المبحث الأول:
مفهوم الغش نحو القانون
المطلب الأول :
ماهية الغش نحو القانون
تناول الفقه تعريف الغش نحو القانون فتناول الفقيه Martin Wolff الغش نحو القانون بقوله : "هو قيام الأطراف- في علاقة قانونية - الذين يرغبون باحداث اثار قانونية معينة مجظورة في القانون الذين يخضعون له بخلق تغيير بطريقة اصطناعية وغير طبيعية يؤدي الى تغيير ضابط الاسناد في العلاقة " (1)
وعرفه البعض بأنه " ذلك الدفع الذي يتمسك به في مواجهة الأشخاص لاستبعاد القانون الأجنبي الذي عمدوا إلى إخضاع تصرفاتهم إليه بخلقهم ظروفا خاصة تسمح بإسنادها إليه بدلا من القانون الوطني الواجب التطبيق أصلا و العمل بأحكام هذا القانون في النهاية "(2)
ويمكن تلخيص التعريفات التي تبناها الفقه في تعريف فكرة الغش نحو القانون بتعريف بسيط ملخص هو : ان الغش نحو القانون هو قيام اطراف في علاقة ما او شخصا يريد القيام بتصرف قانوني معين باتخاذ مظهر او القيام بعمل قانوني من شأنه تغيير ضابط الاسناد في العلاقة او التصرف المحكوم أصلا بالقانون الوطني او قانون غير الذي حددته قاعدة الأسناد بقصد التهرب من أحكام هذا القانون ، وسأتناول شروط الغش نحو القانون بموضوع مستقل .
بناء على ما سبق فإن الغش نحو القانون يكمن في تغيير ضابط الاسناد بقصد التهرب من احكام القانون الذي تخضع له المسألة من حيث الأصل ، وسأورد بعض الأمثلة لتوضيح هذا التعريف .
1. الزواج بين ابناء العم من الدرجة الأولى محظور وفقا للقانون الأسباني ، واللذان يريدان الزواج هما ابناء عم اسبانيين فيقومون بعقد الزواج في دولة كالأردن ، وتكون قاعدة الاسناد الاسبانية تحدد القانون الواجب التطبيق على الزواج قانون مكان الابرام مثلا ، فيكون هذا الزواج خاضعا للقانون الأردني بسبب تغيير الأطراف لظروف تؤدي الى تغيير ضابط الاسناد .
2.زوجان نمساوييان يعتنقون المذهب الكاثوليكي يرغبون بالطلاق المدني وانهاء رابطة الزوجية ، لكن قانونهما وهو القانون النمساوي لا يجيز لهما الطلاق فيلجئون لتغيير موطنهم او جنسيتهم فينتقلوا الى klausenburg في هنغاريا التي يبيح قانونها الطلاق ، فاستفادوا من القانون الهنغاري من خلال تحايلهم وتغيير ضابط الاسناد في القانون النمساوي . (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
1. Martin Wolff . Private International Law .second edition . page 140
that he defines the "Fraudulent creation of points of contact " : when the parties who wish to produce a certain legal effect forbidden by the law of country establish in an artificial and unusual way a point of contact in country where the law is favourable for
their purposes
2. المركز العربي الأوروبي لحقوق الانسان .(http://www.aechril.org/ar/index.php?...&id=213&
butt=5
Martin Wolff .previous reference .3.
المطلب الثاني
الطبيعة القانونية للغش نحو القانون
أتجه الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لفكرة الغش نحو القانون الى عدة اتجاهات :
1- فمنهم من أنكر وجود فكرة الغش نحو القانون أصلا معللين رأيهم بأن سلوك الشخص في تغيير ضابط الاسناد هو من الحقوق التي يمنحها اياه التشريع ، وعليه فكيف يتم ترتيب جزاء على فعل ليس ممنوعا أصلا بالقانون ما دام أن الشخص " المحتال على القانون " لم يضر بأحد .
فتغيير الجنسية أو الموطن على سبيل المثال هو من حق كل انسانالفإن اكتساب هذه الجنسية صحيح ومنتج لاثاره حتى لو قصد من وراءه نقل الاختصاص من قانون دولة الى قانون دولة أخرى (1)، فكيف نرتب جزاء عدم تطبيق القانون الذي تعينه قاعدة الاسناد نظرا لتغيير هذا الشخص لضابط الاسناد بطريقة مشروعة يجيزها القانون .
2- ويرى فريق اخر منهم أن فكرة الغش نحو القانون ما هي الا تطبيق لنظرية سوء استعمال الحق او التعسف باستعماله ، وعليه فإن الافراد أثناء ممارستهم لحقوقهم يجب عليهم ان يستعملوا هذه الحقوق بحسن نية ، لتحقيق اهداف مشروعة ، وبدون الأضرار بالغير ، فيتبين مما سبق أن " المتحايل على القانون " قد أخل بشروط استعماله لهذا الحق إذ انه لم يستخدمه بحسن نية وعليه فيكون ترتيب جزاء عدم تطبيق القانون الأجنبي الذي احتيل على القانون الأصلي من أجل تطبيقه موافقا للحق والعدالة .
3- اما الاتجاه الثالث فيرى أن لفكرة الغش نحو القانون طبيعة خاصة ، فهو يشكل اعتداء على القانون الدولي الخاص لكنه في نفس الوقت ليس تعسفا في استعمال الحق ، ذلك ان من شروط التعسف باستعمال الحق أن يؤدي الى الحاق ضرر بالغير ، وهذا لا يمكن تصوره في جميع حالات الغش نحو القانون ، فكما وضحت في الأمثلة السابقة في المطلب الأول لم يتم الحاق أي ضرر بالغير ولكن أدى هذا الفعل الى التحايل على قواعد القانون الدولي الخاص مما يثير مشاكل في شأن القانون الواجب التطبيق .
وأرى بأن الرأي الثالث هو الأصح ذلك أن نظرية استعمال الحق وعلى الرغم من تشابهها الكبير مع فكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص الا انها تختلف معه من عدة أوجه :
أولا : التعسف في استعمال الحق يرتب تعويضا للمتضرر ، ففي مجال الغش نحو القانون هل من المتصور تعويض المشرع عن هذا التحايل ؟ والجواب بالنفي طبعا .
ثانيا : أن التعسف باستعمال الحق من شروطه ان يلحق ضررا بالغير ، وهذا ما ليس بمتصور في مجال القانون الدولي الخاص على اطلاقه بل من الممكن أن يتم الغش نحو القانون الدولي الخاص دون أن يلحق أي اذى بالغير كما في الأمثلة السابقة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور مرتضى نصر الله - مباديء القانون الدولي الخاص التجاري - مطبعة النعمان1962
المفضلات