والإبداع. الأمر الذى سيحدّ من ظاهرة استغلال الشركات الأجنبية للمستثمرين الوطنيين عن طريق فرض أسعار باهظة وغير حقيقة نظير نقل التكنولوجيا المُتقدِّمة.
4.ترتبط بهذه المسألة مبدأ المعاملة بالمثل, حيث أن مصر لديها إبداعات فكرية تستغل خارج حدودها ويحصل المصريين نظيرها على حقوق مالية, ومن ثمَّ فمثل هذه الحماية للمصريين خارج حدود بلادهم لن يكون لها محل إذا كان المنتج الأجنبي لهذه الدولة غير مستفيد من الحماية في مصر, حيث ستمتنع دولته عن توفير الحماية للمصري.
5.جذب شركات البرمجيات العالمية للاستثمار فى مصر وما يؤدى إليه ذلك من توفير فرص العمل فى هذه الصناعة التى تعد الآن من أكبر الصناعات على المستوى العالمى.
6.دعم شركات البرمجيات المصرية ومجتمع المعلومات المصرى بصفة عامة بما يترتب عليه ذلك من نمو للصناعة المحلية فى هذا الصدد.
7.خلق فرص عمل فى القطاعات الموازية لقطاع البرمجيات. حيث أكدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "برايس واترهاوس" أن كل وظيفة فى قطاع صناعة برامج الحاسب فى دول العالم بما فى ذلك الدول المتقدمة تسهم فى إيجاد وظائف أخرى فى السوق المحلية مثل وظائف المساندة والتدريب والمبيعات والتوزيع والتسويق والاستشارات.
التطور التشريعى لحماية برامج الحاسب الآلى
يرجع العهد ببرامج الحاسبات الآلى وما يترتب عليها من قضايا إلى عهد قريب. لذا حاول البعض فى البداية إدخالها فى مجال الاختراعات المحمية بقوانين البراءات، غير أن المادة 52 من الاتفاقية الأوروبية الموقعة فى ميونيخ عام 1973 نصت صراحةً على استبعاد برامج الحاسب من مجال حمايتها، ويرجع ذلك من جهة إلى تجرد برامج الحاسب الآلى من أى طابع صناعى، ومن جهة أخرى إلى صعوبة إثبات جدة البرنامج لتقدير مدى استحقاقه للبراءة.
وفى وقت لاحق بدأت محاولات لحماية برامج الحاسب الآلى عن طريق نظام البراءات، غير أن هذا الاتجاه لم يلق قبولا خاصة من منتجى البرامج حيث أن اعتبار البرنامج اختراعا يؤدى إلى نشره فى سجل سنوى يطرح للتداول العام مما يترتب عليه ذيوع البرنامج وانتشاره وجعله فى متناول الكافة الأمر الذى يضر بالمصالح الاقتصادية لمنتجه.
ومن ثم اتجه الفقه مؤيدا بمصالح شركات البرمجيات إلى حماية البرامج عن طريق قوانين حماية حقوق المؤلف والتى تحمى الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف على مصنفه. خاصةً بعد أن وضعت منظمة الوايبو القانون النموذجى أو الإرشادي عام 1978 بشأن حماية البرمجيات،وقد أخذت اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية "تريبس" بهذا المفهوم حيث نصت المادة 1/10 منها على أن تخضع برامج الحاسب إلى أحكام اتفاقية برن لعام 1971 الخاصة بحماية المصنفات الأدبية.
ووفق اتفاقية تربس فان البرمجيات محل للحماية سواء كانت بلغة الآلة أم المصدر (م 10/1) ولمؤلفها كافة الحقوق المالية والمعنوية لمصنفات حق المؤلف إضافةً إلى حقه فى إجازة أو منع تأجيرها - شأنها شأن التسجيلات الصوتية والمرئية (م 11)، ويستثنى وفق هذه المادة حالة التأجير التي لا يكون فيها البرنامج الموضوع الأساسى للتأجير. وأما بخصوص مدة الحماية فإنها تمتد إلى 50 عاماً محسوبة على أساس حياة الشخص الطبيعي فان لم تكن كذلك فمن نهاية السنة التي أجيز فيها النشر أو تم فيها إنتاج العمل (م 12 تربس).
المفضلات